|
ارادة الموت/قرار واختيار،ام تخاذل وفرار؟!.
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 5413 - 2017 / 1 / 26 - 22:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"الحياة جميلة،فلتنظفها تلك الاجيال القادمة من كل شر ومن كل اضطهاد ومن كل عنف وتستمتع بها كليا"/ تروتسكي.....
نخرج الى العالم ونحن تحت حكم المؤبد الذي ينتهي بالاعدام!وليس من هامش للحرية سوى ان تكسر القوقعة،وان تكون قاضيا وجلادا وضحية،وتغير سيناريو المشهد الاخير.... منزلقا تهبط من كهفك الرطب ملطخا بالدم والذنوب ،مكسوا بعباءة الشيطان والخطايا.زاحفا بحبلك المقطوع،ملتصقا بالارض كدودة عمياء!تتلمس جدرانا ملساء،وابوابا لاتفتح الا للانصياع بأتجاه الحظائر وباحات التلقين.تستظهر الوصايا والالواح.تسلك دربا واحدا امامك،معلما بأشارات ورموز وعلامات،لاتتجاوز،والانحراف او الخروج عن السكة غير مقبول!صراط مستقيم لاتحيد عنه!تحفظ الدرس غيبا،وتتغلغل الحروف والكلمات في الخلايا،وتتعلم اليقين الكفيف،لاتعرف الشك،واسئلة القلق والمعنى!يغمرك الجهل والدهشة والعماء، فحذاري ان تلمس او تقترب من تابوهات قاتلة تقودك مباشرة الى الجحيم!حزمة من طواطم غامضة ملغزة،لا تفهم ولا تفك الا من قبل الراسخين في الهوى والنفع ورجس المصلحة!فالجنس نجاسة،والدين قداسة،والسياسة تحريم والفلسفة والفكر تكفير!ولا حول ولا قوة لك بفهم وتدبير!انت ايها البائس الفقير!!..ضع عقلك بصندوقه واقفل عليه!فلا حاجة لك به فهو نافل وبيت الشر!واتبع وحي وقول الاشياخ،ومايفرزه ويتقيأه الكهان والسدنة،وما يجود به الزعماء والساسة(رعاة الامة)من حكمة وسداد للرعية من انعام وبقر! صحراء جرداء وصخور صماء من يقينيات نصوصية نهائية لا من قبل ولامن بعد!وضرورات ومحظورات ومكروهات ومسلمات تعافها حتى القرود والببغاوات!شباك عناكب من حيرة وجزع وتيه وتخبط ذباب بلا ذاكرة و في منتهى الغباء!تنهض منتصبا،وطوقا في عنقك،وسلاسل تجمل معصميك كثور وديع!راضيا قانعا بجر محراثك السماوي!متوغلا في غابة امازونية بلا افق!.يحيط بك من كل صوب عتاة من :الجنرالات المدججين بالسلاح،وكهنوت الارواح، وعسس الضمائر، وابالسة الجحيم المقنعون بهالات الملائكة!.تتطلع ملهوفا يشوق،متعطشا بظمأ،للالفة والمحبة والتعايش بسلام واخاء.فينغلق افقك،وتصيبك بالصمم طبول الحرب،وتصدمك الوحشية والكراهية،والليل البارد القار... نسور محاربة تربت على التهش والقتل والبغضاء.تعبيء وتهيج وتشحن زنابق براءة مغدورة ملوثة،يجرفها تيار من هستيريا عصابية حمقاء!..تحاول ان تفهم..ان تنسجم..ان تسبح في النهر الاجتماعي..ان تختار وتتفاعل..ان توقد(اناك) بقبس من معرفة وفكر..لكن لاجدوى!لاامل!جدران من العزلة والاعتقال.لاتهدم الا بمعاول الارادة والفضول والتطلع،وابوابا مغلقة لاتفتح الا بتهشيمها بمطارق الشك والسؤال والمراجعة!صه..اخرس..لاتتكلم..الكلام آلة الشيطان!وبداية المروق والشطط..كن مثلنا،نسخة كاربون مستهلكة!هكذا يتقاذفك الردع والقسر والزجر.. كن على صورتنا.فنحن قطيع!بل قطعان تجتر وتتناسل وتتثائب وتنام وتموت حتف انفها كبهائم ذليلة!لاحياة ولا موت خارج حظيرتنا!لاتتفرد..لاتكن ذاتك..لاتحقق وجودك..لا تخرج عن الطابور!لا تفكر..لاتحلم..لا.لا.لا؟!كن بعيرا هائجا تهتف لزعيم..لراية..لآلهة..شبقا ..جهولا..متعصبا..نارا لاتنطفي ورمادا لايشتعل!وايضا كن حملا وديعا مخدرا لكهنوت اسود كديجور،وشرائع احفورية متكلسة عابرة للزمن...جموع تقتات لحمها وتشرب دمها!بلا كرامة بلا حرية بلا حقوق،ترسف باغلال العبودية الحديثة.تكدح سنين البؤس كلها،وحفنة من سراة واسياد،كتل من لحوم وشحوم،تكدس في بنوكها،دماء ودموع وعرق حيوات ذابلة،لا تكف عن توليد الربح والدمار..تذوي وتفنى وتسحق كديدان دون شفقة،وبعدما تحاصر وظهرك للجدار وتضغط من جميع الاركان،وتروم ان تتنفس عدمك الخاص،اختيارك وحقك الطبيغي،تمنع من ذلك بحجة التحريم من دين او قانون وضعي او عرف اجتماعي او اخلاقي مؤبد!فلكل شيء وقت:للطعام وقت،وللتغوط وقت!للمضاجعة وقت،وللموت الرسمي المحاط بالطقوس والرهبة ومنبع التأليه وقت!انت ملعون وشاذ ومهرطق وكافر وخارج الملة والقانون لو اخترت ان تضع نهاية لكل ذلك،وبأرادة ورغبة فردية تفكك خضوعك واستسلامك وتنهي معاناتك مرة واحدة واخيرة والى الابد!ان تتحدى القدر الاسمى وتحطم الساعات وتوقف الزمن!فهذا من الكبائر وخرق لنواميس الازل!وفعل ضد سافر يخلخل البنيان المرصوص!!ونقيض عدواني يسفه احلام الخرافة،ويكرس اليأس والخواء!فأنت لاتفني وتدمر ذاتك،بل تنحر الامل!لاتهدم نفسك بل تقوض الاساطير والامان المستكين!انت لاتنتحر،بل تزعزع النظام!انه فعل اختلاف يكسر القواعد،ويكرس الكاووس والفوضى!وبذار شيطاني لسنابل الخراب والعتمة!كيف لا يحق لك ان تتسيد على جسدك؟!كيف لايحق لك ان تعبث بحياتك كما تشاء وهي ملكك؟!كيف لا يحق لك ان تتحكم بنيض قلبك التافه بحجة انك عازف مطلوب في اوركسترا الغباء والفظاظة؟!كيف لا يحق لك ان تستخدم حريتك المطلقة بعجن وجودك وشيه بتنور العدم؟!..عندما تهزم في غزوة العشق والهوى!عندما تفشل في محنة الدرس وسفالة الارقام!عندما يعضك الجوع وليس هناك من خبز!عندما تغزو جسدك العلل وليس من علاج!عندما تتداعى شجرتك الهرمة وتسقط اوراقها فتمسي هشيما من رماد تسفه الريح وليس من ربيع!عندما ينهشك السأم ويأكلك الضجر وليس من جديد!عندما يطعنك غياب المعنى وعقم التجربة وسخفها وليس من تعقل!عندما تجرد من اسلحتك وتغدو اعزلا في حومة وغى سرمدي بلا هدنة!عندما تحاصر كحمل ضعيف من قطيع ذئاب شرسة وجائعة ولا منجاة!بين الاضطرار والاختيار يقبع غول الانتحار متربصا!بين الجبر والقدرية ثمة حبل سري غير مرئي يربط بين النصر والهزيمة بين الانكسار والتغلب!تعادل في الشوط الاخير!لايقظة او انتباه بعد النوم العميق الطويل!!!!! الانتحار..تلك الظاهرة الصادمة والشائكة والعصية على التفسير والتبرير،كتصنيف احادي قاصر،وذلك لتعدد الدوافع والمبررات،وصعوبة تحديد اسبابها وعللها الدقيقة،لاشتباك وتداخل العوامل المحرضة والدافعة باتجاه سلوك التدمير الذاتي هذا!ويمكن حصر الدوافع بشكل عام،منها نفسية وعقلية:كالقلق واليأس والكآبة والسوداوية والفصام واضطراب الشخصية والمزاج الحاد والانفعالي والبارانويا وغيرها من امراض العقل والنفس.او اسباب عضوية:كالوراثة.او اسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية و ثقافية:كالفقر والبطالة،وانعدام التكيف مع المجتمع،وتجنب الاحتقار الاجتماعي والذاتي(العار،والنبذ،والدونية)،والافلاس،او الايمان بفكرة او مبدأ(العمليات الانتحارية)،والفشل الدراسي،والصدمات والاحباط العاطفي والعجز الجنسي،والامراض المستعصية والخطيرة،ومرحلة الهرم ووهن وعجز الشيخوخة،وغيرها من اسباب أخرى عديدة.كل هذا يمكن ان يشكل دافعا لان يضع الانسان نهاية لحياته وينتحر،وبغض النظر عن تدرج الدوافع بين الوجاهة والتفاهة،كتبرير مقنع للشخص ذاته كي ينتحر.فالانتحار قد يكون فعلا متعمدا عن سابق تصور وتصميم-بلغة القانون-،اويكون رد فعل آني لموقف او ظرف او حالة او انفعال يضغط على الفرد فيدفعه للتهور الطائش،فيكون مجرد انفعالا عصبيا محض،ولا يتعلق بالارادة او الرغبة او الاستجابة العقلية.فهو مجرد هروب او ضعف او عجز او سلبية في التكيف والمرونة مع الوقائع اليومية،واتخاذ السلوك اللاعقلاني والمرفوض في السياق الاجتماعي السائد.بغياب الوعي وتوتر الاعصاب والسلبية،وشكل من الهستريا المندفعة والمدمرة،يتوفر الجو وتتهيأ الظروف للفعل الهائل والاحمق!....فسر دوركايم الانتحار بعوامل اجتماعية:انحلال وتكسر الروابط الاجتماعية والعزلة،وعدم القدرة على كبح النفسية المتولدة عن الفقر والبطالة وضعف الضمير،وعدم التكيف الاجتماعي... وحلل فرويد الانتحار معتبرا اياه عدوانا موجه نحو الداخل:رغبة بالقتل ورغبة بالموت ورغبة بقتله.اما اريك فروم:فقد عده صراعا بين الداخل والخارج،داخل النفس والبيئة الخارجية....وللانتحار انماط واشكال وطقوس وتاريخا موغل في القدم،منذ انبثاق المجتمع الطبقي.يحمل منحنيات وخبايا وطيات الاغتراب الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للبشرية،وانهزام الذات امام اناها النرجسية تارة،واخرى كهروب من العبثية وتفاهة المعنى!.ولو دققنا بالاحصاء الميداني للانتحار فسنجد اكثر من مليون شخص ينتحرون سنويا في جميع انحاء العالم من رجال ونساء وهم في تزايد!والمنتحرون هم اناس عاديون في الغالب.وتجد ان دوافع اقبالهم على الانتحار لاتستحق الموت من اجلها!لو تحلى المنتحر بقدر من الوعي العقلاني،والتوازن النفسي،وقوة احتمال للشدائد،وصبرا وجلدا وارادة....عندما نشر الشاعر الالماني(غوته)روايته الرومانسية(آلام فرتر)والتي ينتحر فيها بطل الرواية بسبب احباطه في علاقته العاطفية الاولى،وانهياره النفسي،انساق الكثير من شباب اوربا لحمى الانتحار تأثرا بالرواية،وتقليدا لفرتر في هشاشته وضعفه،وكان مثلهم الاعلى في الموت العنيف!!نجد في فئة النخبة من:كتاب وشعراء ومفكرين قلة من المنتحرين،لاتتجاوز الواحد سنويا،وتكون دوافعهم اكثر تعقيدا وعمقا،واكثر جدارة بالاعتبار.لانها تتعلق بالضغط الفكري والتبني الفلسفي او الانحلال النفسي والاحباط الوجودي،او التقدم في العمر او الاصابة بمرض عضال..اما الازمات السطحية الخارجية من هموم الحياة اليومية التي تشغل اغلب الناس،فلا تؤثر بالمثقفين المنتحرين الا جزئيا،والا لكانت قد ابعدتهم وصرفتهم عما يعتمل في دواخلهم من تفجر ذاتي!!والانتحار محرم لدى اغلب الديانات!فالنفس وبالتبعية الجسد ملك للموجد او الخالق!وليس من حق احد ان يقتل نفسه!فهذا مايعده اللاهوت تدخلا فظا،وتحديا وتلاعب بالمصائر!والحق مطلق للمطلق بالتحكم بحياة وموت الكائنات من بشر وحيوان،وهي احتكارا واختصاصا للالهة ومهماتها!ولايجوزلك ان تختار موتك مثلما لم يكن لك خيار في حياتك!فأنه امر متعلق بالقضاء الماورائي واللوح الموسوعي الكوني!والذي تم فيه اعداد قوائم تاريخية بالولادة والموت لجميع المخلوقات منذء البدء وحتى المنتهى(القيامة)!فالانتحار خرق للنواميس الميتافيزيقية،وتطاول على مقررات قضائية،هي من شأن سلطة المطلق وحده!فهو واهب الحياة وايضا منتزعها!و ليس من حق الانسان ان يختار فناءه،وعليه الخضوع للقدر!!انك لا تجد منتحرا بين من يؤمن بدين او يعبد آلهة-ناهيك عن الهرطقات وطوائف الانتحار الجماعي-لانه معصوم بردع داخلي هو ايمانه وتسليمه المذعن للاقدار الالهية!وردعا خارجيا من قبل النص الديني او الوصايا والتعاليم والمحرمات!لذلك لا يتأثر بالازمات الا نسبيا!فالادعية متوفرة كعاصم من القنوط،ويستطيع المؤمن ان ينفس عن كربه وحزنه وحاجته برفع يده الى السماء وحرقة الرجاء،او زيارة الاولياء او الحج الى مراكز القداسة!فالمورفين النفسي جاهز في كل الاحوال والظروف!لذلك يعتبر المنتحرون اكبر الخطاة من المنظور الديني..والانتحار هو منتهى الجرأه والاندفاع،وهو تحدي سافر وخلخلة للمستقر والراكد والمألوف،لايقدم عليه الا الفاقد الايمان واللاديني واللاادري والملحد الخالص!فهؤلاء يملكون زمام انفسهم،ولا مرجعية لهم سوى ذواتهم،واعتزازهم بحريتهم وسيادتهم على اجسادهم،وذاتيتهم هو المحور الذي يدورون حوله...ويبدو الانتحار موزعا بين ان يكون فعلا متعقلا واعيا ومصمما للتنفيذ،ومتعلق بالحرية والاختيار الفلسفي،وبين ان يكون رد فعل منفعلا مضطربا فجائيا ومباشرا ولا عقلانيا شديد التهور والسفه وبالغ التفاهة والحمق،من حيث الدوافع!ولا يعنينا الانتحار كرد فعل عاطفي،دوافعه رثة لاتستحق الالتفات،وان كانت تثير الاسى والالم والشفقة والحزن،بل الانتحار النبيل والعاقل والفلسفي بأمتياز،والذي يدفع الفرد لينهي حياته بأرادته،وبعد اعمال الفكر المتأمل،وتمحيص معاني الوجود،والقناعة الكاملة والرغبة الملحة الواعية لتدمير الحياة الخاصة.هذا الانتحار هو ما يبهر ويثير الدهشة،وربما الاعجاب بصدق ونزاهة النوايا،وتطابق السلوك مع الفكر،رغم التمتع بالحياة المستقرة الهانئة في مجتمعات تتوفر فيها الحقوق والحريات الفردية..وسنذكر شخصيات انتحرت وهي تعيش حياة تحسد عليها!!وفلسفة تدمير الذات(الانتحار) اراديا وبرغبة واقتناع بأن لاجدوى من الاستمرار في الوجود،ويجب اختزال العمر والحياة بفعل ارادي واعي يدرك بحدة انه مقبل على تنفيذ قرار لا رجعة عنه،وسينهي بلحظة كل الماضي والحاضر ويلغي المستقبل الشخصي.انه عملية انهاء العرض واسدال الستار ومغادرة المسرح!! انه(سيزيفية)متمردة ورافضة للاستمرار بالخضوع لعقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة!!ففلسفة الانتحار (نهلستية )سافرة وعملية بصق على الصخرة الغبية والقفز فوقها نحو قعر الوادي!!وايقاف العقاب،وابطال بلاهة الفعل وسخفه!!!! في بداية السبعنيات من القرن الماضي،شاهدت فيلما عرض في سينما غرناطة،لااتذكر عنوانه بالضبط ربما(روفائيل الفاسق) وفيه تفكر بطلة الفلم بالانتحار بعد موت حبيبها ذو الميول العدمية،وهناك الشخصية الثانية الذي كان يحبها ويرغب بالزواج منها،وهي لاتكرهه فقط بل وتحتقره ايضا!فتقول له انها في حالة رغبتها في الانتحار ستقبل بالزواح منه بدلا من ذلك!وفعلا تتزوجه كأختيار اشد مرارة وافضع من الانتحار!اته انتحار آخر ومن طراز خاص،واشد تعقيدا.فهي تريد تجسيد موتها في حياتها!انه انتحار بطيء غير حاسم،ولكنه اكثر ايلاما وقسوة من الانتحار الفعلي،فهي ستكابده بقية حياتها!انه يترك فجوة غائرة في الروح المنخورة!انه الجحيم في هذه الحياة!.وفي رواية (الممسوسون)لدستويفسكي،وقد ترجمت ايضا بعنوان(الشياطين).يقول احد شخصياتها الرئيسية وهو كيريلوف:بأنه اذا كان يستطيع بملء ارادته ان يضع حدا لحياته فذلك يعني انه حر،وانه الاله بالذات!"واذا كان الله غير موجود فأنا الله"ويضيف"الانسان لم يخترع الاله الا لكي يستطيع ان يعيش دون ان يقتل نفسه"!ويوقف عقارب الساعة معلنا ان الزمن توقف بالنسبة اليه،ويستطيع ان ينهي حياته متى ما شاء،ثم ينتحر!...وهناك ايضا(المنتحرون الاحياء)!الذين كانوا يطبخون موتهم على نار هادئة من التحلل الفكري،وانكسار الضمير،والتشظي النفسي،والذين لم يملكوا حتى ارادة الموت،ومع ذلك كانوا يسيرون حثيثا نحو نهاياتهم،وقد ماتوا بأنصاف اعمارهم منهم:الكحوليون،والمضطربون نفسيا،والنهلستيون فكرا وسلوكا،مثل الشاعر الفرنسي رامبو-الجمرة التي خبت-والذي كان ملء السمع والبصر،كان ثائرا وشارك في كومونه باريس العظيمة،وانتهى تاجر اسلحة في فيافي الحبشة وعاش على الهامش!والشاعر الانكليزي ديلان توماس والذي عاش39 عاما،ومات في المستشفى وهو في حالة غيبوبة،وكان مدمنا.وايضا الشاعر الامريكي ادغار الن بو الذي عاش40 عاما ومات وهو جالس في الحديقة العامة ،وكان مدمنا ايضا!والشاعر العراقي عبد الامير الحصيري والذي عاش36عاما،ومات متشردا على تخت احد المقاهي !وكان مدمنا ايضا!وهناك الكثير غيرهم... وفيما يلي جردة تاريخية سريعة وبدون تفاصيل لبعض من الكتاب والشعراء والمفكرين الذين انتحروا خلال القرن العشرين... *المناضل البروليتاري والروائي الامريكي(جاك لندن)والذي انتحرعام1916بتناوله جرعة زائدة من المورفين *الشاعر الروسي(سيرجي يسنين)انتحر شنقا في احد فنادق لينينغراد في عام1925 وقال في آخر قصائده:"ليس جديدا ان تموت في هذه الدنيا،وان تعيش،بالطبع ليس جديدا اكثر" *الشاعر الروسي(فلاديمير مايكوفسكي):انتحر بأطلاق النار على رأسه في منزله بموسكو عام1930 وقال في اخر قصائده:"كوكبنا غير مهيأ للفرح وعلينا ان ننتزع السعادة من الايام القادمة". *الطبيب النمساوي وابوعلم النفس الحديث(سيجموند فرويد)انتحر بتناوله كميه كبيرة من الحبوب المنومة عام1939. *الكاتبة الانكليزية(فرجينا وولف):انتحرت بألقاء نفسها في النهر عام1941 بعد ان تركت رسالة لزوجها تقول فيها:"كم كنا سعداء وكم كانت حياتنا جميلة". *الكاتب النمساوي(ستيفان سفايج):انتحر مع زوجته وكلبه بتناول الحبوب المنومة في منزله الفخم بالمنفى البرازيلي عام1942. *الشاعر الايطالي (سيزار بافيز):انتحر في احد فنادق تورين عام1950بعد ان ترك رسالة لصديقته يقول فيها:"كلما فكرت في الانتحار بدا لي امرا هينا حتى النساء الضعيفات يملكن القدرة عليه". *الكاتب الامريكي(ارنست همنغواي):انتحر بأطلاق النار على رأسه من بندقية صيد عام1961 بعد انجازه روايته(الشيخ والبحر)والتي اكد فيها على ارادة الانسان واستحاله قهره!. *الشاعرة الامريكية(سيلفيا بلاث):انتحرت بوضع رأسها بالفرن وفتحت الغازعام1963 وكما قالت:"الموت فن"وفعلا كان انتحارها ابتكارا فنيا!!. *الكاتب الياباني( يوكيو ميشيما):انتحر وفق التقاليد اليابانية(الهاراكيري)عام1970في اليوم الذي انهى فيه روايته(سقوط الملاك)وقد سقط مضرجا بدمه!!. *الكاتب الياباني(ياساناري كاواباتا):انتحر ايضا على الطريقة اليابانية عام 1972بعد عامين من حصوله على جائزة نوبل للادب والتي جعلت منه ميسورا!. *الشاعر العراقي(ابراهيم زاير):انتحر بأطلاق النار على رأسه في بيروت عام1972"تك ..تك..الامر اسهل من التثائب"! *الشاعر الاردني (تيسير سبول):انتحر في بيته باطلاق النار على رأسه وهو ممدد على سريره عام1973وقال في قصيدة له:"سأسقط للابد في جوف الظلام،نبيا قتيلا وما فاه بآية".انتحاره كان آيته!!. *الكاتب الفرنسي(هنري مونترلان):انتحر بوضع المسدس في فمه واطلق النار في عام1979. *الشاعر اللبناني(خليل حاوي):انتحر بأطلاق النار على رأسه في منزله ببيروت بعد سماعه بدخول الجيش الاسرائيلي لبيروت عام1982. *الشاعرة الارجنتينية(مارتا لينش):انتحرت بأطلاق النار على رأسها امام المرآة عام1985قالت وهي تخاطب الموت:"لقد تعادلنا في المباراة،ولكنني اخترت التوقيت"!!. *الشاعر العراقي(قاسم جبارة):انتحر باطلاق النار على راسه في منفاه بفينا عام1987"لقد قررت الانتحار،آسف لازعاجكم"! *الفيلسوف الفرنسي(جيل ديلوز):انتحر قافزا من نافذة شقته عام1995. *الاستاذة الجامعية وشهيدة الثقافة العراقية(حياة شرارة):انتحرت حرقا بالغازفي منزلها عام1997-وهناك شكوك كبيرة بتصفيتها من قبل السلطة البعثفاشية-ولكن(اذا الايام اغسقت)فما العمل؟؟!!.......وغيرهم الكثير..... اختلفت دوافعهم وتعددت اسبابهم ومبرراتهم،ولكن جمعتهم وحدة التصميم والرغبة والارادة ونفذوا تدمير وافناء حيواتهم،كنوع من تأكيد وتحقيق الذات وممارسة الحرية!ولو بفعل مميت محقق اخبر وحاسم!!.يقول كافكا في يومياته:"لقد قضيت حياتي كلها وانا اقاوم الرغبة بأنهائها"!.ويقول نيتشة:"الانتحار هو انتصار البشرية على الاشياء".ويقول هوميروس:"الانتحار عمل بطولي".ويقول بلزاك:"كل انتحار هو نظام راق للحزن".ويقول ديستويفسكي:"الانتحار تأكيد للحرية الجديدة المخيفة".ويقول موريس باريه:"الانتحار هو الاعتقاد بان هناك شيء جاد في العالم"!.ومع كل هؤلاء لانجد احدا منهم يدين او يشجب الفعل كعمل عدمي مدمر!وبغض النظر عن موقفنا من الانتحار-مع او ضد-الا انه ظاهرة تدعو للتأمل والتفكير كفعل استثنائي،وخارق للعادة ونادر الحدوث،ولا يقدم عليه المرء بسهولة.انه الفعل الاكثر تطرفا وحدية،ولا يمكن نسيانه،لانه متفرد ومتميز وصادم!..المنتحرون..انهم الاكثر اصالة منا نحن المزيفون...المدعون....الفارغون..محترفو التقنع والوجوه المتعددة!!الذين مازلنا نعيش ونتهور ونشيخ ونتعفن!!لم ينتظروا مثلنا ان يقبض عليهم،ويدفعوا عبر باب المجهول!.بل قاموا وبأختيارهم وفتحوا الباب وعبروا الى اللامكان!.نحن نجلس كسالى تحت الشمس ننتظر الظل!وهم نهضوا ودخلوا غابة الظلال!نحن مجبرون على الحضور الى هذا العالم ومجبرون على مغادرته!وهم اختاروا وقرروا الرحيل قبل الموعد القسري!ليس الانتحار خلاصا او انهاء لازمة او هروب او تملص،انه موقف وجودي نهلستي ساطع وشديد الوضوح!يقول البير كامو في كتابه (المتمرد):"ان الانتحار هو الموضوع الفلسفي الوحيد"! كلنا مأزومون،ولكن هناك من ينتبه ومن لاينتبه!هناك من يقول بأنتحاره ما تعجز عن شرحه مجلدات!وهناك من يكتب آلاف الاوراق ولا يقول الاالسفاسف!هناك من يدرك عقم وفشل التجربة البشرية،وهناك من يعيشها كبهيمة!!......قبيل اغتياله بشهور من قبل كلاب ستالين المسعورة،عملاء(الغيبيو)،كتب تروتسكي في صفحة من وصيته،وفي لحظة اشراق وصفاء ورومانسية حالمة،وبمشاعر دافئة طفت على سطح العقل البارد!وهو ينظر عبر النافذة الى زوجته الواقفة في حديقة المنزل:"الحياة جميلة..فلتنظفها الاجيال القادمة من كل شر ومن كل اضطهاد ومن كل عنف وتستمتع بها كليا"..وبأنتظار تنظيف ما نعوم به من شر واضطهاد وعنف واستغلال وعبودية،وحتى يخلو عالمنا البائس من بؤسه!سنبقى نمارس ادوارنا كدمى على خشبة الحياة!!وعندما يحل عالم جديد وخالي من كل استغلال وظلم وقهر واغتراب وكل اشكال الشر،عندها في مملكة الحرية والمجتمع اللاطبقي،عندها فقط سيصبح الانتحار سلوكا من الماضي،وسيخلو العالم من المنتحرين!!!..... .................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي....
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكرى98على رحيل شهيدة الثورة الشيوعية الخالدة /روزا لوكسمبو
...
-
المقال الكامل/لقراءة(سورة)الكافرون.
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(7)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(6)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(5)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(4)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(3)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(2)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(1)
-
(الظلم اساس الهلك)ام الملك؟!.
-
حراس القيم وشرا...ئع(الله)!
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!./النص الكامل للمقال
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(8-الاخير)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(7)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(6)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(5)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(4)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(3)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(2)
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(1)
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|