الشامية هذه المدينة المعطارة برائحة الرز " عنبر الشامية " كانت المحطة الأولى في حياة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم ، حيث عيّن معلما فيها للفترة ما بين ( 1932 – 1934 ) .
كان معتدا بنفسه ، لم يهادن الإقطاع وهم كثر فيها ، حيث أولادهم لهم الامتياز في المدرسة ، على العكس من ذلك ، كان قريبا من أولاد الفلاحين ، متميزا في تدريسهم .
من أصدقائه في الشامية ( جلوب الاوتجي ) صاحب مكوى ، ويمكن ان يقال انه _ جلوب _ صديق النخبة ، الأفندية تحديدا . وكان الزعيم عبد الكريم يحلق رأسه عند ( خليل الحلاق ) . ويسكن في بيت متواضع مع بعض المعلمين ، وتارة في المدرسة ، يستيقظ صباحا يأخذ جولة على شاطئ الفرات .
أعجب بإحدى بائعات القيمر من ( الدبات ) وهم أصحاب الجاموس كما نسميهم في الشامية ، وكانت جميلة جدا ، وكان عاشقا عذريا ، لا يشتري إلا منها القيمر والحليب ومشتقاته، اسمها ( شكرة ) .
لا يدخل بيوت الإقطاع حتى لو دعيّ لوليمة ما ، لا يقبل الوساطة ، ميالا للعامة ، وخاصة الفقراء .
يجلس في مقهى صغيرة وسط السوق ، صاحبها ( عبد حسيني ) ، يتردد في بعض الأحيان ( لديوخانة ) الديوانية في بيت ( الحاج حسن غلام ) .
يتجول في بساتين الشامية عصرا بمفرده ، أو بصحبة جلوب الاوتجي .
من تلاميذه في الشامية ،
1-( حسين حسن غلام ) وزير النفط وكالة عام (1974 )
2-(هديب حاج حمود) وزير الزراعة في أول ثورة 14 تموز ، الذي لم يكن وفيا لمعلمه ورئيس وزارته آنذاك ،لم يتكلم بالحقيقة( جذور أبو ناجي ).
***************
طلبوا منه ان يعمل من اجل " الوحدة العربية " ، وزاره أحد النخاسة القوميين بصحبة وفد لدولة عربية ، اخذ الزعيم هذا الوفد ، واطلعه على منطقة ( خلف السدة ) مدينة الثورة حاليا ثم ذهب بالوفد الى منطقة ( المنصور ) ، ثم قال لهم (( اذهبوا الى من أرسلكم وقولوا لهم متى ما استطعنا ان نوحد بين الرصانة والكرخ ، بين خلف السدة والمنصور ، فسوف نعمل من اجل وحدتكم الاندماجية ))
****************
في إحدى جولاته الصباحية المستمرة لمناطق بغداد ، وبدون حماية سوى سائقه دخل على أحد المخابز الحكومية " مخبز تموين " في منطقة الكاظمية ، رفع " شنكة من العجين " ، جزء كروي من العجين ما يعادل رغيف خبز ، ولها وزن محدد ، وضع " الشنكة " على الميزان فكانت تنقص بعض الاغرامات ، فالتفت لواجهة المخبز الداخلية ، ورأى صورة له كبيرة ، فقال لصاحب المخبز :
(( وليدي صغّر الصورة وكبّر الشنكة " قوت الشعب " ))
*******************
يا شهيدنا الخالد
لقد سرقونا ، ونثرونا في هذه المعمورة
سيأتي اليوم 000
(( وكل شهيد من الشعب ينعاد دفنه ))
*******************
في صباحات مسطر العمال العراقيين ، عند غبش الفلاحين للورد وجني بيادر الخير ، تصدح عنادل البساتين حناجرنا ، نحن أطفال المدارس الابتدائية عند الاصطفاف الصباحي ننشد :
(( عبد الكريم كل القلوب تهواك
عبد الكريم رب العباد يرعاك 000))
هنا حصل خطأ000!؟
******************
عندما كان برتبة نقيب في فوج تابع للواء الرابع عشر في موقع الناصرية ، عشق إحدى بنات " المعدان " ، بائعة سمك في سوق الناصرية ، ( سوق الصفات ) من سلالة سومر ، وانتشرت القصة ، وقيل ان شبعاد باركت هذا الحب العذري للنقيب ، لقد كان هذا الحب من زاوية ما كسرا للقوانين العسكرية ، لذا تم نقله الى وحدة عسكرية أخرى ، وسرّ الشهيد عبد الكريم قاسم صديقه النقيب عبد الكريم الجدة ، وقال : (( سوف لن أتزوج أبدا )) وفاء لحبه الكبير ، كان الزمن بداية الخمسينات ، ولا زالت تروى هذه القصة الغرامية لعبد الكريم عند كبار أهل الناصرية ، رواها لي ( كامل محمد علي النجم الحسيناوي _ أبو رغد ).
********************
في المسيرة المليونية ، تأييدا لقائد ثورة تموز الخالدة ، والجموع تهتف للثورة ، ولحياة عبد الكريم قاسم ، كان مهوال وفد قضاء الشامية المشارك في هذه المسيرة ( يوسف الجار الله ) من ناحية الصلاحية محمولا على الأكتاف ، يعطي الهوسة بعد الهوسة ، وحتى وصلت الجموع شارع الرشيد ، صدح بالهوسة :
(( حتى الله اشويعي يكريّم ))
كريم ، تلفظ بالتصغير عند الريفي للتحبب ، ويطلق عليها عند أهل المدن ( تدليع )
*****************
كان يفعل اكثر مما يقول ، (( الرحمة فوق القانون )) و (( عفا الله عما سلف )) إحدى أسباب الردة !
***************
كان الزعيم الشهيد يعتقد ان الردة سوف يقضى عليها ، لكن ، كانت الخيانة اكبر ، وكان الشعب اعزلا ، قاوم ، صمد ، وضحى .
قدرنا يا عراق ، وجهلنا يا وطن " فرق تسد " ، يعاد اليوم هذا الشعار ، بصيغ جديدة متقدمة ( الله يكون في عون العراق )
*******************
في 9/2/1963 قال الزعيم الشهيد عبد الكريم الى أحد رفاقه ( العقيد محمد صالح العاني ) وكان برتبة رئيس أول ( رائد ) :
(( يا محمد اخذ ها الملفين واذهب ، أمانة للشعب بيديك ، أنت غير مطلوب في هذه الردة ، لقد وقعتهما )) كان الملف الأول حول الماسونيين في العراق ، بينما اختص الملف الثاني بقانون رقم (80) حول قضية النفط .
عندما هرب ( العقيد محمد صالح العاني ) من جانب الشط باتجاه المستشفى في منطقة العواضية قبض عليه من قبل خونة الشعب ، ولكن ، عفا عنه عبد السلام عارف بعد ان صدر عليه حكم الإعدام ، لكونه من أهل الرمادي ، وله صلة بعشيرة ( الجميلات )
( مقابلة شخصية مع العقيد محمد صالح العاني في عام 1998 )
*******************
في أيامه الأخيرة تأسف عبد الكريم قاسم من موقفه من الشيوعيين العراقيين والمخلصين من شعبنا على مواقفه منهم ، لكن لم يتخلوا عن الدفاع عن الجمهورية الفتية المغدورة ، وضحوا وضحوا ولا يزال شعبنا وهم في صفوفه الرائدة والأولى والمتقدمة من التضحية ، كبار في المسؤولية ، كبار في التضحية ، هؤلاء هم درر العراق بكل أطيافه لغده القريب ، من اجل وطن حر وشعب يرفل بالسعادة .
******************
الهوسة في بلادي تقول :-
(( فكوله الجنطة وهز ذيله ))
أمظفر النواب
ليس اليوم كالأمس ( الحقيقة مثل حلم الطفل )
نحن اليوم ندخل فندقا للعرس
(( عرس بنات آوى )) " هذا عرس واوية "
أنت تقرأ في صحائفهم قوائمهم
فتقرأ 00
(( يمرون بالدهنا خفافا عيابهم
ويخرجن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهى الناس جل أمورهم
فندلا زريق المال ندل الثعالب ))
" سعدي يوسف "
*****************
كان القطار الأمريكي بالعلم العربي القومي يصل باب المعظم ، ومجنزرات الفاشست توشح شارع الرشيد والدفاع وباب المعظم وجسر الكاظمية والكفاح والفضل وباب الشيخ والثورة والشوارع الأخرى بخضاب الدم الزاكي ، وكانت غداراتهم ، ومن تعمم وتكشد ، ومن وضع العقال أو الشريط الأخضر على يده العجفاء ويسمونه الحرس اللاقومي ، ينفذون مسيرة هذا القطار ، لكن أهلنا الطيبين البسطاء يقولون بعد استشهاده (( شوهد عبد الكريم قاسم في القمر )).
*****************
كيف ربطت ( نجدية ) القابلة العمياء ، بين الفرح واللون الأحمر ، فنذرت ان ترقص بثياب حمراء فوق السوباط " سطح من القصب " ان سقط الحرس القومي ، وعاد عبد الكريم قاسم الى الحكم ؟!
**************
في ضحى ذلك اليوم المشؤوم ، جاءت جموع الشعب العاشقة لزعيمها الشهيد عبد الكريم ، وعلى لسان الشهيد ( سلام عادل ) ، طلبوا منه ان يفتح مشاجب السلاح في وزارة الدفاع مقر الزعيم ، فقال بالحرف الواحد :
(( لا أريد ان يقتل أحد من الشعب ، المطلوب أنا ، وأنا في سبيل هذا الشعب ، في سبيل هذا الوطن ))
والجود بالنفس أقصي غاية الجود ، صدق ما قال وما بدّل تبديلا .
*****************
بتاريخ (10/2/1963) في منطقة ( عقر ) ، في ناحية الصلاحية ، في قضاء الشامية ، وعند " مكائن ابن غلام " أقيم عزاء كبيرا ، أقامه مع الفلاحين ( مهدي غلام ) ، وبعد اداء المراسيم في التعزية ، انتفضت جموع الفلاحين ، وشكلت دائرة كبيرة " عراضة " ، وكانت الهوسات ، ومنها
(( تستاهل هل عراضة اجموع فوك اجموع
يذباح الخيانة وظل الإنكليزي يلوع
يظل تاريخ الك بالشهامة وصوت الك مسموع
كون ارسومك غابت فعلك ما ننساه ))
****************
متى يعتذر للشعب العراقي وللوطن
1- عائلة جمال عبد الناصر نيابة عن المقبور والدهم ، لرد الاعتبار الى من سقط شهيدا من الشعب العراقي دفاعا عن جمهوريتهم الفتية (14 تموز ) أثناء الردة المشؤومة لصخام الوجه ( 8 شباط ) لكل من شارك وساهم فيها
2- نايف حواتمه عن مشاركته الفاعلة في الخيانة ، ووقوفه مع المجرمين في ثلاثة أفعال دنيئة
ا- مشاركته الفاعلة في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959
ب- مشاركته المباشرة في حركة الشواف في الموصل
ج?- أحد المساهمين في الردة السوداء الدموية في (8 شباط الأسود 1963 )
ح?- لكل دول الجوار في موقفها من الشعب العراقي والوطن أثناء الردة وبعدها .
********************
سمعنا خطابا في 1959 مسجلا وموثقا من أحدهم قال (( لأجعلن في كل بيت عراقي نائحة )) وصدق ، وتشفى .