مولود مدي
(Mouloud Meddi)
الحوار المتمدن-العدد: 5422 - 2017 / 2 / 4 - 22:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان ثقافة اقصاء الأخر ليست بغريبة عن مجتمعاتنا العربية بل هذه الثقافة هي ميزة الانسان العربي, لكنها تعتبر مشكلة كبرى نعاني منها أثناء اختلافنا وأثناء نقاشنا، وما ينتج عن هذا الاختلاف هو إقصاء الرأي الآخر، ومحاربة الطرف الآخر بكل عدائية، وكل ذلك من أجل اختلاف في الفكر والرأي، بل يذهب الاختلاف إلى أبعد من ذلك بالبحث عن أمور تكون في صالح كل صاحب رأي اختلف مع الطرف الآخر، حتى يكون كل واحد هو الأقوى.
لقد شكلت ثقافة الاقصاء جزءا كبيرا من ثقافة العربي البدوي فتحاربت القبائل العربية لأتفه الاسباب من أجل فرض منطقها و كذلك حبا في التفاخر حتى اصبحت ثقافة القتل و الغزو امرا اعتياديا عند العرب فالمسعودي في كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر- الجزء الاول يقول ..(إن شهر صفر سمّي بهذا الاسم لأن بيوت العرب كانت تصفر.. أي تخلو من الناس لخروجهم جميعاً لغزو بعضهم البعض ) ! فقد كانوا يقتلون بعضهم البعض لمجرد اي اختلاف بسيط قد يفوق قدراتهم العقلية فيكون السيف هو الوحيد لحسم المشاكل, لشعورهم بالنقص اتجاه اي تصرف قد تفسّرهُ عقليتهم الاقصائية على أنّهُ إهانة لكرامتهم وكبريائهم و من يبحث في تاريخ العرب قبل الاسلام يجد أنه قد وقعت حرب شهيرة هي ’’ داحس و الغبراء ’’ دامت لأربعين عاما بين فرعين من قبيلة غطفان النجدية، هما عبس وذبيان ، وكان سبب النزاع هو فرسا رهان، غلب احدهما الآخر في احدى اسواق العرب في الجاهلية !، كما يذكر ذلك أبن الاثير في كتابه الكامل في التاريخ - الجزء الأول.
و عند مجيئ الاسلام حاول النبي محمد تخليص العرب من هذه العقلية السيئة لكنه جوبه بنفس عقلية الاقصاء والرفض التي عهدوها, و السبب العقلية العربية العاجزة عن استيعاب اي فكر جديد عليها و لا حتى مواجهته بالفكر فكان العرب لا يعترفون بالفكر و انما بالقرابة و النسب فالعربي عندما يدافع عن أخوه يدافع عنه بسبب صلة القرابة و انتمائه اليه لا بسبب قوة حجته و رصانته, و يجب التوقف عند قصة مهمة في التاريخ العربي الاسلام لا زالت تسبب نزاعاً فكرياً وعقائدياً، استمر الى وقتنا الحاضر و هي قصة سعد بن عبادة الذي رفض بيعة الخليفة ابي بكر فخرج الى الشام و مات بها و لكن لا أحد تجرأ على ان يبحث في سبب وفاته بتلك الطريقة الغامضة فلا ابن كثير و لا الطبري و لا غيره اتوا بتفسير منطقي لسبب موته بتلك الطريقة الدراماتيكية لكن الخزعبلات و الأساطير دائمة الحضور في التاريخ الاسلامي فلجأ المؤرخون الى العالم الآخر، وادعوا إن من قتله الجن ، حتى قالوا إن الجن، قد انشد شعراً على جثته :(قتلنا سعد أبن عبادة ....رميناه بسهم لم يخطئ فؤاده)، ولا نعلم ما علاقة الجن بهذا الرجل، وما الخطر الذي شكّله لهم، ليقتلوه !؟.
ورغم اعتناق العرب الاسلام لم يستطيعوا ان يتخلصوا من عقلية اقصاء الأخر رغم أن الدين الاسلامي يأمرهم بحسن الجوار و حسن معاملة من يختلف معهم كما لا يجوز الاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال لكن المسلمون انتقلوا الى المستوى الأخر بتكفير كل من يخالفهم في الفكر عوض مناقشته بالحجة فلا يجوز لطائفة من أبناء القبيلة أن تفهم الرب وأوامره بغير السائد المستقر اللا متغير، ومن يفعل ذلك مخالفا ما استقرت عليه القبيلة يتم نفيه للصحراء وحيدا حيث يموت وحيدا أو ينضم لمجتمع الصعاليك والذؤبان المطرودين من حماهم، أو يتم تكفيره منعا لتمزق القبيلة بعد فترة استتابة مناسبة ليعود للحمى المتماسك أو يتم قتله, وعلى سبيل المثال أكثر كلمة ترددت في كتاب الفقه ’’ الفتاوى الكبرى ’’ لابن تيمية هي ’’ يستتاب او يقتل ’’.
و بما أن المسلمون العرب لا زالوا لحد الأن يتوهمون انهم بتخلفهم و انحطاطهم خير امة اخرجت للناس فلا زالوا يرون الطرف الاخر المخالف كعدو للإسلام و كل فكر جديد ما هو الا وسيلة لهدم الاسلام, فاعتبروا أن الراي الأخر فكرة غربية يراد بها تضليل المسلمين وإقصاء الإسلام عن الحكم و يالها من هلوسة ! ف السيد علاء أبو صالح عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين في مقالة له بعنوان ’’ قبول الآخر فكرة غربية يراد بها تضليل المسلمين وإقصاء الإسلام عن الحكم ’’ يقول : إن فكرة قبول الآخر بالمعنى سالف الذكر، هي فكرة باطلة عقلاً فهي تفضي إلى نفي وجود الخطأ والصواب أو الحق والباطل أو اعتبار ذلك بلا قيمة، بينما العقل والواقع يقر بقطعية انقسام الأفكار والآراء والأعمال واقعياً ونظرياً إلى خطأ وصواب وحق وباطل وهي باطلة من ناحية شرعية؛ حيث أن الإسلام ونظمه هو الحق وما سواه باطل، والإسلام لا يحترم ولا يقر من ناحية عقدية وفكرية أية شرعة أخرى بالرغم من أنه لا يظلم أصحابها ولا يحرمهم حقوقهم الرعوية إذا عاشوا في كنفه ’’ !!. و بهذه الطريقة يقر هذا الشخص انه لا مجال للاختلاف في الاسلام و و الرأي الأخر هو عدو للإسلام و المسلمين يجب تصفيته كما أن الاختلاف باطل شرعا و حتى عقلا !! و لا نعرف كيف الاختلاف غير مقبولا عقلا عند بشر و عربان لا يعرفون لحد الأن معنى العقل بل فكرة العقل غريبة عنهم ؟ ان هذا الشخص يصور لنا ان الاسلام عبارة عن دين فاشي لا يحترم العقائد الأخرى فلنا ان نتساءل هنا اي اسلام تريدون ؟ هذا الشخص ليس هو الوحيد فقط في العالم الاسلامي من يؤمن بالفكر الاقصائي بل هو عينة من مجتمع يعتبر وقودا لهذا الفكر الذي انتج لنا الارهاب ثم تجدهم اول من يندد بالإرهاب و يبدؤون بترديد آيات القران المكي التي تدعوا الى تقبل الأخر !.
إن نقطة الشروع هذه لهذا النهج الاقصائي في تاريخنا الإسلامي، جرّ الويلات على الشعوب المغلوبة على أمرها، والتي وقعت تحت وطأة حكم الأمويين والعباسيين ، حيث اصبحت لغة الاقصاء والتهميش، جزئاً مهماً من السلوك والحِراك السياسي والعسكري لهؤلاء الحكام والملوك ، مارسوا من خلاله ابشع انواع القتل والتعذيب والتغييب بحق كل من يخالفهم في الرأي أو العقيدة والانتماء، بل اصبح المسلمون انفسهم وقوداً، لهذا الفكر والنهج الشاذ، فيذكر السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه الفصول المهمة : إن أول نساء بيعت كجواري في اسواق المسلمين، هن نساء قبيلة همدان القحطانية اليمنية ، بعد ان تم قتل رجالهن وابنائهن، لا لسبب، سوى لحبهم لعلي بن أبي طالب (ع)، وكانت هذه السابقة الخطيرة، قد نفذت بأمرٍ من معاوية بن أبي سفيان, و التاريخ لن ينسى تعذيب هؤلاء الحكام المستبدين لجميع الفرق الاسلامية التي خالفت فهمهم للإسلام فالمنصور عذّب الامام ابي حنيفة النعمان لان هذا الاخير رفض منصب القضاء فتم جلده حتى ورم راسه و هو في السبعين من عمره من طرف اعوان المنصور الذي قال يوما (انا الاسلام و الاسلام انا ) فكل انسان لا يفهم الاسلام على شاكلة هذا الشخص يعتبر كافرا مستوجب القتل, ونتيجة لهذه التراكمات التاريخية، تداخلت العقلية العربية بمزاجيتها الاقصائية بالفكر الإسلامي بصورة فطرية وعفوية، كون العرب هم من حمل الإسلام الى الشعوب الأخرى، لذلك نجد إن الملوك والسلاطين المسلمين، بغض النظر عن انتمائهم العرقي، والذين توالوا على حكم الأمة الإسلامية من (سلاجقة وبويهيين ومماليك وعثمانيين ) ، قد تعاملوا مع رعيتهم، تبعاً لأهوائهم ورغباتهم الشاذة، ومحاولة إبعاد أي صوت يعتقدون أنّهُ نشاز، ويغرّد خارج سرب طموحاتهم الغير مشروعة ، فكان السلاطين العثمانيون، والذين طرحوا انفسهم على أنهم حماة الدين وولاة أمر المسلمين ، قد مارسوا نفس الاسلوب مع الأقليات في دولتهم التي امتدت الى حدود النمسا، مروراً بالمشرق العربي ..فاضطهدوا الشيعة، وعمدوا اعلى حرمانهم، حتى من التعليم، كما يذكر السياسي، كامل الجادرجي في كتابه (من أوراق كامل الجادرجي ) :(ان الطائفة الشيعية تعد في زمن الدولة العثمانية أقلية ينظر اليها بعين العداء، فلم تكن يقبل لهم تلميذ في مدارسها الحربية، ولا أي وظيفة حكومية، وحتى المدارس الاعدادية، كان يمنع ابناء هذه الطائفة من دخولها )،ومارست اقسى من هذا السلوك العدائي ضد الرعايا المسيحيين في دولتها، كما في ما يسمى (بمذبحة الارمن ) عام 1915 ، والتي تشير المصادر التاريخية، أنّهُ راح ضحيتها اكثر من مليون ونصف ارمني مسيحي, اما الأوضاع التي يعيشها العالم الاسلامي حاليا فما هي الاا وجهٌ آخر، وفصلٌ جديد من سياسة الاقصاء القسري والعدائي اتجاه الآخر، لا يمكن تبريرها تحت أي مسمى أو عنوان ، بقدر ماهي استمرار للنهج الأموي العباسي الدموي الذي تمارسهُ الجماعات المتطرفة التكفيرية، بحق اتباع أهل البيت النبوي الشريف و اتباع الطوائف الأخرى.
#مولود_مدي (هاشتاغ)
Mouloud_Meddi#