|
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 16
موفق كمال قنبر وفي
الحوار المتمدن-العدد: 5427 - 2017 / 2 / 9 - 13:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (16)
د. موفق كمال قنبر وفي
المحادثة السادسة عشر:
بعد ان اخبرت صديقي بأنتهائي من تحضير المحاضرة الموعودة وأتصاله بالأخرين وتحديد موعدها اليوم ، اي الجمعة المصادف في العاشر من شباط 2017 أجتمعنا في مكاننا المعهود في مقهى الشابدر. قبل ان أبدأ المحاضرة دار حديث سريع حول قرار الرئيس الامريكي ترامب بمنع رعايا سبعة دول من دخول الولايات المتحدة الامريكية فأبدى الحضور رفضهم القاطع لهذا القرار المجحف والمنافق بحق العراق الذي كان ولا زال ضحية الارهاب الاسلامي المتطرف ولم يكن يوماً مصدراً للارهابيين الى دول العالم. قال السيد خالد: ان القرار يعكس عنصرية وتوجّه معادي للاسلام. قلت: انا لا أؤيد هذا القرار لأني اعتقد بأنه سوف لا يمنع الارهاب بل ربما يعطي حجّة لمتطرفين أسلاميين من حاملي الجنسية الامريكية للانزلاق الى حضيض الارهاب ... خذ مثلاً ذلك الحادث قبل بضعة اشهر في كاليفورنيا ... مواطن امريكي مسلم وزوجته حملوا رشاشات وقتلوا زملائهم في العمل وناس آخرين ... مواطنين مكرّمين معززين بين اهلهم وبين اصدقائهم المسيحيين ولكن جرى غسل لأدمغتهم ... الارهاب هو نتيجة فكر متطرف وليس نتيجة مواطني بلد معيّن. قال صديقي: هذه الحادثة وغيرها جعلت الرأي العام الامريكي المتسامح يميل الى كراهية المسلمين ويتهمهم بالارهاب ... كيف للأمريكي المسيحي ان يفرق بين مسلم مسالم وآخر ارهابي عندما يرى رجل ولد في امريكا ودخل مدارسها وعاش فيها كمواطن متساوي الحقوق ينقلب فجأة الى قاتل مثل هذا الذي ذكرته ... يبدو ان هذا القرار غيرمدروس ولكنه تنفيذ لوعد انتخابي وهو في رأيي ليس ضد المسلمين لأنه شمل سبعة دول مسلمة فقط بل هو ضد دول فيها ارهاب وفوضى ... مقابل رشوة يمكن لأي شخص ان يحصل على جواز سفر عراقي بأسم غير اسمه الحقيقي فكيف للسلطات الامريكية ان تعرف ذلك؟ قلت: الكلام يطول حول هذا الموضوع ... أود ان اقدّم لكم اعتذارين أولاً لمخالفتي الوعد بأن محاضرة اليوم ستكون حول الدين المسيحي والاديان في العراق عدى الاسلام فلقد بدى لي اثناء تحضيري للمحاضرة ان موضوع الدين المسيحي يستحق كل محاضرة اليوم ولذلك ستكون المحاضرة المستقبلية عن الاديان الاخرى في العراق ... وثانياً اعتذر منّك يا أستاذ بهنام إذا صدر منّي ما يخالف معتقداتك ألدينية فهمّي الاول هو معرفة الحقيقة الموضوعية التي تخالف في كثير من الاحيان المعتقدات الدينية. قال السيد بهنام: انا مسيحي وأعتز بأصلي وبديني ولكني لست متعصباً وعقلي يتقبّل كل ما هو منطقي فلا ألومك ان خالفت معتقدي الديني ... لو حدث ان قلت شيئاً غير مقتنع به فسوف اطرح رأيي المخالف ، ابتسم وقال ، ولن أتهمك بالكفر والالحاد. قلت: شكراً على سعة صدرك ... المسيحية ديانة تتبع سيرة حياة واقوال يسوع المسيح ، وهو في الاسلام عيسى ابن مريم. سأل سمير: يسوع المسيح ... ما معنى مسيح؟ قال الاستاذ بهنام: كلمة المسيح هي تعريب لكلمة ماشيحا الآرامية وتعني الذي مُسح جسدة بالدهن المقدّس ... طقس من الطقوس الدينية لتطهير الروح. اكملت حديثي: يعتنق المسيحية اكثر من مليارين من البشر يتوزعون على كل قارات الارض. اصبحت المسيحية ديانة مستقلّة عن اليهودية بعد صلب يسوع المسيح ... وقد جمعت اقواله وافعاله في اربعة اناجيل هي انجيل مرقس (حوالي سنة 70 م) وانجيل متّي (حوالي سنة 80 م) وانجيل لوقا (حوالي سنة 90 م) وانجيل يوحنا (في الفترة بين سنة 100- 110 م). قال: السيد خالد: يعني كل الاناجيل جمعت بعد صلب المسيح بعشرات السنين. تابعت حديثي: ... انجيل يوحنا جدير بألاهتمام فيوحنا لم يعاصر المسيح بل تحول من اليهودية الى المسيحية اثر رؤيا وهو في طريقه الى دمشق ... هذا الانجيل يعكس اراء المسيح العرفانية التي تتميّز برسالة انسانية رافضة كلياً لكل الشرائع اليهودية ويتقاطع غالباً مع ما ورد في الاناجيل الثلاثة التي سبقته. وفي القرن الرابع الميلادي اصبحت الاناجيل الاربعة المذكورة اساس الدين المسيحي الكاثوليكي في الامبراطورية الرومانية ، وأدينت وقمعت كل الاعمال الدينية التي خالفت ألكنيسة الرسمية الارثدوكسية ، اي القويمة الايمان ، ودمّرت اثار كل الكتابات ألدينية والاناجيل التي تخالف ارائها وخاصة تلك التي تطرح رؤية عرفانية (غنوصية) وكاد معظمها ان يندثر لولا أن فلاح مصري من نجع حمّادي لقى لفافات من الكتاب المقدس العرفاني في سنة 1945. سأل السيد حسين: ما هي العرفانية الغنوصية: قلت: بأختصار ... كلمة الغنوصي مشتقة من اصل اغريقي وهي بالانكليزية (Gnostics) وما يقابل الغنوصيون بالعربي هو العرفانيون وهي تخص جماعة تعتقد انها تعرف أسرار الوجود والحياة وتحافظ عليها ... هذه المعرفة المقدسة لا تأتي عن طريق التعليم او الملاحظة بل بوحي علوي ، فتغمرهم بعطاء روحي يغنيهم عن مباهج الحياة الدنيا. واصلت حديثي: وفي اواخر القرن الرابع الميلادي جُمعت الاناجيل الاربعة وسمّيت بالعهد الجديد مع التوراة اليهودية ، وهي العهد القديم ، في كتاب واحد هو الكتاب المقدس فدمج ما لا يمكن التوفيق بينه نتيجة رؤيتين مختلفتين تماماً واحدة خاصة باليهود واخرى رسالة عالمية للانسانية جمعاء. تنهد الاستاذ بهنام ثم قال فرِحاً: شكراً استاذ على التوضيح ... هذا بالضبط ما كنت اعتقدة ... واصلت حديثي: نشأت المسيحية في مقاطعة يهودية في فلسطين وكانت في نهاية القرن الاول قبل الميلاد واحدة من المقاطعات الكثيرة التي حكمتها الامبراطورية الرومانية التي كانت تسمح لشعوب المقاطعات التي تحكمها بنوع من الحكم الذاتي مقابل ولاء مطلق لحاكم المقاطعة الروماني الذي له قوة عسكرية وتؤول له كل الامور المهمة وهكذا كان حال هيرود (Herod) الّذي نُصِّب ملكاً على اليهود. وكانت اليهودية انذاك ديناً مثقّلاً بالخرافات والطقوس التي تقيّد حياة اليهودي بأكثرمن 600 وصيّة ، ويسيطر على المجتمع في المقاطعة اليهودية حفنة من الاثرياء المتزمتين دينياً (الفرّيسين) ومن الكهنة المشرّعين (الناموسيين). وكانت هنالك ارهاصات للتغير اكثرها انتشاراً تلك التي امتزجت بالاتجاه الفلسفي العرفاني ، وهي بصورة عامة لا تسعى الى تغيير المجتمع واصلاح دينه بل الى تغيير الذات واصلاحها وانقاذها من مستنقع الفساد والابتذال بالانزواء بعيدا عن المدينة في كهفِ جبلٍ او في غور صحراءٍ قاحلةٍ. هكذا كان وضع الجماعات العرفانية المتنسكة والمتعففة ، ولكن شيئا جديدا ظهر من بينهم ألا وهو تلك الجماعة التي ترفض الانزواء وتسعى الى تغيير المجتمع واصلاح الدين ومحاربة الفساد ورفض كل مايشوب الدين من خرافات وطقوس وكهانه جشعة تستغل بسطاء الناس وتحول دون صفاء التواصل بين الخالق والفرد. كان على رأس هذه الجماعة رجلٌ ثوريٌ قارب الثلاثين من عمره اسمه يسوع ، عرف عنه مريدوه انه ولِد لعذراء اسمها مريم. قاطعني صديقي: أعذرني موفق ... اعذرني استاذ بهنام ... أعذروني يا مسلمين على ما سأقول ... اريد ان اصحح خرافة ولادة يسوع من عذراء. قال السيد خالد: اتريد ان تخالف ما جاء في القرأن والانجيل!؟ ردّ صديقي: نعم ... هل نسيت اننا بصدد محاضرة موضوعية وعلمية عن الدين ... اعذرني ولكن الرواية القرأنية تردد الرواية الأنجيلية التي وضعت بعد اربعة قرون من صلب المسيح ... ما توفر من المصادر التاريخية والدينية يشير الى ان يوسف النجار كان زوج مريم ... فكيف هي عذراء ... وحتى هناك من يقول ان للمسيح اخوة واخوات. قال السيد حسين: فمن اين جاء القول بأن السيدة مريم عليها السلام عذراء؟ قال صديقي: جاء من خطأ في الترجمة من لغة الانجيل الارامية الاصلية الى الاغريقية ... ربما ترجمت كلمة مريم البتول بمعنى مريم الطاهرة الى مريم العذراء ، نظر صديقي الى الاستاذ بهنام مستفسراً. ردّ الاستاذ بهنام: ربّما. سأل قيس: ألَم يعرف المترجمون ولو بعد حين هذا الخطأ؟ قال صديقي: طبعاً ... ولكن هذا الخطأ يروق الفكر الكاثوليكي الذي كان في طور التكوين ... فهو يرفع من مكانة المسيح الى مطاف الآله ... فهو أبن الله ... فيضفي على من يمثله على الارض ... اي البابا وهو نفسه الامبراطور... قدسية وسلطة مطلقة. قلت: لم أود ان اطرح ما قاله صديقي ... ولكن بعد ان قال ما قال اود ان اضيف شئ اخر عن حياة المسيح ... رأيت قبل فترة فلم وثائقي في التلفزيون تشاهد فيه بقايا معبد لطائفة خارجة عن التعاليم اليهودية وفيه صورة من القرميد على ارض المعبد وفي الصورة الكاهن وزوجته وما يشير (حسب تفسير مقدم البرنامج) الى انه المسيح وزوجته الكاهنة مريم المجدلية ... خلاصة القول في هذا الفلم ان المسيح كان كاهن يهودي ولكنه خرج على الدين التقليدي. قال الاستاذ بهنام: مريم المجدلية حسب الانجيل كانت عاهرة انقذها المسيح من الرجم فتابت واصبحت من اخلص الناس لرسالته. قال صديقي: هي أكذوبة أخرى لأكمال الصورة العرفانية للمسيح ... الجنس في نظر العرفانيين من الشرور الشيطانية ... جعلوا من المسيح ناسك ومن مريم المجدلية عاهرة تائبة ... يظن البعض من الباحثين في التاريخ ان للمسيح ومريم المجدلية اطفال. قال سمير: فهمت الان السر في فلم ... شفرة دافنجي. قال صديقي: Da Vinci Code مأخوذ من قصة تدور حول صراع لحفظ حياة حفيدة المسيح من قبل جمعية سرّية حافطت على السر لألفي سنة ... صراع مع الكنيسة الكاثوليكية التي تسعى للتغطية على الحقيقة والخلاص من حفيدة المسيح. تابعت حديثي: كان التعميد في نهر الاردن عادة دينية جارية وقد عمّد المسيح واحد من اشهر العرفانيين واسمه يوحنا (المعمدان) وقال له انت المخلّص الذي كنت انادي بظهوره ... أنطلق يسوع المسيح الذي مسحت عنه الاثام يبشر برسالة محبة الله والانسان ، لا تثنيه الصعاب وتخرصات وتهديدات الناموسيين والفرّيسين وتملقهم وتحريضهم للسلطة الرومانية عليه بعد ان احسوا بخطر رسالته على سلطانهم. كان من بين اليهود من اعتقد ان يسوع هو المسيح المنتظر التي بشرت به التوراة ليقود اليهود الى الخلاص ، وقد اعتنق هذا المعتقد بعد صلب المسيح جماعة مسيحية - يهودية تركّزت في مدينة اورشليم وعندهم "كنيسة الختان" ، التي تشترط ختان الذكور على الطريقة اليهودية ولكن رسالة المسيح لم تكن لليهود فقط بل كانت رسالةً عالمية للانسانية جمعاء فقد انتشرت رسالته بسرعة بين غير اليهود. يقول الكاتب فؤاد السوّاح في كتابة "الوجه الاخر للمسيح" "لقد عبّر يسوع من خلال سلوكه اليومي عن رفضه لشريعة موسى ، واحل محلها شريعة القلب والروح ، شريعة تخدم الانسان بدل ان تستعبد الانسان:
"ومر يسوع في السبت خلال مزارع ، فأخذ تلاميذه يقطفون السنابل وهم سائرون فقال له الفريسيون: انظر ، لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل؟ ... فقال لهم: إن السبت جُعِل َ لأجل الانسان ، لا الانسان لاجل السبت" مرقس 2: 23 – 27.
كما عبّر في اقوال عديدة عن فساد حرّاس الشريعة:
"الويل لكم ايها الناموسيون. تحمّلون الناس احمالاً باهضة ، وانتم لا تمسّون هذه الاحمال بأحد اصابعكم ... الويل لكم ايها الناموسيون. فقد استوليتم على مفتاح المعرفة ، فلا انتم دخلتم ولا الذين ارادوا الدخول تركتوهم يدخلون" لوقا 11: 46 – 52."
قال الأستاذ بهنام: هذا المسيح الانساني ... على راسي. قال الاستاذ محمد: ما اشبه اليوم بالبارحة ... في بلاد المسلمين يُغرق مدّعوا ألدين ألمتزمتون الناس بالشرائع والطقوس ويبشرونهم بسعادة في الآخرة حتى لا يروا بؤس حياتهم الدنيا. واصلت حديثي: ... بشّر المسيح برسالة عالمية شمولية جوهرها محبة الله ومحبة الاخرين:
"فقال لتلاميذه بعد قيامته: اذهبوا وتلمذوا جميع الامم ، وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس" ... : "فساله واحد منهم ، وهو ناموسي ، ليجربه: يا معلّم، ماهي اكبر وصية في الشريعة؟ فقال له: أحبب ربك بجميع قلبك وجميع نفسك وجميع ذهنك. تلك الوصية الكبرى الاولى. والثانية مثلها، أحبب قريبك حبّك لنفسك. وبهذه الوصيتين يرتبط كلام الشريعة والانبياء" متّي 22: 35 – 40."
ويتجلى في انجيل يوحنا ما يعكس صدق رسالة المسيح الرافضة لليهودية ولشرائعها المجحفة وللكهنوت المتسلط الذي يقف بين الانسان وربّه ، مؤسساً لعبادة روحية بلا وسيط ولعبادة القلب لا عبادة الحرف (اي الطقوس والشرئع اليهودية) ، فيقول للمرأة السامرية التي التقاها:
"صدقيني يا أمرأة ، ستأتي ساعة يعبد فيها الاب لا في هذا الجبل ولا في اورشليم. أنتم تعبدون ما تجهلون ، ونحن نعبد ما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ستأتي ساعة ، بل اتت الآن ، يعبد فيها العباد الصادقون ألأب بالروح والحق ، لأن ألأب يريد مثل هؤلاء العباد. إن الله روح ، فيجب على العباد ان يعبدوه بالروح والحق.".
وعن المرأة الزانية التي اتاه بها الكتبة وألفريسون طالبين منه ان يرجمها بموجب شريعة موسى فيقول:
" من كان منكم بلا خطيئة فليتقدم ويرمها بحجر" فيعفو عنها ويقول لها "وانا لا احكم عليك. اذهبي ولا تعودي الى الخطيئة".
والمسيح الثوري لا يكتفي بالقول:
" ثُمَّ دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ، وَطَرَدَ مِنْ سَاحَتِهِ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ؛ وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَمَقَاعِدَ بَاعَةِ الْحَمَامِ. وَقَالَ لَهُمْ: "مَكْتُوبٌ: إِنَّ بَيْتِي بَيْتاً لِلصَّلاَةِ يُدْعَى. أَمَّا أَنْتُمْ فَجَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ" متي 21 / 12-17.
وفي قول شهير اخر يحل يسوع ألأخلاق محل الشريعة جملةً وتفصيلاً : "افعلوا للناس ما اردتم ان يفعله الناس لكم. هذه هي خلاصة الشريعة وكلام الأنبياء" متّي 7: 12.
وبالرغم من رفض المسيح لليهودية وشرائعها كاملةً إلّا ان حوارييه متّي ولوقا جاهدوا لاثبات يهوديتة وانتسابه الى انبياء ال ابراهيم في محاولات توفيقية بين الدين اليهودي والمسيحية الناشئة وتمهيداً لربط التوراة (العهد القديم) بالاناجيل التي استلهموها من اقوال المسيح (العهد الجديد). فنرى انجيل متّي ينسب يسوع الى ال ابراهيم حتى يصل الى يوسف فيهمل الحمل العذري لمريم ويقول: "ويوسف زوج مريم والدة يسوع ، الذي يقال له المسيح". وينسب انجيل لوقا المسيح الى ال ابراهيم ويورثه مُلك ملوكهم ولكنه يضفي عليه وعلى الانسان ككل صفة ابن الله ... ان محاولة ربط نسب يسوع بالملك داود ليس إلّا توكيد على أن مسيح الانجيل هو الذي حقق مسيح التوراة على مسرح التاريخ. قال الأستاذ بهنام: الا تعتقد إذن ان المسيح من نسب النبي داوود كما ورد في الانجيل؟ قلت: هناك مفارقة كبيرة في تاريخ ولادته ... فأنجيل لوقا يروي قصة الاحصاء العام الذي امر به القيصر الروماني اغسطس حيث يلزم على كل فرد تسجيل حضوره في المدينة التي تنتسب اليها عائلته. فيسافر يوسف الناصري بصحبة زوجته مريم الحبلى بيسوع الى بيت لحم ، حيث بيت داود الذي ينتسب اليه للاكتتاب ، ولكن المثبت تاريخياً ان الاحصاء كان في سنة 6 ميلادية. وفي انجيل متّي تكون ولادة يسوع المسيح في عهد هيرود ولكن المثبت تاريخياً ان هيرود توفى سنة 4 ق م. أستفسر الاستاذ بهنام: فأين ولد المسيح إذن؟ قلـت: ... تحضّر للمفاجئة ... ان البحوث التاريخية الاخيرة تدلّ على ان مدينة بيت لحم الحالية لا يمكن ان تكون موقع ولادة المسيح فقد استحدث اسمها بعد ولادة المسيح بأجيال لتبرير قصّة ويقصد منها انتماء المسيح الى ال النبي داود. اما مدينة بيت لحم الحقيقية التي عاصر وجودها تاريخ ولادة المسيح فتقع في منطقة الجليل مقابل السفوح الشرقية لجبل الكرمل ، ولعلها في لبنان الحالية. قهقه صديقي بأعلى صوته وقال: قرة عينك استاذ بهنام ... المسيح طلع لبناني ... اكيد عنده ذوق ويعرف يلبس حلو. ضحكنا جميعاً وردد الاستاذ بهنام: لبناني .. فلسطيني .. عراقي مو مهم ولكن المهم انه انسان وابن اوادم. اكملت حديثي: لم تتوقف محاولات الايهام بأن المسيح هو سليل انبياء اليهود بل تعدتها الى القول انّ تعاليم المسيح هي تواصل مع الشريعة اليهودية لغرض اصلاحها واكمالها ، ففي انجيل متي:
"لا تضنّوا أنّي جئت لانقض الناموس والأنبياء ، ما جئت لانقض بل لأكمل".
بل هي تُصّور المسيح كيهودي ملتزم بالتعاليم العنصرية المتعالية على غير اليهود ورسالته هي للخراف الضالة من بيت اسرائيل فقط:
" ودعا تلاميذه ألإثني عشر ، فأولاهم سلطاناَ يطردون به الأرواح النجسة ويشفون الناس من كل مرض وعلّة ... وقال لهم: لا تسلكوا طريقاً الى الوثنيين ، ولا تدخلوا مدينة السامريين ، بل اذهبوا نحو الخراف الضالة من بيت اسرائيل" متّي 10 : 1 – 6.
قال الاستاذ بهنام: من المؤكد ان بعضاً من حواري المسيح اقحموا تلك النصوص في صلب اناجيلهم التي تتناقض مع رسالة المسيح العالمية التي اعلنها في عدة مناسبات ، لأن تلك النصوص لا تتناسب مع تواضعه الشديد بل في تفضيله الفقراء والصعاليك على الاغنياء المترفين. فكيف لتعاليم المسيح التي تدعو الى اسقاط العبادات الشكلية والشرائع اليهودية والى ايمان من دون وسيط ، بين الله وهو روح كلّي وبين الانسان وهو من روح الله ، ان تؤدي من جهة الى نظام ديني كهنوتي ... اسمعوا هذا النص من انجيل توما:
سأل تلاميذه "اتريد ان نصوم؟ كيف نصلّي؟ هل نتصدّق؟ ماذا نأكل وماذا لا نأكل" فقال لهم ما يلخص الصلاة الحقيقية "لا تقولوا كذباً ولا تفعلوا ما لا تكرهون"
واصلت حديثي: كان اول بوادر النظام الديني الجديد هو تأسيس النظام ألكنيسي الذي استهلّه سمعان (وهو القديس بطرس) بخطاب وعظ بجمع غفير من اليهود في اورشليم بعد حوالي خمسين يوما من صلب المسيح. وردد بطرس ما قاله المسيح يطالبه بأنشاء الكنيسة:
"قَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِْ . فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي ، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا ".
يجادل ألرافضون للنظام الكنيسي الذي يضع وسيطاً بين الله والانسان بأن كلمة كنيسة في عهد المسيح لا تعني ما تعنيه اليوم من بناء قائم بل تعني جمع المؤمنين برسالته الخالدة ، وعلى اي حال فقد نشأت الكنيسة وتطورت وانتشرت في انحاء الامبراطورية الرومانية على يد القديس بولس. وبعد اضطهادٍ للمسيحيين دام كثيراً ولكنه لم يحد من انتشاره اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية سنة 312 م لاسباب سياسية ، ونقل العاصمة الامبراطورية الى قسطنطينة (اسطنبول حالياً). وخلال حكم الامبراطور ثيودوس في سنة 392 اصبح الدين المسيحي هو دين الدولة والكنيسة الارثدوكسية (القويمة) الغير مقصورة على المتحولين من اليهودية الى المسيحية ، هي الكنيسة الرسمية وما عداها يعتبر انحرافاً عن المسيحية. قال صديقي: نلاحظ تأثير الفلسفة اليونانية على الكنيسة الكاثوليكية التي هيمنت خلال القرون الوسطى على مقدرات الحكم والشعوب الاوربية ، فالنظام الكنائسي هو انعكاس لكتاب الجمهورية لافلاطون الذي يتخيل فية الدولة المثاليه من ثلاثة طبقات وعلى رأسها طبقة الذهب المكونة من الفلاسفة الحكماء النسّاك الذين تخلّوا عن مباهج الدنيا واطماعها ، ويقابلهم في الكاثولوكية رجال الكهنوت المسيحي. والطبقة الثانية هي طبقة الفضة من الحكّام وقوّاد الجيش والثالثة هي طبقة النحاس من عامة الشعب العامل. واصلت حديثي: حدثت انشقاقات في المسيحية تشضّى فيها المسيحيون (وذلك حسب ما قرأت) الى اكثر من 22000 طائفة وفرقة ونحلة اكبرها الارثدوكسية الكاثوليكية ومركزها هو في روما عاصمة الامبراطورية الرومانية. صفر السيد حسين بفمه متعجباً: يعني هم اتعس منّا ... عندهم هذا العدد وعندنا سبع وسبعين. قال السيد بهنام: لم اكن اتصور هذا العدد من الفرق المسيحية ... ولكن عندكم (يقصد المسلمين) أكثر من سبعة وسبعين. قلت: لعل من الافضل ان نأخد فترة استراحة الان لأواصل الحديث بعدها عن اسباب هذا التشضّي وعن نتائجة ، نادى الأستاذ بهنام على عامل المقهى لجلب الشايات ثم اخرج كيس فيه بعض الكليجة ووضعه على الطاولة وتبعة صديقي بكيس من كعك السيّد.
#موفق_كمال_قنبر_وفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 15
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14
-
محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)
-
محادثات فلسفية مع صديقي (12)
-
محادثات فلسفية مع صديقي (11)
-
محادثات فلسفية مع صديقي (10)
-
محادثات فلسفية مع صديقي 9
-
محادثات فلسفية مع صديقي 8
-
محادثات فلسفية مع صديقي 7
-
محادثات فلسفية مع صديقي 6
-
محادثات فلسفية مع صديقي 5
-
محادثات فلسفية مع صديقي (4)
-
محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (3)
-
محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (2)
-
محادثات فلسفية مع صديقي الملحد
-
امي المؤمنة ونار جهنّم
-
عراقي
-
شيخ الازهر والطالب النجيب قصة قصيرة ذات عبر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|