ناصر السهلي
الحوار المتمدن-العدد: 1429 - 2006 / 1 / 13 - 10:09
المحور:
القضية الفلسطينية
قبل أيام من الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والتي تجري متأخرة سنوات عن موعدها، يتزايد الحديث عن ضرورة "محاربة الفلتان الامني" الذي شهدته الساحة الفلسطينية كمشهد لامسه المواطن الفلسطيني مباشرة أكثر منا جميعا نحن الذين نكتب عن بعد جغرافي على الأقل...
من المخزي حقا أن تتصرف مجموعات مسلحة على النحو الذي رأيناه يحدث في المعبر الوحيد للفلسطينيين في غزة على العالم الخارجي... وما سبقها وتبعها من صور تخدش بكل تأكيد حركة المقاومة الفلسطينية وأهدافها في رفع السلاح دفاعا عن الشعب الذي صمد كل هذا الصمود مخترعا أدوات صموده التي جرى العمل على تجريده منها ليتأقلم مع فلتان أشد وطأة ربما...
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتكون صورة الفلتان الأمني المقصود بتصرفات "إحتلال وإغلاق" مقار عامة للسلطة الفلسطينية و قطع الطرقات بهذا الشكل الذي قدم مادة جيدة للخطاب الصهيوني ، وحتى بعضه العربي، الهارب من إستحقاقات يجب تنفيذها لهذا الشعب الذي ينتظر حرية كاملة وليس نصف أو ربع حرية ... فبحجة "إنفلات" الوضع الأمني تظل غزة أسيرة المدفعية التي تطلق حممها على شمالها وتواصل قوات الاحتلال عمليات الاغتيال والاعدام الميداني لقادة وكوادر الحركة النضالية الفلسطينية..وبذات الحجة، كما يقول السيد أبو مازن "تهرب" الاستثمارات... قبل أن تتحول غزة إلى "جنة" ... بل إن السيد محمود عباس طرح سؤالا ينتظر الاجابة عليه: ما هي فائدة الصواريخ التي تُطلق من بعض مناطق غزة على المستعمرات القريبة من غزة المحاصرة؟
لا هذه الحجة ولا تلك ولا كل إستفسارات رئيس السلطة الوطنية تلامس الواقع الحقيقي ... لكن من الصحيح تماما أن هذا الفلتان يعطي رعنان غيسين مادة جيدة في طرح الخروقات الصهيونية في سياق صهيوني معروف ، أما أن الانفلات الامني هو المسؤول عن تواصل مشروع حصار غزة وتفريغ الانسحاب من محتواه عبر قصف يومي وقتل واضح والتخطيط لإقامة "منطقة عازلة" بطرد السكان من أراضيهم، فهو بالامر غير المؤكد أو على الأقل سنعتبره سوء فهم لتفسيرات بعض "أقطاب الفلتان السياسي" المسكوت عنه..
ليس خفيا على أحد بأن أمنية المؤسسة الصهيونية، بغض النظر عمن يترأسها، تكمن في رؤية السلطة وقد إنهارت تماما...بمعنى أصح إنهيار الوضع الفلسطيني إلى مستوى من الاحتراب الداخلي على النفوذ وبعض بقايا برامج سياسية... ففي مسألة "الهدنة" جُر الوضع الفلسطيني إلى ساحة من النقاش العقيم عما إذا كان يجب تمديد"الهدنة" من عدمه... وهي بكل المقاييس هدنة من طرف واحد إذا ما تتبعنا طريقة تنفيذها وحجم الخروقات الصهيونية منذ أن خرجت الفصائل متفقة عليها في القاهرة... وعليه فإن هذا النقاش الذي ولدته قضية "الهدنة" يضع الواقع السياسي الفلسطيني في مواجهة مع الذات قبل الانتخابات وبعدها... وذلك بالتوازي مع الامنية التي تبثها الماكينة الاعلامية الاسرائيلية لجهة "الانهيار" في الجانب الفلسطيني... وعليه تبدو محاولات التدخل الاحتلالي في تفاصيل الانتخابات تلك واحدة من الادوات التي تعمل وفقها لقلب الحالة الفلسطينية على ذاتها ...
من السذاجة بمكان لو قلت بأن "المجموعات" التي تمارس ما نسميه "الفلتان الامني" غير معروفة العناوين والتمويل... بل هي قصة مستنسخة من قصص طويلة عانت منها التجربة الفلسطينية طيلة العقود الماضية، ونحن لسنا الان في وارد البحث في ألف باء تكوين الشللية التي يمارسها بالتأكيد بشر وليس أشباحا، لكننا لا نستطيع قراءة هذا "الفلتان" بعيدا عن الفلتان السياسي الذي تعانيه الحالة الفلسطينية... الفلتان الذي يغيب أساسا المؤسسة لمصلحة أصحاب النفوذ...
ليس خفيا بأن الفلتان السياسي الذي نتحدث عنه هو المكون الاساسي لكل فلتان آخر تشهده الساحة الفلسطينية... فمن البرنامج السياسي الاصلاحي المتفق عليه مرورا بإشراك مؤسسات منظمة التحرير وتغييبها الكلي وليس إنتهاءا بترك الفساد ليستشري في جسد المؤسسة..
نحن ندرك بأن الفترة التي تفصل إنتقال "الثورة" إلى "دولة" قد تحمل معها الكثير من الأخطاء والمطبات، لكن أن تستمر تلك الاخطاء لأكثر من 11 عاما من عمر السلطة على طريق الدولة بل وتحول الاخطاء إلى نمط من العمل السياسي على طريقة الحفاظ على "إنجازات" تذوب أصلا مع الوقت فهو ما يستدعي التوقف قليلا لمراجعة مرحلة تحولت فيها عملية الانتقال إلى عملية إرتجالية وإن كانت تحمل صفة البرنامج المتفق عليه.. فلو أخذنا مثلا منظمة التحرير الفلسطينية فمن المفترض أن تكون هي المرجع ! فكيف بهذا المرجع أن يكون مرجعا وهو مصاب بشلل نصفي مقصود، من خلال الخلط بين السلطة والمنظمة وإعتبار السلطة هي المنظمة بينما المنظمة هي الأصل والأشمل كمرجع وممثل لكل الشعب الفلسطيني أينما كان... تحدث غيرنا في أكثر من مناسبة عن هذا الخلل الذي يصر البعض على إستمراره...
تم الاتفاق في جلسات الحوار الداخلي الفلسطيني في القاهرة وفلسطين على برنامج سياسي يهدف إلى إيجاد آليات تنظم العلاقة بين السلطة والمنظمة، وتفتح الطريق أمام عملية إصلاح تشمل مؤسسات المنظمة وتفعيل دورها بما فيه المجلس الوطني الفلسطيني... لكننا وبعد مرور وقت طويل إكتشفنا بأن قضية تعيين "سفير" أو ممثل لـ م ت ف تحتاج إلى كل هذا الصراع العلني بين الدائرة السياسية التابعة للمنظمة (المفترض أنها المرجع الوطني) وبين دوائر السلطة التي تصر على تغييب هذه المرجعية وحصر الأمر بقضية بيروقراطية لاغير...
ثم إننا نكتشف مع كل القوى الفلسطينية بأنها لم تنجز في الحقيقة من مشروع "الهدنة" إلا الانتخابات التي تأجلت مرة وبقيت غير مؤكدة حتى الثامن من يناير... على الاقل حتى تلقي السلطة "تطمينات أمريكية شفوية"!
في الجانب الآخر نعترف بأن السلطة وكل القوى الوطنية إستطاعت تفويت الفرصة على المؤسسة العسكرية الاسرائليلة التي كانت ترغب في أن لا تتم الانتخابات لكي تتعزز حالة الفوضى التي تجد فيها إسرائيل ضالتها في التهرب من إلتزاماتها الدولية وإعادة إسطوانة "لا يوجد شريك" فلسطيني !
وبالرغم من ذلك فإننا بحاجة لأن نفهم هذا التأخير الذي لم يؤدي إلى إعادة صياغة العلاقة بين م ت ف والسلطة ولا إعادة الاعتبار لمؤسساتها بما يضمن تعزيز الوحدة الوطنية على برنامج القاسم المشترك الذي بقي طيلة سنوات أسير إرتجالية سياسية متفردة وحتى بعيدا عن مؤسسات السلطة نفسها...
قد تكون الانتخابات الفلسطينية القادمة فرصة لاعادة فرز حقيقي ينتج في المحصلة العودة السريعة لاتمام الاصلاحات المطلوبة بما فيها م ت ف ولإعادة صياغة العلاقة بين الشعب الفلسطيني في الشتات ومؤسساته المغيبة والمغيبة لقضيته ، اللهم إلا إذا كانت القوى المتنفذة باتت تعتبر ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء والشتات الغربي غير معنيين بقضيتهم؟!
#ناصر_السهلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟