جلال مجاهدي
الحوار المتمدن-العدد: 5431 - 2017 / 2 / 13 - 21:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كما صرح بذلك العديد من الفلاسفة , فإن المهمة الأولى للفلسفة كانت و لا تزال تتمحور حول تقديم تفسير للوجود , السؤال الذي كان و لا زال يطرحه أي عقل بشري حول الوجود أي ما الوجود هو سؤال ارتبط لدى الفلاسفة القدامى بسؤال ما الماهية أو ما الجوهر حسب تعبيرهم حينذاك , هذا الارتباط الماهوي الذي يعني الارتباط الضروري بين أمرين لا يسوغ تصور وجود أحدهما دون الآخر , كان محور اهتمام الفلسفة الميتافيزيقية قديما و لازمها إلى العصر الحديث .
بالنسبة للفيلسوف الميتافيزيقي أرسطو فإن الإرتباط الماهوي هو ارتباط بين الماهية Ousia الميتافيزيقية أو تجاوزا الجوهر من جهة أولى وأصل الوجود من جهة ثانية و الظاهر الواقعي من جهة ثالثة , فبالنسبة لأرسطو فإن الصفات الظاهرة للوجود العام, ليست سوى أمورا غير قائمة بذاتها ,تتغير مع الزمان من شكل لأخر, بينما الماهية التي تنتمي لعالم الميتافيزيقيا و التي هي أصل الوجود فهي دائمة غير متغيرة .
هذه المحاولة لمنطقة تمثل الوجود , لم تكن الاولى أو الأقدم , فالأيونيين حاولوا أيضا تفسير الوجود و ذلك وفق المنهج القائم حينذاك و القاضي برد الكثرة إلى الوحدة , بحيث اختزلوا أصل الموجودات في العناصر الأربعة, التي هي الماء و النار و الهواء و التراب و أرجعوا أصلها إلى ماهية العالم المحايثة لها و بذلك كان تفسير أرسطو للوجود , متأثرا بهذه الفلسفة فأرجع أصل العالم إلى ما كان يسميه بالهيلولى الأولى المطلقة , إلا أن أرسطو لم يكلف نفسه عناء لبيان ما يقصده من مصطلح الهيولي المطلقة و ترك الأمر دون تعيين .
نفس الخلط بين الماهية و الجوهر و أصل الوجود نجده عند أفلاطون , فبالنسبة إليه الماهية و أصل العالم التي يسميها "مثلا" هي نفس الشيء , إلا أنه لم يكن يرد الكثرة إلى الوحدة ,حين اعتبر بأن لكل نوع من الأشياء مثال واحد و حين اعتبر بان الأشياء المحسوسة هي مظاهر مشوهة لعالم" المثل" المتعددة و المرتبة على شكل هرمي و الذي يحتل فيه مثال الخير مكانة القمة .
فلاسفة العصر الوسيط الذين تأثروا بفلسفة أرسطو و أفلاطون, هم أيضا سقطوا في خلط الماهية بالجوهر و بأصل الوجود , لكن حاول بعضهم تعيين و تعريف" المثل" أو "الهيلولي المطلقة" و هكذا يقدم توماس الاكويني تصوره للوجود و الموجودات على أساس أن الماهية هي التي تجعل الشيء شيئا موجودا في حالته المادية و أن الله و الملائكة "مثالين" وهما أساس العالم, في حين اجتهد الرازي فعين "المثل" في خمسة أمور هي المادة الأولى و الزمان و المكان و النفس و الله , في حين ذهب الشيرازي إلى اعتبار الوجود قائم بذاته لا موجد له و لا غاية له و لا سبب أما الماهية فهي أمر عقلي اعتباري .
الفلاسفة الميتافيزيقيين المحدثين ,استندوا على التراكم المعرفي لسابقيهم وهكذا يقرر ديكارت أن أصل العالم الذي هو" المثل" أو "الهيلولي" الأولى و التي قرر الفلاسفة من قبل , قيامها بذاتها لا بغيرها لا تنطبق إلا على الله فلا شيء يمكنه القيام بذاته و هكذا يقول في كتابه مبادئ الفلسفة " لا أحد سوى الله يكون هذا شأنه و ما من مخلوق يستطيع أن يوجد لحظة واحدة إلا و قدرة الله تسنده و تحفظه" و أن الله خلق العالم ثم تركه يتحرك بذاته , أما سبينوزا فقد ذهب إلى توحد الله و العالم الموجود حين اعتبر بأن الله كائن ممتد و غير محدود , في حين ذهب ليبنتز الى طرح مفاده وجود ماهيات أو جواهر متعددة بسيطة سماها بالمونادات و التي تتألف منها المركبات أي الأجسام المحسوسة وأن هذه المونادات تابته و غير فانية و لا تتغير إلا صفتها الخارجية بفعل الحركة التي مصدرها مجموع القوة المرادفة و المعرفة للمونادة و هذه القوى حسب رؤيته هي قوى روحية مدركة تتفاضل بينها و في أعلى مكانة نجد القوة المدركة الكاملة التي هي الكائن الأسمى , في حين كان جون لوك المعاصر لليبنتز يوظف مفهوم دليل الحدوث أو الجواز و الذي يستند إلى مترابطة مفادها أن العالم حادث و لا بد له من محدث و كان يفترض وجود جوهر موجد تستند عليه الأشياء و يستند عليه وجودها, إلا أنه صرح بأن ماهيته لا يمكن معرفتها .
كان ايمانويل كانط من جهته عن المدرسة المثالية الألمانية , يرى ضرورة الحاجة إلى الإيمان والأخلاق ولو لم يكن في المقدور البرهنة عليهما تجريبيا أو عقلياً , فكما أن في السماء قانون أعلى وجب أن يكون في النفوس قانون يضاهيه سموا ورفعة وأن مبادئ العقل هي التي تكشف للإنسان ما يجب أن يؤمن به ويسلك بموجبه تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه الكائن الأسمى مصدر العالم أيضا, بالنسبة لكانط الذي كان يفصل بين الدين و العلم و بين الفلسفة و الدين , فإنه حينما كان يتعرض للميتافيزيقيا كان يسعى إلى إدخالها في دائرة العلم , لذلك فإن نظرته للوجود تبقى نظرة ميتافيزيقية مهما قرر بأنها علمية بأن الوجود هو بذاته , أما بالنسبة لهيجل فان تفسير وجود العالم يرجع إلى الروح المطلق أو العقل الكلي و ما الأكوان بما اشتملت عليه سوى تجليات له , هذا الروح المطلق يبقى غير مفارق للعالم , إلا أن كلا من كانط و هيجل كانا يخلطان بين الماهية والجوهر و أصل العالم في تفسيرهم للوجود العام .
ادموند هوسرل في منهجه الفينومينولوجي الذي يعتمد على تعليق كل ماهو ذاتي و معرفي لبحث موضوع ما و على الرد الماهوي الذي هو معرفة ماهية الشيء عن طريق الحدس , أنكر وجود أية خلفية غير مرئية للوجود , فبالنسبة إليه فإن ما يظهر لنا من الشيء و صفاته هو كل الشيء و التعامل مع الواقع هو تعامل مع الظاهرة كما تظهر لنا .
مارتن هايدجر من جانبه , رفض التفريق بين الماهية و الوجود واعتبر الوجود هو الحضور , أي كل ما ينكشف للناس و أنه بلا أصل و هو مؤسس و لا أساس له أما ما لا ينكشف فهو معدوم و عرف الميتافيزيقا بالعدم .
كارل ماركس الذي زاوج بين هيجل و فيورباخ و نيتشه طور نظرة مادية صرفة للوجود , مقررا بأن المادة أزلية و أن لا خلفية ماورائية لوجود الكون الأزلي بذاته .
جون بول سارتر من جهته , كان يرى بأن وجود الموجود هو ما يظهر عليه و المظهر هو حقيقته و ماهيته و لا يحيل على أي شيء وراءه و الحقيقة الظاهرة هي الحقيقة المطلقة التي تظهر كما هي و الوجود متحد في ذاته مع ذاته .
بالنسبة لوايتهد فإن العالم يتكون من مجموعة من الكيانات الفعلية , التي هي الأشياء الحقيقية المكونة له و أن كل كيان و كل حادث هو في حقيقته متغير و متحرك بذاته و تجمعه بباقي الكيانات علاقات و تفاعلات, مما يجعل الكون مليء بالفاعلية و النشاط , وايتهد بتبنيه الفلسفة الميتافيزيقية التي يعبر عنها بالنظرية كان يريد جاهدا تقديم صورة كاملة عن الوجود بكل مظاهره الظاهرة و الخفية .
بالنسبة لفتكنشتاين الذي كان يرفض إخضاع الفلسفة للمناهج العلمية , حين كان يعتبر الفلسفة مجرد دينامية لتقديم التوضيحات فإن العالم بالنسبة إليه هو عبارة عن مجموعة من القضايا الذرية و التركيبات الذرية و هذه الذرات تستند على أشياء أصغر منها أقر بأنه لا يمكن معرفة ماهيتها و هو نفس الطرح الذي ذهب في اتجاهه روسل رغم بعض الاختلافات بينهما .
نقف الآن عند فتكنشطاين الذي وضع أصبعه على جرح الفلسفة و قدم تصورا عقلانيا لها , فبالفعل لا يمكن وصف مجموعة من النظريات و مجموعة من المقاربات بالعلمية طالما أننا لا يمكن لنا فحص جوهرها العلمي و هو الشيء الذي كان قد تنبه له المفكر النمساوي كارل بوبير كما سبق أن طرحته في مقالي " مساحة الفراغ بين الواقع و الادراك " http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=545852
و بالتالي فإن الفلسفة برمتها لا يمكن إخضاعها للمناهج العلمية , فهي أيضا تدخل في زمرة المعارف الإنسانية حسب التفريق الذي سقته سابقا في مقالي " العقلانية بين مفهوم العلم و مفهوم المعرفة "
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=545339
لذلك فإن المقاربات الفلسفية في نظري يتعين أن تتمحور حول مناهج عقلانية و في مقدمتها المنهج الذي يعتمد على القوة التفسيرية العقلانية التي لبعض المفاهيم و الفرضيات ,و التي تعتمد على إعمال مترابطات عقلية منطقية لتفسير الظواهر و كذلك الوجود و ذلك دون الدخول في الغيرممكنات العقلية التي يستحيل على العقل البشري معرفتها كالجواهر و الماهيات .
المترابطات المنطقية العقلية كيفما كانت لا يجب أن تنطلق من الفراغ بل إما من مسلمات عقلية أو من إعمال التضاد للفرضيات الممكنة بخصوص موضوع ما للخروج باستنتاجات عقلية منطقية , أو الجمع بينهما و كمثال على ذلك , ما سبق أن وظفته في مقالي الإلحاد سقوط في اللاعقلانية .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530867
#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟