أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6















المزيد.....



دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1429 - 2006 / 1 / 13 - 10:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


النواتات المتبلورة 1950– 1958(2-6)
1- التنظيمات اليسارية والديمقراطية:
التنظيم الديمقراطي للضباط واللجنة الوطنية لإتحاد الجنود والضباط:

تشير العديد من المصادر المقترنة بالوقائع التاريخية, رغم تضاربها في التفصيلات, أن تكتل الضباط الوطنيين قد تفتت كمجموعة موحدة عاملة, عند عودة الجيش من فلسطين. لكن مع ذلك بقيت بين بعض أعضاءه علاقات تضامنية /مهنوية/ سياسية, تجمعهم فكرة التكتل الغائي, تطورت لاحقاً إلى تكتلات متبلورة غير ظرفية ذات بناء منظم, أستقلت نسبياً بعضها عن البعض الآخر في المرحلة الأولى, ومن ثم توحدت (رغم ما إنتاب مضمونها من خلاف) في مرحلة لاحقة. وهذا ما سنعود إليه لاحقاً بصورة أكثر تفصيلاً.
تكونت آنذاك تكتلات أخرى خارح (تنظيم الضباط الوطنيين), بعضها كان إستمرار للتنظيمات الحزبية السابقة التي تكونت قبل حرب فلسطين كما هو لدى حزبي الاستقلال والشيوعي العراقي, مما يؤكد أن فكرة استخدام الجيش وممارسة دوره في الحياة السياسية في العراق كان قبيل الثورة المصرية وقبيل الحركات الانقلابية في سوريا في نهاية الاربعينيات وما ساد في لبنان بعد ذلك.
لقد كان هناك تنظيم حزبي صغير يعود للحزب الشيوعي متركز في قاعدة المؤسسة العسكرية وقد ضم هذا التنظيم خلال الفترة 1947-1949حوالي 262 عضواً في المؤسسة العسكرية. كان منهم 7 طلاب في الكلية العسكرية, في حين مثل ضباط الصف والجنود (المتطوعون والمكلفون) ما يقارب 55% من المنتمين, أي 144 عضواً, وخلا هذا التنظيم من أي ضباط. ونتيجة للقمع الذي مُرس ضد الحزب بعد وثبة كانون 1948 وإعدام الحياة لقادته, أنخفض عدد الأعضاء العسكريين في الحزب إلى 92 عضواً كان منهم 6 ضباط وطالب واحد في الكلية العسكرية وآخر في المدرسة الطبية العسكرية وطبيب عسكري . وقد تطور لاحقاً إلى تنظيم ذات سمات حزبية وكون كتلة أطلق عليه إسم "اللجنة الوطنية لإتحاد الجنود وضباط الصف والضباط " (سنطلق عليها, إتحاد الجنود والضباط) وقد شمل في عضويته, بالأساس, المراتب وبعض الضباط الصغار الذي كان أغلبهم مزدوجي العضوية, حيث كانوا في هذا التنظيم وفي الوقت نفسه في كتل الضباط الأخرى, وخاصةً تلك التي يجمعهما تماثلاً فكرياً وتقارباً تنظيمياً, منها تلك الكتلة التي تأسست في مطلع الخمسينيات وأطلق عليها في البدء (ما بين النهرين). ثم تغير هذا الأسم عدة مرات في سياق تطور عمله وتوسع قاعدته وتحالفاته, وسنطلق عليه مجازاً (التنظيم الديمقراطي).
ولابد من الإشارة إلى ذلك التداخل بين هاتين الكتلتين اللتان مثلا جناحي (كتلة إتحاد الجنود والضباط ) لاحقاُ. وقد ضم جناح الضباط ذوي التوجه الديمقراطي واليساري وذوي النزعة الوطنية العراقية, وأرتبط لاحقاً, بهذه الدرجة أو تلك, بالحزب الشيوعي العراقي. لكن هذا لا يعني أن كافة المنظوين تحت لوائه من الضباط كانوا يحملون العضوية الحزبية من جهة, ومن جهة أخرى بقى هذا التنظيم محافظاً على هيكليته وأقتصرعليهم فقط دون المراتب نزولاً عند السياقات والمتطلبات العسكرية, ومن جهة ثالثة تعددت مسميات هذه الكتلة, إذ جاءت مرة بإسم الكتلة الماركسية أو الشيوعية وثانيةً بكتلة الضباط الديمقراطيين وثالثة بكتلة إبراهيم الجبوري. وقد أشارت الموسوعة إليها بإسم " الكتلة الماركسية والتي سميت بكتلة المقدم إبراهيم حسين الجبوري, حيث معظم ضباطها ماركسيون وتشكلت بعد الإعتداء الثلاثي بعد إنسحاب المقدم إبراهيم الجبوري من التنظيم الأم... وأصدرت عدة منشورات وقد سبق وإن أشرنا إلى طلب المرحوم رفعت من هذه الكتلة التوقف عن إصدار هذه المنشورات ولا أريد أن أذكر أسماء الضباط المنتمين إليها لأنهم لا يريدون ذلك وخاصة وأن بعض أعضاءها قد إلتزموا الجوامع لإداء الفرائض الدينية ". أما كتلة (إتحاد الجنود والضباط) فقد كانت إمتداداً للتنظيم العسكري للحزب الشيوعي, الذي تشكل عام 1935 كما مر بنا.
إني واعي, أن ذكر هذه الكتلة ضمن فصل الضباط الأحرار فيه خلل منهجي في البحث, من حيث الشكل دون المضمون.. لذا تطرقت إليها لسببين أرأسين هما:
- بسبب التداخل الوظيفي والحزبي بينها وبين التنظيم الديمقراطي للضباط؛
- بسبب مساهمة العديد من أعضاءها في الترويج لفكرة غائية الحركة وفي تنفيذ ثورة 14 تموز.
أما بصدد تنظيم الديمقراطي للضباط, فيسلط مؤسسه إبراهيم حسين الجبوري, الضوء المكثف على أبعاد نشوئه وتطوره وتحالفاته, كما وردت في مذكراته المختزلة , حيث يقول:
" في أوائل العام 1950 كنت برتبة رائد منسوب إلى الفوج الثالث من اللواء الرابع في الديوانية, وفكرنا أنا والمقدم (جهاد عبد الواحد الاطرقجي) في تشكيل منظمة سرية وطنية بين الضباط تسعى إلى قلب نظام الحكم أتخذنا لها الإسم السري (ميسوبوتاميا:ما بين النهرين). واتفقنا على أن نبذل مجهوداتنا في ضم أكبر عدد من الضباط تحت هذا الشعار. بقيت منظمتنا محدودة داخل اطار اللواء المذكور في الديوانية... وعندما ذهب (محمد طه) إلى البصرة وأنتقلت أنا إلى بغداد في عام 1953كانت منظمتنا تتألف من 23 ضابطاً بمختلف الرتب . وكانت مهمتي توسيع المنظمة في بغداد وفي الشمال. وكنا قد قمنا بتغيير الإسم الذي اتخذناه سابقاً إلى" منظمة الضباط الأحرار. وعلمتُ من جماعتنا في الديوانية أن المقدم عبد الوهاب الشواف انضم إلى التنظيم عضواً. كما علمت أيضاً أن (المقدم جهاد الاطرقجي) قد ترك النتظيم والسبب يعود إلى موضوع مصير الملك بعد تحقيق الانقلاب. والخلاف على صياغة البيان المقرر اذاعته للجمهور وغير ذلك من الأمور ". " ... كنت مساعداً لآمر مدرسة الأسلحة الخفيفة, وهي مجال يعطيني الحرية للتنظيم وضمّ بعض الضباط الذين يدخلون الدورات في تلك المدرسة, وقد تكونت مجموعة يتراوح عددها ما بين اثتي عشر ضابطاً وخمسة عشر. وبقى الهدف الأول إسقاط نظام الحكم. من الضباط البارزين في المنظمة الملازم إبراهيم اللامي المعروف بميوله الوطنية عملتُ على نقله إلى مدرستنا وتم هنا عمل أول خلية مع ثالث هو الملازم كاظم عبد المجيد.
على ما يبدو أن (عبد الوهاب الشواف) لم يكن غرضه من الإتصال والدخول في منظمتنا في الديوانية إلاّ لغرض ترؤسه لها فقط . وعلى أغلب احتمال كان في مدرسة الأسلحة الخفيفة من قد عرف بالمنظمة في العام 1956, كلٌ من (عبد الوهاب الأمين ونعمان ماهر) أو على الأرجح دخلا في التنظيم, حيث أن اجتماعاً تمّ في دار الأول منهما في (الاعظمية). وشعرت السلطات بفعالياتنا. وقال (عبد الوهاب الأمين) إن (إسماعيل العارف) هو المخبر... وعرفت المنظمة الثانية بوجودنا.
هذه الحادثة أحدثت غفوةَّ في تنظيماتنا كما اننا علمنا بأن الملازم الأول (فاضل البياتي) في الحرس الملكي كان قد ألف منظمة بين الجنود وضباط الصف... ". أصر (إبراهيم اللامي) الملتحق بتنظماتنا على معرفة المزيد من عملنا ولم نكن في وضع نستطيع معه المباشرة في وضع الخطط والأهداف. ثم أخبرني في 1956 بأنه أنضم إلى تنظيم ( رفعت الحاج سري).
وفي هذه السنة زاد عدد الضباط في المنظمة. وأتصل (البياتي) بالحزب الشيوعي (العراقي), وكان قد حقق اتصاله بنا وإنضم إلينا. وتم الاتفاق على أن يتشر الحزب كل البيانات التي سنصدرها. وفي نفس الوقت كانت خليتنا الثلاثية فد انحلت بسبب نقل اعضائها, كما ظهر في المدرسة (مدرسة الاسلحة الخفيفة) تكتل آخر يتألف من الملازمين: عبد الله الحديثي, ستار سبع العبوسي, سامي مجيد, وكانوا يشتغلون معي.
ممن أنضمّ إلى تشكيلنا (إبراهيم كاظم الموسوي) بعد عودته من ليبيا, وفاتحنا العميد المتقاعد (إسماعيل علي) فأبدى استعداده للدخول في تنظيمنا. وبعد هذا وبناءً على اتصالنا (بوصفي طاهر) قررنا تغيير أسم المنظمة, وتم ذلك في اجتماع بمنزلي. وكان من بين المجتمعين [وصفي طاهر و كاظم عبد المجيد (رائد) والموسوي] والغائبون المقدم الطيار [صادق جعفر] الذي انفصل فيما بعد. واتخذنا أسم (اللجنة العسكرية المتحدة الحرة) وانتخبنا بها رئيساً هو العميد (إسماعيل علي) وانتخبت نائباً أول وأنتخب (وصفي طاهر) نائباً ثانياً, وأدّينا القسم على السرية, واتفقنا على برنامج بل حتى على شكل حكومة المستقبل كما وضعنا حلاً معيناً للقضية الكردية مبنياً على القواعد الديمقراطية عموماً. وإتفقنا على اصدار بيانٍ. وقمنا بكتابة البيان باليد ووزعناه على الأعضاء والمدنيين وقد رأينا إرساله بالبريد.
وقسمنا الواجبات وميادين العمل والنشاط في ذلك الاجتماع أيضاً وتقاسمنا المناطق وأذكر أن وصفي طاهر أخذ على عاتقه ضباط الدبابات (خزعل السعدي وخليل إبراهيم الألي)( وأعتقد هو العلي- ع.ن.) وإتفقنا على ان لا نتبادل أسماء الضباط العائدين لكل مسؤول ولا ذكر درجاتهم ورتبهم او وحداتهم... وقد أشعرنا نقل (رفعت) بقرب إفتضاح أمره وحركته.
واخذنا نضم ضباطاً آخرين, ثم اتصلنا ب (رفعت سري وعبد المجيد والشواف) إلا أنهم أمتنعوا عن الإنضمام معتذرين بأنهم ينتمون إلى منظمة أخرى. ثم أتصلنا (بمحي الدين عبد الحميد) فرفض بقوله: كل لنفسه... "
يبدو أن السبب الأرأس للصدود والحذر من الاندماج بين هذه الكتلة والكتلتين المذكورتين, والإكتفاء بالعمل المشترك معها على اساس علاقة نفعية مصلحية متبادلة أكثر من كونها صلات مبدأية وتفاهم مشترك لبرنامج مستقبلي, أعزو السبب إلى رؤيتها الطبقية الرديكالية وبرنامجها ذات البعد اليساري وخطابها السياسي الصارخ الذي تتسم به, وإلى أساليبها التنظيمية التي لا تنسجم مع ما تطرحه الكتل الأخرى. كما إن الاسماء المنظوية ضمن هذه الكتلة أكثرهم تقريباً من المحسوبين على قوى اليسار ومن المنتمين إلى جناحها الرديكالي (الحزب الشيوعي العراقي).. كما إن تعاونهم, أو بالأحرى تداخلهم وأرتباطهم مع كتلة إتحاد الجنود والضباط التي ظهرت منذ مطلع 1955 كان السبب الأرأس لهذا الرفض وأبعدهم عن الاندماج مع أغلب كتل الضباط الأحرار التي لا تقبل في عضويتها غير الضباط. يجسد العميد إبراهبم حسين الجبوري, مكملاً هذه الفكرة بالقول:
"... بعد نشر بياننا في شتاء 1957. وكان ثم مناورات للفرقة الثانية في بيخال. في ليلة البدء بالمناورات أنتبهت إلى (عبد السلام محمد عارف) وهو يربت على ظهري بصورة من يعرف كل شيء قال:[ إن هذا البيان سينبه الحكومة. وإني جمعته وأحرقته في فوجي, هذا العمل ليس بصحيح أبداً ] وتركني. كان رأينا فيه جيداً وبذلك عملنا بنصيحته, كما أني عملت بنصيحته أيضاً عندما طلب مني الإتصال ب( أكرم محمود) في بغداد. وهنا أستدرك لأقول أني بمحض الصدفة توصلت إلى أن (محمود عبد الرزاق) كان عضواً في تنظيم أخر.
أتصلت (بأكرم محمود) في بغداد ووافقت على أن أكون ضابط ارتباط بين منظمتنا وبين تلك التي كان (عبد السلام عارف) فيها عضواً ورئيسها (عبد الكريم قاسم) وسلمنا برنامجنا لمنظمتهم وبعد ثلاثة اشهر أعادوه إلينا وقالوا أنكم لستم أهلاً للإندماج. إلا أننا ندعمكم في حالة ما لو إتخذ من قبلكم شيء عملي. ويكون الدعم متبادلاً وأي جانب يقوم بعمل فإن الأخر يسانده.
في المناورة التي اشرت إليها آنفاً إلتقيتُ (هاشم عبد الجبار) وفاتحتهُ فقال أنا أفضلُ تنظيمكم في مدرسة الاسلحة الخفيفة واعتبروني عضواً من الآن... وأتصل البياتي بالحزب الشيوعي وكان قد حقق إتصاله بنا وإنضم إلينا...".
وتأسيساً على ما اورده الجبوري وعلى مدى جدية الاختزال الذي قام به السيد جرجيس فتح الله, يبدو أن هذه الكتلة تكونت من مجموعة من الضباط ذات المنحى اليساري أو المتأثرين به وتطورت لاحقاً الى كتلة أكثر تماسكاً ووضوحاً فكرياً مقارنةً بالأخرين, ومثلت الأساس للكتلة الشيوعية اللاحقة بين الضباط على وجه الخصوص.. في علاقتهم مع كتل الضباط الأحرار.
وقد أشار عبد الكريم فرحان إلى هذه الكتلة عندما قال :
" انعقد اجتماع ( المقصود لمنظمة القادة بغداد - ع.ن) في بيت المقدم وصفي طاهر حضره أغلب الأعضاء وطرحت المواضيع ونوقشت القضايا حسب السياق المألوف وتبين وجود جماعتين آخريين في الضباط تسعيان لتقويض نظام الحكم. كانت الجماعة الأولى ومن أبرز أعضاءها المقدم إبراهيم حسين الجبوري تكتب الرسائل إلى المسؤولين من مدنيين وعسكريين بدون توقيع تهددهم وتتوعدهم وتنذرهم... وكلف أحد الأخوان بالإتصال بالجماعة الأولى وتحذيرها من هذه الوسيلة التي لا تسمن ولا تغني كما أنها تنبه الحاكمين وتدفعهم إلى البطش والتنكيل بالقوى الوطنية وليس من المستبعد إجراء تنقلات واسعة بين ضباط الجيش ".
و تشير بعض المصادر على تعاون كتلة المنصورية (كتلة قاسم) معهم إلى درجة كبيرة, وكذلك الحال مع الهيئة العليا للضباط الأحرار التي تأسست عام 1957, لكن لم تصل حد الاندماج كما كان يريدها رؤساء الكتلة. إذ كان الآخرون يريدون التعاون والتنسيق معها حسب, وهذا ما تم تجسيده لاحقاً عندما إشتركوا بزخم كبير في محاولة مايس 1958.
وقد تقوت هذه الكتلة وأصبح لها موقعاً معروفاً, بصورةٍ خاصة بعد عام 1955عندما أعاد الحزب الشيوعي توحيد الجماعات التي إنشقت عنه (راية الشغيلة, ووحدة الشيوعيين) . وحدث تطور مهم للكتلة بعد إنضمام ما أطلق عليه ب "... جماعة القسم وهم من الضباط الشباب الذين بدأوا نشاطهم بدفع ربع دينار لكل منهم والقسم بالحفاظ على السر ويقود التنظيم طه الدوري ومن بين افراده خزعل السعدي وخليل إبراهيم العلي وأحمد محسن العلي الذين إنضموا إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي فيما بعد بإستثناء الدوري... " وتأسيساً على ذلك فقد كان مآل هذه المنظمة, التي لم تسلط عليها الأضواء الكافية. ورغم تداخلهما من حيث المنطلق الفكري والإشراف الحزبي, فكان هناك مستويان من التنظيم فيها:
- الأول خاص بالضباط ( أطلق عليه التنظيم الماركسي أوالشيوعي أو الديمقراطي ) والذي كان من أبرز ضباطه إبراهيم الجبوري والبياتي وخزعل السعدي ووصفي طاهر وعباس اللامي وحسين خضر الدوري وحامد مقصود وعبد الوهاب الشواف وهاشم عبد الجبار وكاظم الموسوي والزعيم الركن إسماعيل علي قبيل إستقالته من رئاسة هذه الكتلة, وكمٌ لا بأس به من الضباط "... كانوا يزيدون عن المائتي ضابط من عقيد فما دون ",حسب قول إبراهيم الجبوري .
- والتنظيم االثاني خاص بالجنود وضباط الصف وكان يترأسه عند التأسيس فاضل البياتي, وأن " المواقف المتشربة بروح التياسر " لقيادة بهاء الدين نوري وحميد عثمان للحزب الشيوعي (ربما) كانت وراء أسم هذه المنظمة (إتحاد الجنود والضباط ), الذي يوحي بالنظرة الطبقية الرديكالية المنافية للقيم العسكرية ولأعرافها المعمول بها, بل تتنافى وطبيعة واقع حركة التحرر الوطني في عراق تلك الفترة من حيث: القضايا الأرأسية المطروحة والقوى السياسية المحركة والأفق التاريخي لها, مما أثر في فعالية هذه الكتلة بصورة اساسية وجعلها في موقف التابع والمنفذ أكثر من كونها كتلة مبادرة. كما كانت الكتلة تحت السيطرة القوية للحزب وبإشراف الملازم المتقاعد عطشان الازيرجاوي والعضو في لجنته المركزي آنذاك. رغم أنها ضمت بعض الضباط الصغار, لكنها من الناحية التنظيمية كانت مستقلة عن تنظيم الضباط, وهذا ما أقتضته السياقات والقيم العسكرية وقواعدها الآمرة كما أشرنا إلى ذلك. إذ كان الإشراف والتوجيه بالنسبة لتنظيم الضباط مناط بالتحديد بكل من سلام عادل وعامر عبد الله, منذ عام 1956 ولغاية إنتضار الثورة , إذ كانا يشرفان على التنظيم و ينسقان علاقاته مع الكتل الأخرى للضباط الاحرار.
أما بعد ثورة 14 تموز, فقد أُلغيت تسمية هذه الكتلة, وأنيط الإشراف عليها بالمكتب العسكري الذي أنشأ آنذاك وكان يشرف على التنظيم الضباط والمراتب في آنٍ واحد, وقد اصبح التنظيم الشيوعي من أكبر التنظيمات من الناحية العددية, وقد أعد دراسة عن تركيبة الولاءات الحزبية في الجيش فإتضح من الاحصائيات أنه كان: " في الجيش في ذلك الوقت خمسة آلاف ضابط منهم خمسمائة ضابط بين ملازم وزعيم منتظم في الخلايا واللجان الحزبية ( أي مايقارب 10% من مجموع الضباط -ع.ن.) وألف ومئتين ضباط أصدقاء متبرعين شهرياً, أي قوانا من الضباط- 1700ضابط (أي ما يوازي 34% من المجموع الكلي الضباط وهذه نسبة عالية جداً- ع. ن.). عدد أفراد الجنود وضباط الصف في الجيش العراقي آنذاك مائة وعشرة آلاف, قوانا المنظمة أكثر من ثلاثة آلاف عضو (أي بنسبة 2% إلى 2,5%) ومع هذه الاحصائية قوى الخصم, كان في الدرجة الثانية قوة الاخوان االمسلمين ثم القوميين ثم البعثيين وفي الأخير القاسميين... " .
أن تكوين منظمات حزبية عسكرية وتبني الحزب لكتلة " التنظيم الديمقراطي للضباط في مطلع الخمسينيات, وكتلة " إتحاد الجنود والضباط "منذ منتصف الخمسينيات, كانت تعبر عن التحول الجديد الذي أصاب عقل ومنهج الحزب وخطابه السياسي وما طرحه في تلك الفترة من روئً سياسية متياسرة جداً ومتأثرة إلى حد كبير بالوضع الداخلي وخاصةً ما أثارته مساهمة الجيش في وثبة تشرين 1952, وبالصراع الدولي والحرب الباردة, (والحارة) في شبه القارة الكورية ونجاح الثورة الصينية. هذه الظروف نبهت قيادة الحزب إلى العمل على "... بناء دعم واسع (لنا) في صفوف الجنود وأن نخلق روابط وديّة معهم ونعدهم للأيام الحاسمة. والهدية التي نقدمها للعمال والفلاحين الثوريين هي أن نكسب إلى جانبهم جزءاً من قوات العدو المسلح ".
هذا الخطاب المتياسر فقد جزء من بريقه بعد الكونفرنس الثاني (1956), وتغيرت مفرداته وتوجهاته ورؤيته, إذ دعت توصيات الكونفرنس "... للإهتمام بالجيش وضرورة كسبه إلى جانب الشعب قائلاً: فالجيش قوة يمكن في الظروف الراهنة تحويلها من أداة بيد الخصم إلى قوة إسناد عظيمة لحركتنا التحررية ولذلك يستلزم الوضع بذل أقصى العناية من جانب الحركة الوطنية لغرض كسب الجيش إلى جانب الشعب وبذل الجهود اللازمة لتحقيق وتمتين روابط التآخي والتضامن بين الجيش والحركة الوطنية جرى الأهتمام بالجيش, كما وجدت النشاطات الجماهيرية والانتفاضات المتكررة وضحاياها من الشهداء والسجناء وغيرها, صداها الايجابي على مشاعر الجنود والضباط الذين تأثروا ايضاً بالحركات الوطنية التي خاضتها القوات المسلحة في البلدان العربية الأخرى ولا سيما في مصر وسورية وكرد فعل للسياسة الاستعمارية الهادفة إلى تحويل الجيش إلى سوط عذاب ضد الشعب المتحفز للإنطلاق, وإلى أداة عمياء للقمع والتآمر والعدوان على البلدلن العربية الشقيقة... ".
وحسب تصوري وعلى ضوء تداخل تشكيل الكتلة, فأن المنادة بفكرة جديدة يجب عليها:
- ان تكون قادرة على خلق ظرف الإبداع؛
- أن يكون الإبداع قادراً على الإنتشار ضمن بيئته؛
- أن تحمل هذه الفكرة شحنات من المعاني والدلالات المستقبلية.
لم يكن برنامج كتلة إتحاد الجنود والضباط, ذات الطبيعة المتياسرة ولا طبيعة تشكيلها قد حققت بفعالية عالية مضمون الفكرة أعلاه وما كان يطمح له واقع التركيبة الاجتماعية والقوى السياسية العضوية المعارضة وطبيعة تطور القوى المنتجة من جهة؛ ومن جهة أخرى أن هذه الكتلة وثقلها المعياري يتركز على قاعدة المؤسسة العسكرية (ضباط الصف والجنود), مما يضعف من قدرتها على جذب الضباط الآمرون أصحاب القرار المؤثر في سياقات المؤسسة العسكرية.
وقد سبق للكتلة أن طرحت برنامجاً وطنياً رديكالياً ورسمت لنفسها أهداف ذات طابع جذري, نُشرتا في جريدة (حرية الوطن) العددين الأول (صدر في أواخر كانون الثاني 1955) والثاني (صدر في2 نيسان 1956) وقد تمحورت بصورة عامة حول: " محاربة حلف بغداد وطرد الخبراء العسكريين الأجانب والبعثات العسكرية الأجنبية ورفع مستويات معيشة الجنود وتحويل الجيش من أداة للإمبريالية إلى أداة تخدم السياسة الوطنية ... وكان النداء الأول الذي وجهه (إتحاد الجنود والضباط) يعتمد على نظرة أكثر تفاؤلاً نوعاً ما إلى الجيش وصيغ بلهجة أكثر وطنية منها طبقية. صدر هذا النداء في 30 كانون الثاني(يناير) 1955 عندما كان الحزب يناضل لتفادي حلف بغداد ".
كما نشرت في العدد الثاني (يقول بطاطو في الأول) نداءً " إلى كافة الشرفاء في الجيش جاء فيه: كفانا أيها الأخوان بناء الثكنات لحراسة المطارات الاجنبية وشركات النفط التي تستنزف خيرات الوطن. كفانا مذلة ومهانة على يد الضباط الكبار الخونة.. كفانا اضطهاداً وظلما.. إننا الجنود بشر كسائر الناس العراقيين من أبناء الوطن ولنا حقوق ولنا رأي.. إننا لسنا اقنانا ونرفض الخضوع للاستعمار ونرفض القتال لغير صالح الشعب والوطن وضد الاستعمار وفي سبيل السلم السعادة.. إن اللجنة الوطنية تدعوكم إلى النزول مع الشعب في مظاهراته بملابسكم العسكرية لكي يعرف الأعداء أن الشعب موحد بعماله وجنوده. أيها الشجعان لا تسمحوا لامرائكم أن يحجزونكم في الثكنات.. إن الأمهات يصرخن بوجه الظلم والطغيان فيجب أن لا تقفوا موقف المتفرج بل عليكم أن تنهضوا لتطاردوا فلول الجيش الاستعماري الذي يسعى إلى ثرم لحمكم في الحرب ".
أما أهداف كتلة إتحاد الجنود والضباط, كما طرحها النداء الأول فتتمحور حول فكرة أرأسية هي:
" يجب أن يكون لنا وحدة هدف ووحدة تنظيم.. يجب أن نحذر الجواسيس والخونة. إن واجبنا المباشر هو العمل من أجل بث الوعي الوطني ونقوية روح حب الوطن وكره الإستعمار, حب الشعب وكره أعدائه.. يجب أن نناضل ضد استخدام الاهانات ونعمل على تحريم جميع أشكال المعاملات اللا انسانية, وفي سبيل تحسين حالة الجندي المعاشية والثقافية ويحب أن نعمل لتوفير المدارس ورفع المستوى التكنيكي.. ودراسة جميع فنون المعارك.. في سبيل أن تكون هناك علاقات احترام ومحبة بين الجندي والضابط, يجب إلغاء الحقوق غير المحدودة للضباط, وأن يكون الضابط ملزم باحترام الجندي ". إن هذه المسحة العاطفية اليساروية للبرنامج ورديكاليته كان بتأثير عوامل عدة, منها:
- التغيرات الناجمة عن وحدة القوى الحزبية وتجديد قيادته بما يعارض التوجهات اليساروية لقيادة بهاء الدين نوري؛
- التغيير الذي حدث في قيادة الحزب ومنهجه على ضوء المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق, والذي قد أنعكس في مقررات الكونفرنس الثاني الذي دعى إلى الانفتاح على القوى الوطنية بصورة أكثر وبمرونه أوسع؛
- بروز دور المؤسسة العسكرية في العالم الثالث كقوة اجتماعية قادرة على التغيير بحكم تحكمها بأدوات العنف المادي وتطورها المهنوي؛
- طبيعة الصراع الدولي وإشتداد التسابق على تكوين الأحلاف العسكرية الإقليمية؛
- كان هذا الخطاب يلائم الأبعاد السيسيولوجية/البسيكولوجية للمراتب ويخاطب أولويات حاجاتهم.
كانت رؤية التنظيم الديمقراطي للضباط, مقارنةً بكتلة إتحاد الجنود والضباط, أكثر واقعيةً وإمكانيةً من حيث التطبيق والملائمة للظروف أنذاك. وكان يبحث عن تعاون وعمل مشترك مع الكتل الأخرى إنطلاقاُ من واقع التنظيم الجديد للحزب وما قرره الكونفرنس الثاني. وقد إتضح تأثيرات الضباط الاعضاء في التنظيم, رغم أن ليس جميعهم يحملون بطاقة عضوية الحزب, لكنهم فرضوا نسبياً, رؤيتهم على منهاجه أو على الأقل تحالفاته.
وإنطلاقاً من النقطة الأخيرة فقد حاول تنظيم (الضباط) التوحيد مع كتلة المنصورية ومع الزعيم قاسم بالتحديد, الذي أقام بدوره صلة مع قيادة الحزب الشيوعي كعلاقات غير رسمية لكنها منتظمة من خلال بعض الضباط الحزبيين أو القريبين من الحزب. إذ " في أيلول (سبتمبر) ومباشرةً بعد إختتام اجتماعات الكونفرنس, عقدت اللجنة المركزية اجتماعاً في دار تقع في محلة تل محمد لمدة ثلاثة أيام, في هذا الاجتماع قدّم سلام عادل لأول مرة, تقريراً موجزاً عن الشوط الذي قطعته حركة الضباط الأحرار, وموقف الحزب منها وتطور صلاته بها, والدور الذي يجب أن يلعبه في توحيد صفوفها, لا سيما مجموعتي عبد الكريم قاسم ومحي الدين عبد الحميد. وكان الجانب الأساسي من محتوى التقرير ناتجاً عمّا كنت أنقله إليه عن قاسم وصلتي المستجدّة به... ".
لقد لعبت هذه الكتلة (التنظيم الديمقراطي وإتحاد الجنود والضباط) دورا مهماً في صيرورة التكتلات الغائية لحركة الضباط الأحرار, من خلال مشاركة العديد من إعضاءها في تحقيق ثورة 14 تموز, وكذلك مساهمتهم في بعض المحاولات السابقة وخاصة محاولة مايس 1958. تجلى موقف هذه الكتلة من التعاون, مما بذله أعضاءها لتجسيد الإتفاق الذي تم عام 1956, حيث ساهموا في محاولة 11-12/ مايس /1958, إذ "... كانت قيادة الحزب على علم بجميع المحاولات التي سبقت الرابع عشر من تموز للإطاحة بالحكم وقد بلغت ست محاولات وأهمها محاولة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف في 11-12/5/1958 حيث أتفق مع ضابط ركن اللواء الخامس عشر تسليم مقاليد اللواء إلى الضباط الوطنيين... وكان في هذا التجمع أكثرية مطلقة للحزب الشيوعي ومؤيديه, وقد أكد جاسم العزاوي في كتابه (ثورة 14 تموز ص.103), نقلا عن العقيد محمد مجيد (قومي- إسلامي شارك في مجازر شباط 1963) ما يلي: " تجمع الضباط في مركزين أحدهما في دار عبد اللطيف الدراجي في الكلية العسكرية والآخر دار خليل إبراهيم العلي في ابو غريب, لقد حضر أكثر من مائة ضابط جاؤا من مختلف المعسكرات حتى من خارج بغداد وكان أكثرهم يساريين وشيوعيين وبينهم من لم نشاهدهم ولم نسمع بهم طوال المدة التي مضت على التنظيم. لا بد أن الحزب الشيوعي كان على علم بالحركة وقد إتخذ الاحتياطات كافة للسيطرة عليها بعد التنفيذ والزج بكل ما يستطيع من المرتبطين والمؤيدين له ".
هذا الحضور المكثف للضباط اليساريين وذوي النزعة العراقية (كتلة المنصورية) المساهمين في المحاولة, التي كان لولبها عبد الوهاب الشواف ووصفي طاهر, كان حسب رأينا السبب الخفي الأرأس وراء تخلف عبد الغني الراوي الإسلامي النزعة وغيرهم من الضباط القوميين من تحقيق الخطة والتذرع باسباب واهية لا تمت للواقع بصلة. لأنهم لا يرغبون في أن تنتصر الثورة وفيها أغلبية ديمقراطية من الضباط المحسوبين على اليسار, وأعتقد بصورة (شبه) جازمة أن الأمور كانت مدروسة ومرتبة, علماً أن هذه المحاولة كان يقودها عبد الوهاب الشواف وكان من العناصر اليسارية وله علاقات مع كتلتي إتحاد الجنود والضباط, والمنصورية التي كان مقرراُ لها أن تلعب الدور المساند للحركة. ويؤكد هذه الحالة د. علاء الدين الظاهر بالقول:
"... ورضي عبد الكريم قاسم بمنصب رئيس أركان الجيش الذي عرضه عليه الشواف في حال القيام بالحركة وأمر العقيد عبد الكريم محمد ( أحد ضباط تنظيم المنصورية وآمر أحد أفواج لواءه الذي رابط قرب بغداد) بالإشتراك في المحاولة. لم يحاول الزعيم إفشال الحركة كما يدعي أعداءه, وإنما قام محسن حسين الحبيب ورجب عبد المجيد بمحاولة مستميتة لإقناع الشواف بالعدول عن المحاولة. وعلى أي حال أُلغيت المحاولة لأن الشواف والراوي لم يقوموا بالإستعدادات اللازمة للقيام بالثورة ", (التوكيد منا-ع.ن.).
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن" العقيد الركن ناجي طالب والعقيد الركن محسن حسين الحبيب والعقيد المهندس رجب عبد المجيد فكانوا لا يؤيدون قيامها لأنها حركة إنتحارية لعدم كفاية القطعات المكلفة بالحركة ولذلك قرروا منع قيام مثل هذه الحركة عن طريق إقناع المشاركين بخطورة القيام بهذه الحركة, وإذا أصروا على رأيهم فلا بد من تأييدها ومساندتها عند القيام بها " ويضيف في الهامش " إلا أن الحقيقة هي أن عبد الكريم قاسم كان قد تعهد بمساندة الحركة... "
كذلك ما قام به أعضاء ومؤيدوا جناحي الكتلة (التنظيم الديمقراطي للضباط و إتحاد الجنود والضباط ) يوم 14 تموز وما قدمه بعض ضباطها من أمثال وصفي طاهر وإبراهيم اللامي وغيرهما من دعم (لعبد السلام عارف) كأدلاء لاحتلال بعض المواقع المهمة في بغداد ومنها: وزارة الدفاع والاذاعة وقصر الرحاب ودار نوري السعيد والقوة السيارة القريبة منه وقد كلف بهجت سعيد ووصفي طاهر بالسيطرة عليه, والبريد المركزي كلف بإحتلاله الملازم نوح علي الربيعي, ومعسكر الرشيد سيطر عليه المقدم فتاح سعيد الشالي وهو من أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني, ومدارس الشرطة سيطر عليه المقدم حاج حميد المولى وقام بعدئذ مع الرئيس الأول سعيد مطر بإعتقال أقطاب النظام الملكي وكان من جملتهم عبد الله المضايفي , وجميعهم من الضباط المحسوبين على اليسار. ويشير إبراهيم الجبوري إلى نشاط ضباط الكتلة يوم 14 تموز بالقول:
" قمنا بواجبنا حسب الإتفاق المبرم عام 1956 فوضعنا القائد جبار السعدي رهن الاعتقال وخرجت مجموعة من منظمتنا بثماني دبابات دون عتاد وعندما وصلوا إلى دار الإذاعة وجدوا دبابتين أخريين بقيادة (خزعل علي) وهو من تنظيمنا أيضاً. وعندما راى (عبد السلام عارف) الدبابات صاح وهو يبكي: لقد أنتصرت الثورة, ثم طلب منهم أن يتوجهوا بها إلى (الطبول) ( الصحيح أم الطبول-ع.ن) لمقابلة محتملة للواء قد يزحف من المسيب ".
والدورالأهم هو ما قدمه أعضاء هذه الكتلة من الضباط المتواجدين في معسكر الوشاش (في موقع متنزه الزوراء حاليا) وهم كل من: عبد الرزاق غصيبية وعبد الله الحديثي وسامي مجيد وعبد الستار العبوسي وعبد الله مصطفى, من دعم مادي لوجستيكي من مدرسة الأسلحة الخفيفة للوحدة المكلفة بإحتلال قصر الرحاب, الذي حسم الموقف لصالح الثورة.
والأرأس من كل ذلك, حسب قراءتي, هو مشاركة قيادة الحزب الشيوعي (الراعي لهذه الكتلة), بالتوسط لدى الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية, لحماية الثورة من التدخل الخارجي عند قيامها. إذ " كانت البداية في ظهر يوم قائظ من صيف عام 1956, عندما وصلني من (رشيد مطلك) طلب عاجل للقاء بي. فطلبت من الرسول أن يأتي به إليّ في الدار التي كنت أتخفى بها في (كمب الصليخ). إلتقيت مع رشيد بعد أنقضاء أربع سنوات على إفتراقنا...بدا رشيد منفعلاً متعجلاً وقال: عبد الكريم قاسم في بيتي الآن, وهو يبلغك السلام وقد بعثني بمهمة إليك, وهو يستحثني للعودة إلى البيت بسرعة لأنه سيغادر إلى مقر عمله في معسكر جلولاء مساء هذا اليوم ". وبدأت رحلة مندوب الحزب عامر عبد الله, بالتحقق المادي بعد ذلك بأشهر معدودة, بعد تهيأت المستلزمات الثبوتية (المزورة) التي تخفي شخصيته الحقيقية لانه كان ممنوعاً من السفر رسمياً, و"... كان ذلك ربيع عام 1957على ما أذكر, عندما طلب عبد الكريم قاسم. من الحزب أن يسعى لدى الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية لتأمين الدعم العسكري والسياسي للثورة القادمة, في حالة تعرضها لتدخل الدول الإستعمارية وشركائها في (حلف بغداد) وذلك على غرار الموقف الذي اتخذتاه آبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. كان قاسم يؤكد لنا إن مستلزمات إنتصار الثورة في الداخل باتت مضمونة, بما في ذلك تحصينها من المباغتة والغدر على أيدي الحاكمين, كما بينت في مقالة سابقة. وكان يرى أيضاً أن الثورة المصرية, كانت بسيطة وميسورة التنفيذ, على خلاف الثورة التي يجري إعدادها في العراق, حيث ستكون صعبة ومعقدة من جميع النواحي, سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ أو التوقيت. ولذا فهو ليس بحاجة إلى (تجربة عبد الناصر) على حد تعبيره (وكان هذا رده على إقتراحنا بضرورة الإستفادة من تجربة ثورة يوليو).
وكان أخطر ما في الأمر بالنسبة لمصير الثورة في العراق, هو خطر التدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا بحكم وجود العراق طرفاً في (حلف بغداد)... كان قاسم إذن على صواب في تقديراته لمشاكل وصعوبات الإعداد للثورة وتأمين ضمانات ومستلزمات إنتصارها اللاحق- سواءً على الصعيد الداخلي أم على الصعيدين الإقليمي والدولي. وكان قاسم من قبل قد وافق على وجهة نظر الحزب وإلتزم بها عن قناعة, وهي ضمان وجود أقطاب الحكم الثلاثة (عبد الإله والملك فيصل ونوري السعيد) داخل العراق لدى تنفيذ الثورة وذلك لإحباط أي مسعى من جانب أحدهم لإستدعاء قوات أجنبية( قوات حلف بغداد بالذات) للتدخل, من خلال إستغلال مواقعهم في قيادة الدولة وميثاق الحلف [والمشروعية الدولية ] .
كان مطلب (قاسم) بتأمين موقف إسناد مسلح من جانب الاتحاد السوفيتي وجيهاً وصائباً وضرورياً, إن لم نقل شرطاً حاسماً لضمان إنتصار الثورة في ظروف العراق في تلك الفترة... وهكذا تقرر بعد تداولنا (الشهيد سلام عادل وأنا) وبناءً على إقتراحه هو أن أتهيأ للسفر إلى سوريا ؛ ولم يكن بالإمكان إنتداب أو تكليف أي رفيق أخر سوى واحد منا, إذ كان عمل الحزب العسكري وصلاته بحركة الضباط الأحرار محصورة بنا نحن الأثنين فقط " (التوكيد منا-ع.ن).
تكون الوفد العراقي من عامر عبد الله وجمال الحيدري ( الذي لم يكن عارفاً بالهدف الأرأس لرحلة عامر عبد الله ) وجرت مفاوضات في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي مع رؤساء أقسام أسيا وأفريقيا, وذلك في شهر أيلول 1957. ويبدو مما نشره عامر عبد الله من تفاصيل اللقاء أن القادة في الاتحاد السوفيتي والصين لم يقتنعوا في البدء بأهمية هذا الدعم لثورة العراق, ولم تتكلل مهمة موفدي الحزب بالنجاح المنتظر.
وتمت معاودة بذل الجهود مع السوفييت ثانيةً من قبل وفد ضم سكرتير الحزب سلام عادل وعامر عبد الله أثناء مشاركتهما في المؤتمر العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية الذي أنعقد في أكتوبر عام 1957 في موسكو.. إذ سبق للوفد أن "... حصل على موعد لمقابلة نيكيتا خروشوف الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي الذي أقتنع بمطلب حزبنا ووعد سلام عادل بأن الاتحاد السوفيتي سيقف إلى جانب الشعب العراقي ويساند ثورته المقبلة ضد الاستعمارومن أجل تحرره وسيادته الوطنية... وقابل هناك ماو تسي تونغ سكرتير الحزب الشيوعي الصيني ومسؤولين صينيين آخرين في الحزب وحصل من ماوتسي تونغ على وعد بالتضامن التام مع شعب العراق وثورته المقبلة ضد الاستعمار وحلف بغداد ".
ويبدو على وفق ما نشر من معلومات مقتضبة أحادية الجانب, أن القادة السوفيت اقتنعوا إلى حدٍ ما بأهمية الدعم المطلوب منهم لنجاح ثورة 14 تموز, وهذا ما أتضح من خلال دعمهم المباشر منذ الساعات الأولى لثورة 14 تموز وتبلور في اليوم الثاني عند الاعتراف بالنظام الجديد, "... عندما كان عبد الناصر لا يزال في يوغسلافيا. كما أن قرار الاتحاد السوفيتي بدعم العراق عسكرياً وإتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة أي عدوان قد يقع ضد العراق من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وشركائهما في (حلف بغداد), قد تم أثر إجتماع عاجل لدول (حلف وارسو) فور قيام الثورة ... ".
أما علاقة قاسم بهذه الكتلة فلم أعثر ما يدلل على ما ذهب إليه الزوجان خيري من أن الزعيم قاسم كان عضواً في اللجنة الوطنية لاتحاد الجنود والضباط عندما يقولان: " كما أنظم إليها عدد من الضباط ومنهم وصفي طاهر وعبد الكريم قاسم وإسماعيل علي ", بقدر ما كان له علاقات مع بعض الضباط الشيوعيين سواء أكانوا في الخدمة أو أُحيلوا على التقاعد, منهم: إسماعيل علي وإبراهيم حسين الجبوري ووصفي طاهر وسليم الفخري وغضبان السعد وغيرهم هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن أغلب الضباط المسيسين يعرف بعضهم البعض الآخر وكانوا ينسقون العمل في بعض الآحيان.
هذه العلاقة المهنية والاجتماعية لقاسم مع بعض الضباط اليساريين قد أوحت إلى الباحث الإكاديمي حنا بطاطو بوجود صلة غير مؤكدة لقاسم بالتنظيمات اليسارية عندما يقول: " وربما كان قاسم نفسه قد أقام إتصالاً يوماً ما مع الرابطة أو بعض أعضاءها, ولكن ما من دليل حاسم على ذلك ". ويقصد بالرابطة, رابطة الشيوعيين العراقيين التي أسسها داود الصائغ بعد إنشقاقه عن قيادة فهد في الفترة 1944-1947, وكان الفخري والسعد أعضاء فيها.
وقد استمر جناحي (التنظيم الديمقراطي) بالعمل, وعقدت الكتلة أتفاقات (جنتلمانية) مع بقية الكتل وخاصةً كتلة المنصورية وكتلة القادة ( بغداد) ومن ثم الهيئة العليا للضباط الأحرار وذلك بمساندة بعضهم البعض عند قيام أحدهم بالحركة نظراً للإنتماءات المزدوجة للكثير من الضباط في أكثر من كتلة.. وهذا ما أكدته المحاولات السابقة لثورة 14 تموز التي دللت على حالة التعاون المشترك وإزدواجية العضوية.
تميزت الكتلة بوجود انفصام بين خطابها السياسي ومكوناتها التنظيمية وبنية هيكليتها نتيجةً التباين في مستويات المنظمين إلى جناحيها أي الضباط والمراتب.. وهؤلاء الأخرين يمثلون الأغلبية المطلقة من المنتمين من حيث العدد, لكن تأثيرهم داخل المؤسسة العسكرية ضمن سياقاتها العملية فهو ضعيف.. هذه الإشكالية كبحت من فعالية تأثير الكتلة على المستوى العملي من جهة وتسرب الكثير من الضباط منها وإنظمامهم إلى الكتل الأخرى بعد تغيير ولاءاتهم الفكرية.. وهذا يسري على كل الكتل بدون إستثناء في ظاهرة الضباط الأحرار.
إن وجود المراتب والجنود في هذه الكتلة هو ما ميزها عن الكتل الأخرى وأضفا عليها سمته, وقد تضخمت هذه الكتلة بعد ثورة 14 تموز بصورة كبيرة جداً وخاصة في العام الأول للثورة. وقد لعب المراتب والجنود دورا كبيراً في الكشف عن الكثير من التحركات التي ناهضت حكم الزعيم قاسم طيلة فترة حكمه. بل أنهم رغم إنتماءهم الحزبي فقد كانوا أكثر إنتماءً إلى القاعدة الاجتماعية للحكم ولذات قاسم بالتحديد.. وهذا ما تجلى في مواقفهم الدفاعية عنه عند تصديهم لإنقلاب شباط 1963 .




#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة في حركة الضباط الاحرار في العراق
- النضوج والتكتل الغائي 1948-1958
- حركة الضباط الأحرار- التكوين والتكتل الغائي
- النواتات الأولى لحركة الضباط الأحرار
- 14 تموز.. ضرورات الواقع وتناقضاته
- 1- عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية:
- مــن ماهيــات سيرة عيد الكريم قاسم
- في:الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لعراق مطلع القرن الماضي
- الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي
- عودٌ إلى البدء في أرأسيات التطور: 14 تموز: جدلية الفهم والمو ...
- البيئة الاجتماعية لبغداد ومحلاتها الشعبية
- من تاريخية الأنقلابية في العراق الحديث
- أفكار أولية: عن طبيعة ومهام المؤسسة العسكرية في عراق المستقب ...
- مدخل نظري: من ملامح المؤسسة العسكرية العراقية
- الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث
- دور الفـرد في التاريـخ - عبد الكريم قاسم نموذجاً


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6