لماذا لايقدم وزراء مصر للمحاكمة ؟

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5433 - 2017 / 2 / 15 - 15:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

هل يمكن تغيير آليات الحكم مُـنتجة الفساد؟
هل ينطبق على مصرمصطلح (دولة فسادكو)؟
أعتقد أنه بعد انتشار الفساد فى وزارة التموين (خاصة موضوع توريد القمح بأرقام غير حقيقية) وبعد (انتفاضة) نواب البرلمان (وقــّـع أكثر من300عضو على مذكرة بسحب الثقة من الوزير) بسبب إقامته فى فندق سميراميس، وأنه (حسب اعترافه) دفع7ملايين جنيه خلال30شهرًا. ورغم أنّ هذا الرقم على عهدة الوزير، ولا أحد يعرف قيمة المبلغ الإجمالى الحقيقى، فإنّ سيادة الوزير وصف الصحفيين ورسائل القراء فى بريد الصحف وتعليقات الكثيرين على شبكة التواصل الاجتماعى ، أنّ كلامهم ((دليل على الحقد المُـجتمعى))
والسؤال الجوهرى فى هذا الأمرهو : من الذى أبرز هذا الحقد المُـجتمعى؟ وأليس لأي ظاهرة أسبابها الواقعية؟ ومن الذى حرّم على جماهير الفقراء رغيف الخبز؟ ومن الذى حرّم عليهم زجاجة الزيت وكيس الأرز؟ كل هذا تجاهله الوزير ساكن سميراميس، وشىء طبيعى أنّ ساكن سميراميس لا يشعربمعاناة ساكنى العشش والمقابر. وبعد أنْ انطلقتْ الحملة الشعبية والإعلامية ضده، فإنّ سيادته امتلك قدرة المُـغالطة وقال إنه يعمل (ليل نهار لصالح الفقراء) وكأنما هو يستعيد سيرة (فوشيه) القسيس الفرنسى الذى ظهر اسمه ولمع بعد الثورة الفرنسية1789، وادعى أنه جاء ليدافع عن (المساكين) وليهاجم (النبلاء) ورغم ذلك - كما كتب مؤرخو الثورة - وبقدرة (منظومة الفساد) التى تتلو (الثورات) أصبح (فوشيه) وزير داخلية الثورة. وأسّـس أول مدرسة للبوليس السرى. وبدأ فى جمع (الملفات) عن المواطنين (المشاغبين) للثورة. وبذلك تراكمتْ (ثروته) وعندما تولى نابليون بونابرت الحكم عزل فوشيه. ثم أعاده لوزارة الداخلية من جديد. وبعد أنْ تمـّـتْ الاطاحة ببونابرت ، فإذا بالحـُـكام الجدد يستقبلون فوشيه ويعينونه وزيرًا للداخلية. ثم جاء نابليون للحكم من جديد وأطاح بالنظام الموجود ولكنه احتفظ بفوشيه وزيرًا للداخلية. وكما استطاع فوشيه التعامل مع كافة الأنظمة، تصور خالد حنفى أنه سيُـدير وزارة التموين وهو جالس فى سميراميس. ولكن لأنّ القرن الحادى والعشرين غير القرن الثامن عشر، فإنّ سيادته ((بادر بتقديم استقالته))
ولكن مايجب التوقف أمامه وتحليله ما قاله قبل الاستقالة بأيام حيث قال: ((أنا حرُ أعمل اللى أنا عاوزه. وموش من حق أى حد يناقشنى)) قال هذا رغم علمه بتقديم 11 استجوابـًـا ضده (كان من المنتظر مناقشتها يوم الإثنين29أغسطس2016)
فإذا صحـّـتْ الأخبارعن أنه هو الذى ((بادر بتقديم استقالته)) فإنّ السؤال البديهى هو: ولماذا سكت عليه النظام الحاكم (وعلى رأسه رئيس الدولة ورئيس الحكومة) طوال مدة رئاسته؟ ولماذا لم يحدث أى رد فعل بعد جريمة/ فضيحة توريد القمح ، وبعد مأساة الحصول على رغيف الخبز، وبعد اختفاء زجاجة الزيت وكيس الأرز من بطاقات التموين؟ ولماذا - وهذه جرائمه تشهد عليه – يستمر فى الحكم لمدة30شهرًا؟ فمن الذى كان يحميه؟ ومن الذى كان يتستــّـرعليه؟ وأليس معنى ذلك أنّ الفساد فى مصر (شبكة كاملة) أو (منظومة متكاملة)؟ وهل يمكن استبعاد أنّ مافيا الاستيراد والتصدير فى حمايته؟ ولماذا لا يتصدى النظام الحاكم لهذه المافيا؟ ولماذا لايتـّـخذ أى إجراء لكبحها أو- حتى- تحجيمها؟ وألا يعنى ذلك أنّ الفاعلين والصامتين مُـستفيدون من منظومة الفساد التى طالتْ - ليس الفقراء الشرفاء فقط – وإنما طالتْ أصحاب الدخول الثابتة (من الشرفاء) لأنّ دخلهم يـُـسجـّـل هزيمة فادحة - كل يوم - أمام شراسة ووحشية ارتفاع الأسعار.
أما لو كانت الاستقالة بناءً على تعليمات (عليا) فلماذا كان هذا الموقف الذى يجعل من الوزير (بطلا) كما يحدث فى الأنظمة الوطنية، سواء فى أوروبا أو الصين أو اليابان؟ ولماذا يخجل النظام المصرى (طوال 60سنة حتى الآن) من استخدام مصطلح الإقالة؟ وألا يعنى هذا درجة من التعاطف مع الوزير الفاسد؟
ويتبقى سؤالان من توابع حكاية وزيرالتموين الأول : هل سيكتفى النظام الحاكم بالاستقالة؟ بمعنى هل سيتغاضى (أو يـُـطنش) بلغة شعبنا الأمى الحكيم فى أهازيجه البديعة، عن جرائم الوزير خاصة موضوع توريد القمح؟ والسؤال بشكل أوضح لماذا لايتم تقديم هذا الوزير للمحاكمة؟ وإذا اكتفى النظام الحاكم بالاستقالة فمن الذى يحمى هذا الوزير؟
أما السؤال الثانى فهو (صلب الموضوع) فهل وزير التموين القادم سيختلف عن السابق؟ وهذا السؤال يخرج من أحشائه السؤال الأهم: من الذى يختار الوزراء؟ وما (أوراق اعتماد) الوزراء الجـُـدد؟ وهل آلية (حجم ثروة الوزير قبل تعيينه) مازلتْ سارية؟ وإذا كانت سارية فهل يـُـعمل بها؟ وفى حالة وزير التموين خالد حنفى ، فإنه قال ردًا على موضوع سكنه الدائم فى سميراميس أنه كان يدفع (من جيبه الخاص) فما مدى مصداقية كلامه؟ وهل هو بالفعل لم يستغل وظيفته فى الثراء الذى مكــّـنه من ترك البيت والهجرة إلى سميراميس؟ وأليس ذلك يستدعى البحث عن أصوله الاجتماعية لمعرفة الحقيقة؟ وهل إقرار الذمة المالية كان به بيان بثروته قبل الوزارة؟ وهل – بالفعل - تتولى الجهات المختصة التحقق مما ورد فى إقرار الذمة المالية؟ أم أنّ هذا الإقرار مجرد حبر على ورق ونوع من (سد الخانة)؟
أعتقد أنّ معطيات الواقع الحالية تؤكد على أنّ آليات الحكم فى مصر أصبحتْ مثل الثوب المُـهلهل الذى شبع (ترقيع) ويجب التخلص منه. فهل الرئيس السيسى لديه إرادة التخلص من الآليات التى تـُـنتج الفساد؟ هذا هو السؤال الذى يحكم مُـقدرات شعبنا، وبناءً عليه فإنه بدون تغيير حقيقى وجذرى لآليات الحكم، وفصل السياسة عن المال، فلن تـُـطل على شعبنا تباشير الخير، وبالتالى ستظل مصر ضمن الأنظمة التى ينطبق عليها مصطلح (دولة فسادكو)
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات