كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 10:36
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
برلين في 13/1/2006
رسالة مفتوحة إلى سماحة السيد عبد العزيز الحكيم
سماحة السيد عبد العزيز الحكيم المحترم/ رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية- بغداد
تحية واحتراماً وبعد,
أهنئكم سماحتكم بحلول عيد الأضحى المبارك وأرجو لكم الصحة الموفورة والسلامة والعمر المديد والنجاح في خدمة قضية شعبنا العراقي بكل مكوناته وتعزيز الوحدة الوطنية وتحقي التقدم الاجتماعي.
فكرت كثيراً قبل أن ابدأ بكتابة هذه الرسالة المفتوحة التي أمل أن تصلكم وأن يتسنى لكم الإطلاع علي فحواها. فنحن شخصان مختلفان في الفكر والمنهج, ولكننا, كما أفترض, أن نكون على اتفاق إزاء عدة مسائل جوهرية بعد المعاناة الطويلة للشعب العراقي والخبرة المتراكمة منذ ما يزيد عن ثمانين عاماً في ظل الحكم الحديث في العراق, وخبرة العراق المديدة بشكل عام, ومنها:
1. أهمية وحدة العراق الوطنية.
2. جعل إرادة الشعب ومصالحه فوق كل شيء واحترام حقوق الإنسان وحقوق القوميات.
3. التعامل وفق أسس سلمية وديمقراطية ووفق الدستور العراقي في عملية التداول الديمقراطي للسلطة والتعددية الفكرية والسياسية والحزبية.
4. احترام جميع القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية غير الفاشية وغير العدوانية والعنفية والرافضة للإرهاب.
5. رفض الطائفية السياسية فكراً وممارسة واعتماد حق المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون واعتماد مبادئ الحرية والديمقراطية أساساً للحكم في العراق.
6. تقديم كل الذين تلطخت أيديهم بدماء وعذابات الشعب العراقي على محاكمة عادلة ورفض الفكر البعثي الصدامي الفاشي وفضح خلفياته العنصرية والشوفينية والطائفية والعدوانية.
إن اختلافنا في الفكر والمنهج يسهم في إغناء تصوراتنا حول سبل معالجة القضايا التي نختلف بشأنها أو حتى تلك التي نتفق عليها, إذ يبقى عندها بذل الجهد للتحري عن السبل التي يتم فيها تنفيذ ما يتم الاتفاق أو ما نتفق عليه. وفي حالة توفر حسن وصفاء النية يمكن التوصل إلى والاتفاق على قواسم مشتركة في ما بين الأفراد أو الجماعات أو القوى والأحزاب المتباينة في مناهجها الفكرية وبرامجها السياسية والاقتصادية. ومن هنا وجدت نفسي ملزماً أن أطرح عليكم قضية تشغلني كثيراً وتشغل الكثير من العراقيين, كما ستبقى تشغلهم لفترة طويلة, وأعني بذلك المشروع الذي طرحه السيد الدكتور أحمد الجلبي بشان فيدرالية الجنوب العراقي, بغض النظر عن الأهداف التي كانت تحرك السيد الجلبي لطرح مثل هذه المسألة, ثم تبنيكم لهذا المقترح ودفاعكم عنه.
لقد عانى شعبنا العراقي بكل مكوناته مرارة السياسات العنصرية والشوفينية والطائفية وحصد الحروب والحملات العسكرية والقتل والتدمير, إضافة إلى التمييز إزاء القوميات غير العربية وإزاء الأديان الأخرى وإزاء المذاهب الإسلامية غير المذهب السني. وكان لهذه السياسات غير العقلانية تأثيرها السلبي على لحمة الصف الوطني العراقي. وقد رفضت الغالبية العظمى من الشعب العراقي السياسات العنصرية والشوفينية والطائفية للحكم, ولكن النخبة الحاكمة والطغمة المهيمنة هي التي مارست تلك السياسات وزجت القوات المسلحة وأجهزته الأمنية بحروب ضد الشعب الكردي وضد المناطق التي أغلب سكانها من أتباع المذهب الشيعي, ولكنها مارست العنت والقسوة والعنف ضد الناس المعارضين والرافضين للنظام في المناطق التي أغلب سكانها من أتباع المذهب السني أيضاً. وكانت أشرس الحملات تلك التي تعرض لها الشعب الكردي في السبعينات من القرن الماضي وفي أحداث الأنفال وحلبچة في الثمانينات وفي الانتفاضة الشعبية في العام 1991 من جهة, وتلك التي تعرض لها العرب من النساء والرجال في وسط وجنوب العراق, ومنها الأهوار, والتي راح ضحيتها عشرات الألوف من الناس الأبرياء ومئات الألوف من المهجرين قسراً والمهاجرين قسراً من إرهاب وظلم النظام, إضافة إلى ما لحق الكرد الفيلية من قتل وتهجير ومعاناة إنسانية كبيرة, باعتبارهم كرد مرة وشيعة مرة أخرى, إضافة إلى محالة اعتبارهم من التبعية الإيرانية. وأنتم أدرى بسياسات النظام المخلوع الاستبدادية إزاء أتباع الأديان والقوميات الأخرى.
إن خلع النظام الدكتاتوري, بطبيعته العنصرية والشوفينية والطائفية السياسية وذهنيته العسكرية الفاشية والعدوانية والدموية, يفترض في من يتسلم الحكم في العراق أن يستفيد من تجارب العقود المنصرمة ومآسيها ويبتعد عن ممارسة تلك السياسات التي رفضها وأدانها ودعا إلى إسقاط النظام لتلك الأسباب. ومن هنا أجد نفسي أمام جملة من المسائل التي أرى ضرورة التفكير بها, وأعني بذلك ما يلي:
• إن العراق الراهن مكون من عدة قوميات, وهم العرب والكرد والتركمان والكلد أشور, وتقع على عاتقنا جميعاً احترام جميع تلك القوميات والاعتراف لها بحقوقها المشروعة والعادلة التي ناضلت من أجلها طويلاً.
• إن الشعبين العربي والكردي يشكلان قوميتين كبيرتين في العراق ومن حقِهما إقامة فيدراليتين (اتحاديتين) في العراق في إطار الجمهورية العراقية الديمقراطية الاتحادية. وفي الوقت الذي تشكل كردستان العراق الفيدرالية الكردستانية التي تضم إليها الشعب الكردي والتركمان والكلد أشور والعرب القاطنين فيها, تشكل المنطقة العربية التي تضم بقية المحافظات في الوسط والجنوب والموصل الفيدرالية العربية التي تضم إليها الشعب العربي وكذلك الكرد الفيلية وبقية السكان من التركمان والكلد أشور.
• إن المسلمين العرب في العراق ينتمون إلى قومية واحدة هي العربية, ويتوزعون على المذهبين الإسلاميين الشيعي والحنفي ولا يفترض إقامة فيدراليتين لهما بحيث تنفصل مجموعة من المحافظات, باعتبار أكثرية سكانها من أتباع المذهب الشيعي, عن المحافظات الأخرى, باعتبار أكثرية سكانها من أتباع المذهب السني. إذ أن هذا تقسيم قسري لا مبرر فكري وسياسي له
• إن الالتزام بمبادئ الحرية والديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية يسمح للأكثرية السكانية في كل أنحاء العالم أن توصل إلى المجلس النيابي مندوبيها, بغض النظر عن المذهب الذي ينتمون إليه. غالباً ما تحدثتم بأنكم سياسي يرفض الطائفية ويدين الطائفية السياسية. وهذا ما يعلنه الدستور الجديد, إذن لماذا تريدون إقامة فيدرالية ذات أكثرية تنتمي إلى مذهب واحد وتدفعون باتجاه إقامة فيدرالية عربية باتجاه مذهب آخر, في حين أن القوى السياسية التي تحوز على الأكثرية في المجلس النيابي بإمكانها أن تشكل الحكومة وتدخل في التحالفات التي تراها مناسبة لها. وبالتالي لا أدري لماذا لا ينفتح حزبكم الإسلامي على أتباع المذهب السني أيضاً وتنفتح الأحزاب الإسلامية الأخرى على أتباع المذهب الشيعي بحيث لا تبقى الطائفية السياسية هي السائدة في العراق, رغم شجبكم لها في ظل النظام السابق.
سماحة السيد الفاضل
إن العراق يقوم على أساس وجود شعبين, وبالتالي ليس هناك أي خلل في نشوء فيدرالية كردستانية على ارض كردستان الجنوبي (كردستان العراق), ولكن العراق لا يمكن أن يقسم على أساس طائفي, إذ عندها سينتشر في العراق مرض التمييز الطائفي السياسي في مجالات كثيرة وسنجد عملية تطهير طائفية للسكان الشيعة من المناطق التي تسمى سنية والسكان السنة من المناطق التي تسمى شيعية, وهي الآن جارية بقدر ما, وهو أكبر الأضرار الذي يمكن أن يلحق بوحدة العراق وشعبه التي تدعون إليها, وستحرم العراق من الهدوء والاستقرار والتوزيع العادل للثروة, وستكون لهذه الحالة عواقب وخيمة عربياً محلياً وإقليمياً, وهو ما لا يجوز القبول به.
إنكم تنطلقون من حقيقة تعرض مناطق الجنوب والوسط إلى تمييز طائفي سياسي مارسته الفئات الحاكمة في العراق طيلة عمر العراق الحديث, ومورس في الدول العربية الإسلامية كالدولة الأموية والدولة العباسية وكذلك الدولة العثمانية, إضافة إلى ممارسات الدولة الفارسية في العراق أيضاً, فهل يحق لنا أن نستمر بهذه السياسات غير العقلانية من وجهة نظري, أم يفترض طوي صفحتها وإلى الأبد. إن وجود مذاهب متعددة في الإسلام دليل الحيوية والفكر النقدي لدى المسلمين, ولكن التمييز الطائفي أو الطائفية السياسية هي التي يفترض أن ترفض وتلغى من حياة الشعب العراقي. وأملي أن تساهمون بدور بارز في التنوير الديني في هذا الصدد.
لقد تعرض الشعب العراقي إلى الكثير من المآسي المريرة وعلى الحكام الجدد, الذين نتمنى لهم الحكمة والبصيرة النافذة, أن يبتعدوا عن إرساء أسس ضارة لمستقبل العراق. ولدي القناعة بأن سعيكم مع التحالف الكردستاني لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع القوى السياسية, في ما عدا البعث الصدامي والذين يساندون الإرهاب تحت واجهة زائفة هي مقاومة الاحتلال, تصب في الطريق السليم لهذا العراق الديمقراطي الاتحادي المنشود.
أتمنى عليكم وعلى حزبكم أن تعيدوا النظر بالموقف من فيدرالية الجنوب والاتفاق على إقامة فيدراليتين في العراق, فيدرالية كردستانية وأخرى فيدرالية عربية أو فيدرالية وادي الرافدين, وهو الحل الأمثل للعراق الفيدرالي الديمقراطي الجديد. وبهذه الوجهة يمكننا إلغاء الأساس العنصري والطائفي والاستبدادي الذي مارسه النظام السابق إزاء الشعب الكردي وإزاء العرب الشيعة وإزاء بقية القوميات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية في العراق.
لكم مني خالص التقدير والاحترام.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟