|
علي بن أبي طالب. الحقيقة والمبالغة
عبد الله الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 5419 - 2017 / 2 / 1 - 23:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عليّ بن أبي طالبٍ. من يدرس شخصيّة عليّ، يجدها عدة شخصيّات لا شخصيّة واحدة عليّ السّني (الصّحابيّ). عليّ الشّيعي (النّاقم على الصّحابة). عليّ الْأسطورة. عليّ الْحقيقي. 1- عليّ السّني يجمع مؤرخو السّنّة على أن عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ هو الْخليفة الرّابع بحق. ولا يشيرون إلى مثالبه قط، ويغضون النّظر، عن أخطائه التي اختصّ بها دون غيره، وعن وصوله غير الشّرعي إلى الخلافة، وعن شقّ وحدة المسلمين، وبذر الخلاف بينهم، وعن عدم محاسبة قتلة عثمان، وعن جرائم أخرى لا تعدّ ولا تحصى، ينزهونه لأن زوج ابنة محمّد، وابن عمه، لكثرة حض محمّد على تقديس عائلته. نوم علي بقي عليّ في دار محمّد عندما هاجر هو وأَبُو بَكْرٍ إلى الْمدينة، وكان عمَره سبع عشرة سنة، وكان الْقريشيون قرّروا أن يقتلوا محمّداً مجتمعين، ليضيع دمه بين الْقبائل، فقد كان العرب بشكل عام، وقريش بشكل خاص يتحرّجون من الْقتل، وكان محمّد يتوقّع أنّهم لا يمكن أن يؤذوا عليّاً لما عُرف عن المكيّين من سمو أخلاق ونبل، أولّا ولأنّه غير مقصود ثانياً، وهذا مهمّ جدّا في عدالة الملأ الذي يحكم مكّة، وكان توقّع محمّد في مكانه. زوجّ محمّد عليّاً في الْمدينة ابنته فاطمة، وحضر مع محمّد كافة معاركه باستثناء تبوك إذ عينه محمّد والْياً على الْمدينة أثناء غيابه. وأصبح خليفة بعد نجاح مؤامرته على قتل عُثْمان بن عفّانِ، ورفض جميع كبار الصّحابة مبايعته، وأحجموا عن تأييده بحروبه لأنّهم لم يثققوا به، وبعدالة موقفه (لكنّ ذلك لم يكن شرطاً يلغي صحة خلافته مادامت الأكثرية بايعته، "حتى لو كانت مجرمين وسفلة وشرار النّاس". أخطاء علي بنظر علماء السّنّة 1- عزل ولاة عُثْمان بن عفّانِ من دون حقّ، وكلّهم أعدل وأفضل من الولاة الذين عيّنهم عليّ بعدئذ، عندما أصبح خليفة، بعد أن فرضه المتواطئون معه، وكان أهمّ من حرص عليّ على عزله مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيان. 2- لم يقتصّ من قتلة عُثْمان بن عفّانِ، واتّخذ منهم وزراء وقادة، وفيهم من ساهم بقتل عثمان. 3- فضلّ الحرب على المفاوضات، وضرب عرض الحائط بسنّة محمّد وأبي بكر وعمر وعُثْمان بن عفّانِ، فقد كان هؤلاء يبذلون قصارى مجهودهم لتجنّب الحرب، والوصول سلماً إلى غاياتهم، وبذلك أوقع عشرات آلاف القتلى بين المسلمين، وأوقع من سار على نهجه ملايين القتلى الأبرياء منذ ذلك الوقت وحتى الآن. 2- عليّ الشّيعيّ. يختلف عليّ الشّيعيّ عن السّني كثيراً، فقد نزلت بحقه (اثنتان وسبعون) آية من الْقرآن الْكريم، ولم تعرف الأنسانيّة في تاريخها الطّويل رجلاً - بعد محمّد أفضل من علي بن أبي طالْب، ولم يسجّل لأحد من الْخلق بعده من الْفضائل والْمناقب والسّوابق، فضربته لعمَرو بن عبد ود الْعامري يوم الْخندق تعدل عبادة الثّقلين، وهوالذي لواجتمع النّاس على حبّه - كما ينسب إلى الرّسُول صلى الله عليه والْه - لما خلق الله النّار، وإن رفاق محمّد (الصّحابة) تجاهلوه لأنّهم ارتّدوا عن الإسلام، ولأنّهم حاقدون وغير أسوياء ولا يؤمنون بالْإسلام الْحقيقي، ويكرهون الْعدالَة، وانحرفوا كلّهم عن الْإسلام، لأنّه رجل حق، وإنّه لو وليّ المسلمين فسوف يصبح كمحمّد يقوّم أخطاءهم ولا تأخذه بالْحق لومة لائم، وسببُ بغضهم له الغيرة منه لأن محمّداً كان يحبّه، ويقربه. وإنّه أسمى منهم جميعاً وأفضل منهم بما لا يقاس. 3- عليّ الْأسطورة. تختلط صورة عليّ الْاسطورة بصورة عليّ الشّيعيّ كثيراً حتى لا تكاد تفصل بين الْاثنين قط، فكلّ ما ورد في حقل عليّ الشّيعيّ موجود في عليّ الْأسطورة، فالاثنان عليّ الشّيعيّ وعليّ الأسطورة موجودان في المناطق التي يكثر فيها الشّيعة، لكنّهما غير موجودين في المناطق التي يكون فيها الشّيعة أقلية إلا في السّرّ، ولا يتّم تناقل أخبارهما إلا همساً تُطنب مئات الكتب في عليّ الأسطورة، وهي كتب يتداولها المتعصّبون في أمكنة خاصة، كمحلات تدريس المذهب (الحوزات العلمية)، وفي قراءات عاشوراء، والمجالسّ بشكل عام إن خلت من وجود أشخاص يعتنقون مذاهب أخرى. الفرق بين عليّ الشّيعي وعليّ الأسطورة، أن الأوّل موجود لكنّ المبالغة تلفه من جميع نواحيه، أما عليّ الأسطورة، فهو كائن مختلق لم يوجد قطّ، أشبه بمنطاد كبير "بالون- نفاخة" منفوخ بالخرافات والمبالغات وما لا يمكن إثباته، ولا يرتبط بعليّ الشّيعيّ إلا بأواصر قليلة استعملت كقاعدة ليبنى عليها، فهناك حقائق ثابتة عنه: أ- أبن عم محمّد. ب- نشأ في بيت محمّد. ج- تزوج ابنة محمّد. د- شارك في حروب محمّد. هذه الحقائق الثّابتة لا يشكّك بها أحد مطلقاً، ونتجت عن صلة عائليّة. أما ما يبنى على هذه الوشيجة فهو موضوع أشبه بالخرافات والأساطير، فقد استبدل واضعوا هذه المبالغت علياً بالملك الفارسيّ "قبل الإسلام" الذي كان ظلّ الله في أرضه، ولم يعتبروه بشراً خليفة محمّد، ومن فعل ذلك رجال لهم علاقة قويّة بفارس، أو كانوا فرساً في الأساس، تبنّاهم عليّ ورعاهم ليخلقوا دعاية له بعد صدود رفاق محمّد عنه، لما عدّه الصّحابة: أولّاً: جريمة كبرى هي قتل عُثْمان بن عفّانِ، حيث يعتبر المسلمون أن القتل من "الكبائر" ومن يرتكبه يخلد بالنار. ثانياً: تقريبه الغوغاء، شذاذ الآفاق. ثالثاً: سلبه الخلافة من مستحقّيها. رابعاً: شنه حروباً على المسلمين من دون حقّ، ومن دون بذل الجهد السلمي لتجاوز الحرب. الدّاعية رقم صفر. عندما بدأ محمّد رسالتّه كان عمَر عليّ سبع سنوات، فآمن به وكان ذلك تحصيل حاصل كما يؤمن أيّ طفل بدين من يرعاه، وكان إيمانه إيمان تقليد واتباع، لا علاقة له بالتفكير الحر وبالإقتناع، لا يعتبر فضلاً يميّزه عن الآخرين، ولا قيمة له مطلقاً، ولو كان ذكاؤه عاديّاً أو أكثر من عاديّ لنشط وتحرّك، فالطّفل في هذا السّن حرك، كثير النشاط، كثير الأصدقاء، يألف الغير، ويألفه الآخرون من لداته، فهل استمال طفلاً آخر إلى الإسلام؟ لا، لم يفعل، وإن نظرنا إلى هذه النقطة بعمق فستكشف تخلّف عليّ العقليّ والنفسيّ، لأنّه كان أصغر المسلمين، وله القدرة على الدّعوة لو كان ذكياً نشطاً أكثر من غيره، ويبدو ذلك واضحاً من فشله في الدّعوة. لماذا؟ إن فكّرنا في السّبب نرى لا يعدو أن يكون طفلاً لا صديق له، منعزلاً عن الآخرين، لا يألفهم ولا يألفونه، ربما لأن عقدة النّقص متأصلة به، فهو يشعر أنّه قبيح الصّورة، لجحوظ عينيه، وميل بشرته إلى السّواد. وحين أدرك مؤيّدوه هذه الحقيقة، أرادوا أن يخفوها، فأخذوا يبالغون في تضخيم إيمانه في هذا السن إلى حدّ أنهم عدّوا علياً شريكاً لمحمّد. معتبرين تلك خطوة عزّزت الإسلام، وأدّت خدمة لا مثيل لها له، لكنّهم لا يستطيعون أن يثبتوا أي فائدة عملية تأتت من إيمانه، ومقارنة بأي واحد من المؤمنين بمحمّد، يتضاءل علي إلى نقطة الصفر، فعلى سبيل المثال، استطاع أبو بكر أن يجلب ثمانية من زعماء الصّحابة، الذين بشرهم محمّد بالجنة، إضافة إلى كم هائل من العبيد، اشترى منهم سبعة بماله، وعلى رأسهم بلال الحبشي. وحقيقة فشل علي في الدّعوة تخرس السّنة والشّيعة الذين يعتبرون عليّاً صحابيّاً سامياً، لا ترفع من عاديته، ولا تضيف له أي رفعة، ليبقى غفلاً لا فضيلة له سوى زواجه من ابنة محمّد، وتلك نقطة عظامية لا تسمن ولا تغني من مجد. أساطير: غالى مؤيدوا عليّ بصلة قرابة محمّد في هذه الاسطورة، زاعمين أنها موجودة لا قبل أن يخلق محمّد، بل قبل خلق الكون حيث لا وجود إلا الله وعليّ. وتضخّمت الحقائق البسيطة الأربع، إلى أساطير ملوّنة يملأ الْحديث عن كلّ واحدة منها مجلدات، وكتباً لا تحصيها الْأرقام. ولكي تعطى المبالغات أهمية اختلقت أحاديث شتى فمما نقل عن ابن عباس "لو أنّ الشّجرَ أقلامٌ، والْبحرَ مدادٌ، والإنس والْجن كتّاب وحسّاب، ما أحصوا فضائل أمير الْمؤمنين عليه السّلام"، وساهم عليّ نفسه بتضخيم هذه المبالغات، بلهجة مليئة لا يمكن أن توصف إلّا بتضخيم الذت، وجنون عظمة زائفة: أنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن وأنا وارث الأرض) أوتيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني )، وهي صفات لم ينسبها محمّد ولا أي رسول أو نبي أو بشر من قبل، ويقول: (وأعطيت تسعا لم يعط أحد قبلي الخ،) وهي صفات إلوهيّة، لم ينسبها المسلمون إلّا لله، ومن اختصاص الله، ويكفّرون من يدّعي أي صفة منها. وجوهر هذه الصفات أن عليّاً بن أبي طالْب هو الْفارق بين الْحق والْباطل، ليس هو وحده، بل يشترك معه ولداه من فاطمة الْحسن والْحسين، وتسعة أئمة من أحفاد الْحسين. ويركز مؤيدوه على صفة إلهيّة فيه وفي ذريّته، وهي أنهم معصومون من الخطأ، ويعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم، ويعلمون جميع العلوم التي خرجب بها الملائكة والأنبياء والرّسل، ويعرفون أخبار الجن وأهل الهوى من الملائكة، وجاءت المعجزات تؤكد ما يريدون، فتحرك الحجر الأسود ونطق لتصديقهم. تأليه عليّ: من المبالغات التي جاءت في كتاب بحار الأنوار للمجلسي، في تأليه علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عليّ، ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً ، وتتكرّر الرّواية في كتاب (بصائر الدّرجات) للصّفار، وفي كتاب آخر "الاختصاص للمفيد". وعن أبي عبد الله (أحد الأئمة المعصومين الاثني عشر) قال: ولايتنا ولاية الله لم يبعث نبيّ قط إلا بها . ومن هذا الضّرب كمّ لا ينتهي، بل يزيد يوماً بعد يوم، ويكبر ويتضاعف ككرة الثّلج المتدحرجة. إن تأليه عليّ، ومعجزاته هوّ وباقي ذريته الاثنا عشر لا يسعها مجلدات. ومما يؤثر عن عليّ، أنه قال لمحدثه «أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصّين، وانفرج برج ماجين، وسقط سور سرنديب، وانهزم بطرق الرّوم بأرمينية، وفقد ديان اليهود بأبلة، وهاج النّمل بوادي النّمل، وهلك ملك إفريقية، أكنت عالما بهذا؟ قال لا يا أمير المؤمنين. فقال البارحة ولد سبعون ألف عالم، وولد في كلّ عالم سبعون الفا، والليلة يموت مثلهم» . ويبدو أن عليّاً مغرم بالعدد سبعين ألفاً، فردّده غير مرة. مظلوميّة عليّ: أوصى الله ورسوله بعليّ بن أبي طالبٍ أن يكون بعد محمّد، لكنّ أبا بكر وعمَر منعاه حقه، غيرة، وظلماً، وشايعهم الصّحابة الذين غيروا تعالْيم محمّد، فسكت على حقّه ولم يطالْب به، لأنّه يدعي أنه لم يرد شقّ صفّ الْمسلمين، ولم يدرِ أنّه شقهم فعلاً، لكنّه لا يعترف بخطئه، وهذا يعني أن رفاق محمّد تواطؤا على الانحراف وخرجوا عن الْإسلام، وتجاهلوا عليّاً لأنه رجل حق، وإنّه سوف يكون كمحمّد يقوّم أخطاءهم ،ولا تأخذه بالْحق لومة لائم، بسبب غيرتهم منه لأن محمّداً كان يحبّه، ويقربّه. وإنّه أسمى منهم جميعاً، وأفضل منهم بما لا يقاس. وتلحق بعليّ الأسطورة وأحيانا الشّيعي، مبالغات لا تقال ولا تنشر ولا تذكر إلا للخاصّة كـ: نفي زواج عمر من ابنة عليّ أم كلثوم، ونفي تبرئة عائشة من الإفك ألخ، والإساءة إلى شرف أبي بكر، وعمر وغيرهم. النفاخة "البالون": ومن هنا نجد أن عليّاً الأسطوريّ غير موجود حقيقة، لكنّه مطبوخ في علبة ومضغوط في صندوق يسمى التّقيّة، فإن فتح الصّندوق وتعرّض للضوء فسُد، وظهرت حقيقته الخرافيّة المضحكة المبكية. لذا ينكر الشّيعيّ العادي والمثقف عليّاً الأسطورة، وملامح كثيرة من عليّ الشّيعي عندما يرى نفسه في مكان يتواجد فيه مسلمون سنّة، ولا يشير إليهما أمام الْآخرين، لكنّه يخفيهما في صدره ولا يفتح الصّندوق إلّا لمن يثق به. وبالنّسبة لعلمائهم فلا ينكرون أنهم يبالْغون فيه إلى حدّ السّفه. يبالْغون فيه ليبدو أعظم من كلّ الانبيّاء بما فيهم محمّد، ويصوّرونه لا كإنسان بل مخلوقاً أشبه بالْإله. وهم تارة يردّدون عن محمّد أحاديث تجعله مساوياً له، وأحياناً تفوقه، فمما يروونه كتماثله مع محمّد أنّه آخاه، وأكدّ على إنّه وليه ووصيّه على الْمسلمين، في حديث الْغدير "اللهم والْ من والْاه وعاد من عاداه" ، وهذا حديث لم يروه البخاري، ويعتقد الكثير أنّه مكذوب، وحتى لو ثبت فهو لا يعني أي شيء، (إذا صح) لأن الوليّ لغة النّصير، وليس خليفة محمّد، أو الحاكم، أو البديل، ووردت كلمة أولياء، وهي جمع كلمة ولي في القرآن كثيرا، " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور ، فالله ولي المؤمنين كلّهم، ليس عليّاً وحده، وهي تعني هنا المساند، المؤيد، والموالاة في الآية القادمة تعني التّعضيد والتّأييد، لكنّها لا تعني بأيّ شكل من الأشكال الخضوع والسّيادة، ومن يقرأ الآية يرى المعنى واضحاً ومن دون لبس: إِنَّ الذينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالذينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالذينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . سبعة آلاف سنة: مواد المبالغة هذه، غير موجودة إلا في أذهان المتعصبين من المؤيدين، ومن أشدها تطرفاً، وغلواً هي أن عليّاً وحده على الْحق، وهذه صفة من صفات الله، «عليّ مع الْحق والْحق مع عليّ »، وفي أحد الأقوال: أنّ محمّداً خلق هو وعليّ وفاطمة وذريّة عليّ من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف سنة، لذا فهو يختلف عن الْخلق لأنهم من تراب كما يقول الْقرآن . وهناك أقوال يفضلونه فيها، على محمّد فاعتباره هو وفاطمة وذريّتهما كآدم، عرضهم الله على الْملائكة، فمن قبِلهم كان من الْمقربين ومن ججدهم كان من الْكافرين، ومأواه جهنم حتى لو عَبَد الله طيلة عمَره، ويصرحون بألوهيته عندما يقرّرون أن من يتوسل به، وبذريّته لا يرد الله له طلباً، ولولاه وذريّته ما خلق الله الدّنيا ولا الآخرة، والله هو الذي أسماه عليّاً ليقرنه به، فهو الْأعلى وعليّ منه واسمه من اسم الله. وإنّه يعرف علم "الْجفر" وهو علم النّجوم والْأزياج الذي يكشف عن الْغيب، بينما يقول الْقرآن أن علم الْغيب لله وحده. الْخلاصة: عليّ أذكى الْبشر، وأعلمهم، وأشجعهم، وأفصحهم، وأعمقهم فكراً، وأكثرهم إنسانيّة، وأكرمهم، وأشدهم صراحة، ولا يمكن عدّ فضائله قط. كان يعلم كلّ شيء، فهو الْقائل بثقة متناهية، وبصيغة مرفوضة أخلاقيّة ومبدئيّة وإنسانيّة: "سلوني قبل أن تفقدوني". وادعاء مثل هذا يعني أن صاحبه مصاب بمنتهى الغرور والتكّبر، ثم يعيد قوله، مدّعياً قدرات مستحيلة، لا يدعيها سوى إنسان خرف أخرق متكبّر مغرور: "سلوني فوالله لا تسالْوني عن شيء إلّا أخبرتكم." هذا تبجّح وتفاخر أجوف وهذر مشين. لا يوجد إنسان في الماضي أو الحاضر يستطيع الإجابة عن كلّ شيء؟ كان محمّد إذا سئل عن شيء خارج الوحي يقول: لا أعلم. وكذلك كان أنشتاين يقول إن سُئل خارج اختصاصه، وهذا يعني أنّ صاحبه مصاب بلوثة في عقله، وهو أقرب إلى الجنون. صحيفة علي كذبة هائلة: كتب عليّ كتاباً (صحيفة) طوله سبعون ذراعاً من إملاء محمّد وخط عليّ على الرّقّ . لكن من يدّعي ذلك لا يذكر أين الصحيفة!، ولا ينقل سطراً واحداً منها. فهل كتبها عليّ لنفسه واحتفظ بها، وأتلفها قبل أن يموت! إن فعل ذلك فهذا يعني أن لا قيمة لها مطلقاً، أو يعني أن من نقل الخبر لا يعرف عنها شيئاً، فنقله من دون جدوى، ويستوي نقله وعدم نقله، أما إن فعل ذلك لتقديم فائدة للآخرين فعليه أن يعيّن أين هو الكتاب، أو ينقل إلى القارئ قسماً منه، وإلّا اعتبر كاذب مفترياً؟ ومن بحث عن هذا الكتاب وضيع أوقاتا لا حصر لها، لم يعثر عليه مطلقاً، حتى لو ضيع عمره كله، ليكتشف أخيراً أنه عبارة عن كذبة اختلقت للدعاية لعلي ليس غير. يدعي مناصروه أنه أوسم بني هاشم قاطبة "قمر بني هاشم."، ولم يرَ أجمل منه، لكن صفاته التي نقلت إلينا، تؤكّد: أنه "مربوعاً، وهو إلى القِصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، حَمِش الساقين، في عينه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة "مقاتل الطالبين، ص27" ، هذه الصّفات تبدد ادعاء الوسامة والجمال وتهافتهما. القصر والصلع والكرش وتتعارض مع الوسامة، في الماضي والحاضر. .بطل معركة بدر كذبة هائلة أخرى: عليّ وحده قتل أكثر من نصف قتلى معركة بدر، كما يقول جورج جرداق، وثلاثة أرباعهم كما يقول المؤرخون الشيعة. هذه فبركة لا تقف على رجليها حين تناقش عقليّاً، إن كان قتل هذا الكمّ الكبير في بدر، فماذا كان يفعل بقية الجيش؟ يقف متفرجاً على بطولات عليّ؟ يشجعونه كما يفعل مشجعوا الريضة الآن؟ يصفقون له، ويلوّحون بأيديهم، ويرقصون؟ ادعاء فارغ، إدعاء كهذا عدوان وإساءة لبقية المسلمين لأنّه يختطف انتصاراتهم، ويغض الطّرف عن إنجازاتهم، ويظلمهم، وهو كذب صرف، واختلاق فاقع، والكذب محتقر في كلّ الشرائع. إن كان عليّ قتل مثل هذا العدد الضخم الهائل في بدر، فلماذا لم يفعل شيئاً في معركة أحد؟ لماذا هُزم المسلمون في أحد وبطل الأبطال موجود؟ لماذا لم يقتل كما فعل في معركة بدر؟ لماذا لم يقتل خمسين فقط؟ عشرة فقط؟ لو كان جبّاراً قويّاً كما يدعي مؤيدوه لكان توجّه إلى خالد بن الوليد فقتله في الأقل، فبقتل خالد قائد جيش قريش سينخذل المشركون، وسيتفوّق المسلمون، ويرفعون راية النصر، لماذا لم يفعل ذلك؟ من هو بطل معركة أحد عند المسلمين: برز طلحة في معركة أحد، كأهمّ أبطال المسلمين، لأنّه أدرك بثاقب بصيرته أنّ الهجوم تركّز على محمّد، فأسقط في حفرة، وجرح في غير مكان من جسده، فقرّر أن يحميه، فدفعه أمامه في ممرّ الجبل، وأخذ يصدّ عنه الضّربات، ولأنّه كان بارعاً في رمي السّهام، وسهامه لا تخطئ قطّ، فقد أوقف المهاجمين من المشركين، بعد إن أصاب غير واحد، وبذلك استطاع حماية الرّسول من مستهدفيه، ولهذا السبب اعتبر منقذاً لمحمّد وحده. وبهذا أيضاً لم يدّع مؤرخ آخر موالٍ لعليّ أفعالاً بطولية له. بطل خيبر كذبة ثالثة هائلة: علي اقتلع باب حصن خيبر، وكان بضعة أفراد يتعاونون لفتحه، اقتلعه بيد واحدة، "طُرح ترسه من يده، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله تعالى عليه الحصن". . هناك "مع الأسف" من يكذب الكذبة ولا يهمّه إن صدّقه أحد أو لا، فهو يكذب ليشبع رغبته فقط، المهمّ أن يكذب حتى لو كانت كذبته مستحيلة الوقوع، ولا يمكن أن يصدّقها. كما في هذا الخبر، باب الحصن "أيّ حصن" ثقيل، في الأقل بضعة أطنان، فإن خلعه بيد واحدة فهذا مستحيل المستحيلات، لكن لنجاريهم ولنصدق هذا الإدعاء، ولنفترض أن عليّاً حمله وتترّس به، ولنفترض أيضاً أنّه قويّ بصورة كافية لفعل ذلك، فكيف لحصانه أن يتحمّل مثل هذا الثّقل؟ فبضعة أطنان تكسر ظهر أيّ حصان، اللهم إلّا إن كان حصاناً من حديد، لو ادّعوا أنه حارب راجلاً لكان ذلك أقرب من المعقول، أما أن يحمل بضعة أطنان وهو على ظهر جواده، فسينفق الجواد لا محالة. هذه نقطة أما إن فرضنا أنّ الحصان أصبح بقدرة قادر من حديد، وتحمّل ثقل علي، وباب خيبر كليهما، فسنرى مانعاً آخر عقليّا يمنع الحادثة، فحمل باب بيد واحدة والتّترس به، يعني أن عليّاً لا يستطيع أن يقاتل مطلقاً، لسبب بسيط أن لا يرى أيّ شيء، فالباب عدة أمتارعرضاً ومثلها طولاً، إن وضعه أمامه فسيحجب نظره عن رؤية أيّ شيء، سيمنع عنه السّهام والضّربات، لكنه سيمنعه من القتال. ولهذا يتهاوى هذا الادعاء المكشوف، الذي لا يستقر إلّا في عقول ساذجة، تعجّ بالخرافات. حادثة مخزية. يروّج مؤيّده، عبارة مختلقة هراء. كانت ضربة عليّ لعمَر بن ود الْعامري أقوى ضربة في الإسلام كما سبق، وهي تعادل عبادة الثّقلين. وفي هذا الصّدد نشأ كتاب ومؤلّفون لا حصر لهم، طرحوا الموضوعية جانباً، وركبوا موجة الهوى، واقتبسوا ما حلا لهم من فلسفات حديثة، وأفكار ذات طابع معاصر، طبقوها على واقع عليّ بتعليلات ضالة، فرفعوه وألّهوه مستندين على أكاذيب وتلفيقات ومنطق أعوج وتفلسف مزيّف قديم وحديث، كان همّهم الأوّل إرضاء جماهير أميّة مغسولةٌ عقولُها، ضائعٌ وعيُها في ركام هائل، سداه الكذب ولحمته المبالغة. أما همّهم الثّاني وهو الأقوى فما ستدّر عليهم هذه الكتب من مردود مادّي، يتأتى من تصريف هذه الكتب على جماهير قطيع جاهل طائفيّ، يشتري ما يكتب من مبالغات بأي ثمن. من هؤلاء الكتاب معاصرون كثر منهم: عبد الحليم الجندي ومحمّد رضا المظفر وهادي العلوِيِّ، ومحمود القمّني، وخليل عبد الكريم، وجورج جورداق الخ. هذه الفريّة الصّارخة تسيء إلى عليّ أعظم الإساءة وتفضحه كوحش لا آدميّ، عليّ في عشريناته يبارز رجلا في سبعيناته، أي أن الفرق نصف قرن. إنّ قوّة أيّ شخص يصل إلى السّبعين، تتضاءل فيستطيع أيّ طفل صرعه، ولهذا يمتنع المصارعون والملاكمون في وقتنا التّباري مع من يتجاوز الخامسة والثلاثين، ومن يفعل ذلك يعتبر معتدياً، ويعاقب حسب القانون. في الدول المتقدمة يراعى المسنّون وتقدّم لهم خدمات، وامتيازات، في السّكن، والتّنقّل والرّعاية الصّحية الخ، لكنّ المتخلفين يفتخرون بقتل شيخ على يد شاب. كان من عادة الفرسان الشّيوخ قبل الإسلام، أن يستعرضوا أمام الجيوش، لا لأنّهم يريدون القتال، لكن ليروا الآخرين مهاراتهم في الفروسيّة، ولذلك لم يبادر أيّ من المهاجرين لمبارزة العامريّ، لا لأنّهم جبناء بل لأنّهم يتمسّكون بقواعد الفروسيّة، ويحترمونها قبل الإسلام، لأنّها إنسانيّة.
#عبد_الله_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عليّ بن أبي طالب الحقيقة والخيال! (2
-
علي بن أبي طالب. صعود المشروع الإسلامي وتشظيه
-
المعالي والمخازي
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|