|
هل نحن على مسافة واحدة بين الحب والكراهية
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5433 - 2017 / 2 / 15 - 09:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل نحن على مسافة واحدة بين الحب والكراهية
كل الأشياء التي تجعل الإنسان كائنا مميزا لها صلة في أنتاج المعرفة أو للمعرفة صلة في تفسير وتبرير هذه الأشياء، الحب مثلا إحساس قد يكون ظاهرا في الكثير من الكائنات التي تظهره في طبيعتها اليومية مث الحيوانات وحتى بعض النباتات ولكن لس الحب الذي يفهمه ويعيشه ويتسك به الإنسان، قد تكون غريزة الحب عند الكائنات الأخرى نوعا من طبيعية العريزة فقط ولا يمكن أن تعيشه أكثر من كونه منتج طبيعي فطري، أما الإنسان فتشكل قضية الحب عنده قضية معرفية يتداولها قبل وبعد، وجود الحب عنده ليس مجرد ظهور الأحاسيس المادية التي تتفاعل داخليا وخارجيا، بل تحرك فيه المعرفة وتحركه المعرفة بذات الأتجاه، أي أن العقل بوجوده الفاعل هو من يتحسس القضية وجوهرها قبل ما تكون مسألة مشاعر وأرتدادات فقط. الحب كما الكراهية لا تأت لمجرد أنها جزء من تركيبة الذات الإنسانية الطبيعية ولا هي أستجابة لمجرد الوجود، الحب بشريا كما الكراهة هي معرفة وممارسة معرفة، لذا فكل ما يبنى عليهما يكون جزء من نتاج الإنسان المعرفي المتوالد بالتجربة، لا أحد ينكر أننا كبشر نتفاعل مع وجودنا بالعقل الأولي عقل الفرز والتشخيص وإلا سيكون شعورنا بالحب والكراهية مجرد أشارة حسية خارج وعينا وإدراكنا، وهنا يفقد المعنى معناه ونتحول لمجرد أستثارة غريزية لا تفرق بين الأشياء ولا بين المواصفات أو الصفات أو المعاير أو حتى المجانسة، العقل هو من يقرر أن يحب أو يكره بناء على معرفة مسبقة بما يجب أو يشترط أو يكون، فلن تجد شخصا أحب أخر دون أن يعرف لماذا أحبه ولماذا أختاره أن يكون شريكا بهذه العلاقة. عليه فمن يحب هو من يقرر نتائج ما يريد أو يقرر شكلية التجربة ومسارها بناء على ألتقاء الحس الأخر أو الشعور الأخر إلا إذا كانت التجربة فردية ومحدودة أو ما يسمى بالحب من طرف واحد، هنا يكون الحب ليس مكون ناقص بل مكون غير قادر على إكمال الشرط فالحب يبدأ تاما ويبقى تماما دون النظر إلى شرطية بقاءه، ولكن في موضوع الكراهية هناك تفاوت في شكلية الشرط المكمل وليس المتمم، فالكراهية كما الحب تبدأ تامة وتستمر كذلك، لكن ولظروف منها ذاتية ومنها موضوعية ومنها ما يمكن أن يرد به الأخر تتوقف الكراهية عند حدود أو تتطرف لتتحول إلى رفض وإلى إقصاء وأحيانا إلى تحدي وتحدي مقابل. فيما يتعلق بالكراهية يكون للمعرفة دور أوسع ليس في بسطها وإنما في تطورها ونضجها وتحولاتها، فيما العكس نجد أن مجرد ولادة الحب تتحول القضية إلى تحكم أستشعاري أكثر مما هو تعليل عقلي وقيادة بالمعرفة، الكراهية أو الكاره حريص على ضبط كراهيته وفقا لمنهج أو طريق مختار ويبقى مراقبا ومسايرا ومغذيا عقلانيا لهذه السلوكية ولو أن مظاهر الحس في قضية الكراهية لا تتعدى الشعور بعدم القبول أو التقبل، إلا أن العقل هو من يسيطر ولخصيصة الكراهية ونتائجها وأرتداداته يلعب دورا قياديا بل وحتى حاسما في رسمها ووصفها أو المبالغة أو التوقف عند درجة ما منها، بالمقابل العقل المكروه قد يستجيب بإنفعالية وردة فعل أحيانا يفعل النقيض ولا يهتم معتبرا أن القضية ذاتية عند المقابل ولا يجب إدراتها من كلا الطرفين. نعود للجواب عن سؤال المقالة هل نحن على مسافة واحدة من مفهومي الحب والكراهية، من المؤكد أن الذوات البشرية تختلف في كل شيء ولا يمكن أن نجد ما يمكن أن يدلنا على حالة نطابق واحدة في وجهات النظر، لكن هناك حقيقة أخرى أن الناس أيضا يتقاربون في رؤيتهم لقضية الحب بأعتبار أن كل إنسان قد يمر بتجربة حب بمختلف دوافعها وأشخاصا إلا نادرا ما نجد أن هناك بعض الأفراد لأعتلالات شخصية أو للوقوع في ظروف موضوعية، قد لا ينجح في أظهار مشاعر الحب وأحاسيسه، وقد يعيشها مضمرة في وعيه العميق أو اللا مباشر، أما الكراهية فقد أختلف الناس في تحديد موقفهم موقعهم منها وإن كانت الدوافع الأساسية قد تكون متوفرة عند الغالبية للطبيعية التنافسية للحياة الوجودية للفرد، لكن يبقى التفاوت المعرفي والعلمي والأخلاقي هو الذي يباعد المسافات بين الفرد والأخر من جهة ومن موضوع الكراهية من جهة أخرى. الخلاصة التي نؤكد عليها هنا أن غياب الحب لا يعني أبدا نشوء طبيعي للكراهية، ولا غياب الكراهية يعني بالضرورة والحتم نشوء مؤكد للحب بين الناس، ويبقى موضوع كل منها متعلق بذاتية الفرد المعرفية أولا، وتحديد موقفه منها بناء على ما يتمتع بها من قيم و ضوابط عقلية ونفسية يتم على ضوئها حساب المسافات وحساب النتيجة ومنهجها، التأكيد على عقلانية الحب والكراهية هي لتمييز الكائن البشري عن غيره من الكائنات الحسية في تعاطيها مع جنسها أو مع مثيلها المستجيب بناء على مفردة العقل ونتاجه الطبيعي التجريبي المعرفي، وبذلك يمكننا مثلا أن نقول أن الإنسان الكائن الوحيد الذي يمارس الحب والكراهية بناء على المعرفة وليس بناء على الحس الطبيعي فقط.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمات طائرة بلا أجنحة
-
عندما يصبح الوطن سجنا والحياة لحظة عبث
-
دماء على الأسفلت وأخرى تهاجر مع البحر
-
المثقف بين عسل السلطة ومرارة الواقع.
-
الحب وفصول ...... الربيع
-
هل الظلم ثقافة تكتسب أم سلوك طبيعي
-
تجربة الحياة والموت في حياة الإنسان
-
الإرهاب تأريخيا وأجتماعيا وقانونيا في دراسة أكاديمية
-
الوطن وأنت كاحمامة في لجة السماء
-
هل من خارطة طريق تنقذنا من القادم الكارثي؟
-
صراع الثور والطاووس، أمريكا وإيران على الخارطة العراقية
-
الموت والحياة وقصائد الشعراء
-
الدين والسياسة خلطة التأريخ القاتلة
-
رجل من تمر ... أمرأة من عنب
-
إشكالية العقل الديني والتطور
-
هل غادر الشعراء من متردم
-
رسالتي إلى السيدة الأولى
-
المفيد
-
العراق ... وتخاريف الصغار
-
سوق المربد حيث تباع الكلمة بخسة ونخاسة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|