|
فاجأ العالم بفوزِهِ فهل يُفاجِئهم بسياستِهِ !؟
ياس خضير الشمخاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5410 - 2017 / 1 / 23 - 14:58
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
حتى الأيام الأخيرة للمعركة الإنتخابية بين مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب ومرشحة الحزب الديمقراطي الحاكم هيلاري كلينتون ، كانت معظم التوقعات تشير الى خسارة ترامب . لم يعطِ المحللون والنقاد وغالبية الصحف الكبرى ومراكز البحوث حظا أوفر لفوز ترامب ، بناءً على قراءاتٍ تقليديّةٍ خاضعة لبعض المؤشرات الرئيسية والمهمة . فمنذ عهد جورج واشنطن وحتى قُبيل نهاية ولاية أوباما ، وعمليات استطلاع الرأي واستشراف النتائج تسير وفقا لآليات وأصول شبه ثابتة ، وقد كانت النتائج غالبا ما تطابق توقعات المحللين أو قريبة منها جدا . تحديد نقاط المفاضلة والترجيح بين كلينتون وترامب لم تكن عسيرة الفهم على خبراء السياسة ، بل ربما تكون أكثر وضوحا من غيرها بالمنطق الرياضي التقليدي ، لكن عدم قراءة ذهنية الشارع الأميركي بشكل جيد ومدى تأثره بجملة من المتغيرات والحوادث السياسية والإقتصادية والإجتماعية أدار لهم ظهر المِجَن هذه المرّة فقلب التوقعات رأسا على عقِب . ولم تلبث تلك المتغيرات أنْ تُلقي بظلالها وانعكاساتها أيضا على 290 مندوبا من الكلية الإنتخابية الجامعة Electoral College الذين دفعوا بالسيدة كلينتون خارج الساحة تماما بعد حصولها على 232 صوتا فقط ، معلنين بذلك حسم المعركة لصالح ترامب رغم تقدمها بالتصويت الشعبي . الى حدٍ ما أستطاع ترامب أن يقرأ أفكار الشارع ويتفهم ماذا يريد بالتحديد فسطّر خطاباته على نحو ينسجم والتداعيات الفكرية والنفسية للناخب ، معتمدا كل الأساليب المتاحة لحصاد الأصوات . فتارة بالوعود الجميلة التي لا تخلو من مغالطات وزيف ، وتارة بالتصريحات العنصرية والمشاكسات الخطيرة التي أفادته كمرشح رئاسي في أقترابه من الفوز أكثر مما أضرته كما يعتقد البعض . ناهيك عن دعايته المؤثرة في تسقيط خصومه الأقوياء وتأليب الرأي العام ضدهم ، مستعينا بأصدقاء وحلفاء ذو بأس شديد وقراصنة محليين ودوليين للتفتيش عن كل صغيرة وكبيرة تضر بسمعة منافسيه ، ولا يُستبعد أن يكون بعضهم من روسيا كما يدّعي كثيرون ، لأنها تفضل التعامل مع الجمهوريين كأهون الشرّين ، أو مع شخصٍ أتى من خارج المؤسسة الحاكمة لا يمتلك خبرة ودهاءً وليس ضليعا في المكر السياسي ، كي يسهل أحتوائه ، خصوصا إذا كان مثل ترامب الذي أبدى ميوله نحو إنهاء حقبة مملة من الحرب الباردة ليبدأ مرحلة جديدة للتفاهم مع روسيا . ورغم صعوبة ترويض حصانه الجامح إلاّ أنه الأفضل بالنسبة لدى الكرملين من المراهنة على مراوغة كلينتون الثعلب الماكر كما يصفها الدب الروسي دائما . جزء من حملة دونالد ترامب كانت تتمحور حول السياسات الدولية والخارجية لبلاده وكيفية تعاطي الحزب الديمقراطي مع حوادث الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي والأزمة الكورية والمناكفات العقيمة مع روسيا وحلفائها وصديقاتها وتصدّع علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من دول أميركا اللاتينية وتدخلات عديدة غير مُبرّرة وغير مدروسة بشئون دول العالم التي تسببت بمتاعب وخسائر ومشاكل كبيرة لأميركا. وقد القى المرشح الجمهوري اللائمة على إدارة الديمقراطيين في تراجع هيبة ومكانة أميركا سياسيا واقتصاديا كدولة عظمى بين دول العالم حسب رأيه . ولم ينسَ ترامب أن ينصّب نفسه الأب الروحي للطبقة الوسطى والمسحوقة التي تضررت بسبب فشل ادارة اوباما وحزبه ، واعدا أياهم بتخفيض الضرائب وبمعيشةٍ أفضلُ رخاءً ، زاعما أن الحلول مُعدّة وجاهزة لديه تنتظر التطبيق فور إعتلائه سدة الحكم . وقد أعتقد الكثير بأن تصريحاته ضد الإسلاميين والمسلمين سوف تضرّ بدعايته الإنتخابية ، في حين أننا رأينا تضامنا وتجاوبا من قبل نسبة كبيرة من الشعب الأمريكي وقد شهدت بذلك صناديق الأقتراع لا نبوءة المحللين ! وإن دلّ ذلك فإنما يدل على مدى استيعاب ترامب ومساعديه لحالة الكُرْه التي وصل اليها الشارع الأمريكي والغربي تجاه التيارات الأسلامية المتطرفة وتأثرهم سلبا بالدعاية المضادة ضد المسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص . أستطاع ترامب أن يستغل حالة الحنق والحقد فحوّلها الى مشروع حيوي للفوز ، معلنا عن برامج ومشاريع سوف يجعلها مستقبلا باكورة أعماله ، مثل منعه المسلمين دخول الولايات المتحدة وتأييده ودعمه لقانون جاستا وتفعيله ضد السعودية كدولة راعية للإرهاب الدولي ومسؤولة عن احداث 11 سبتمبر 2001 ، فضلا عن أجبارها على تسديد ديون اميركا البالغة 19 ترليون دولار لقاء حمايتهم ومساعدتهم لها في البقاء على الحكم منذ توليهم السلطة . وقد لوّح بالعصا الغليظة لدول خليجية أخرى على نفس الوتيرة . وقد لاقت تلك التصريحات ترحيبا لدى المواطن الأمريكي ، سيما أهل الضحايا وذويهم ، مما زاد من مؤيديه وعدد أنصاره . محور العامل الإقتصادي والديون والنظام الضريبي كانت محطة انطلاق دعاية ترامب لكسب الأصوات ، وما كان يرى ترامب ضرورة أنْ تكون الطريقة أخلاقية أو غير أخلاقية ، قانونية أو غير قانونية ، يفهمها المواطن البسيط أم لم يفهمها ، المهم أن تكون هناك قناعة لديهم ، خصوصا طبقة الفقراء من ذوي الدخل المحدود ، بأن ترامب له القدرة على إنتشالهم من المأزق وأنه الرئيس أو المخلّص الموعود . وبعد أن أمّن ترامب على أكبر شريحة في المجتمع لن يفوته أن يحيّد أسرائيل إن لم يكسبها بعد أن أستفزها في بادئ الأمر من خلال تصريحاته . عاد ليغازلها متجنبا شرّها وشرّ أنصارها وأذرعتهم الطويلة في التأثير على صناعة القرار السياسي ، فأطلق صيحته الكبرى بأنه سوف ينقل مقر سفارة الولايات المتحدة الى القدس المحتلة مضيفا الى أنه سوف يتخلى عن فكرة دعم الدولة الفلسطينية وسيعمل جاهدا من أجل حل او حلحلة القضايا العالقة التي تؤرّق بال الساسة في تل ابيب . مؤكدا عزمه أيضا على التدخل في أعادة النظر حول توقيع الدول الست العظمى اتفاقية الملف النووي الإيراني الذي أبدى إمتعاضه الشديد منها ورغبته الملحّة بتعديل بنودها لأنها تصب في مصلحة أيران العدو اللدود لأميركا وإسرائيل . وبتلك التصريحات أستطاع أن يقرّب المسافة بينه وبين الماسونية والحركة الصهيونية ، أو على أقل تقدير سعيه لكسب ود حكومة نتنياهو وأعضاء الكنيست الإسرائيلي . عندما وصل المواطن الأمريكي الى صناديق الأقتراع نسيَ أنّ ترامب ليس أكثر من تاجر ملياردير لا علم له بالسياسة ، بيد أنه تذّكّر فشل أوباما وعدم صلاحية هيلاري كلينتون وحزبها للرئاسة الأمريكية ، ولابد لهم أن يجرّبوا شخصا من طراز آخر أعتقدوا أنه قريب جدا من تطلعاتهم وأحلامهم ليكون رئيسهم الخامس والأربعين لقيادة البلاد . ويبدو أنه الآخر كان يحلم بالرئاسة منذ الثمانينات ويخطط لها ، وما كان يطلقه على سبيل المزحة في مجلة ( سباي ) الساخرة قد فاجأنا به ليكون حقيقة واقعة وكابوسا مزعجا لخصومهِ . تصورّوا أن مغامرا متهورا وتاجرا جاء من خارج أروقة السياسة والحكم ، قد صدم العالم بفوزه ، فهل سيصدمهم بسياسته أيضا !؟ طالما إنّ جميع التكهنات قد فشلت مع المارد الأمريكي علينا أن ننتظر إذن لنرى ماذا يخبئ لنا فانوسه السحري بعد أداءهِ اليمين الدستوري يوم الجمعة الماضي 20 يناير 2017 . ياس خضير الشمخاوي
#ياس_خضير_الشمخاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنتِ مولاتي ... رحلة في ذاكرة مغترب شيوعي
-
وهل خلت يثرب من أهلها !؟
-
لن يستقيم الظلّ وربّ الكعبة
-
الدين بشاربٍ محفوف وثوبٍ قصير
-
آخر ورقات المقبور
-
أغتصاب فتيات بريطانيات
-
محمود الحفيد البندقية الغاضبة
-
عشيّة الرحيل
-
منْ منّا يقتل أبنه لو زنى !؟
-
تركيا ... حرملة العصر
-
لأنها تجارة مربحة
-
أغصان الزيتون
-
بطاقة عيد
-
ماهكذا تورد الأبلُ !!
-
ماذا يادولة الثعالب !!؟؟
-
سمير أميس ... ياعشقا أزليا
-
آخر محطات العمر
-
قافلة المنايا
-
الجامعة العراقية
-
الى متى يبقى الوزير على التلّ ؟
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|