أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علي أحماد - الخطوة الأولى نحو المدرسة














المزيد.....

الخطوة الأولى نحو المدرسة


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 5427 - 2017 / 2 / 9 - 23:36
المحور: سيرة ذاتية
    


أخذه أبوه من يده وسارا نحو قرية تاشويت في أحد أيام أكتوبر من سنة 1970 وهو لايزال يفرك عينيه ويغالب النوم الذي يداعب جفونه . عبرا الطريق الإسفلتي بحذر شديد ، فرغم قلة السيارات والشاحنات إلا أن دماء كثيرة سالت فوق هذا الحصير الأسود الممتد الى مالا يحده بصر الطفل وخياله . فكم من أرواح زهقت ، وكم من جروح و نذوب وشمت أجساد أطفال أبرياء من ميملال تضطرهم ظروف تمدرسهم من عبوره أربع مرات في اليوم . تمر الطريق ملتوية عبر الحقول التي تمتد بجنباتها السواقي . انتهيا الى ساحة وسط القصر تكسوها طبقة صخرية سميكة اتخذها الأهالي بيادر وأماكن لربط المواشي والدواب ولتكديس الحشائش لتجف تحت الشمس كعلف وبقايا الروث كسماد للأرض . يبدو الطفل خجولا ، نحيل الجسم ، يرتدي ملابس بالية وينتعل جزمة من البلاستيك الأبيض الشفاف من تلك الجزم التي يظهر منها عبر الثقوب الجزء الأكبر من القدم وهي رخيصة الثمن صالحة للعب والعوم . تغسل وتنظف بيسر ولا تنشر الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف. وهي أغلى ما توفره الأسر الكادحة لأبنائها صيفا. وقفا أمام مدير المدرسة وقد كان رجلا ربع القامة، أسمر البشرة ويضع نظارات طبية سميكة. مكثا بين يديه دقائق معدودات بدت وكأنها الدهر. أحس برهبة المكان وسرى في جسده عرق ينساب باردا كالصقيع. أبوه لايتقن الحديث باللغة العربية الدارجة ويخلط الكلمات خلطا عجيبا مما يثير سخرية الآخرين ويحرج الطفل . أفلته أبوه وسط ساحة المدرسة التي تعج بحشد هائل من الأطفال الذين يعلو صراخهم ولغطهم يكاد يصم الآذان وغادر المكان دون أن يلتفت الى الطفل سعيا وراء لقمة العيش. جال ببصره في المكان وأدهشه ما حوله . سور الطين الذي يحيط بالمدرسة . حجرات الدرس المفتوحة على الساحة . تساءل وهو الطفل الأمازيغي كيف يتسنى له أن ينسجم مع أترابه ويقبل على التمدرس ؟ تأكد أن اللعب على الأقل ، لا يحتاج لغة ، فالصراخ والركض لغة يتقنها جميع الأطفال. اصطف التلاميذ في طاعة عمياء كالقضبان أمام حجرات الدرس بعد رنين الجرس إيذانا بنهاية حصة الفسحة، وعم الصمت أرجاء المدرسة كلها وانخرط الجميع في نظام عجيب في تنفيذ تعليمات يصدرها المعلم المكلف بالحراسة..يد على الكتف...استراحة... استبد به الخوف لحظة ولكنه رضخ لقوانين المدرسة الصارمة فالعصا فوق الرؤوس والكرباج يصلح ويقوم أي اعوجاج ويزرع الرهبة في نفس أي مزعج . دلف الأطفال الى جوف الحجرة الدراسية يتدافعون وقد زينت جدرانها صور بألوان زاهية..صور للحداد .. القصاب .. الحصان .. الجمل والدجاجة وصغارها.. علق اللوح الأسود على الحائط وإلى جنبه مكتب من خشب وكرسي من حديد. تمتد الطاولات صفوفا متراصة. سقف الحجرة من أشجار الصفصاف وأعواد القصب. أرضيتها متربة يتطاير الغبار فيها مع أدنى حركة للأرجل . على الطاولات محابر بيضاء... صور وشمت ذاكرة جيل من تلامذة أحمد بوكماخ المغربي… وترانشار الفرنسي..
يتبع



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللقاء الأخير
- الجمرة الخبيثة عراب موسم الخطوبة بإملشيل
- من ذكرى أبي الدراجة الهوائية
- من مذكرات معلم / وريث حمل ثقيل
- التزيين في قضية تعنيف الأساتذة المتدربين
- وشاية كاذبة تستنفر الإذاعة و نيابة التعليم بميدلت .
- مدارس بدون تدفئة في ذروة القر والصقيع
- كلمة في حق صديق
- يوميات معلم بدكالة / أكتوبر 1991 الشيخ والوليمة
- من ذكرى أبي / الجزء الرابع الكفن
- لحظة عشق
- الأستاذة وحجرة الدرس
- صلاة فوق أريكة خشبية على الرصيف
- من مذكرات معلم بالجنوب المغربي تازناخت 1987/ معلم يستحم وسط ...
- طفل خارق للعادة
- الباشا والعدوان على أستاذ -العدل والإحسان-
- ورطة العشق
- كلمة المناضل عبد الرحمن العزوزي الأحد 14/09/2014 بخنيفرة
- ذكرى خيانة
- النائب ،التلميذ واللوح الأسود


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علي أحماد - الخطوة الأولى نحو المدرسة