فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 10:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
البعث السوري و"الوحدة والحرية والإشتراكية"
جلبت أهداف البعث الرئيسية والتي بدأ بتطبيقها قبل أكثر من أربعة عقود من الزمن ثمارها "للأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة"!
بعد اغتصاب البعث للسلطة في سوريا عام 1963 قام المنظرون البعثيون وأدبائهم بشحن الجماهير بالشعارات والأهداف المتممة "لثالوثهم المقدس" وظهرت الأناشيد والأغاني المقدسة مثل "البعث قامت ثورته والدهر دارت دورته"... "أنا بعث وليمت أعداءه عربي عربي عربي"... "لا تسل عني ولا عن مذهبي أنا بعثي إشتراكي عربي"....إلخ.
ثم تطورت هذه الحماسات وهذا الأدب بعد ثورة التصحيح عام 1970 لتصبح الشعارات اليومية والأناشيد السياسية "للقائد الأسد" وصار الشعار الرئيسي لكل طبّالي السلطة والمرددين القوّالين "بالروح بالدم نفديك يا حافظ" ... "يا حافظ إحفظ حافظ"..... وغيرها من الآيات البعثية الأسدية لحزب الأسد وحديقة حيواناته, واستمرت كذلك في عهد الوريث الإبن!
ونظرة سريعة لإنجازات البعث في "الوحدة والحرية والإشتراكية" والتي على أساسها بنى سياسته وفكره وكيانه وباسمها قام "بثورته في 8 آذار 1963 في سوريا" نلاحظ نتائجها وانتصاراته العملية, ومنها:
الوحدة: لقد أنجز الأسد وحدة لواء اسكندرون مع تركيا بشكل نهائي! وكخطوة أولى على توحيد الجولان مع إسرائيل فقد قام نظام البعث ومنذ كان الأسد الأب وزيراً للدفاع بتأجير هضبة الجولان قبل ما يقارب أربعة عقود من الزمن ولإشعار آخر!
أما عن فلسطين والشعارات الحربجية والتي على أساسها وطّد حكمه وسلطته, فالناس بما فيهم الفلسطينيين يدركون واقعيتها وحقيقة طرحها.
وكما وحّد الكويت مع العراق نظير الأسد البعثي العراقي, وحدّ حافظ الأسد لبنان مع سوريا, وغالبية اللبنانيين يعرفون جيداً ثمار هذه الوحدة التي كانت "وحدة ما يغلبها غلاّب".
ورغم محاولات الاتحادات العربية التي كانت تصدر في صفحة إعلانات القذافي الشهرية والتي شارك البعث العربي الإشتراكي في كل واحدة منها إلاّ أن الشيئ الأهم والأول والذي يعبر عن إيمان هذا الحزب وقيادته وموظفيه بالوحدة العربية هو أنه نفس الحزب المذكور اغتصب السلطة في كل من العراق وسورية وخلال أربعة عقود من الزمن , ليس فقط لم يستطع هذا الحزب توحيد البلدين المجاورين البعثيين, بل جعلا العراق وسوريا في عداء وحالة حرب دائمة لعقود عديدة من الزمن!
الوحدة عند البعث كانت "أن تأتي لتتحد معي" والوحدة كانت هي خضوع الآخرين لهم ولسياستهم, وماذا كانت النتيجة لو كانت هذه الأرض الممتدة من الخليج إلى المحيط تحت قيادة صدام حسين أو حافظ أسد أو أحد الورثة!!
أما الوحدة الوطنية الداخلية والتي شيدها البعث السوري وأسده الأول هي وحدة أسرته وأقربائه في الحكم والسيطرة واقتسام المصالح بين عصابات المافيا الحزبية والعسكرية والإقتصادية... وتوحيد غالبية السكان تحت مستوى خط الفقر! توحيد المجتمع تحت فكرة الفساد كنهج عام واعتباره قدر لا مردّ له!
الحرية: هي أقدس هدف مارسه البعث خلال سلطته سواء في سوريا أو في العراق, فهمهم وتطبيقهم للحرية واحد, فبعد غياب دور حزب البعث كحزب وإحلال الفرد القائد "صدام – الأسد" صارت الحرية هي ما يعزز سطوة الزعيم وعبادته, وصار الحزب وسيلة لتدعيم هذه السطوة والعبادة, وقد استطاع حافظ الأسد ثم ولده القائد توحيد حرية الشعب في الخروج للمظاهرات الاستعراضية وترديد المديح, حرية الولاء له والعداء لأعدائه, فكانت ديمقراطية وحرية نظام الأسد من لم يعلن دعمه وتاييده لسياسة النظام فهو عدو الوطن, وصار النظام والوطن شيئ واحد في مفهوم وسياسة البعث وأسوده اللاهثة وخرفانها الثائغة!
يقول الكتاب المقدس "من ليس ضدنا فهو معنا" أما سياسة الأسد المقدسة فتقول "من ليس معنا فهو ضدنا"!
ولهذا ازدادت أجهزة الأمن وأمن الأمن والتي يقال أن عددها اثنا عشر جهازاً, وقرأت في أماكن عديدة أن عدد أجهزة الأمن ستة عشر في سورية المؤمنة!
الحرية والديمقراطية أن تعلن ولاءك لهم, ولك الحرية في النفاق إلى آخر حد, حتى وصفوا الأسد بالنبي, وأي نبي!!
أما حرية المنظمات الشعبية والنقابات فحدّث ولا حرج!
وحرية الصحافة والتنظيم والتعبير في عهد الأسد الكبير والشبل الصغير وربطها مع عدد من أجهزة الأمن المؤمن وعدد السجون وعشرات الآلاف من الضحايا تبين تطبيق شعار الحرية البعثي الأسدي, ويبين الأقلام الحرة والأصوات الحرة التي ترعرعت وعاشت في تلك الفترة.
الإشتراكية: فريدة من نوعها, كانت إشتراكية الحرامية والبلطجية وكانوا إشتراكيين في نهب البلد وإفقار الناس.
إشتراكيتهم كانت الشراكة في القمع والترويع والنهب, مثلاً "القطاع العام" أو قطاع الدولة الإقتصادي كان وما زال الوسيلة الأكثر شهرة للسرقات القانونية بشكل غير مباشر,
لم أسمع خلال عشرات السنين عن معمل أو شركة حكومية بأنها ناجحة –ربما التقارير كانت كتقارير إشتراكية بريجنيف- بل كلها خاسرة وتستلم الدعم السنوي من الميزانية العامة, ومعروف للجميع مستوى تدني إنتاجية ونوعية شركات القطاع العام وخساراتها وسرقاتها منذ قيامها بسبب فساد الإدارات المتلاحقة والتي هي جزء من الفساد العام في إدارة البلد ككل!
إلاّ أن بعض اليساريين يدعموا ما يسمى القطاع العام وهم يدركون كل شيئ عنه لكن مبرر دعمهم هو كونه "عام" أي أن الشكل المهم وليس النتيجة –هذا البعض ما زال يهمه الشكل حتى صار شكل لشكل السلطة ولكن بدون سلطة-!
لقد عاش الشعب السوري في ظل "الوحدة والحرية والإشتراكية" أكثر من أربعة عقود من الزمن وحصد ثمارها من الفقر والقمع والاستبداد والسجون والتفريط بسيادة الوطن –مساحة سوريا صارت أقل مما كانت عليه قبل وصول البعث للسلطة- وقريباً عندما يستطيع الشعب السوري أن يعبّر عن رأيه بحرية سيقول كلمته في وحدة وحرية وإشتراكية البعث وأسوده وخرفانه!
والدهر دارت دورته والبعث "كانت" ثورته!
بودابست 9 / يناير / 2006 د. فاضل الخطيب
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟