أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عدلي أحمد - حديث المرجعية















المزيد.....

حديث المرجعية


أحمد عدلي أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1429 - 2006 / 1 / 13 - 09:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في تصريح لعبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في "مصر" أعلن أن الجماعة تعتزم إعلان حزب مدني ذي مرجعية إسلامية في حال الموافقة على تشريع جديد ينوي نوابها التقدم به لمعالجة سلبيات قانون الأحزاب المصري الحالي ، وقبل يوم واحد أجرت جريدة المصري اليوم حوارا مع عالم الاجتماع ذي الميول الإسلامية "عبد الوهاب المسيري" الذي أيد تحول الجماعة إلى حزب ، وقال في ذلك السياق إن أي مجتمع لابد أن يكون له في النهاية مرجعية واحدة نهائية فمن أين نستورد هذه المرجعية هل نستوردها من فرنسا مثلا ، أم الأفضل أن نستوردها من تراثنا الذي هو تراث إسلامي؟ أن تصبح جماعة الإخوان حزبا رسميا فهو ما يجب أن يحدث أما مسألة المرجعية الإسلامية هذه فهي ملتبسة ، وأن يصدر هذا الكلام من عالم اجتماع بارز فهو دليل على أي مدى يمكن للعلمية أن تختفي وراء الأيدولوجيا على اعتبار أن تصور المسيري لمرجعية المجتمع وكيفية تشكلها يخاصم كل طرائق التفكير العلمي ، ويمكن اعتباره "سفسطة دعائية" من التي اعتدنا عليها من أحزابنا الشمولية، ففي أي مجتمع حر فإن مرجعيته السياسية والأخلاقية هي نتاج التجربة التاريخية على عكس مجتمعات أخرى فرضت مرجعياتها نتيجة اختيارات نخب تسلطية حاكمة أو دول مستعمرة ، وهي التي يصح فيها معنى الاستيراد من الآخر المجايل أو التراثي ، أما الأمم الحرة {التي أعتقد أن المسيري يريد أن نكون منها } فإن المرجعية تنتج ولا تستورد ، فهي نتاج تفاعل منظومات قيم موروثة ووافدة عدة ، وقي الحالة المصرية فإننا لا نستطيع أن ننكر الدور الذي لعبه التفاعل مع الأفكار الليبرالية والاشتراكية والقومية خلال التاريخ المصري المعاصر على نوعية القيم المقبولة في المجتمع كقيم مرجعية في السياسة والاقتصاد والاجتماع ، وهذه الأفكار الوافدة تفاعلت عبر مائتي عام مع الموروث التراثي المصري الذي هو بدوره نتاج تفاعل تيارات تراثية عدة ساهمت في تشكيله مثل الإسلام السني الأشعري، والتقليد الصوفي، مع تطعيمات شيعية إسماعيلية نلمحها في الاعتقاد المصري في آل البيت بشكل أكبر من المعتاد في ثقافة سنية وفي أساليب الاحتفالات الدينية ، ولا تنس بالطبع الموروث الثقافي القبل إسلامي الذي لا يمكن تجاهل تأثيراته الشاحبة. كل هذه التجربة التاريخية الممتدة تشارك في صناعة القيم المرجعية التي يمكن أن يقبل بها الشعب ، فغالبية النساء المصريات مثلا يرتدين أغطية الرأس {ويعتبر المصريون ذلك زيا إسلامي} ، مقابل قلة يسيرة منهن تقبل ارتداء النقاب {الذي هو الزي الإسلامي حصرا في مجتمعات أخرى} بحيث يمكن اعتبار سفور المرأة الجزئي هذا قيمة أساسية في المجتمع المصري المعاصر عند النظر إلى التقاليد الاجتماعية ، من جانب آخر فإن غالبية المجتمع السياسي المصري ينظر إلى استقلال القضاء ، ويعتبر مجلس نيابي منتخب وكامل الصلاحيات أساسي كشرطين لبناء ديموقراطي سليم ، ولا يشذ عن ذلك أغلب ممثلي الإسلام السياسي (بينما تعتبر مجتمعات إسلامية أخرى القضاء أحد مهام ولي الأمر، وتعتبر البرلمانات بدعة) وعلى الجانب الآخر فإن الغالبية أيضا تعتقد أن النواب يجب أن يكونوا متوافقين فيما يصدرونه من تشريعات مع تعاليم الشريعة الإسلامية، فلا يبدو أن مفهوم "الشعب مصدر السلطات" مقبول في المجتمع المصري بشكله الغربي، لاحظ أن مصر لم تعرف طوال تاريخها نظاما علمانيا صريحا، وعلى الصعيد الاقتصادي نجد أن غالبية المجتمع المصري تؤيد استمرار الدولة في دعم برامج اجتماعية عالية التكلفة كجزء من تأثير التجربة الناصرية ، ومن تأثير هذه التجربة أيضا أن أغلب المصريين يعتبرون أنفسهم عربا، و باستثناء من لا يزالون يتبنون أفكار قطب حرفيا، فإن غالبية الإسلاميين المصرين لا يبدون واعين للتناقض البنيوي بين القومية والإسلاموية ، وفي جميع الأمثلة السابقة تبدو التجربة التاريخية هي التي تفرض مرجعيتها على نوع الإسلام الذي يقبل به المجتمع لا العكس بما يجعل المرجعية القيمية قابلة بشكل دائم للتحول والتبدل مع تواصل هذه التجربة واستمراريتها ، والتفاعل مع عناصر وافدة رافضة لقيم المجتمع السائدة تبدو أولا منبوذة ضعيفة ، ولكنها قد لا تكون كذلك مستقبلا، ولا زلنا مع التجربة المصرية فهناك بمصر تيارات رافضة لنوع القيم المرجعية الحاكمة في المجتمع المصري ، مثلا يوجد تيار وهابي فتي يتبنى الإخفاء الكامل للنساء ، وحكما مستندا إلى الفتوى وسلطة الإمام الأمير ظل الله في أرضه رافضا لجميع المؤسسات السياسية والاقتصادية الحديثة مثل البرلمان أو البنوك حتى الإسلامية منها، مقابل تيار علماني محض يريد طرد كل تأثير للدين في الشأن العام ، وكلا التيارين يقع خارج حدود المقبول من التيار الاجتماعي الأوسع حاليا، ولكن لا ضمانة بأن يظل هذا هو الوضع دائما، وبتوسيع النظرة عالميا في محاولة للبحث عن نماذج المرجعية الإسلامية فسنجد عددا من الصور ، فهناك "الأحزاب الإسلامية التركية" وآخر نسخة منها "حزب العدالة والتنمية" وهي تتبنى خطابا دنيويا بشكل كامل، ولكنه يستند إلى مبادئ عامة يعتبرها الحزب مبادئ إسلامية مثل "الضمان الاجتماعي" ، والاعتماد على "آليات السوق" ، وتأكيد "دور الأسرة" و "العفة" ورغم تأصيل الحزب لهذه المبادئ في تعاليم الإسلام فإن التحليل يؤكد حجم الاقتباس من المبادئ الأوروبية في أسس "الضمان الاجتماعي" مثلا ، تذكر أن أحد نسخ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التركية كان يتخذ اسم "حزب الرفاه" ، وهو المصطلح الذي تستخدمه أوروبا الغربية لوصف مجتمعها المحاط بحزم من الأنظمة الاجتماعية التعاونية.
وهناك نموذج آخر للمرجعية الإسلامية في إيران ، وهو قائم على وجود مرجع أعلى للنظام من كبار رجال الدين الاثناعشريين يسيطر من خلال مجالس معينة يهيمن عليها على أغلب القرار السياسي والاقتصادي بحيث لا تصبح المؤسسات المنتخبة في التحليل النهائي سوى مجالس استشارية مع الالتزام بقيم اجتماعية محافظة بعامة ، واعتماد على القوى الاجتماعية التقليدية (البازار) ، وهناك النموذج السعودي القائم على سلطة أسرة تحكم باسم الدين من خلال تحالف مع رجال الدين "الوهابيين" يمنحون فيه هذه الأسرة شرعية الحكم باسم الله مقابل مراعاة الحكام الالتزام بفتاواهم التي تلزم المجتمع بتزمت اجتماعي صارم حيث يفرض على النساء ارتداء الخمار كحد أدنى، ويمنع أي صورة من صور الاختلاط حتى في الأسواق والمستشفيات ، وتحاصر المرأة في أدوار اجتماعية ضيقة بينما يفرض على الاقتصاد التوافق مع فتاوى الجماعة الوهابية التي تراعي بالطبع أمزجة الحكام السياسية والاقتصادية تجنبا لصدام يضر الطرفين، وهناك نموذج وهابي أكثر تشددا كان يوجد يوما في أفغانستان ، ويحاول اليوم أن يروج لنفسه بين السنة في العراق، وهو قائم على حكم رجل دين وهابي بشكل مباشر، ويلتزم المجتمع فيه بنسخة أكثر تشددا بكثير من النموذج السعودي مع عداء شديد للغرب، وكل ما هو غير وهابي (إذ يصبح بالضرورة بدعة = هرطقة) ودرجة عالية من العنف والدموية، وهناك أخيرا النموذج الإخواني وهو يحاول أن يروج لنفسه، واكتسب قاعدة واسعة في المغرب، ومصر، والأردن، وهو حالة متوسطة بين النموذج التركي والوهابية حيث يقبل فيه بوجود مؤسسات حديثة مثل البرلمان والبنوك وغيرها باعتبارها وسائل كما تتداول مفاهيم قيمية غربية النشأة مثل ديموقراطية – مواطنة – حرية رأي – استقلال قضاء، ولكن بعد إعادة تعريفها بشكل يبتعد بها قليلا أو كثيرا عن تعريفاتها العلمية المستقرة مع محافظة اجتماعية وكنها تقبل _على عكس النموذج الوهابي- بأدوار عامة للنساء في أحوال محددة، و في مختلف هذه النماذج نلاحظ تأثير التجربة التاريخية، فالنموذج التركي متأثر بالتجربة العلمانية الطويلة والاحتكاك المباشر مع الجار الأوروبي ، وفي إيران فإن التراث الشيعي يصبغ التجربة برمتها، بينما النماذج السنية العربية فالفارق بين الوهابية والإخوانية يعكس تباين البيئة التي نشأ فيها كل نموذج فالأول نشأ في حضن العزلة داخل الصحراء العربية، ووسط تجربة اجتماعية بدوية في المقام الأول (انتشر المذهب أولا بين أعراب نجد، وليس في المدن التي احتلت لاحقا من الأسرة السعودية النجدية) بينما نشأت الإخوانية في مصر وانتشرت في البلدان التي عرفت المدنية والحياة الحديثة ، وتعتبر العلاقة المعقدة بين الوهابية والإخوان أحد أهم الأمثلة على التحول التدريجي للقيم المرجعية، فبينما نلحظ حالة تعاطف بين الجانبين إذا كان كل منهما داخل سياق مجتمعي منفصل(أي في بلدان مختلفة) من قبيل الانتماء لجبهة عريضة واحدة ، فإن الصراع والخلاف يكون سائدا المسيطر على إذا تجاور النموذجان في كيان واحد كما في حالة "الحزب الإسلامي العراقي" مقابل "جبهة علماء المسلمين" في العراق أو حالة "حركة مجتمع السلم" مقابل"جبهة الإنقاذ" في الجزائر، ورغم هذا الصراع أو بسببه فإن حالات من التقاطع والتبادل والاقتباسات تنشأ بوعي أو بغير وعي، ففي مصر، وع دخول النموذج السعودي العائدين من السعودية والذين ذهبوا إليها للعمل فعادوا متأثرين بقيمها، وهم الذين أسسوا حركة الدعوة السلفية المصرية منذ السبعينيات، فإن حالة الصراع المصحوب بالتأثر المتبادل لا تزال قائمة، وهي تطبع كل جانب من طري العلاقة بسمات الجانب الآخر، وفي السعودية كذلك فقد ساهمت حالة التمدين الكثيف للبلاد بعد الثورة النفطية في تغيرات هائلة داخل البنية القيمية للمجتمع ولولا تدخل الأسرة الحاكمة التي تستعد شرعيتها من بقاء الوهابية لسقط ذلك النموذج أو كاد... من جميع ما سبق يتبين لنا كيف تنشأ المرجعيات القيمية على أرض الواقع ، وحتى إذا ادعت الأبواق الأيدلوجية لجماعة أو لمجتمع ما أن مرجعياته السائدة (بمعنى قيمه الحاكمة) هي نصوص إلهية في صورة صافية أو أفكار تراثية خرجت لتوها من الكتب الصفراء للسلف، فإن عالم الاجتماع يجب أن يكون أول من يدرك أن هذه الادعاءات ليست سوى وعي زائف(أيدلوجيا) ، أما أن يكون هو نفسه مصدر الأيدولوجيا فهو مالا يمكن تصوره.



#أحمد_عدلي_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنظيرات حول الحرية
- تناقضات المشهد الإخواني
- نطق المعارضة المصرية المهلك....ابحث عن الحكومة
- المطلوب من الحكومة المصرية بعد مجزرة شرم الشيخ
- مصر ملطشة المعارضة
- الجرائم الجهادية تتواصل وتواطؤ الفكر العربي يستمر
- الأزهر إذ يترنح
- القوى اليسارية والمعتدلة اللبنانية لماذا خسرت الانتخابات؟
- الخطاب الإسلامي الجديد..هل هو جديد بالفعل؟
- ما الذي كان خاطئا؟
- لبنان الحقيقي جاي
- نجاحات المعارضة اللبنانية تظهر في ساحة رياض الصلح
- الإنسان إذ يصبح رقما
- عندما يصبح الموت هو الغاية المقدسة
- هنتجونيون عرب
- خدعة الديموقراطية الإسلامية
- هل من تجديد حقيقي للإسلام؟
- الإسلام والحريم
- المرأة في المجتمع العربي...بين الظهور والإخفاء
- إنتاج الإسلام الإرهابي


المزيد.....




- “فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور ...
- المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عدلي أحمد - حديث المرجعية