|
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 17
موفق كمال قنبر وفي
الحوار المتمدن-العدد: 5428 - 2017 / 2 / 10 - 16:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (17)
د. موفق كمال قنبر وفي
المحادثة السابعة عشر:
واصلت حديثي بعد الاستراحة: قلت ان المسيحية انقسمت او تشضّت الى آلآف الطوائف أكبرها الكاثولوكية التي كانت الدين الرسمي للأمبراطورية الرومانية التي تسيطر على بقاع واسعة من العمورة ... وقد ساعد على هذا التشضّي الخلاف حول طبيعة المسيح الالهية – الانسانية ، اضافة الى العامل الجغرافي نتيجة انسلاخ اجزاء واسعة عن الامبراطورية الرومانية ، فقمعت جماعات وحركات فكرية كثيرة بأعتبارها هرطقات ولكن بعضها عاش ليكّون طوائف مسيحية كبيرة. وكان من اكثر تلك النحل تأثيراً في عهد الامبراطوية الرومانية هو النسطورية ، نسبة الى القسيس مار نسطورس " الذي آمن بالثالوث الأقدس لكنه اعتقد أن الابن الموجود مع الله منذ الأزل هو غير يسوع ، وأن هذا الابن الأزلي قد حلّ في شخص يسوع عند عماده وبالتالي فقد علّم نسطور وجود شخصين في المسيح واحد بطبيعة الهية والاخربطبيعة بشرية ودعا العذراء والدة المسيح وليس والدة الله". قال السيد خالد: هذا ما يقوله القرأن الكريم. قلت: لأن الفكرة مأخوذة من نصارى الجزيرة العربية وهم على هذا المذهب وهي تناسب فكرة التوحيد الخالص الذي جاء به الاسلام ... واصلت حديثي: من اجل حل هذه المشكلة الدينية ، اي هل ان يسوع ابن الله ام انه عيسى ابن مريم ثم حل به المسيح الذي كان مع الله ، فقد امر الامبراطور المجمع المسكوني بعقد مؤتمر في أفسس (تركيا) سنة 431 م كان من اثره أن حرّم المذهب النسطوري سأل قيس: ولماذا حرّم النسطورية وحلل الاخرى التي تقول ان المسيح ابن الله؟ قلت: تصور نفسك في مكان هذا الامبراطور الذي يريد ان يستخدم الدين لأسناد سلطانه المطلق فماذا تختار؟ هل تختار ان يكون المسيح هو ابن الله مما يجعلك ممثل ابن الله على الارض ام تختار ان يكون المسيح ابن مريم؟ ردّ قيس: سأختار ان يكون المسيح ابن الله. قلت: هذا ما فعل الامبراطور فأصبح كذلك اول بابا للمسيحية الكاثولوكية ... تابعت جديثي: تعرض اتباع نسطورس الى اضطهاد شديد وتشتت من بقى منهم في انحاء نائية. فأحتضنتهم الامبراطورية الفارسية الساسانية المعادية للرومانية ، وأقام النساطرة الكنيسة السريانية الشرقية في سلوقيا عاصمة السلوقيين قرب طاق كسرى. ونظرا لطبيعة المذهب النسطوري التبشيري الفعّال فقد انتشر في العراق والجزيرة العربية وبلاد فارس والهند حتى وصل الى الصين ومنغوليا وكوّن اكبر الطوائف المسيحية انذك ، ولكنه تراجع وتقلّص اثر سقوط الامبراطورية الساسانية واثر الاحتلال المغولي للامبراطورية العباسية التي تمتعوا فيها بحمايتهم وتكريمها لعلمائهم ، ولم ييق منهم إلّا القلّة بعضهم في تركيا واظن ان البعض الاخر في العراق بين قومية الاشوريين في نينوى. وفي اجتماع اخر في سنة 439 اُقرت نظرية البطريرك كيرلس الأول الاسكندري في أتحاد الطبيعتين في طبيعة واحدة. ولكن هذه العقيدة تمت معارضتها في روما والقسطنطينية ، اللتين دعتا إلى مجمع آخر سنة 451 هو مجمع خلقيدونية كان من نتيجته حصول الانقسام الثاني في الكنيسة فتشكلت عائلة الكنائس "الأرثو دكسية المشرقية". شكّل أصحاب الطبيعة الواحدة أو المونوفيزيون قاعدة شعبية كبيرة في مصر والحبشة وأرمينيا وبدرجة أقل في سوريا وعانوا من شتى أنواع الاضطهاد على يد الإمبراطورية البيزنطية لكن الاضطهاد لم يأت بالثمار المرجوة بل عمّق الشرخ الحاصل في الإمبراطورية بين الفئتين. ويرى الكاتب فؤاد السواح "أن عدد من المسيحيون العرب دعموا عملية الفتح ، خصوصًا الغساسنة والمناذرة ، وكذلك فعل المسيحيون السريان. يُذكر أن بطريرك النساطرة قد سافر إلى المدينة المنورة طالبًا من عمر بن الخطاب الإسراع في احتلال العراق ، في حين أن سكان المدن السورية على نهر الفرات فتحوا أبواب المدن مهللين للفاتحين الجدد". قال الاستاذ بهنام: أجد هذا الكلام بعيد عن التصديق فكيف يسعى بطريك مسيحي لأحتلال بلاده من قبل مسلمين؟ قلت: يجوز ان حدث هذا فرسالة الاسلام كانت غير واضحه للمسيحين العرب وبدت لهم انها تعترف بالمسيحية من جهة ومن جهة اخرى فأن المسيحيين السريان والنساطرة كانوا مضطهدين من قبل الامبراطورية البيزنطية. قال صديقي: لقد جرى أضطهاد المسيحيين الشرقيين من قبل المسيحيين الاوربيين حتى اثناء الحروب الصليبية. قلت: هذا صحيح ... كان الصراع بين اوربا المسيحية والشرق المسلم يخفي وراءه مصالح سياسية واقتصادية واقليمية توسعية ، وقد تطور هذا الصراع الى حملة صليبية اولى سنة 1094 استطاعت خلالها احتلال الساحل السوري اضافة الى لبنان وفلسطين ومناطق من تركيا والاردن ومصر. ثم تلتها حملة ثانية رداً على سقوط الرها ، وثالثة رداً على سقوط القدس ، وثالثة ورابعة احتلّت فيها القسطنطينة ، وخامسة وسادسة اُحتلت فيها لفترة وجيزة القدس مرة اخرى. ثم انتهت الحملات الصليبة وتم اجلاء بقايا الصليبين بعد سقوط اخر حصونهم في عكّا سنة 1291. وبدأت بعدها حروب استعادة الاندلس التي انتهت بسقوط غرناطة سنة 1492، ثم تجدد الصراع بين اوربا المسيحية والشرق المسلم بظهور قوة مسلمة فتية بتأسيس الامبراطورية العثمانية التي استطاعت فتح القسطنطينة سنة 1453 وسقطت اثرها الامبراطورية البيزنطية وتحول ثقل ألكنيسة الارثودكسية الى روسيا القيصرية. لقد كان اخر انشقاق كبير عن الكنسة ألكنيسة الارثودكسية الكاثوليكية في بداية عصر التنوير في اوربا ، فقد أحتجّ المصلح مارتن لوثر في المانيا على فساد الكنيسة الكاثوليكية واستيلاء بعض الحكّام مثل ال ميديشي وال بورجيا على كرسي البابوية. وفي سنة 1517 وضع لوثر قائمة من 95 بنداً بالاعتراضات على ممارسات الكنيسة الكاثوليكية مؤسساً للبروتستانية. ثم ظهرعدد من المصلحين كان أبرزهم جان كالفن مؤسس الكالفينية وتوماس مونزر مؤسسا حركة المعمدانية التي ظهرت بتأثير حركة تجديدية العماد. وفي عام 1534 انشق هنري الثامن ملك إنجلترا عن الكاثولوكية واعلن نفسه رئيس كنيسة إنجلترا وذلك بعدما رفض البابا ترخيص طلاقه من كاثرين أراغون ، ما أدى إلى تأسيس الكنيسة الأنجليكانية التي تعتمد النظام الأسقفي. قلت: حان الان الوقت للحديث عن المسيحيين العراقيين ولعل الاستاذ بهنام يشاركني الحديث بتوضيح الكثير من المعلومات التي لا اعرف تفاصيلها. ردّ الاستاذ بهنام: بكل سرور ولكن على قدر علمي المحدود. واصلت حديثي: كان اكثر السكّان الاصليين في بلاد الرافدين وسوريا والاردن وفلسطين ولبنان ومصر قبل الفتوحات العربية الاسلامية في القرن السابع من المسيحيين السريان. وكان منهم عرب انتشروا في شبه الجزيرة العربية (النصارى - النسطوريون) بين بعض القبائل العربية وفي اليمن ... وكانت مملكة المناذرة على التخوم السورية مسيحية ايضاً. ولم يحدث التحول الى الاسلام بشكل مفاجئ بل بصورة تدريجية فما أن اطلّ القرن الحادي عشر حتّى اصبح معظم سكّان تلك البلدان من العرب المسلمين. قال الاستاذ بهنام: للعلم فقط ... حكم معاوية سوريا بمعاونة فعّالة من المسيحيين فقد كانت زوجته ميسون وام يزيد مسيحية عربية وتنتمي الى احد بطون قريش من قبيلة بنو كلب ... وقد وجدث عملات معدنية صكّت في زمنه وعليها رسم معاوية يحمل الصليب واخرى معاوية يحمل رمزاً من رموز الزرادشتية. علّق صاحبي: سياسي ملعون يعرف كيف يرضي المسيحيين في سوريا والزرادشتيين في العراق ... ولكن ألم تكن قبيلة بنو كلب هي قبيلة النبي محمد؟ قال الاستاذ بهنام: نعم وهذا الفرع في بلاد الشام تحول الى المسيحية ... ميسون لم تتحول الى الاسلام وكبدوية عربية فضّلت العيش في خيمة في الصحراء وقد تربّى يزيد في كنفها. قال: السيد حسين: هذا يفسر عدم اكتراثة للاسلام فقد كان يشرب الخمر في مجالسه علانية. قال الاستاذ بهنام: ساعد المسيحيين على تثبيت حكم معاوية وبخبراتهم بنوا له اسطول بحري ساعد على نصره المبين في معركة أُم الصواري في مصر. تابعت حديثي: ترجع اصول معظم المسيحين العرقية في العراق الى الاشوريين والبابليين وينتمي معظمهم الان الى الطوائف الكلدانية والاشورية والى السريان الارثودوكس ... ويقدّر عدد المسيحين في العراق بحوالي مليون نسمة ، وقد يكون استمرار الهجرات وخصوصاً في الفترة الاخيرة قد قلّص من عددهم الى حوالي نصف مليون نسمة. قال الستاذ بهنام: بل اقل من ذلك مع استمرار الهجرة ... نحن ملح الارض سكّان العراق الاصليين. تابعت حديثي: ينتمي مسيحيوا العراق الى مجموعات متنوعة من الكنائس ، الآشورية الارثودكسية والكاثوليكية الآشورية ، السريانية الأرثودكسية والكاثوليكية السورية ، ومنهم ايضاً من ينتمي الى الأرمن الأرثدوكس والأرمن الكاثوليك والى الأرثدوكسية اليونانية واللاتينية الكاثوليكية والى الطوائف البروتستانتية ... وقد ساهم ألمثقفون من السريان من كلتي الطائفتين النسطورية واليعقوبية مساهمات كبيرة ، اثناء فترة الامبراطورية الاموية وبعدها في فترة التسامح من الخلافة العباسية (758 – 1258) ، في تقدم الحضارة الاسلامية من خلال ترجماتهم للكتب من السريانية والاغريقية الى العربية. وكان بعضهم على صلة صداقة حميمة مع الحكّام العرب فقد ارتبط البطريق النسطوري تيموثي مع الخليفة المهدي وابنائه الثلاثة بصداقة وثيقة ، وتبوء بعضهم مراكز عالية فقد كان الطبيب يوحنا ابن موسويه رئيساً لدار الحكمة التي اسسها المأمون سنة 830 م ، وكان يقوم مع ألموظفين السريان الاخرين بترجمة كتب الطب والفلسفة والرياضيات والفلك والعلوم الاخرى الى العربية وتدقيقها. وتبوء تلميذه يوحنا حُنين ابن اسحاق هذا المركز بعده وكان يعتبر من اعظم المترجمين واغزرهم انتاجاً. وقد خدم اطباء من عائلة بخت - ايشو المسيحية في بلاط الخلافة لسبعة اجيال متعاقبة ، وساهمت ايضاً اسرة بيت قرّة المندائية بالمعارف في مجال الفلك والرياضيات. ولكن الحروب الصليبية وما تبعها من الاحتلال المغولي جلب الكثير من المئآسي لا للمسلمين فقط بل الى الاقليات الدينية والعرقية ، فتضاءل بالتدريج عدد المسيحيين ولكنه حافظ على وجوده في المدن الرئيسية مثل البصرة وبغداد وفي منطقة سهل نينوى. وقد تسببت الحرب العالمية الاولى وما تبعها من ارهاصات استقلالية في العراق الى مذابح اخرى ضد الاشوريين فتضاءل وجودهم اكثر بسبب الهجرة الجماعية. وقد دمّرت قرى اشورية كثيرة اثناء الحروب مع الكرد واجبر ألآشوريون على تغيير اسمائهم وقوميتهم الى العربية في شهادة الجنسية اثناء حكم البعث في العراق. قال صديقي: ولكن سقوط النظام البعثي في سنة 2003 الذي كان من المفروض ان ينصف الاقليات في العراق ومن جملتهم المسيحيين جلب الحروب الطائفية التي كان ضحيتها بالدرجة الاولى تلك الاقليات العريقة. قلنا ان معظم مسيحي العراق كانوا على المذهب النسطوري وكنيستهم هي كنيسة المشرق او كنيسة السريان المشارقة التي تّدعي ان أصولها ترجع الى الرسول توما ... هذه صورة لأقدم دير للنساطرة والان للكاثوليك الاشوريين في القوش كنت قد زرته في 2006
ولكن الخلاف بدأ يدبّ بين مسيحيي العراق نظراً لاختلاف ظروف معيشتهم ، بين المسلمين العرب في وسط العراق وجنوبه ، حتى تسللت كثير من الكلمات العربية الى لغتهم السريانية الشرقية ، وبين الاشوريين المنعزلين في شمال العراق ... ولعل الاستاذ بهنام يشرح لنا بشكل ملخّص كيف انقسموا في العراق. قال الاستاذ بهنام: ... لقد زاد من الخلاف اصرار بعض مطارنة النساطرة على تعيين وراثي لبطريق الطائفة بدل الانتخاب فقرر مطارنة الوسط والجنوب الانشقاق عن كنيسة المشرق وانتخبوا بطريقاً لهم ثم ارسلوه الى روما لمفاوضة البابا. وبعد مباحثات طويلة قرر البابا إنضمامهم الى الكنسية الكاثولوكية في سنة 1552 مع الاحتفاظ ببعض سمات كنيستهم الشرقية ، وتم تعيين رسولهم (يوحنان سولوقا) كأول بطريق كاثولوكي في العراق ، ولتمييز انفسهم عن الكنيسة الشرقية الاشورية سمّوا انفسهم بالكلدان وكنيستهم هي كنيسة بابل الكلدانية. قلت: شكراً استاذ بهنام ... لقد وصلت الى المحاضرة ... قاطعني سمير: أستاذ لو تسمح تشرح اشكالية المسيح ابن الله بين المسيحية والاسلام. قلت: طيّب ... سوف لا اتحدث عن الاعتقاد الديني الذي يؤيده الانجيل والقران حول امكانية الحمل العذري واكتفي بالحديث عن هذه الاشكالية التي أدت الى اتهامات بالكفر من بعض المسلمين. قال السيد خالد: مع احترامي الكبير للأستاذ بهنام ولكم جميعاً ... القول بأن الله سبحانه وتعالي له ابن هو كفر بالنسبة لنا نحن المسلمين ولا يشذ عنا احد ... بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد" صدق الله العظيم. أعقب السيد خالد السيد حسين بأيه من سورة مريم: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً*تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً* وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً* إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً". قلت: هنالك مداخلات كثيرة في الاناجيل الاربعة تشير الى انّ المسيح ابن الله ، فمثلاً يبدأ انجيل مرقص "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " وفي انجيل متّي يسأل المسيح "في نظركم ، أنتم ، من أنا؟ أجاب بطرس وقال له: أنت المسيح ابن الله الحيّ" وينهي انجيل يوحنا "لتؤمنوا أنَّ يسوع هو المسيح ابن الله ، وتكون لكم ، إذا آمنتم ، الحياة باسمه " ... ونعرف ان الاسلام دين توحيدي خالص يرفض ان يكون لله ابن كما في سورة الاخلاص التي ذكرها السيد خالد ... ويشير القران صراحة الى كفر المسيحيين الذي يقولون ان المسيح ابن الله ففي سورة المائدة "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" ... ولعلنا لا نبالغ عندما تقول ان عقلاء المؤمنين من المسيحيين لا يعتقدون بأبوة الله البايولوجية (الجينية) للمسيح ايضاً ، ويتهمون من يظن ذلك منهم بالكفر والجهل بالدين. ولعل في رأي المسيحية المتنورة والاراء المسيحية الغنوصية والنسطورية ما يتناسب مع ما اورده القران من دون المساس بالمفاهيم الاساسية بقدسية المسيح. يقول الانجيل ان المسيح جاء نتيجة حبل مريم العذري من الروح القدس: "فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" لوقا 1: 34 -35 ، والروح القدس هي روح الله. والقران لا يختلف في هذا ... ففي سورة التحريم: "وَمَريَمَ بنت عِمرَانَ الَّتِي أَحصَنَت فَرجَهَا فَنَفَخنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا" ... وكذلك في سورة الانبياء "وَالَّتِي أَحصَنَت فَرجَهَا فَنَفَخنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلنَاهَا وَابنَهَا آيَةً لِّلعَالَمِينَ" ونستنتج مما ورد في القران بأن المسيح هو نتيجة بذرة من روح الله في الانسان ففيه شئ من الالوهية وفيه شئ من الانسان ، ولا تنفع تبريرات بعض المفسرين الواهية للتغطية على هذا الاستنتاج بقولهم بأن من جاء الى مريم ونفخ فيها هو الملاك جبرائيل مرسلاً من الله. وهذه الازدواجية الالهية الانسانية التي يبيّنها القران مشابه لتلك التي يقول بها النساطرة ويشيرون الى ان المسيح هو عيسى ابن مريم وليس عيسى ابن الله ويقولون بطبيعتة الالهية والانسانية المزدوجة. فكيف نوفق بين ما تصرح به الاناجيل الاربعة بأن المسيح هو ابن الله وبين القول بأنه ابن مريم وفيه ازدواجية الهية انسانية. يجب اولاً ان نتذكر بأن صفة ابن الله هي ليست الصفة الوحيدة التي يوصف بها المسيح ، فهو ابن الانسان وينسبه انجيل لوقا الى شجرة العائلة الابراهيمية التي تنتهي ب "بن انوش بن شيت بن ادم ابن الله" ، والمسيح هو في انجيل يوحنا (1 و14) كلمة الله: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ... وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا ، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً" وَحَقًّا" وهذا مما يدلل بأن المقصود بالمسيح ابن الله هو في سياق ايمان روحي لا مادي وبيولوجي جيني ، فجوهر الله في المسيحية هو الكلمة الفعّالة ، اي ان الله هو فكر كلي وفعل في هذا الفكر قال صاحبي: اي ما يقابل القوانين الفيزياوية الملازم لفعل المادة كما شرحتها لي سابقاً). تابعت حديثي: ... المسيح هو كلمة الله التي تجسدت على الارض، اي انه تجسيد بشري لكلمة الله ، اي ان المسيح هو ممثل قوانين وشرائع الله للمجتمع البشري كما ان القوانين الفيزيائية ممثلة لفعل الله في العالم المادي. وكلمة الله هي روح الله ، والمسيح ابن الله بهذا المعنى الروحي لانه وليد من هذه الكلمة على الارض. وفي انجيل يوحنا (6: 47) "من يؤمن بي فله حياة أبدية " ، وهذا يحاكي الفكر الغنوصي في الايمان بالكلمة الخالدة بعد الجسد الفاني. وفي انجيل متّي (6: 31 - 33) يدين المسيح الاقبال المحموم على مباهج الدنيا ويشير بصورة غير مباشرة الى ان كل المؤمنين ابناء الله: "فلا تهتموا وتقولوا ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نلبس؟ فهذا كله يطلبه الوثنيون ، وابوكم السماوي يعلم انكم تحتاجون هذا كلّه. فأطلبوا الملكوت وبره قبل كل شئ ، تُزادوا هذا كلّه". فكل ابناء ادم المؤمنين هم ابناء الله (الروحيين) كما في انجيل لوقا ... لا أعتقد ان هذا المفهوم المسيحي يتعارض مع المفهوم الاسلامي المستلهم من القران الذي يقول ان روح الانسان من الله ولا يقول انه ابن الله ، بل ان المفهوم النسطوري حول طبيعة عيسى ابن مريم ، الالهية الانسانية المزدوجة ، قريب جداً من المفهوم الاسلامي عن المسيح ... كنت اهمّ بأنهاء محاضرتي لولا ان صديقي تطرق الى جانب مهم من تاريخ المسيحية: هذا كلام جميل عن المسيح وعن مبادئه الأنسانية المتسامحة ولكن المسيحية والعالم المسيحي لم يكن هكذا حتى عصر النهضة الاوربية والمساعي لفصل الدين عن الدولة التي اسقطت هيمنة الكنيسة على الناس وأرجعت الدين الى منبعة الروحي الانساني ... المجازر التي أُرتكبت بأسم الدين المسيحي أبشع بعدة مرّات مما تقوم به القاعدة وداعش. قلت: هذا صحيح ... شكراً لأنك نبّهتني الى جانب لم اعطه حقه من الشرح ... روح التسامح التي نادى بها المسيح لم تكن موجودة فقد ساد تعصب اعمى قاد الى فضاعات يندى لها جبين الانسانية من القتل بالجملة لطوائف متهمة بالهرطقة ، اي من كان لهم تفسير مختلف عن تفسير الكاثوليكية ، الى احكام محاكم التفتيش في اوربا بالموت حرقاً للآلاف من الابرياء ... الى فضاعات الحملات الصليبية التي استمرت حوالي مئتي سنه ضد السكان المحليين من مسلمين ومسيحيين ... قال صديقي: الى الحروب الاوربية بين الكاثوليك والبروتستانت التي راح ضحيتها عشرات الآف البشر ... وكثير ما كان يجمع سكان قرية المنكوبة مع نسائهم واطفالهم في مكان واحد ويحرقون احياء ... اصبح اطالة عمر الضحية اثناء التعذيب الوحشي فن يتمتع به المتفرجين ... في أنكلترا كانت تقطع قدما ورجلا الضحية اولاً ثم تشق بطنه وتنتزع امعائه ببطئ وتلف على عجلة دواره ثم تحرق ... قال السيد حسين: الحرق والتعذيب بالاسلام حرام ... هذا جزاء الكافرين في حياة الآخرة. رد صديقي: بل هو موجود منذ اليوم الاول للاسلام ... الخليفة ابو بكر أمر بحرف احد خصومه وقلّده ابو بكر البغدادي بحرق الطيار الاردني ... ماذا تقول عن سلخ جلد الحلّاج وهو حي ... قال السيد حسين: لا اعلم مدى صحة ما تقول ... على كل حال هذه ممارسات حرّمها الاسلام. قال: صديقي: وهذه ممارسات حرمها المسيح ولكن... قلت: انتهت المحاضرة وشكراً على استماعكم ومساهماتكم الغنيّة وسعة صدوركم ... نلتقيكم في محاضرة مقبلة.
#موفق_كمال_قنبر_وفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 16
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 15
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)
-
محادثات فلسفية مع صديقي (12)
-
محادثات فلسفية مع صديقي (11)
-
محادثات فلسفية مع صديقي (10)
-
محادثات فلسفية مع صديقي 9
-
محادثات فلسفية مع صديقي 8
-
محادثات فلسفية مع صديقي 7
-
محادثات فلسفية مع صديقي 6
-
محادثات فلسفية مع صديقي 5
-
محادثات فلسفية مع صديقي (4)
-
محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (3)
-
محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (2)
-
محادثات فلسفية مع صديقي الملحد
-
امي المؤمنة ونار جهنّم
-
عراقي
-
شيخ الازهر والطالب النجيب قصة قصيرة ذات عبر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|