|
الأعياد بين داعش والحاخام
ياس خضير الشمخاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5421 - 2017 / 2 / 3 - 22:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
غالبا ما تمثّل الأعياد الوطنية والدينية والمناسبات الكبرى جانب من هُويّة الشعوب . وعيد ميلاد السيد المسيح الذي نحتفل به سنويا مع إطلالة كلّ عام جديد واحد من بين تلك الكرنفالات الهامة التي تقام على نطاق واسع من الأرض ، لأهميته الدينية عند معظم معتنقي الديانات السماوية ، ولوقعهِ الإيجابي والمتنامي في التبادل المعرفي والقيمي تاريخيا وثقافيا بين الأمم على مختلف إعتقاداتهم وإتجاهاتهم الفكرية . وتاريخيا ؛ الحادثة الوحيدة التي أعتُمِدَتْ رسميا وعالميا في التوثيق وتحديد المواعيد والمناسبات لدى جميع أقطار العالم ، هي حادثة ولادة السيد المسيح . لذلك يُعَد التقويم الميلادي ، الأشهر من بين كل التقاويم وأكثرها شيوعا واستخدما عند شعوب الأرض وحكوماتها ، خصوصا بعد تعديل وتصحيح الأخطاء الفلكية التي أجراها البابا غريغوريوس الثالث عشر ، بابا روما ، على التقويم اليولياني القديــم عام 1582م . ولكي يتطابق التقويم الغريغوري المعمول به حاليا أو يكون أقرب فعليا وواقعيا لمعدل سرعة حركة الأرض حول الشمس ، تم أجراء التعديل عليه أنذاك . قطعا لكل مذهب أو طائفة وجهة نظر معينة ذات مرجعيات مختلفة في كيفية التعامل والتعاطي مع مناسبات الشعوب والأمم الأخرى . ولكن عادة ما تنصهر المجتمعات وطنيا وإجتماعيا وإنسانيا في بودقة واحدة من خلال مواقف كثيرة تقتضي المشاركة الجماعية ، وربما نرى المجتمع متحدا في مفاصل أنثروبولوجية وسيسيولوجية عديدة ، مثلما يحدث في الحروب أو مواجهة الأخطار والكوارث الطبيعية والأعياد الوطنية والمناسبات الدينية والمسابقات الرياضية وغيرها . بيد أن مصداقية هذا الرأي تبدو أكثر وضوحا وأعمق دلالة عند الشعوب المدنية ، لأنها أكثر مرونة وإنفتاحاً على ثقافةِ الآخر خصوصا فيما يتعلق بالمناسبات الدينية الخاصة بطائفة معينة . وكلما اقتربنا من مجتمع مدني متحضّر متعدد الثقافات والمكوّنات كلما تصاعد الخط البياني للتعايش والإنسجام ، عندئذ يختفي الإحتقان الطائفي والتمييز العنصري . في حين يحدث العكس تماما لدى الحكومات الثيوقراطية والمجتمعات المنغلقة ، إذ يزداد مستوى الخلاف والتناحر والتهميش بين الإثنيات والطوائف الأخرى . الفرح والحزن ؛ جد مؤثران في إنعكاساتهما على الذوق الإنساني والتربية النفسية للفرد والمجتمع وفق المفاهيم العصرية لعلم النفس التربوي والإجتماعي (Educational Psychology and social psychology ) حسب ما يراه طائفة من علماء الإجتماع والنفس . وكلاهما يحتاجان الى توظيف جيد للتواصل من خلال خطابات إنسانية هادئة تدعو الى أنسنة وعقلنة السلوك . إذ لابد من إغتنام فرصة هاتين القناتين للدخول في شراكة حقيقية وتفاعلية مع المجتمع ، سيما ونحن في عصر إزدادت فيه التوترات والتشنجات وبلغت فيه الخطابات الدينية المتشددة والسياسات العرقية المتشنجة أقسى درجات الغلو والتطرف . أضحت الأبتسامة ومناسبات الفرح في عالمنا الإسلامي قليلة ، وإنْ مرَّتْ تمرّ مرور الكرام كسحابة دُخانٍ لا تحمل مطرا ولا تروي عطشا ! فما بالك منْ يقف بوجه هذا النزر القليل كالبوم في خرائب الديار ، لا يتورّع عن منعها أو تحريمها وإثارة المشاكل عند ممارستها ! لا بل يقوم بعضهم بنسفها ونسف من يقوم بإحيائها ، وهذا ما إعتادت على فعله الجماعات المتطرفة والتنظيمات الأرهابية المنتمية لداعش واللامنتمية للقيم الإنسانية تحت ذرائع وحجج دينية وفتاوى لمرجعيات دموية قريبة من فقه الذبح والتوحش ، بعيدة كل البعد عن الصفح والتعايش . ولا يقتصر التطرف والتشدد الديني على تلك الجماعات المحسوبة على الديانة الأسلامية . ولعلنا نجد آخرين على نفس شاكلة داعش عند ديانات وطوائف أخرى . أما الصهيونية ؛ الوجه الآخر لداعش والمصنع الحقيقي لفكرها الإقصائي ، يبدو انها لم تكتفِ بذبح وتشريد ومضايقة الشعوب الآمنة من المسيحيين والمسلمين طيلة ثمانِ عقودٍ خلت ، لذا كشرت عن أنيابها وباتت تنغّص على المحتفلين استقبال عامهم الجديد تحت ذرائع دينية وهلوسات فقهية تنم عن حقد دفين وجهل وتخريف وتعالٍ على الأمم الأخرى . وما نقلته بعض الوكالات والصحف ومحطات التواصل من انتهاكات قام بها حاخامات إسرائيل مؤخرا إشارة واضحة لهذا المفهوم التعسفي ضد المحتفلين في الأراضي المحتلة . فقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية خبرا مفاده إنّ إلعاد دوكوب حاخام الكنيس القائم في معهد الهندسة التطبيقية بمدينة حيفا المحتلة هاجم الطلبة المحتفلين لوضعهم شجرة عيد الميلاد الى جانب الشمعدان ، زاعما إنّ الشجرة رمزا وثنيا لا ينبغي وجوده في الحرم الجامعي أو الدوائر الرسمية وشبه الرسمية ، مضيفا الى أنّ ممارسة الأحتفال بعيد المسيح يسيء الى هُويّة الدولة العبرية والديانة اليهودية . كما وحرض الحاخام معتنقي الدين اليهودي على عدم تناول طعام المحتفلين أو الدخول الى بيوت طلبة المعهد وحذّر من الإختلاط بهم . وقد شدّد الحاخام في تعليقٍ له على صفحته الشخصية (face book ) على عدم المرور قرب ما أسماه بمكان عبادة الأوثان على حد تعبيره ، لافتا الى إنّ عليهم الإلتفاف بطريقة أو أخرى كي يتجاوزوا المرور بمكان الأحتفال لتجنّب وقوعهم في حرمةٍ شرعيـة ! وقد أصدر حاخامات آخرون تعليمات مشابهة الى أصحاب الفنادق بعدم إعداد أو تناول طعام الأحتفال . ومن الجدير بالذكر إن عيد الميلاد لعام 2017م قد وقع تماما في اليوم الثامن والأخير من عيد الأنوار العبري (هانوكا Chanukah ) . ويسمى هذا العيد أيضا ( حانوكا ) في بعض اللهجات العبرية والذي يعني عيد التدشين أو التجديد . حيث يُحتفل به لمدة ثمانية أيام حسب الموروث الديني والنص التوراتي أعتبارا من اليوم الخامس والعشرين من شهر ( كسليف Kislev ) الشهر الثالث من السنة المدنية العبرية ، إذ يُعتبر تاسع شهر من الشهور الدينية ، وعدد أيامهِ إمّا 29 او 30 يوما حسب رؤية الهلال . وقد جاء اليوم الأول من هذا العيد في 25 كسليف لسنة 5777 حسب التقويم العبري الموافق ليوم 24 كانون الأول ، ديسمبر 2016م . وعليه يكون آخر يوم من العيد موافقا ليوم 31-12-2016 ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة 2017م . ومن الواضح أنه قد تسبب بحساسية كبيرة لدى الحاخامات لتزامنه تماما مع عيد الميلاد ، حيث إنّ الإحتفالية قد صرفت اهتمام الشعب اليهودي عن عيدهم المقدس ( عيد الأنوار ، التجديد ) مما أثار حفيظة رجال الدين الذين زعموا إنّ ميلاد يسوع أضاع عليهم فرصة الإهتمام الشعبي بالمراسيم والطقوس الخاصة بعيد الأنوار ، بل أضاع هُويّة دولتهم العبرية كما يزعمون وأنسى شعبهم احتفالاته الضرورية بتدشين ( تجديد ) الهيكل ، التي يقيمونها سنويا إحياءً لذكرى إنتصاراتهم على يد الكاهن الكبير متتياهو الحشمونائي في حربهِ ضد الحاكم اليوناني لمملكة السلوقيين ، أنطيوخوس الرابع الذي تولى الحكم بين عامي 174-164 قبل الميلاد . ولذا يُعتبر هذا العيد الذي ورد ذكره في سفر المكابيين الأول ( التوراة ) بالغ الأهمية بالنسبة لليهود لإستعادتهم الهيكل المسبيّ من اليونانيين أنذاك . وقد إزدادت أهمية العيد سياسيا ودينيا بعد الإحتلال الغاشم لأرض فلسطين عام 1948م تأكيدا منهم على شرعية دولتهم المزعومة . وبالتالي أتخذ العيد طابعا سياسيا أكثر مما هو دينيا لدى الساسة الإسرائيليين والحاخامات اليهود المتطرفين لكونه يحقّقُ غرضا مهما في تجذير فكرة الحق المشروع الذي نادى به (هرتزل ) لإقامة دولة عبرية يهودية عاصمتها أورشليم القدس .
#ياس_خضير_الشمخاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القمل ثروة حيوانيّة !!
-
أكو جعجعة ... بس ماكو طحين !
-
فاجأ العالم بفوزِهِ فهل يُفاجِئهم بسياستِهِ !؟
-
أنتِ مولاتي ... رحلة في ذاكرة مغترب شيوعي
-
وهل خلت يثرب من أهلها !؟
-
لن يستقيم الظلّ وربّ الكعبة
-
الدين بشاربٍ محفوف وثوبٍ قصير
-
آخر ورقات المقبور
-
أغتصاب فتيات بريطانيات
-
محمود الحفيد البندقية الغاضبة
-
عشيّة الرحيل
-
منْ منّا يقتل أبنه لو زنى !؟
-
تركيا ... حرملة العصر
-
لأنها تجارة مربحة
-
أغصان الزيتون
-
بطاقة عيد
-
ماهكذا تورد الأبلُ !!
-
ماذا يادولة الثعالب !!؟؟
-
سمير أميس ... ياعشقا أزليا
-
آخر محطات العمر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|