أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - رد الى صديق كردي















المزيد.....



رد الى صديق كردي


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1431 - 2006 / 1 / 15 - 09:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في عدد الجريدة اليسارية الالكترونية "الحوار المتمدن"، يوم 7 كانون الثاني 2006، كتب الصديق الاستاذ ربحان رمضان، ربما متأخرا قليلا في "الوقت" الا انه غير متأخر في "التاريخ"، ردا على مقالي المنشور في الجريدة نفسها بتاريخ 24 تشرين الثاني 2005، بعنوان "الفأر الميت للمعارضة السورية"، الذي طرحت فيه بعض ملاحظاتي النقدية على وثيقة (بعض) المعارضة السورية التي سميت "اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي"، والتي اصبحت معروفة باسم "اعلان دمشق"، الصادرة في 16 تشرين الثاني 2005.
1 ـ وقبل ان ابدأ الرد على الصديق الاستاذ ربحان ارى من الضروري ان اقدم الملاحظتين التاليتين للمعارضة الوطنية الدمقراطية السورية:
الاولى ـ اننا نأخذ بالاعتبار ونقدر تقديرا عاليا جدا الموقف شديد الصعوبة لجميع المعارضين الوطنيين الدمقراطيين السوريين، الذين يرفضون ان يضحوا بالقضية الوطنية والقومية لاجل الدمقراطية السياسية الشكلية، ولا ان يضحوا بالدمقراطية الحقيقية التي هي أس أساس، اثبتت التجربة التاريخية انه لا وجود للوطنية الحقيقية بدونه. وتكمن صعوبة هذا الموقف في وقوع اصحابه تحت ضغط نارين في آن واحد هما: ضغط النظام الدكتاتوري الفاسد الفاشي العميل، باسم "الوطنية" المزيفة، وضغط الحملة الاميركية ـ الصهيونية للقضاء على الاستقلال الوطني لسوريا وتوجيه التغيير القادم في اتجاه فرض الهيمنة الاميركية المباشرة وغير المباشرة وتكريس الاحتلال الاسرائيلي، باسم "الدمقراطية" المزيفة. ونقول ذلك خشية ان تقع المعارضة الدمقراطية الوطنية السورية، كما غيرها، ضحية هذا الضغط المزدوج. فللاسف ان قطاعا واسعا من المعارضة العراقية السابقة، الاسلامية واليسارية والكردية وغيرها، في مواجهته للدكتاتورية الصدامية السابقة، ضحى بالاستقلال الوطني وسار في ركاب الاحتلال والخيانة الوطنية والقومية. وللاسف ايضا، وامام الهجمة الارهابية البشعة للنظام السوري ضد لبنان والشعب اللبناني، وتجاه اليأس من امكانية اجراء تغيير دمقراطي وطني حقيقي قريب في سوريا، فإن شخصية وطنية ودمقراطية مرموقة كوليد جنبلاط (ابن شهيد لبنان والامة العربية والانسانية جمعاء كمال جنبلاط) يدعو الاميركيين (في تصريحه الاخير للواشنطن بوست) لاحتلال سوريا كما احتلوا العراق. ولكننا نقول لجنبلاط (الذي لا نريد ان نصدق انه يريد حقا ما يقول) ولكل من يهمه الامر، إن تجربة العراق هي تجربة سلبية شديدة المرارة، ويجب ان تكون حافزا لا لحني الرقاب امام اميركا، والتوهم بامكانية "الضحك عليها"، بل للتحرك النضالي المكثف ولشق طريق تحرري ثالث في هذه المنطقة الاكثر اهمية في الجيوبوليتيكا العالمية، اساسه اللاءات الثلاث:
ـ لا لاميركا وتركيا واسرائيل!.
ـ ولا للدكتاتورية، اينما كانت!.
ـ ولا للتعصب الشوفيني، العرقي والديني والطائفي والعشائري!.
الثانية ـ في مقابل هذه الضغوط المركبة، فإن المعارضة الوطنية الدمقراطية السورية (مجتمعة، او بشخص أي جناح جدي من اجنحتها اليسارية او الاسلامية او حتى "الاصلاحية"، صغيرا كان او كبيرا من حيث الحجم) تمتلك موضوعيا "ورقة" مقرِّرة، ذات "قيمة" تاريخية حاسمة، وطنيا وقوميا واقليميا ودوليا، يمكنها بها ان تخلط و"تحرق" كل "الاوراق" الاخرى، وتزعزع الارض، في وقت واحد، من تحت اقدام النظام الدكتاتوري العميل، واميركا، وتركيا، واسرائيل، معا، وتقوض مرة والى الابد النظام "السايكس ـ بيكوي" السائد في المنطقة. وهذه "الورقة" هي: المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاحتلال الاستعماري للاراضي العربية السورية، بدءا من الاحتلال الاسرائيلي للجولان، وانتهاء بالاحتلال التركوعثماني للواء اسكندرون. لقد دام الاحتلال الاسرائيلي للارض اللبنانية 22 سنة، وسقط بالمقاومة. وها ان النظام السوري المأفون يقول للبنانيين (بشكل غير موثق رسميا) ان مزارع شبعا المحتلة هي لبنانية، ولكنه يمتنع عن تقديم الاوراق الرسمية الثبوتية للامم المتحدة، التي يؤكد فيها لبنانية المزارع، اي انه يريد من المقاومة اللبنانية ان تصطدم هي وحدها بأميركا واسرائيل وان تقاتل لتحرير مزارع شبعا، دون ان يتحمل النظام السوري اي مسؤولية، فيما هو في الوقت ذاته ينوي الاستيلاء على المزارع من جديد بعد تحريرها والادعاء انه هو الذي قام بـ"تحريرها". وها ان الجولان محتل منذ حوالى 40 سنة، واسرائيل اعلنت ضمه منذ 1981، والاسرائيليون يتنزهون فيه ويستمتعون بالاستحمام بمياهه المعدنية، لانه لا توجد مقاومة. وليس المطلوب ان يتم التحرير بعد شهر او سنة او عشر، هذا سيقرره التاريخ. المطلوب ان تبدأ المقاومة، وتستمر، رغم أنف هذا النظام "العروبي!" العميل. فهي، اي المقاومة العتيدة، التي ستقرر مصير الجولان، ومصير الاسكندرون، ومصير سوريا كلها. وكلمتها، اي كلمة تنظيمات المقاومة العتيدة المأمولة، ستصبح هي الكلمة الاعلى، فوق النظام الدكتاتوري، وفوق اسرائيل، وفوق تركيا، وفوق اميركا، وطبعا فوق كل الاذناب والعملاء، في الداخل والخارج، في النظام وخارج النظام، الى اي طرف انتموا. في الخمسينات، عودتنا سوريا على "البلاغ رقم واحد" للانقلابات المتتالية. ثم جاء حافظ الاسد واعلن "البلاغ قبل الاخير" واطلق شعار "سوريا الاسد" الذي اراده ان يكون "شاهدة قبر" لسوريا العربية البطلة، التي حولتها الدكتاتورية من "قلب العروبة النابض" الى "قلب العروبة الخامد". فمتى يصدر "البلاغ رقم واحد"، ولو بلغم فردي، او زخة كلاشنيكوف، او قذيفة ار بي جي، للمقاومة الشعبية السورية العتيدة ضد الاحتلال الاسرائيلي للجولان؟ مثل ذلك اليوم سيكون يوما "آخر" لسوريا وفلسطين والعرب، بل وللعالم اجمع!!
2 ـ اشكر "ابو جنكو" (وليسمح لي الاستاذ ربحان بأن اناديه بلقبه النضالي، الذي عرفته به مذ عرفته، قبل ان يصبح كنيته الابوية) لأنه "تجرأ" ورد على مقالتي، وحاز تقديري الاضافي حتى وهو يعارضني. واعتبر ذلك فعلا "رجولة" منه (وبالاذن من كل الاخوات المناضلات، فالتعبير هو معنوي، وليس فيه اي انتقاص من انسانية المرأة. وفي اللغة العربية قديما كان يقال رجلا ورجلة، كما يقال امرأ وامرأة. فالرجولة اذن، مثل المروءة، تعني الجنسين) ذلك اننا ـ على صعيد النقد، على الاقل ـ اصبحنا في مرحلة "اشباه الرجال وليسوا برجال". وهاكم بعض الامثلة الواقعية:
أ ـ لقد سبق ونشرت في "الحوار المتمدن" بتاريخ 25/6/ 2004 مقالا او تحليلا بعنوان "مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو"، وقد نشر المقال نفسه في مجلة "الاداب" اللبنانية في عدد اب من السنة نفسها. وفي هذا المقال اتهمت ـ فيما اتهمت ـ القيادة البكداشية بالتآمر للتخلص من فرج الله الحلو، هذا العلم الكبير من اعلام الحركة الشيوعية العربية والعالمية. ثم في 21/8/2004 نشرت، في "الحوار المتمدن" ايضا، مقالا او تحليلا عن انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني، التي انعكست على سلسلة الانشقاقات في الاحزاب الشيوعية العربية منذ ذلك التاريخ. وقبل نشر مقال "فرج الله الحلو" في مجلة "الاداب"، خشي مدير تحرير المجلة، الصديق الدكتور سماح ادريس، من ان السيدة وصال فرحة (بكداش)، او اي مسؤول شيوعي بكداشي، قد يمكنهم ان يرفعوا دعوى قضائية بخصوص اتهام القيادة البكداشية بالتواطؤ لتصفية فرج الله الحلو. وحسبما قال لي انه استشار محاميا بهذا الخصوص قبل نشر المقال في المجلة. وبعد النشر، ومن باب الاطمئنان، كما من باب الفضول الادبي والسياسي، سألت الدكتور سماح (وليسمح لي بأن إذيع بدون اذنه هذه "الاسرار المهنية") اذا كان احد من الرفاق الشيوعيين، بكداشيين او غير بكداشيين، اتصل به او علق على المقال، فأجابني ببساطة، بالنفي. وحتى الان ليس هناك اي تعليق لا سلبيا ولا ايجابيا على نشر المقالين، عن فرج الله الحلو وعن الانشقاقات في الحزب الشيوعي. في المتعارف عليه، ان السكوت هو علامة الموافقة. فهل ان جميع الرفاق الشيوعيين موافقون على ما جاء في مقاليّ المذكورين؟ لا أظن ذلك بالطبع. وسأكون غبيا بالمطلق اذا اعتقدت ذلك. وللمثال، التقيت في اواخر السنة الماضية في صوفيا بالاستاذ كريم مروة (الذي سبق لي وله ان ترافقنا في العمل سوية لفترة قصيرة جدا في جريدة "النداء" ببيروت، تحت قيادة المرحوم الشهيد فرج الله الحلو، حتى قبل استشهاده ربما بايام معدودة في 1959). وبالاستناد الى هذه اللمعة من الماضي "المشترك" بيننا سألت الاستاذ كريم "هل قرأت مقالتي عن فرج الله الحلو، التي نشرت في "الحوار المتمدن" و"الاداب"؟". فتردد قليلا، ثم قال بحذلقة: "اجل!". فتابعت السؤال "ما رأيك؟" فتابع الحذلقة "هناك بعض النقاط غير دقيقة!!". فقلت له "رد عليها!"، وختمت النقاش حتى لا ازعج خاطره اكثر، لدى الضيوف الذين كنا عندهم. وانا من هذا المنبر الاعلامي اتحداه واتحدى امثاله ان يردوا. ان فرج الله الحلو بدمه ولحمه وعظمه قد ذوب بالاسيد، وسوح في المجارير السورية، ايام ناصرية الشعارات الكاذبة التي كان يراد عكسها تماما مثل: "ارفع رأسك يا اخي" و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". وهو ـ فرج الله، مثل كل شهداء الحركة الشيوعية العربية ـ لن يستطيعوا بعد ان ينبسوا ببنت شفة. ودماؤهم ستبقى رخيصة على ادعياء الشيوعية، الذين لن يكلفوا خاطرهم بمجرد لفتة اهتمام بالشهداء، ولو كانوا في مستوى فرج الله الحلو. بل سيكتفون باستغلال تمثال او صور فرج الله الحلو ليرفعوها في المؤتمرات والاجتماعات الحزبية، ويتاجروا بدمه ودم الشهداء الغالي. اما الاستاذ كريم مروة فمشغول بأمر اهم: هو مشغول بمحاكمة لينين (اقرأ مقاله "يجب ان نحاكم لينين" المنشور في "الحوار المتمدن" في 25/10/2005). كريم مروة (اطال الله عمره)، الذي قضى ثلاثة ارباع عمره السياسي، يسرح ويمرح في بلدان اوروبا الشرقية ويتحلى ويتسلى على حساب العمال والفلاحين البسطاء والمثقفين الشرفاء الذين كانوا يؤمنون بأنهم يبنون الاشتراكية وكانت البيروقراطية الحزبية تخدعهم وتركب على ظهورهم، ثم عندما بدأت يقظة الجماهير الشعبية، وطالبت القيادات بتقديم الحساب، قامت البيروقراطية الحزبية ذاتها بخيانة احزابها واوطانها وسلمت رقاب شعوبها بكاملها الى الاميركان والمافيات والرأسمالية الجديدة التي سداها ولحمتها البيروقراطية الحزبية الخائنة ذاتها ـ اصحاب كريم مروة وامثاله. اجل، صدقوا: ان الاستاذ الكريم المروة يريد ان يحاكم لينين!. لينين، الذي كان ألد عدو للبيروقراطية، وكان يقضي ايام عطلته في "السبوت الحمراء" اي ايام العمل الطوعي مع العمال والكادحين، وكان يقول "اننا سنحول الذهب الى زينة للمراحيض"، وكان يرفض ـ حتى وهو مريض ـ تلقي الهدايا الشخصية (حتى سلة تفاح) وكان يحولها الى بيوت الايتام والعجزة. لينين، الذي كان اول ضحية للانقلاب الستاليني ـ البيروقراطي ـ الصهيوني على السلطة السوفياتية. لينين هذا يريد ان يحاكمه الاستاذ كريم مروة وأشباهه من الشيوعيين المزيفين الذين ساروا الى ما بعد ربع الساعة الاخير مع الستالينية؛ ثم ساروا الى ما بعد ربع الساعة الاخير مع البيروقراطية السوفياتية في كل عهودها؛ ثم ساروا مع الردة الصهيونية الغورباتشوفية حتى بعد اسقاط السلطة السوفياتية. وبهذه "المحاكمة للينين" يريد الاستاذ كريم مروة وامثاله من الشيوعيين المزيفين ان يبرئوا ساحة اصحابهم الغورباتشوفيين من خيانة لينين واللينينية والاشتراكية والوطنية؛ كما يريدون ان يبرروا السير في ركاب كونداليسا رايس وزلماي خليل زاده، باسم "تجديد" الماركسية. اما فرج الله الحلو، الذي كان معارضا للقيادة البيروقراطية السوفياتية في مسألة فلسطين وفي مسألة الوحدة العربية، ومعارضا لبكداش في مسألة الدمقراطية الحزبية، هذا الفرج الله الحلو... هذا "الشيوعي العربي" والاممي الحقيقي العملاق... فليرقد في سلام النسيان في مجارير سوريا الديكتاتورية.
ب ـ ان "ابو جنكو" هو المعارض السوري الوحيد الذي "تجرأ" على الرد على مقالي عن "الفأر الميت" الذي تمخضت عنه المعارضة السورية، والتي لا تزال تتمخض عن "فئران ميتة" اخرى، منها مقابلة المأفون عبدالحليم خدام لقناة "العربية" السعودية، في باريس، وقبلها "مؤتمر باريس" لـ(بعض) آخر من "المعارضة" السورية. وهو ما يذكرنا بـ"مؤتمر لندن" لما كان يسمى "المعارضة" العراقية، عشية الغزوة الاميركية للعراق.
ونتساءل: لماذا "المعارضة" العراقية تنطلق من لندن، و"المعارضة" السورية تنطلق من باريس؟
وجوابا نقول: قد نصدق ان جورج بوش، كما تقول عنه وسائل الاعلام، هو غبي في السياسة الخارجية، ولكن اجهزة السياسة الاميركية ككل (وعندها مستشارون مثل سبيغنيو بريجينسكي وشيمون بيريز وميخائيل غورباتشوف وسيرغيي خروتشوف ومحمد حسنين هيكل) ليست غبية، وهي تقرأ التاريخ. واميركا الان تريد توريط فرنسا في سوريا ولبنان، مثلما ورطت بريطانيا في العراق. انها اعادة انتاج جديدة، اميركية هذه المرة، لـ"سايكس ـ بيكو".
واذا كان مثل "ابو جنكو" قد تجرأ على الاعتراض على اعتقال المفكر الكردي كمال سيد قادر في برزانوـ طالبانستان، وتجرأ على قول رأيه (ولو ضدي) خارج الدائرة الاميركية السايكس ـ بيكوية، فهذا يعطينا بصيص امل كبير بامكانية وجود واثبات وجود المعارضة السورية "الوطنية" و"الدمقراطية" حقا وصدقا.
3 ـ يعترض الاستاذ ربحان (هنا ساسمح لنفسي قليلا بأن انسى ولو لبرهة انه المناضل "ابو جنكو") على تخويني للنظام الدكتاتوري السوري، وهو يصر على استبدادية وفسادية النظام، دون الخيانة الوطنية والقومية. و"يهمس في اذني" بأن "غالبية الفصائل الكردية تختلف معي في انها لم تخوّن النظام...". ولننظر بكل تجرد الى هذه النقطة المفصلية:
أ ـ من الجانب المبدئي:
ان التخوين هنا ليس تخوينا من باب النكاية السياسية في حوار او نقاش فردي. بل هو تقييم عام لطبيعة نظام سياسي قائم، به تعلق ويتعلق مصير الوطن، وأثر ولا يزال يؤثر تأثيرا جوهريا على مصير المنطقة بأسرها. فإذا كان تخوين النظام هو افتئات عليه، فإن هذا التخوين لن يؤثر عليه بل على العكس "سيقويه" ضد من يقول بتخوين غير واقعي. وعلى العموم فإننا نلاحظ ان "الورقة" التي تلعبها اجهزة النظام السوري هي على وجه التحديد "ورقة" "الممانعة" و"الوطنية" الكاذبة، من اجل تبرير الاضطهاد ضد القوى المعارضة الوطنية والدمقراطية والاسلامية، ومن اجل تغطية نظام العمالة والفساد والاستبداد من الفه الى يائه.
والشيء ذاته يقال عن "تبرئة" النظام، ضد الحقيقة والواقع، من الخيانة الوطنية والقومية. فهذه التبرئة، وخاصة حينما تأتي من قبل بعض فصائل المعارضة بالذات، هي التي كانت تقوي النظام اكثر من اي عامل سياسي اخر، بحيث كانت الانتقادات الموجهة ضد مظاهر الفساد والاستبداد تقتصر على الجانب الثانوي ـ الهامشي ـ المسلكي في طبيعة وجود هذا النظام.
وقد امسك النظام ذاته بهذه "الورقة" واخذ من حين الى حين يصطنع الاعلان عن الرغبة في "الاصلاح" و"التغيير" و"مكافحة الفساد"، ويسحب البساط، كما يقولون، من تحت ارجل المعارضة، ويحشرها في خانة "التواطؤ مع العدو" فيما لو لم تجاره في التدجيل على الجماهير الشعبية المسكينة وحقنها بمورفين "الاصلاح" بين فترة واخرى.
وكانت اكبر حفلة شعوذة سياسية، على هذا الصعيد، ما اشيع عن "ربيع دمشق" بعد مجيء الرئيس الوريث الدكتور بشار الاسد، في اعقاب تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، وما انتجه من اختلال جدي، لاول مرة في مصلحة العرب، في المواجهة العربية ـ الاسرائيلية. ومثلما دخل النظام الدكتاتوري السوري الى لبنان لتفجيره من الداخل وتطويعه لمصلحة اميركا واسرائيل، بعد اندلاع الحرب اللبنانية في 1975، فإن النظام ذاته يعمد الان الى تفجير الساحة اللبنانية من جديد، تمهيدا للقضاء على المقاومة ضد اسرائيل التي قامت على قاعدة الوحدة الوطنية اللبنانية. وكل ذلك خلف ستار "الدخان الابيض" لما سمي "ربيع دمشق" وامكانية "اصلاح النظام". ومرة اخرى، توضع شعارات "الاصلاح" و"التغيير" و"الدمقراطية" المأمولة، في سوريا، في خدمة الدور الاساسي للنظام الدكتاتوري السوري، اي دوره الخياني "اللاوطني" و"اللاقومي" واستخدامه كمخلب قط او مخلب اسد ضد القوى الوطنية والدمقراطية والمعارضة جميعا، وبالاخص لتفجير وضرب لبنان المقاوم والوطني الدمقراطي.
والآن نحن نقف امام خطر، وخطر جدي جدا، ناشئ عن المفارقة التالية:
I ـ ان يقوم النظام السوري ذاته بـ"حركة تصحيحية" ثانية؛ او ان يقوم "انقلاب ابيض" او "برتقالي" او "بنفسجي" او "مخملي" او "قطني" او "كاكي" الخ، على اكتاف "معارضة باريس"، والاخوان المسلمين، واخوان خدام، والفصائل الكردية المرتبطة بالبارزاني والطالباني واردوغان وزلماي خليل زاده، وواجهة "اعلان دمشق"، وان تجري "انتخابات دمقراطية" ـ على الطريقة المصرية الاخيرة ـ في سوريا، ويطلع علينا سيرك برلمان سوري متعدد الالوان يشبعنا ثرثرة وطق حنك بكل "دمقراطية"؛ وفي المقابل: ان تبقى اسرائيل في الجولان وفلسطين، وتبقى تركيا في الاسكندرون؛
II ـ وفي الوقت نفسه أن يتم، في مؤامرة اميركية ـ اسرائيلية ـ سورية ـ ايرانية ـ تركية مركبة، ذبح لبنان من جديد وتمزيقه في حروب طائفية وحزبية لبنانية ـ لبنانية وفلسطينية ـ لبنانية، وتنظيم "حفلة" اغتيالات وتصفيات واسعة للقيادات الوطنية والدينية والشخصيات والمؤسسات الاعلامية والثقافية فيه، وشطبه كبلد من خريطة الحركة السياسية في المنطقة.
فما هي قيمة هذه "الدمقراطية" الكرتونية التافهة التي سيربحها العرب (والاكراد) وشعوب المنطقة كلها، بقيام سيرك برلمان للثرثرة في سوريا، اذا خسروا لبنان، النموذج الاول للوطنية والدمقراطية في المنطقة، النموذج النقيض لجميع الدكتاتوريات العربية، من جهة، وللدمقراطية العنصرية الاسرائيلية، من جهة ثانية؛ و"ربحوا" استمرار وجود الكيان الاسرائيلي والدولة التركية، كقلعتين للهيمنة الامبريالية الاميركية على المنطقة.
ب ـ من الجانب "التاريخي":
ان النظام السوري يتستر زورا بحزب البعث. والحقيقة ان هذا النظام جاء الى السلطة اولا كانقلاب على حزب البعث ذاته، بوصفه حزبا ذا نشأة وطنية وقومية، وثانيا كانقلاب معاد للوطنية السورية وللقومية العربية، وممالئ للاحتلال الاسرائيلي خاصة، وللستراتيجية الاميركية في المنطقة عامة. وقد تم هذا الانقلاب على مرحلتين:
المرحلة الاولى ـ تسليم الجولان: قبل هزيمة 5 حزيران 1967، في شباط 1963، كان "البعثيون" الصداميون قد قفزوا الى السلطة في بغداد، ونظموا حمامات الدم ضد الشيوعيين والدمقراطيين في العراق، بمباركة اميركية. وفيما بعد اعلن المرحوم علي صالح السعدي (سامحه الله) الندم على ذبح الشيوعيين، واعترف مع غيره من القيادات البعثية "اننا جئنا الى السلطة في قطار اميركي". وفي هذه الاجواء، يبدو ان بعض "البعثيين" المزيفين السوريين، مثل الاسد وخدام، "استلموا الرسالة الاميركية"!. وكانت سوريا في اجواء حرب حقيقية مع اسرائيل خصوصا حول موضوع المياه، فحينما اندلعت حرب 5 حزيران 1967 قاموا بـ"تسليف" اميركا واسرائيل "موقفا تاريخيا!" يتمثل في تسليم الجولان بدون قتال، كـ"عربون" لتسليمهم السلطة في سوريا، وربما في الاردن ولبنان لاحقا. شخصيا لا ادعي اي خبرة بالشؤون العسكرية. ولكن من باب الفضول الوطني، قمت في تلك الاوقات بسؤال العديد من العسكريين المحترفين في المقاومة الفلسطينية، الذين يعرفون طبيعة الارض في الجولان، ومنهم المرحوم "ابو وفيق" الذي كان من قادة قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني، وكان من المع ضباط سلاح الهندسة، وله كتاب "الحرب الفدائية". ومن خلال الاسئلة والاجوبة علمت ان خط الجولان كان مجهزا على الطريقة السوفياتية كخط دفاعي ـ هجومي اشبه بالقلعة المستعصية، واقوى بأضعاف مضاعفة من "خط ماجينو" الفرنسي الشهير الذي يبدو امامه كلعبة. ودفاعيا كان مجهزا ليس ضد هجوم بمختلف انواع الاسلحة التقليدية فقط، بل وضد هجوم بالاسلحة الكيماوية والذرية الخ. وقد ابدى جميع من سألتهم، ولا سيما المرحوم "ابو وفيق"، استغرابهم الشديد لامكانية سقوط هذا الخط، وخاصة بالسهولة التي سقط فيها. ولكن خط الجولان لم يكن مجهزا ضد "سلاح" الخيانة الوطنية، الذي هو اقوى سلاح معاد للعرب بيد اميركا واسرائيل. وان خط الجولان ليس وحده الذي سقط بفضل خيانة "البعثيين" المزيفين؛ بل فيما بعد فإن موسكو نفسها، التي استعصت على جحافل هتلر المرعبة، سقطت امام "الدمقراطية" الاميركية، بفضل خيانة "الشيوعيين" المزيفين امثال غورباتشوف ويلتسين وشيفارنادزه وبطانتهم القذرة.
ومنذ سقوط الجولان في 5 حزيران 1967، بدأت تتشكل كتلة خيانية حول "ابطال تسليم الجولان" وعلى رأسهم الاسد وخدام، كان هدفها الانقضاض على السلطة في الوقت المناسب، بدعم اميركي.
المرحلة الثانية ـ "ايلول الاسود" و"تشرين الابيض": كانت هزيمة 5 حزيران 1967 بمثابة صدمة كبرى لحزب البعث. وبنتيجة هذه الصدمة برز فيه تيار وطني، قيادي وقاعدي، يدعو الى حرب التحرير الشعبية، وقام هذا التيار بتشكيل تنظيم "الصاعقة" الفدائي، الذي بلغ تعداده في بعض الاوقات ما يعادل او يزيد عن تعداد تنظيم "فتح" ذاته. كما تحولت سوريا الى قاعدة للعمل الكفاحي، بمختلف اشكاله الاعلامية والسياسية والعسكرية، لجميع المنظمات الفدائية، وفتحت الحدود السورية للعمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجولان اسوة بكل الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. وبدأ حزب البعث ينقسم بوضوح الى كتلتين: كتلة "ابطال تسليم الجولان" بدون قتال، وكتلة "حرب التحرير الشعبية" ضد الاحتلال.
وفي الظروف المأساوية لمجزرة "ايلول الاسود 1970" في الاردن، وقفت الكتلة الثانية بوضوح تام الى جانب المقاومة الفلسطينية في الاردن، ولكنها ارتكبت خطأ تكتيكيا فادحا وهو انها "استعجلت النتائج"، فبدلا من ان ترسل المتطوعين الشعبيين الفلسطينيين والسوريين والعرب الاخرين الى الاردن للانضمام لصفوف المقاومة (كما فعل الصينيون في حرب كوريا في مطلع الخمسينات، وفيتنام الشمالية في حرب فيتنام) لخوض حرب استنزاف طويلة، قامت بارسال لواء من الجيش السوري، هو اللواء المدرع الـ70، وكان ذلك خطأ مركبا يتمثل فيما يلي:
ـ انه يناقض مبدأ حرب التحرير الشعبية.
ـ ان القيادة الوطنية السورية حينذاك "خرقت الشرعية الدولية" بارسالها جيشا نظاميا عربيا لمهاجمة اراضي بلد عربي مستقل. وذلك ضد ارادة اميركا.
ـ ان تلك القيادة سجلت على نفسها "سابقة" خطيرة هي دفع جيش عربي لقتال جيش عربي شقيق آخر. (وفيما بعد كررت قيادة الاسد "الخطأ" ذاته، بدفع الجيش العربي السوري لمهاجمة القصر الجمهوري اللبناني والاشتباك مع وحدات الجيش اللبناني فيه التي كانت تدافع عن ميشال عون. ولكن قوات الاسد هاجمت بموافقة اميركا، التي تولت تأمين تغطية "شرعية دولية" للهجوم الاسدي).
ـ لم تحسب القيادة الوطنية السورية حينذاك حسابا واقعيا لامكانيات التدخل الاسرائيلي. فحينما تدخل الطيران الاسرائيلي ضد اللواء السوري المدرع الـ70، اصبحت هزيمته، بالقتال او الانسحاب، محتمة.
ـ كان لهزيمة اللواء المدرع الـ70 في الاردن تأثير كارثي على مصير احداث الاردن المشؤومة حينذاك.
واستغلت كتلة "ابطال تسليم الجولان" هذه "الفرصة الذهبية" لتأليب عدد كبير من الضباط المستائين من زج الجيش السوري بشكل فاشل الى جانب المقاومة في الاردن، ولتنقض نهائيا على السلطة، فقامت "الحركة التصحيحية" في تشرين بوصفها "الدخان الابيض" السوري لحرائق "أيلول الاسود" الاردني.
وهكذا فإن النظام "الوطني" و"العروبي" السوري هو "الابن الشرعي" لفعلتين منافيتين للوطنية السورية والقومية العربية:
الاولى ـ تسليم الجولان لاسرائيل.
والثانية ـ الوقوف ضد المقاومة الشعبية الفلسطينية والعربية وذبحها في الاردن، وغير الاردن.
4 ـ ان "تطمين" "ابو جنكو" لي بأن غالبية الفصائل الكردية لا توافق على تخوين النظام السوري له مدلولان:
المدلول الاول ـ ان الفصائل المقصودة لا تريد "توتير" العلاقات مع النظام الى حد اللارجوع، والاحتفاظ بـ"خط رجعة" او "شعرة معاوية" للمساومة مع هذا النظام.
المدلول الثاني والاهم، وبدون اي تشكيك مسبق بوطنية تلك الفصائل هو: انها لا تريد ان "تقطع" ايضا بشكل حازم وجازم مع الامبريالية والصهيونية. وكما نستنتج من كلام "ابو جنكو" فإن الفصائل الكردية المعنية لا تريد ان تكون "كاثوليكية اكثر من البابا"، "فلسطينية اكثر من الفلسطينيين" و"عربية اكثر من اصحاب العروبة" من امثال الانظمة العربية الزاحفة نحو التسوية مع اميركا واسرائيل، ومنها بالاخص النظام المعني اي النظام السوري، "البعثي" المزيف، الذي "تطور" من شعار "تحرير فلسطين العربية" الى شعار "التوازن الستراتيجي مع العدو" واخيرا لا آخر شعار "السلام العادل والشامل" مع اسرائيل برعاية ومباركة اميركا.
فيما مضى من تاريخنا الأليم، وحينما عزت القيادات العربية لقيادة الكفاح ضد الصليبيين، برزت قيادة الزعيم الاسلامي الكردي صلاح الدين الايوبي الذي لا يزال الاطفال العرب، جيلا بعد جيل، يعتزون به كـ"عربي اكثر من العرب" بالمعنى الحرفي للكلمة. وفي مطلع القرن العشرين برز ايضا اكراد مثل يوسف العظمة وابرهيم هنانو كـ"عرب اكثر من العرب" وكمفخرة لكل الاكراد والعرب. ولكن الاكراد، الذين اعطونا صلاح الدين والعظمة وهنانو وامثالهم من المفاخر لجميع المناضلين في جميع الازمان، اعطونا ايضا بدرخان بيك (جزار الاشوريين سكان العراق الاصليين)، واسماعيل الشكاكي (القاتل الغادر الذي اغتال بكل خسة "ضيفه" البطريرك الاشوري المار شمعون بالتواطؤ مع الانكليز الذين نقموا على المار شمعون بسبب تأييده للثورة الروسية)، ونوري السعيد وحسني الزعيم؛ وهم يعطوننا اليوم مسعود البارزاني وجلال طالباني. وانا بدوري "اهمس" في اذن "ابو جنكو" واقول له: "ان شعوبنا المقهورة، ومهما تعرضت للخيانات، لها قضية عادلة، فلا تحزن، ان الله معنا!". ولن يكون سلام عادلا، لا شاملا ولا جزئيا، لا مع العدو ولا مع عملائه القدماء والجدد. لأن العدو، الامبريالية والصهيونية والرجعية والرأسمالية الاحتكارية، لا يمكن ان تريد اي سلام، بل تريد سحق الشعوب واستغلالها ونهب ثرواتها واستعبادها. ومن يريد ان يعرف حقيقة الامبريالية والصهيونية لينظر في مصائر شعوب اوروبا الشرقية التي فتحت ابوابها لما يسمى "الدمقراطية" الغربية، فنهبوها وجوعوها واذلوها ولا يزالون، وهي تحتاج الان لتقديم اعز التضحيات وبذل جهود اجيال كاملة، للعودة الى المستوى الذي كانت فيه في "ساعة الصفر"، ساعة الاستسلام لـ"الدمقراطية" الغربية.
5 ـ بخصوص الموقف من المسألة القومية الكردية: يتأكد يوما بعد يوم، وبمزيد من التجارب المريرة، ان حل القضية الوطنية والدمقراطية الداخلية في اي بلد عربي، يرتبط ارتباطا عضويا بحل المسألة القومية العربية عامة، التي تتمحور حول التحرر الوطني الحقيقي من ربقة الاستعمار والامبريالية والصهيونية. فلا يتصورن احد ان الامبريالية والصهيونية يمكن ان تترك اي بلد عربي على حدة كي يسير في طريق التحرر والدمقراطية والتنمية. فالامبريالية كانت ولا تزال تنظم الحروب الدورية وسباق التسلح مع اسرائيل لاستنزاف البلدان العربية، وكانت ولا تزال تشجع الانظمة الرجعية والدكتاتوريات والتيارات والجماعات الطائفية والرجعية لإضعاف وتفكيك البلدان العربية من الداخل. وقد ذهبت ادراج الرياح "مشاريع" بناء الاشتراكية في اليمن الجنوبية، والتسيير الذاتي في الجزائر، وبناء مجتمع الدمقراطية الاجتماعية والاصلاح الزراعي ومكافحة الاحتكار في مصر وسوريا والعراق وليبيا. كما ذهب ادراج الرياح الى الان "مشروع" تحويل لبنان الى "هونغ كونغ" عربية. وحتى السعودية وبلدان الخليج الصديقة للغرب تقليديا، والتي تتمتع بميزة اقتصادية خاصة هي حيازة ثروة النفط والغاز الطبيعي وعائداتها الاستثنائية، يتم التآمر لزجها في النزاعات وضرب الاستقرار الداخلي فيها لمنعها من تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتقدم الاجتماعي المأمول.
وما ينطبق على البلدان العربية كأطر سياسية قطرية معترف باستقلالها وحائزة على الشرعية الدولية، ينطبق اكثر على القومية الكردية الشقيقة وغيرها من الجماعات الاتنية والدينية ذات الخصوصية. فلا يمكن تحقيق التحرر القومي وممارسة الحقوق والحريات القومية والدينية والفكرية، لأي قومية او اتنية شقيقة، بمعزل عن التحرر "القومي العربي" التام من الامبريالية والصهيونية.
ولكن للاسف ان هذه الحقيقة تضيع الان عن بعض الفصائل والقيادات والرموز الكردية، التي تعتقد ان مسايرة الاحتلال الاميركي والسير في ركابه، ضد العرب عامة، وفي العراق خاصة، يمكن ان يؤدي الى تحقيق الحقوق القومية للشعب الكردي. ونحن نسأل هذه الاطراف: اذا كان يخطر ببالكم، فهل يمكن ان تصدقوا ان اميركا يمكن ان ترضي الاكراد (اكرادها!) على حساب العرب (عربها!)، او ان ترضي الشيعة على حساب السنة ("عربها!" و"سنتها!") الخ الخ.؟ ما هي مصلحة الامبريالية الاميركية، التي تطمح للسيطرة على ثروات المنطقة، في ارضاء طرف وإغضاب طرف آخر، خصوصا ما مصلحتها في ارضاء اقلية ضعيفة على حساب اكثرية قوية؟ واذا اعتقد بعض الاكراد انه بالامكان ان تصبح اي كردائيل مفترضة، بمستوى اسرائيل وبمكانتها، لدى النظام الامبريالي العالمي، فهم واهمون جدا، لان اسرائيل وراءها قوتها الخاصة المتمثلة في الكتلة المالية اليهودية العليا العالمية وفي الصهيونية العالمية، التي تمثل جزءا اساسيا مكونا من الامبريالية العالمية، في حين ان كل المساحيق "الدمقراطية" الاميركية لن تغير شيئا في الطبيعة الرجعية للقيادة العشائرية الكردية، التي لا تكاد تمثل سوى شعرة مقرفة في ذيل التبعية للامبريالية الاميركية. و"اسرائيل الكردية" او كما اسميناها "كردائيل"، كما هي الان منطقة شمال العراق، لن تكون اكثر من قاعدة خلفية، عسكرية وسياسية واعلامية، للغزاة الاميركيين ولاسرائيل.
في اثناء وجود الحكم العثماني كان يوجد قوات كردية اسمها "فرسان الحميدية" نسبة الى "السلطان الاحمر" السفاح عبدالحميد. وفي اثناء الحكم الصدامي الفاشي كان يوجد قوات "كردية" عميلة للنظام، سمتها الجماهير الشعبية الكردية "الجحوش". والآن ليس سرا على احد، وخاصة على امثال "ابو جنكو"، ان كل اولئك "الجحوش" السابقين قد تحولوا من "الصدامية" الى "الزلمائية"، وهم ينضوون الان تحت لواء برزانوطالبانستان. وان كردائيل العراقية الحالية ليست، ولن تكون ابدا ـ في احسن الحالات ـ سوى "اسطبل فرسان زلمائية" او "زريبة جحوش زلمائية"، معادية لحركة التحرر الوطني العراقية، ولحركة التحرر القومي العربي والكردي معا. ونقول "زلمائية"، نسبة الى بارون المخدرات كلي الاحترام زلماي خليل زاده ـ سفير "الولايات المتحدة الاميركية" في "جمهورية عراكستان الدمقراطية الاميركية"!
6 ـ وفي هذه الظروف الصعبة لا بد لكل كردي شريف، ولكل عراقي، وايراني، وعربي، عاقل، ان يتساءل: ماذا يريد الاميركان في الوقت الراهن، من العراق ومن المنطقة كلها؟!
الجواب على ذلك ذو شقين:
الشق الاول: انهم يريدون البترول والغاز الطبيعي. لدى احتلال العراق، قام الاميركيون بحل الجيش وكل مؤسسات الدولة العراقية، ودمروا ونظموا نهب وحرق جميع الوزارات والادارات، ما عدا وزارة النفط. "وصلت الرسالة"!!
الشق الثاني: بعد البترول والغاز والثروات الباطنية والارض الجرداء، يبقى "الناس"، "المخلوقات". هؤلاء بالاساس لا حاجة للاميركيين بهم، ايا كانت قوميتهم او دينهم او مذهبهم. ومجرد وجودهم هو بحد ذاته "مشكلة" للاميركيين.
فماذا يفعل الاميركيون لحل هذه "المشكلة"، اي مشكلة وجود هؤلاء البشر "الفائضين عن الحاجة" حسب "قانون مالتوس" التعيس الذكر؟!
على هذا تجيب ـ من حيث تقصد مباشرة او لا تقصد ـ الكاتبة الوجدانية النبيهة حنان بديع في مقالها بعنوان "سؤال .. جوابه يقدر بالملايين؟" المنشور في "الحوار المتمدن" بتاريخ 6/1/2006، والذي يتمحور حول انسانية الانسان. في هذا المقال تتحدث حنان بديع عن "التطور العلمي" الذي يهدد بتحويل الناس الى فئران تجارب بشرية. وفي هذا المقال، ربطا بالسياسة الاميركية المطبقة حاليا في العراق، يوجد الجواب عما يريد الاميركان من شعوب المنطقة، وفي طليعتهم شعب صلاح الدين الايوبي، الذي "يحبه" بوش والصليبيون الجدد، مثلما كان الصليبيون القدماء "يحبون" صلاح الدين نفسه.
كان اختصاصيو "التربية" الجزويتيون (اليسوعيون) يقولون: "اعطونا ولدا دون السابعة من عمره، وبعد سنوات سنجعل منه ما تريدون: راهبا او متهتكا، شريفا او لصا، مسالما او مجرما، او اي شيء آخر".
والاميركيون يريدون الان ـ بالاستناد الى نظرية "التربية الجزويتية" و"الحقد الصليبي"، من جهة، والى "التطور العلمي" الذي تتحدث عنه حنان بديع، من جهة ثانية ـ ان يحولوا شعوب المنطقة كلها الى مجموعة "قرود بشرية" تتقاتل وتتذابح، بسبب وبدون سبب، عرقيا ودينيا ومذهبيا وعشائريا وحزبيا وسياسيا، على ان تكون ارسان الجميع، وفي مقدمتهم "الجحوش الكردية"، بيدهم اي بيد "الاميركيين"، حتى لو كان الاخيرون من فصيلة زلماي خليل زاده الافغاني الاصل. وفي هذا السياق لن يتورع الاميركيون عن ممارسة "الارهاب البيئي" على اوسع نطاق (راجع مقالة "كلمات عن الارهاب البيئي" للباحث الرصين يوسف عبداللطيف يوسف، المنشورة في "الحوار المتمدن" بتاريخ 8/1/2006). والواقع ان الاميركيين، في غزوهم للعراق، قد استخدموا مئات الوف اطنان اليورانيوم المنضب، وغير ذلك من الاسلحة والمواد الكيماوية الممنوعة والمحرمة قانونيا واخلاقيا، والتي لن تزول اثارها على التربة والمياه والنبات والحيوان والانسان لمئات الوف السنين (اي ان المقصود لم يكن نظام صدام، الذي لم يكن من المنطقي ان يعيش هذه المدة). والهدف هو القضاء التدريجي على بشر المنطقة، وخلق اجيال مشوهة جسدية ونفسيا، ونشر الامراض والعاهات الجسدية والنفسية الخ الخ، مما يسهل تماما تطبيق النظرية "التربوية الجزويتية" و"التطور العلمي" لاعادة الانسانية الى اصلها "القردي". (وهنا نشير الى ان الكثير من الباحثين يشككون بأن المختبرات العسكرية السرية الاميركية هي التي تطلق من حين لاخر بعض الامراض الوبائية، مثل الايدز والسارز والجمرة الخبيثة واخيرا انفلونزا الطيور. وقد "وصلت" هذه الانفلونزا مؤخرا الى تركيا، وهناك خطر جدي من "ايصالها" الى العراق، لابادة قسم كبير من العراقيين غير المرغوب فيهم كشعب، بحجة عدم وجود الحماية والوقاية الصحية الكاملة، طبعا بسبب "صدام").
لقد كان العراق جزءا اساسيا من هذه المنطقة الخيرة، الممتدة من الفرات الى النيل، والتي تعتبر مهد الحضارة الانسانية، من الابجدية الى علوم الفلك والجبر والهندسة والطب وغيرها، الى القوانين والحقوق والاخلاق والاديان.
و"أنبياء الشؤم" الاميركيون، من امثال هنتنغتون وفوكوياما، يتحدثون اليوم عن "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ". ومن الطبيعي ان يكون في رأس مهماتهم ـ لتحقيق "نبوءاتهم" الهمجية كشرط لتحقيق الهيمنة الاميركية على العالم ـ ان يعملوا اولا لتحويل منطقتنا من "مهد" الى "لحد" للحضارة الانسانية.
وبطبيعة الحال انهم لن يستطيعوا التوصل الى ذلك بالسرعة التي يريدون. الا انهم طبعا يستفيدون من دروس التاريخ: فعملية القضاء التدريجي على "رجل اوروبا المريض"، اي الامبراطورية العثمانية، استمرت من 1830 الى 1920، وتكريس تقسيمات سايكس ـ بيكو استمر من 1916 الى اواسط الاربعينات. وتكريس "وعد بلفور" استمر من 1917 الى 1948. والان يخطط الاميركيون لتحويل العراق، كحقل تجارب اولي، ومن ثم المنطقة بكاملها، الى منطقة موبوءة بيئيا و"مصحة مدمني مخدرات ومجانين طائفيين" و"حديقة حيوانات بشرية"، من الان وحتى نضوب النفط والغاز بعد بضع عشرات السنين. وحينذاك، حينما ينتهي النفط والغاز الطبيعي، ولا يعودون بحاجة للمنطقة، ماذا يمنع ان يفتعلوا فيها حربا ذرية وان يفجروا فيها بضع قنابل ذرية، بأية حجة كانت (طالما ان "الشرعية الدولية" بأيديهم واسرائيل وكافة انواع "الجحوش الاميركية" موجودة)، او يفجروا بضعة مفاعلات نووية، عن طريق "الخطأ" مثلا، كما فعلوا هم وعملاؤهم الغورباتشوفيون في تشيرنوبيل بالاتحاد السوفياتي السابق.
7 ـ وهنا نتوقف قليلا عند البارون زلماي خليل زاده، ودوره الرئيسي في العراق والمنطقة:
في مقالة للكاتب العراقي التقدمي رزاق عبود، منشورة في "الحوار المتمدن" ايضا بتاريخ 8/1/2006، يتساءل هذا الكاتب الرائع "من يحكم في بغداد، أزلام الطائفية ام السفير زلماي؟؟!". وهو يبرهن بالوقائع ان ازلام الطائفية العراقيين، كأزلام الشوفينية والطائفية والعشائرية اينما كانوا في اوطاننا ـ الضحية، ليسوا اكثر من عملاء ودمى ومجانين وسعادين يحركها الاميركيون، وان الحاكم الفعلي للعراق هو البارون زلماي.
ونحن نسمح لانفسنا ان نطلب من الاستاذ رزاق عبود ان ينبش قليلا في من هو زلماي، وما هي مهمته الاصلية في العراق، من ضمن مهامه كمفوض سام اميركي.
ان هذا الشخص "المسلم" و"الافغاني"، قبل ان يكون "اميركيا"، يستخدم مركزه الدبلوماسي كستار لمهمة هي ابعد ما تكون عن الدبلوماسية. فليس جديدا القول انه رجل المخابرات الاميركية، ومن ثم الموساد الاسرائيلية، بكل ما يعنيه ذلك من استخدام "الغطاء الدبلوماسي" للقيام بشتى المؤامرات ضد الدولة والشعب والمجتمع في العراق، وبمختلف الطرق "المشروعة" وغير المشروعة. ولكن هناك سؤال كبير وهو ان السفير السابق نيغرو بونتي كان ايضا رجل المخابرات الاميركية، ولكنه في الوقت ذاته كان دبلوماسيا من الصف الاول (كان ممثل الولايات المتحدة في الامم المتحدة). فلماذا استبدل دبلوماسي لامع كبونتي، بزلماي، الذي هو دبلوماسي مصطنع من الصفوف الخلفية تماما. الجواب هو ان زلماي هو من كبار بارونات كارتل المخدرات الاميركي الدولي الذي تديره المخابرات الاميركية عالميا. وشبكة مافيا المخدرات، الالبانية ـ التركية ـ الاسلامية، التي هي بقيادة الاميركيين، اخذت تزاحم وتحل محل الشبكة المافياوية الايطالية القديمة في اوروبا خصوصا. ومعلوم ان اكبر مزرعة افيون في العالم هي افغانستان. وبعد الاحتلال الاميركي لافغانستان زادت زراعة الافيون اضعافا مضاعفة. واصبح "همّ" التوزيع المشكلة الاولى للمخابرات الاميركية. وزلماي خليل زاده، بصفته وعلاقاته "الافغانية"، وبصفته وعلاقاته "الاسلامية"، هو حاليا "الرجل المناسب" في "المكان المناسب". ومهمته الثانوية ـ التمهيدية، هي الهاء العراقيين بعضهم ببعض ودفعهم لقتل بعضهم البعض وتدمير العراق كمجتمع وكشعب وكدولة. ولكن مهمته الرئيسية (من خلال سياسة "الفوضى البناءة" الاميركية) فهي بناء ومد الجسور من افغانستان عبر ايران الى العراق ومنه الى كافة البلدان العربية والاسلامية، ومن تركيا والبانيا وكوسوفو الى كافة البلدان الاوروبية، لبناء اكبر شبكة زراعة وتوزيع مخدرات في التاريخ العالمي. وهذه الشبكة هي "الجيش السري" ولكنه "الجيش الحقيقي القاضي (terminator)" الذي تهدف اميركا بواسطته الى السيطرة على العالم. انها "حرب الافيون العالمية"، التي تبدو معها "حرب الافيون" الانكليزية ضد الصين في القرن التاسع عشر "لعبة اولاد" صغيرة. وزلماي هو احد اكبر جنرالات هذه الحرب.
8 ـ من غيّـر مواقفه المبدئية؟: يلمح الاستاذ ربحان في مقالته النقدية الى انني، بسبب خلافات شخصية لا يذكرها مع بعض رموز الحركة الكردية، غيرت مواقفي المبدئية من القضية القومية العادلة للشعب الكردي الشقيق. ولكنه لا يستطيع، ولن يستطيع، ان "يبرهن" هذا التلميح، لسبب بسيط: هو انه ليس انا من غير موقفه من القضية القومية العادلة للشعب الكردي الشقيق. بل بعض الرموز الكردية، التي لا زلنا نكن الاحترام والتقدير لماضيها ونتأسف عليها في الوقت الحاضر، هي التي غيرت مواقفها المبدئية. ومع كل وفائنا لاخلاقيات الصداقة، على المستوى الفردي والشخصي، لا ينتظرن احد ان نجاري اي ردة مبدئية ووطنية وقومية لأي كان. واقدم فيما يلي مثلين مؤسفين اشد الاسف:
الاول ـ قبل الاجتياح الاسرائيلي في 1982 تعرفت في بيروت الى المناضل العراقي الشيوعي الكردي بهاء الدين نوري. وقد حاز احترامي الشديد بطبيعة الحال. ومن جهتي قدمت له خدمة بسيطة وهي مساعدته في طباعة كتابه بعنوان "والراية ترفرف"، الذي يتحدث فيه عن بعض ذكرياته النضالية، التي هي جزء من التاريخ البطولي للحزب الشيوعي العراقي. والآن، وبحجة محاربة الارهاب المشبوه الذي هو في الحساب الاخير صناعة اميركية بامتياز، يقف بهاء الدين نوري الى جانب الاحتلال الاميركي ويدبج المقالات (في "الحوار المتمدن" مثلا) دفاعا عن استمرار وجود الاحتلال. وهو ـ اي بهاء الدين نوري ـ "يتنزه" في كردستان العراق، جنبا الى جنب الموساد والسي آي أيه وبحمايتهم ومباركتهم. فسبحان الذي يغير ولا يتغير!!!
والثاني ـ "صديق العمر" الاستاذ صلاح بدرالدين: لقد تعرفت الى "ابو لاوند" في مطلع السبعينات، بعد لجوئه الى لبنان، وكان يقف على رأس تيار يساري كردي، يعارض القيادة الرجعية اليمينية الكردية، التي ينبطح الان امامها، وكان يعارض خاصة علاقات تلك القيادة مع الانظمة العميلة في ايران الشاه وتركيا ومع اسرائيل (وهو اول من اخبرني بوجود رجال الموساد في شمال العراق، وبأن جلال الطالباني قام بزيارة سرية لاسرائيل)، وكان يدعم الاخوة العربية الكردية والقضية الفلسطينية والوطنية اللبنانية والقضية التحررية العربية عامة، ويعتبر الكفاح ضد الامبريالية والصهيونية حجر الاساس في حل القضية القومية الكردية، جنبا الى جنب حل القضية القومية العربية والقضايا التحررية للشعوب الشقيقة في المنطقة ككل. واني اتمنى ان يكون "ابو لاوند" لا يزال امينا لهذه المبادئ التي بنى عليها رصيده السياسي والثقافي السابق. ولكنني من خلال ما أقرأ له ( مثلا في "الحوار المتمدن") ارى انه تغير جذريا، واصبح يرقص على الإيقاع الاميركي مثله مثل بهاء الدين نوري وبعض الشيوعيين السابقين العراقيين وغير العراقيين، الذين يعتقدون في دخائل نفوسهم انهم شديدو الذكاء ويمكنهم ان "يضحكوا على اميركا" ويستخدموا الدبابات الاميركية لاشاعة "الدمقراطية" ثم يستغنوا ببساطة عن خدماتها!!!
9 ـ قصة المديح بغير مناسبة: "يتهمني" العزيز ابو جنكو بأنني كنت امدح بعض الرموز الكردية بمناسبة وبغير مناسبة. وهي تهمة لا اساس لها من الصحة، بل هي قصة معكوسة تماما، واليكم الحكاية:
اولا ـ انا لم ـ ولن ـ امدح احدا، كائنا من كان. واذا تحدثت ايجابيا عن تيار او حزب او شخصية نضالية او ثقافية، فذلك من باب التقييم الموضوعي، وليس التمجيد الذاتي والشخصي.
ثانيا ـ بخصوص الشخصيات الكردية لم اتحدث اعلاميا الا عن الاستاذ صلاح بدرالدين، وذلك في مقدمتي لكتابين من كتبه، اولهما كتاب "الاكراد، شعبا وقضية". وكان كلامي عن الكاتب في كل مقدمة، في السياق الطبيعي لتقديم الكتاب. وهذا امر طبيعي. ولا شك ان موقفي من صلاح بدرالدين تلك الايام، من خلال مواقفه وكتاباته، كان موقفا ايجابيا، وقد اخذت على عاتقي الدفاع عنه ضد التهجمات الشوفينية العربية ولا سيما من قبل جماعة السلطة الدكتاتورية السورية وغير السورية، وكذلك الدفاع عنه ضد اليمين الرجعي الكردي. والاستاذ صلاح، وابو جنكو وغيرهم من الرفاق، يعلمون تماما انني كنت تحت نوعين من الضغط: 1 ـ تهديدات جماعة الشوفينية والدكتاتورية العرب. 2 ـ الاغراءات المالية لجماعة اليمين الكردي. ولكنني، من اجل القناعات المشتركة التي كانت تجمعنا، لم اخضع للتهديدات، كما ولم استسلم للاغراءات.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كان الاستاذ صلاح بدرالدين يزمع اصدار كتاب ثالث له عن "النظام الدولي الجديد". وقد طلب مني ايضا ان اكتب له مقدمة للكتاب، فوافقت بطيبة خاطر. ولكنني من خلال قراءتي لمواد الكتاب رأيت انه لم يعد حاسما كالسابق في الموقف من الامبريالية الاميركية والصهيونية. واصبت بالحرج: فلا انا اريد ان "اقطع" مع مثقف يساري كردي مرموق وذي تاريخ نضالي كصلاح بدرالدين. ولا اريد في الوقت ذاته ان "أبلع" الطعم "الدمقراطي" الاميركي الذي كان هو قد ابتلعه او على وشك ابتلاعه. فكتبت له مقدمة "ملغومة"، اركز فيها على الدور الامبريالي العالمي لاميركا، وعلى الدور الرجعي والاستعماري الخطير لتركيا واسرائيل في المنطقة، وعلى ان الوحدة الكفاحية التحررية للعرب والاكراد يمكن ان تلعب دورا تاريخيا في تحرير شعوب المنطقة والعالم من ربقة الامبريالية واسرائيل والصهيونية والرجعية التركية. وحاولت ان أشد "ابو لاوند" الى تأييد هذا الموقف بالتحديد من خلال المقطع الاخير في المقدمة وهذا نصه حرفيا: "ان التصدي لاوضاع الردة الراهنة، والارتفاع الى مستوى المصلحة القومية ـ الانسانية العليا، تقتضي نهضة قومية جديدة، عربية، وكردية، تتجاوز الحدود القطرية المصطنعة، التي كانت وبالا على شعبينا. وهذا هو الهدف الذي يضعه نصب عينيه صلاح بدرالدين، المثقف الكردي الذي يقدم البرهان على ان الاخلاص للعروبة، وللقضية الكردية، هما وجهان لقضية تاريخية واحدة. ومثل هذه النهضة هي الشرط لاستعادة الدور التاريخي المفقود للمثلث الشرقي الكبير، ولبناء نظام دولي جديد وحقيقي.".
ولكن للاسف فإن الاستاذ صلاح بدرالدين، الذي لا اشكك بذكائه، لم "يبلع" بدوره "الطعم" الذي ألقيته له. واصدر الكتاب، بدون علمي، بدون المقدمة. ولم يكلف الاخوة الذين تولوا النشر انفسهم "مشقة" ان يرسلوا لي ـ حتى الان ـ نسخة من الكتاب. وقد علمت بالصدفة ان الكتاب صدر بدون المقدمة، فسألت المسؤول عن النشر في بيروت (الاخ س.ع.) عن سبب عدم نشر المقدمة، فأجابني ان الاستاذ صلاح هو الذي اراد ذلك وقال له ان مقدمتي "غير مناسبة". ولكن احدا لم يفاتحني بتاتا لماذا هي غير مناسبة. وانا، من حقي، ان افهم ان الاستاذ صلاح لم يكن موافقا على التوجه السياسي الوارد في تلك "المقدمة" غير المنشورة، ولم يكن بالتالي يريد الالتزام به. وهذا شيء يخصه، ولا يضيرني شخصيا، ولكن يبعث في نفسي الاسى والمرارة على الطريق الخاطئ الذي سار فيه الاستاذ صلاح بدرالدين بدعم الخط الامبريالي الاميركي بحجة نشر "الدمقراطية" المزيفة.
ثالثا ـ يبقى ان اقول كلمتين عن مسألة "المديح" بحد ذاته: في اواسط سنة 1995 فوجئت بالمقدمة ذاتها تنشر على قسمين في العدد الرابع والخامس من نشرة "الدائرة" التي كان يصدرها ابو جنكو في النمسا. وذلك بدون علمي ايضا. وهنا يمكن ان يوجد التباس، حينما يقرأ احدهم المقدمة بصيغة مقال، ويرى اسم صلاح بدرالدين مذكورا فيها، فيمكن ان يعتبر ذلك "مديحا". ولكنه في كل الاحوال "مديح" في غير محله. فلا انا كتبت مقالا عن صلاح بدرالدين، بل مقدمة لكتاب لصلاح بدرالدين، ولا صلاح بدرالدين موافق على ما ورد في مقدمتي والا لنشرها في الكتاب. وقد نشرت المقدمة كمقال، بدون علمي. ولا اجد لذلك وصفا سوى وصف "نصب ادبي"، كنت انا ضحيته. وهنا يتحمل ابو جنكو مسؤولية غير مقصودة، إذ ربما يكون الاستاذ صلاح قد سرب له "المقدمة" المرفوضة من قبله، على انها مقال مرسل لنشرة ابو جنكو، التي لم اكن اعرف بوجودها. والان اصبحت انا الملام، ويعاتبني ابو جنكو على انني كنت امدح صلاح بدرالدين. ولا اجد والحالة هذه مناصا الا ان اعتذر امام جميع القراء عن هذا "المديح" في غير مكانه الصحيح.



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحكمة الدولية ضرورة وطنية لبنانية وضمانة اولا لحزب الله
- المخاطر الحقيقية للوصاية على لبنان والمسؤولية الوطنية الاساس ...
- حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان
- ؛؛الوفاق الوطني؛؛ اللبناني ... الى أين؟؟
- ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميرك ...
- -الفأر الميت- للمعارضة السورية
- العالم العربي والاسلامي ودعوة ديميتروف لاقامة الجبهة الموحدة ...
- هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاق ...
- الحرب الباردة مستمرة بأشكال جديدة بين -الامبراطورية- الروسية ...
- حرب الافيون العالمية الاولى في القرن 21: محاولة السيطرة على ...
- هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟
- أسئلة عبثية في مسرح اللامعقول
- الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة
- القيادة الوطنية الجنبلاطية والنظام الدكتاتوري السوري
- القضية الارمنية
- سوريا الى أين؟
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق2
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق
- وماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - رد الى صديق كردي