أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - عالم ترامب المٌكوَّر















المزيد.....

عالم ترامب المٌكوَّر


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5429 - 2017 / 2 / 11 - 19:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عالم ترامب المٌكوَّر
جعفر المظفر
خلال الإسبوع الأول من رئاسته سبق السيد ترامب أعداءه في بناء حاجز نفسي بينه وبين الكثيرين. بالنسبة لهؤلاء أصبح كل ما يقوله ويفعله خطأ حتى لو أنه وضع توقيعه على ديباجة مشروع كان قد أعدها سلفه وخصمه السابق أوباما. لا أحد حتى من بين أشد أنصاره كان ينتظر منه الشروع فورا في تنفيذ بنود خطابه الإنتخابي, فالمواطن الأمريكي الذي أعطى صوته لترامب كان مستعدا لتقدير حجم الصعوبات التي تواجه في العادة تنفيذ الرؤساء الجدد لوعودهم الإنتخابية, في حين ظن العديدون أن براغماتية ترامب سوف تغريه حتى بالتخلي عن تنفيذ بعض وعوده فيما لوتبين له مقدار ما ستواجهه من ردود أفعال.
لقد كان بمقدور ترامب أن يستمتع بأيامه الأولى في البيت الأبيض متحاشيا إثارة الزوابع, لكن الرجل الذي لم يتعرف بعد على الطريق المؤدية إلى مكتبه شرع على الفور في تنفيذ برنامجه الإنتخالي مبتدئا بالقضايا الخلافية ذاتها.
ليس كل ما يقوله السيد ترامب هو خطأ, لكن الطريقة التي يتحدث بها أصبحت تثير الحنق إلى درجة أنها خلقت إستعدادا لرفض أكثر ما يقوله, أو حتى ما سوف يقوله,. ومع ذلك فإن علينا أن نفتش عن الرجل خارج مساحة تسييس خصومه, وأن لا نقترب منه من خلال ثغرة هلعنا الذاتي, أو نستهين بالوقائع التي جعلت منه رئيسا. ثمة الكثير, أو المهم, مما علينا إكتشافه. الإعلام من جهة والديمقراطيون كذلك, ومعهم نسبة لا بأس بها من الجمهوريين انفسهم, مع جملة من تمترساتنا الذاتية تجعلنا نسقط عيه الصورة المعادية بنمطية مفزعة.
لا بأس أن يكون المسلم الأمريكي ضد ترامب إنطلاقا من إعتقاده أن سياسة هذا الأخير لا تخدم أمريكا, شأنه في ذلك شان المسيحي الأمريكي أو اليهودي أو اللاديني او الملحد. إن عليه أولا أن يقنع الآخرين أنه لا يٌفصِّل المصلحة الأمريكية على مقاسه, وسيجد نفسه, وهو يقف ضد سياسة ترامب, من قضية المهاجرين مثلا, أنه لا يفعل ذلك من باب إنحيازات فئوية أو قومية. الواقع أن هناك مساحة واسعة كي تكون خصما لترامب دون أن تجعل نفسك تلقائيا خصما لأمريكا ذاتها, وأنا هنا أوجه كلامي للمسلم الأمريكي, خاصة لأولئك المتخاصمين مع الإسلام السياسي أو مع التضليل الديني والثقافة الموروثة المتهرئة.
وقبل أن نلجأ إلى نظرية المؤامرة وإلى ثقافة المظلومية فهي فرصة لنا لكي نتعرف بوعي وتجرد على أخطائنا ونقف بشجاعة ضد تلك الأخطاء. ما يقوله ترامب ضد الإسلام السياسي وضد الثقافة الإسلامية التي تفرخ الإرهاب هو أقل بكثير مما نقوله نحن, بل لعله لا يشكل واحدا بالمائة مما نكتبه يوميا ضد إسلامنا السياسي وجاهليتنا الدينية, لكننا, هكذا فجأة, أصبحنا معتزين بالإثم, وغير مستعدين حتى لوقفة نقد. فنحن مطالبون أيضا بوقفة دفاع إيجابي تمكننا على أن نكون جزءا من مجتمعات إحتصنتنا بكل ترحاب ومدت لنا يد العون, وإذا كان من حقنا أن نقف ضد ظاهرة الإسلاموفوبيا فإن من واجبنا أيضا أن نفعلها بشكل إيجابي, اي بالطريقة التي تعطينا ما لنا وتوجب علينا ان نعطي ما علينا.
في خطاب التنصيب لا يتورع الرئيس الجديد أن يهاجم على مرأى ومسمع من الملايين كل رؤساء أمريكا السابقين المشاركين في تكريمه من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء متهما إياهم بأنهم ليسوا أكثر من بياعي كلام, أما إغلاقه الهاتف في وجه رئيس وزراء إستراليا فيكشف أننا أمام رئيس لا يعترف بالأصول الدبلوماسية, كما يكشف طلبه من المكسيك تغطية نفقات الجدار الذي ينوي إقامته على الحدود بين الدولتين عن حقيقتة كرجل حانق ولديه مخزون كبير من الغضب الذي ينوي صبه على الرؤوس.
ترامب نفسه يؤكد أنه جاء من خارج عالم السياسة, ولقد كان ممكنا تفسير ذلك على أساس ما يمثله من رفض لعالم واشنطن الخلفي حيث يتم طبخ القرار في مؤسسات تقليدية مشتركة هي اقوى من أن يستطيع أي رئيس منتخب ان يخرج على إرادتها. الأمر بحد ذاته يحظى بتأييد الكثيرين الذين ضجروا من حكم العائلات التي باتت تتناوب على الحكم. في هذه المسألة بالذات أصبح ترامب مرشحا تاريخيا لإعادة أمريكا السليبة من أحضان الأرستقراطية الحاكمة المتناوبة على الحكم والثروة إلى أحضان الفلاح الأمريكي الأبيض الذي بدا يشعر أن قطار العولمة تجاوز على مصالحه, بينما أمريكا نفسها باتت معرضة لأن يستولي عليها الغرباء المهاجرون تحت عناوين ليس بمقدورها أن تضمن لأولادهم مسقبلا مقنعا.
لو كان على الوردي حيا لما أضاع فرصة إدخال معركة الرئاسة الأخيرة في مساحة الصراع بين البداوة والحضارة, حيث تقف الأنتلجنسيا المدينية التي جمهعا خطاب العولمة في واد, بينما يقف في واد آخرأصحاب الرقاب الحمراء خائفين من ضياع العربة الأمريكية في العالم المسطح, وهو عالم صنعته قوى إقتصادية وثقافية لم تتمكن على المواءمة بين المصالح الوطنية والضرائب التي بات على أمريكا أن تقدمها على حساب هذه الرقاب. كل ذلك كان مقابل دور عالمي قيادي صار من الضروري مراجعة الحاجة إليه بعد عالم ما بعد الحرب الباردة.
السيد ترامب لم يأتِ من فراغ ولم يسقط من الفضاء, وما يقولونه عن عقلية تاجر العقارات قد يكون مفتاح نجاحه لدى الشعبويين الذين يكرهون كلام السياسيين المنمق, فالرجل يقولها على بلاطة, ومن لا يعجبه ذلك يمكنه المبيت في الشارع. بهذا فهو يتحدث بنفس لغة الفلاح الأمريكي التي تكونت لغة المدينة خارج مساحته, ولم تعطِ إهتماما لإهتماماته. وحينما يقول في خطاب التتويج إنها ليست نقلة سياسية تقليدية بل هي خروج السلطة من يد واشنطن إلى الشعب فهو بهذا يكشف إلى حد بعيد عن عمق الصراع الذي تراكمت حيثياته وعجز السياسي الأمريكي التقليدي عن إدراك إسقاطاته. أما نحن فقد تصورنا انه يقول ذلك من باب الجهل, وفات علينا رؤية أن هناك صراعا قد تراكم خلال عقود بين مفهوم الشعبوية ومفهوم النخبة, وأننا صرنا أمام نمط جديد من الرفض الذي لا يصلح ان يفسر نفسه من خلال ثقافة مؤطرة بتراكمات سلفية لم يسمح لها التطور السريع أن تتبلور بشكل كافٍ.
إن أولئك الأكاديمين الذين يَدْرسون التاريخ ويٌدَّرسونه قد يفعلون ذلك من خلال مقاييس وفراجيل أصبحت قديمة, والمشكلة أن التاريخ نفسه صار يسير بخطوات أسرع بكثير من خطوات الأكاديميين الذين يكتبونه الأمر الذي قد يخلق تفاوتا كبيرا بين ما هو في الكتب وبين ما هو على أرض الواقع.
لقد كانوا نائمين على أسرة (الثينك تانك) الوفيرة بينما كان هو يتابع الإنفجارات في عمق الريف الأمريكي وفي فورة المهزومين من تداعيات العولمة التي جعلتهم يغادرون المدن التي إبتنوها مرغمين لصالح أصحاب البشرة السمراء والصفراء الآتين من خارج المحيطات. في كثير من مراكز المدن الأمريكية بات الأمريكي غريبا عن بلاده. في نيويورك, أكبر المدن الأمريكية, صار يمكن ملاحظة أن الأمريكي الحقيقي هو الغريب فيها, ولقد حدث ذلك في كثير من مراكز المدن الكبيرة الأخرى.
والمشكلة الحقيقية أن ذلك كان حدث سريعا وكأنه غزوة قد تمت بليل على حصان طروادي يسمى العولمة, أما نحن المهاجرون الجدد فإقتنعنا أن المساواة بمجرد أن تكون قانونية فهي ستكون في على الفور ثقافية وإجتماعية أيضا, فرحنا نظن أن الحق الدستوري يعفينا دفعة واحدة من مترتبات المواطنة الحقيقية. وبكل صلافة, وحتى وقاحة, رحنا نستعرض عضلاتنا الدينية في الشوارع والمنتزهات حتى بتنا نؤكد على أن أوروبا على الأقل ستكون بلادا للمسلمين خلال فترة لن تتجاوز العقد او العقدين, على أن تتبعها أمريكا بفترة قصرة, لا لسبب إلا لفرق التوقيت.
كل ما فعله ترامب أنه قدم أمريكا إلى العالم بدون مكياج. المؤسسة التقليدية فعلت العكس, أثقلت المكياج كثيرا حتى صار صعبا رؤية وجه أمريكا الحقيقي, والسيد ترامب بات يرى أن أمريكا المتعبة باتت تنوء تحث ثقل مكياجها السميك. أما نفقات مساحيق التجميل فصارت مرهقة للخزينة. قد يكون أوباما مثقفا, لكن ذلك بالضبط مكمن ضعفه. لقد أثقلت كتبه وشهاداته القانونية خطواته ولم يعد بإستطاعته الذهاب مباشرة إلى الهدف, وهو والديمقراطيين ظلوا يعتقدون أن مساحيق التجميل ما زالت ضرورية.
والسيد ترامب يعلن أنه جاء من خارج عالم السياسة. لقد كان ذلك واحدا من العناوين الرئيسة التي نجح في تسويقها أثناء حملته الإنتخابية. نجاحه هنا يعبر عن وجود خلل كبير في عمل المؤسسة السياسية الأمريكية بشقيها الجمهوري والديمقراطي.
في حقيقة الأمر كلا الحزبين كانا قد خسرا الحملة الإنتخابية الرئاسية. الجمهوريون هم الذين أعلنوا في نهاية الأمر إستسلامهم للترامبية التي تمثل في حقيقتها ظاهرة أتت من خارج اللعبة السياسية نفسها التي يشكل الجمهوريون حاليا أغلبية تشكيلاتها, وهم الذين يعلمون تماما أن إختلافهم مع الديمقراطيين هو إختلاف على المناهج لا على المبادئ, في حين يقف ترامب في طرف الإختلاف على المبادئ لا على المناهج وحدها, فالعالم الذي صنعته المؤسسة السياسية ليس عالمه, فهو ما زال يرى العالم, من على سطح برجه, كعالم مكور.
تاجر العقارات هو غير صانع الألكترونيات. بإمكان الأول أن يضاعف ثروته دون أن يغادر نيويورك أو شيكاغو, أما الثاني فتبدأ لعبته حينما يكون بإمكانه أن يرى ابعد نقطة في الأرض. حينما يسافر بحرية ويتاجر بحرية ويعقد صفقاته بحرية. إن عالم الإلكترونيات هو غير عالم العقارات. الأول يهمه جدا أن يكون العالم مسطحا حيث يمكنه أن يدير من دبي معمله في وادي السليكون, أما الثاني فبإمكانه أن يضاعف ثروته دون أن يضطر لمغادرة نيويورك ولو شبرا واحدا.
ما يحدث في أمريكا أكثر بكثير من إنتقال سلطة بالطريقة التقليدية, وهو لم ياتِ بمعزل عن تحولات بنيوية في العمق الأمريكي. إنه في حقيقته صراع بين عالم مسطح خلقته العولمة وبين عالم يريد ترامب إعادة تكويره. وإن من الطبيعي ان عملية إعادة تكوير العالم سوف تٌسقط قوى ومواثيق وتجمعات وتحالفات كان العالم المسطح قد ألغى التحدبات بينها.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا أولا
- حول كتابة التاريخ العراقي السياسي المعاصر
- كتابة التاريخ على الطريقة الأرخميدسية
- ترامب .. إن غدا لناظره قريب.
- جواد سليم في واشنطن
- ما أروع أن يكون رجل الدين علمانيا
- لماذا تقاتل روسيا في سوريا
- أعياد الميلاد وصناعة الفرح
- القائم من موته كي يورثنا الفرحة
- أمريكا.. البحث عن عبدالله إبن سبأ
- العلمانية في العراق .. قضية وجود أم قضية تحضر
- ملحدون تكفيريون
- عن الحشد الشعبي وتقنينه وقدسنته.
- حكاية الشرف الذي تغار علية صحيفة الشرق الأوسط ويدافع عنه منت ...
- عدو صادق أفضل من صديق منافق
- مع ترامب .. تعالوا نتحدث عن الأسماك
- النفوذ الصهيوني والإنتخابات الأمريكية
- الحسين والمرجعية الدينية وقضية تحرير نينوى
- كيف تكون ملحدا في أسبوع
- ترامب وخطاب الكراهية ضد المسلمين


المزيد.....




- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...
- مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل ...
- القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت ...
- الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - عالم ترامب المٌكوَّر