|
الهوية الإسلامية والهوية العربية
سعادة أبو عراق
الحوار المتمدن-العدد: 5425 - 2017 / 2 / 7 - 23:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الهوية الإسلامية والهوية القومية لم يخاطب الله سبحانه وتعالى الناس بخطاب واحد، فحينما كان يخاطب البشر كان يقول أيها الناس، وحينما يخاطب المسيحيين واليهود يقول يا أهل الكتاب، أما المعاندون لقبول العقيدة الإسلامية فيقول لهم يا أيها الكافرون، وكذلك المنافقون الذين لا يجرؤون على إظهار موقفهم، لقد كان يخاطبهم في قضايا معينة يرشدهم أو يدعوهم أو ينهاهم أو يناقشهم. لكن الخطاب الأقوى وهو خطابه للمسلمين، فكان يعتبرهم كتلة واحدة وجمهورا له سماته وميزاته، ويعدّهم لحمل الرسالة المحمدية، ويحكم تعاملهم مع المنافقين والكفار وأهل الكتاب وهذه الخطاب كان له أثره في تفكيرهم وتصرفاتهم وتفاهمهم مع بعضهم البعض، بما أدى إلى مفهوم أن المسلمين كتلة واحدة تختلف عن بقية العرب وأصحاب العقائد الأخرى. .وهذا الخطاب لم يحدد حجم فئة المسلمين، أكانوا آحادا أم عشرات أم آلافا ،ونحن لا نعرف ولا نستطيع أن نعرف عدد المسلمين في عهد رسول الله أو في العهد الراشدي، لكنهم كانوا بالتأكيد يعرفون بعضهم بعضا، أو يمكن أن يتعارفوا بسهولة، وحينما انطلقوا بالفتوحات انطلقوا ككتلة واحدة. هذه الكتلة كانت تسمى المسلمون، وكانوا جميعهم من العرب، لذلك اختلطت الهوية القومية بالدينية، فالعربي هو المسلم والمسلم هو عربي، وخاصة بعد أن اخذوا زمام الحكم والسيطرة على البلاد المفتوحة، فبعض المقولات التي أوثرت عن بعض المناوئين للإسلام في العهد الأموي ( إذا قال لك العربي كذا وكذا فقل له كذا وكذا ) ويقصد بالعربي المسلم ومن هنا كان كلمة عربي تعني مسلما. لكن وبعد أن دخل في الإسلام قوميات كثيرة كالفرس الترك وغيرهم من أقوام الشرق الإسلامي، أصبحت القومية ذات حضور وتأثير في المجتمع، وأصبحت كلمة مسلم لا تعني شيئا أمام كلمة فارسي أو عربي أو تركي، ومن هنا نشأ صراع بين هذه الشعوب فيما كان يسمي بالشعوبية. ومن تجليات هذا الصراع ما كان في خلافة أولاد الرشيد الأمين والمأمون والمنصور والمتوكل فكلٌ له أمٌ تختلف في قوميتها عن الأخريات، وبالتالي كان هذا الإصهار لهذه القوميات مدخلا لسيطرة هذه الشعوب على الخلافة، أو إقامة دويلات مستقلة قائمة على القومية وليس على الدين كالدولة الطاهرية والغزنوية والسلجوقية وغيرها, ولم تكن أوربا ببعيدة عن مثل هذه التحولات المجتمعية، فبعدما كان البابا في روما يحكم أوروبا باسم الدين، ويبارك كل أمير أو ملك يتولى سلطاته وبتدخل في شئونهم، عندها ضاقوا بهذه السلطة الوهمية غير الفعالة، فحدثت انشقاقات وتمردوا على هذه السلطة، وكانت نتيجتها ظهور دويلات توحدها لغات وسلالات عرقية بدلا من الدين المسيحي. ومع تأثر الدولة العثمانية بالقوميات التي ظهرت في أوروبا، كانت للقومية الطورانية اليد الطولى في إسقاط خلافة بني عثمان، لذلك صب الأزهريون في مصر جام حقدهم على مبدأ القومية، أكانت طورانية أو عربية أو غيرها. لذلك فإن الإخوان المسلمين الذين نشأوا في أول العشرينات، إبان السيطرة الاستعمارية، حملت نفس الشعار المناوئ للقومية، وما زال هذا المبدأ واحدا من أعمدة الفكر الإسلامي الذي يرى في الهوية القومية خطرا على الهوية الإسلامية . إن الذين يؤمنون بهذا الفكر إنما ينطلقون من فهم الخطاب القرآني لصحابة رسول الله، وكأن الزمن لم يتحرك، وان المسلمين لا يمارسون إلا العبادة فقط، وأنهم ما زالوا عصبة تتخطفها الأعداء، وأنهم قريبو التواصل كما لو بلدتين متجاورتين، وأنهم ما زالوا بدوا وفي غنى عن الدولة ومؤسساتها. إن إنكار الهوية الوطنية أو القومية لصالح الهوية الإسلامية، ما هو إلا إفك عظيم وافتراء على المنطق والدين، فما المانع أن يكون الإنسان مسلما عربيا أردنيا أو مصريا ومن بلدة ما وعشيرة ما؟ أي تداخل في هذه الولاءات؟ ولنفرض أني أنكرت عروبتي ومواطنتي لصالح هويتي الإسلامية التي تجمعني مع الإندونيسي والباكستاني والنيجيري، فما الذي اكسبه أنا؟ وما الذي يكسبه هؤلاء؟ والمواطنون المسيحيون الذين يعيشون بين ظهرانينا من مئات السنين، لمن يكون ولاءهم هل تسمحون لهم بأن يكون ولاءهم للدول المسيحية أو الفاتيكان، ولا تقولون عنهم عملاء؟ إن نقاشا في أمر بالغ البداهة والبلاهة، هو مضيعة للوقت، ولكن هذا الأمر كان أكثر فائدة وأهمية لأعداء الأمة العربية، لأنه حقق لهم فينا المصائب التالية: 1- إنها فكرة نزعت من المسلمين العرب خاصة ولاءهم لأوطانهم ومجتمعاتهم، وكفت أيدهم عن الإسهام في بناء أوطانهم، والدفاع عنها اعتمادا على أن الولاء أولا لعالم الإسلام والمسلمين. 2- أصبح الجهاد يستقطب الشباب في أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها، ومثل هذا العمل قد جر على شعوبهم ويلات هم في غنى عنها. 3- في سياق معاداتهم للقومية العربية كانوا مناوئين لكل المفكرين والمجتهدين في مطلع القرن الماضي وما قبله ، أمثال طه حسين ولطفي السيد وسلامة موسى ومحمد عبده وقاسم أمين وجبران وغيرهم، يطعنون في ولائهم ونبلهم ويسفهون أفكارهم وعملهم دون أن يقدموا بديلا، ولمن يريد التأكد فليراجع كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين. 4- كان فرحهم بهزيمة عام 67 عظيما نكاية بعبد الناصر، وبالقوميين العرب الذين حملوا لواء النهضة، والوقوف مع أعداء الأمة في أزمتها التاريخية، فقد كانوا يفتون ويقولون أن الذي يموت في سبيل الوطن ليس شهيدا، ويشيرون بذلك إلى الأعمال الفدائية البطولية البكر لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي اشترك بها كل أحرار العالم باستثناء الجماعات الإسلامية، وبذلك وقفوا في معسكر إسرائيل وانحازوا للأعداء، أما بعد ذلك، فإنه بقدرة قادر صاروا يعتبرون كل من يموت في أفغانستان سيدا للشهداء، لأن أمريكا راضية عن ذلك. 5- قاموا بقتل فرج فودة وطعن نجيب محفوظ ، بمعنى لا حوار ولا فهم ولا تفاهم ولا أسلوب غير القتل. ومن قبل قاموا في لبنان بتصفية كثير من المفكرين مثل مهدي عامل وصبحي الصالح وغيرهم ، وأهدرت إيران دم الكاتب الباكستاني سلمان رشدي ومثل ذلك في الجزائر أيضا ، بينما يستنكرون إعدام سيد قطب. 6 - أصبحوا أعداءً لوطنهم ولموطنيهم، واشد تشطيرا لفلسطين من ألمغتصبين اليهود، كأن في موطنهم إسلاما مغشوشا، وأصبح من الإسلام أن تقتطع حماس من فلسطين قطعة وترتهنها للآخرين، تحت حجة مقاومة إسرائيل. 7 – ان مشروع الإخوان المسلمين وجزب التخرير لإقامة دولةسلامية يتنافى مع الدولة المدنية القائمة الآن، لذلك فإت رفضهم للقومية العربية الذي يشترك بها المسيحبون والمسلمين والبهود والأزيديين والصابئة والشيعة والدروز وغيرهم من الطوائف والأجناس، إنما هة نابع من مشروعهم لإقامة دولة إسلامية يقيمونها على هواهم وحسب مفهمهم ان البشر مقسومون إلى مسلمين وغير مسلمين
#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة الإسلامية والتكنولوجيا
-
تعريفات لفهم الدولة الإسلامية
-
نحن محكومون بالتغيير
-
أثر الإسلام السياسي في الثقافة المجتمعية
-
هل لدينا وقت للحلم؟
-
مشروعية الحلم بدولة إسلامية
-
متلازمة التفكير والتغيير
-
الإسلام حضارة أم دولة؟
-
جدلية الفكرة ونقيضها
-
الدين والفكر الديني 3
-
الدين والفكر الديني ( 2 )
-
الدين والفكر الديني ( 1 )
-
مفاهيم خاطئة في تلاوة القرآن وقراءته
-
تقارب
-
سيناريوهات عذاب القبر
-
هل أقر الله بالسحر أم نفاه
-
هل قوة الدولة من قوة دينها؟
-
سكيولوجيا الحروب
-
قصة قصيرة - وقفة
-
مصطلح الأنتصار( 2 ) تبعات الاعتقاد بان النصر من عند الله
المزيد.....
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|