|
منهج النخبة المقاومة ومشروع التغيير
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5433 - 2017 / 2 / 15 - 17:47
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في زمن الأنهيارات الأجتماعية وأختلاط القيم والمحددات الضابطة لحركة المجتمع والفرد والحامية والمحصنة لهما واحدة من العلامات التي تؤكد شيئين متناقضين الثورة أو الفناء، سيكون ظهور العشوائية والتشتت الكينوني والشعور بالأغتراب والتهميش للفعل الثقافي والمعرفي والعلمي نتيجة حتمية في ينيان تجربة الإنسان الواعي أولا وتحديدا، من هنا يأت التركيز على الفوضوية كخيار للقوى الفاسدة كحل وحيد للأستمرار بمنهج التخريب المجتمعي وبالتالي تعميق الهوة بين الواقع وفعل الثورة في مسعى لأجهاض فعل الإنسان الخالق لظروف التغيير وعرقلة لمشروع البعث والنهضة، وليس هناك من أستراتيجية فاعلة في هذا المجال من اللجوء إلى التدين وأشاعة ما يسمى بالتأريخية القداسية والمقدس التأريخي طريقا لضرب الوعي المسئول وتحييد العقل عن مساره الطبيعي المفترض. لقد شكل التعاط الديني التأريخي المتناقض داخليا وموضوعيا في الفهم أو في الممارسة وتقسيم المقسم والمضي بعيدا في تغيب المغيب إمعانا في التجهيل المتعمد بسوء النية وحرمان وتحريم النقد الأجتماعي والمعرفي، واحدا من أخطر المناهج التزيفية التي تضرب الوعي الوجودي وتشل حركة العمل فيه تحقيقا لمبدأ (من لا يتعقل الوجود لا يمكن له أن يتغير أو يغير)، لقد عانت البشرية من تهافت المنطق الكهنوتي الفرضي بما فيه من قابلية النمو الوجداني ليس لأنه صالح بذاته وطبيعته، ولكنه يتعامل مع أسس النفس البشرية التي تخشى عاملي الخوف والشك والقلق من نكران أو محاولة معرفة إشكاليات التناقض بين الحياة كواقع وبين الحياة كهدف، لذا فليس من مصلحة الإنسان هنا أن يضع نفسه في أزمة أضافية قد تسبب له وحسب ما يعتمده المنهج الكهنوتي ويشيعه من مغبة تجاوز الفرض بوجود الكائن البشري على هامش طريق أخر هو الأصل وهو النتيجة التي يجب أن تكون. هذا التشخيص والتحديد ليس بالجديد والسؤال الذي يجب أن يدور ويطرح ما هي الأستراتيجيات التي يمكن بها مواجهة عملية الفوضى والتشتيت وتغريب الوعي الأجتماعي والفكري، السؤال وحده يشكل نقطة بداية جيدة ومفتاح للكثير من الأفكار التي يمكن من خلالها بناء منظومة تصحيحية تعتمد عكس الحالة الفكرية نحو التركيز على قضايا الوعي وعقلانية التحشيد المقابل، الحقيقة التي يجب أن تطرح أن المواجهة الفكرية هي الركيزة الأساسية في تخطيط المعالجة طالما أن أس المشكلة ومحورها هو تغريب الوعي وإشغال العقل في معارك جانبية، إن أستجرار الماضي وتقديمه على أنه الشرطي المهتم بقضايا المجتمع والقادر على ربط التوازن مضافا له مسحة قدسية كان السبب الأساس في حالة التراجع والنكوص، وهذا يستلزم حلا مقابلا بنفس الأدوات ويستخدم ذات الفكرة بتعرية هذا الأستجرار والتسخير. بداية العمل إذا لا بد أن يؤسس لمشروع ثقافي فكري حضاري يعتمد على الكشف عن أهمية الزمن براهنيته الحاضرة ومشروعه المستقبلي، ثم تجسيد هذه الرؤية بمنظومة فكرية فلسفية تقود العقل المشوش وتضبط حالة اللا توازن بين واقع متهرئ وبين هدف يراد له أن يناقض الواقع ويتغلب عليه من خلال منح العقل القدرة على النقد والأكتشاف والبناء المزدوج، نقض ثقافة الماضوية والسلفية المرتبطه به معرفيا من جهة والعمل على تقديم النموذج الأقدر على تصويب حركة المجتمع، القضية برمتها لا يمكن البدء بها دون فكرة أساسية تتلخص بأن المستقبل هو القادم وليس وظيفة الإنسان أن يجره أي الزمن إلى فكرته الخاصة أو الذاتية طالما أنه لم يعد أن يقدم ماضي جديد. السؤال الأخر من يمكنه أن يقدم هذه الرؤية ويعمل عليها والمجتمع عامة والنخبوي المثقف مرتهنا بحركة المجتمع والواقع وأشتراطات وهو أعزل من غير سلاح مناسب، الحقيقة أن المثف النخبوي والمعرفي والعلمي لا يمكنه أن يكون مرتهنا للواقع وفي أتعس الظروف الموضوعية التي يحشر فيها، من يتحرك الآن باسم النخبة ويتعامل ممثلا عنها ليس متاحا له أن يكون عنصرا متقدما في مجتمعه لسبب بسيط جدا أنه يعيش بسلام مع الواقع ومتصالح معه، النخبوي الحقيقي والمثقف صاحب الرسالة هو المحارب والمنبوذ من قيم المجتمع ومنتهك الحرية لأنه يمثل وبكل الحقيقة المشروع التغييري الذي تحاربه كل قوى الواقع الأجتماعي لأنه يشكل الخطر المتقدم. نحن أمام صنفين من النخب إذا جاز لنا التعبير، نخبة إنهزامية مصلحية تبحث لها عن مكان في تمجيد ومجد الواقع وتظهر بقوة ودون صدى ولا صوت حقيقي، ونخبة مضطهدة تملك المشروع التحريري وتصارع من أجل البقاء وهي تحمل كل جذور وبذور الثورة وتؤمن بمستقبلها، هنا نجح الواقع التأريخي المتلبس بالماضوية والقدسية بتحييد جزء كبير ومهم من المنظومة المعرفية والثقافية ونجح في جرها إلى تناقض وتنازع في المشروع وفي المنهج وفي تحديد الهدف، لكنها لا تدرك أن جذوة التغيير وبفعل العوامل الموضوعيه السننية التي أثبتتها التجربة الإنسانية أن طغيان التسلط لا يعني إلا بداية أنهيارها وإنكشاف عورتها، لأن قضية الصراع بين الماضي والمستقبل ليس بين النخبة والواقع، بل الواقع والزمن وأشتراطاته وأحكامه، ومن ينتصر في كل منازلة هو الزمن وحده والمستقبل الآت حتى لو تأخر في إثبات وجوده لكنه الحقيقة التي لا يمكن لأحد إلغائها. إن الشعوب الحية والتي تمتلك من الوعي بالضرورة ولو في جزء صغير منها هي القادرة على فرض الزمن القادم وتؤمن أن الماضي بغض النظر عن إنجازاته كان فعلا قد تم تجاوزه وأن الكثير من شواخصه وشواهده لا يمكن التعويل عليها أبدا في بناء نظرة ورؤية تتناسب مع المتغير الثابت الوحيد واقعيا، لذا فدور النخبة التغييرية ليس أفتعال الصدام مع المجتمع ومع من يطرح نفسه ممثلا عن نخبة الواقع، بل بكشف المسارات الممكنة والتي تقود إلى الطريق الأخر وأن تمضي متسلحة بحقيقة أن صراعها الأول هو مع نفسها كي لا تسقط في شراك وحبائل التحريف والتشويش والفوضى، وأيضا أن تؤمن أن طريقها ليس طريق مصالح ذاتية ولا منافع شخصية لأن الخسارة فيه تكون خسارة مركبة وقاتلة أحيانا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل نحن على مسافة واحدة بين الحب والكراهية
-
كلمات طائرة بلا أجنحة
-
عندما يصبح الوطن سجنا والحياة لحظة عبث
-
دماء على الأسفلت وأخرى تهاجر مع البحر
-
المثقف بين عسل السلطة ومرارة الواقع.
-
الحب وفصول ...... الربيع
-
هل الظلم ثقافة تكتسب أم سلوك طبيعي
-
تجربة الحياة والموت في حياة الإنسان
-
الإرهاب تأريخيا وأجتماعيا وقانونيا في دراسة أكاديمية
-
الوطن وأنت كاحمامة في لجة السماء
-
هل من خارطة طريق تنقذنا من القادم الكارثي؟
-
صراع الثور والطاووس، أمريكا وإيران على الخارطة العراقية
-
الموت والحياة وقصائد الشعراء
-
الدين والسياسة خلطة التأريخ القاتلة
-
رجل من تمر ... أمرأة من عنب
-
إشكالية العقل الديني والتطور
-
هل غادر الشعراء من متردم
-
رسالتي إلى السيدة الأولى
-
المفيد
-
العراق ... وتخاريف الصغار
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|