|
الفكر المعارض في سورية بين الواقع والاحباط ..؟
خليل صارم
الحوار المتمدن-العدد: 1428 - 2006 / 1 / 12 - 03:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لو استثنينا عدداً محدوداً من رموز الفكر الديمقراطي المعاصر في سوريا وهم أشهر من نار على علم , ومشهود لهم بالمقدرة حتى على مستوى أبعد من محيط المنطقة فان مايطرح على مستوى المعارضة يمكن اعتباره مجموعة رؤى ومفاهيم في طريقها الى التبلور بالشكل النهائي . ذلك أن مفهوم الفكر المعارض بالمستوى الحضاري المعاصر .. مايزال طارئاً لدينا بالمقاييس العالمية . ذلك أننا واستناداً لتاريخنا .. لم نملك فكراً معارضاً بالمعنى الحقيقي .. لأن ثقافتنا في حقيقتها فعل ورد فعل .. وهذا لانجادل فيه .. ثقافة السلطة الموغلة في التاريخ والقائمة على أسوأ أنواع الظلم والقمع والقهر تقابله ثقافة الانتقام .. ولو عدنا الى تاريخنا لوجدناه خالياً من البحث في أحوال المجتمع وسبل تطويره .. فمصطلحات الحرية..المجتمع .. أو أي بحث حول شكل النظام الأفضل للمجتمع ..الخ .. هي أمور تعتبر من أكبر الكبائر لايجوز الاقتراب منها .. ولنلاحظ أن مسلسل الحكام كله ( خلفاء) ورضي الله عنهم . حتى آخر سلطان عثماني . لقد ألبس هؤلاء ثوب القداسة اعتماداً على طوابير الفقهاء الذي كرسوا المفاهيم الأسوأ التي لاتنتج سوى تقسيم المجتمع وتفتيته . قابل ذلك معارضة تريد أن تدفع الظلم عنها وعن المجتمع لكنها لم تتقدم برؤية أفضل ..بل أنها كرست ثقافة أسوأ هي ثقافة الانتقام . هذا هو موروثنا الحقيقي .. والمصيبة الأعظم في العصر الحديث أن تلك الثقافة خرجت في غالبية الأحيان متكئة على مايسمى الموروث الديني وهو حقيقة ليس ديناً بحيث أنها شكلت أساساً للفكر لايمكنه مغادرته باعتباره مقدساً .. الأمر الذي يؤدي الى الاصطدام بالمجتمع كله .. وهذا ماوفر أرضية صلبة ينطلق منها رجال الدين الذين مازالوا يحلمون بسيطرة مؤسستهم على مقاليد السلطة ... لمهاجمة الفكر الحداثي غالباً بتنسيق مع السلطة اضافة لوجود مصلحة حقيقية للمؤسسة الدينية الموزعة على كافة الطوائف والتي تتمسك بهذه المصلحة بأسنانها ولايهمها لو أدخلت المجتمع في نفق التفتيت والانقسامات وحتى دوامات العنف والعنف المضاد عندما تتضارب المصالح بين السلطة وهؤلاء .. اذاً فالفكر الحداثي أو ثقافة المعارضة وفق مفاهيم العصر هي ثقافة وليدة ماتزال تحبو وهي في طريقها الى التشكل النهائي وفي هذه الحالة لاغرو من وجود تناقضات وخلط يحتاج الى بلورة .. ومن المؤسف أن يخرج من يشهر سلاح النقد لهذه المعارضة وكأنها خارجة من مجتمع عريق الخبرة بالممارسة الديمقراطية وهذا حلم نتمنى الوصول اليه بأسرع مايمكن .. مع ذلك هناك خطأ ترتكبه بعض القوى الديمقراطية هو حساسيتها الزائدة عن اللزوم تجاه الفكر القادم من خارج الحدود ونسيت أن الفكر إنساني الطابع وليس حكراً على أمة أو منطقة ..ما.؟ لذا فانه من الضروري جداً وليس معيباً على الاطلاق الاتكاء على أي فكر أو ثقافة ..لكن هذا يستلزم مراعاة حالة أن مجتمعاتنا وباعتبارها لم تعرف عبر تاريخها أية حالة ديمقراطية ولم تلمس نعمة الحرية بعد .. فان القوى الديمقراطية الحديثة متمثلة برموز الفكر الحداثي .. يتوجب عليها أن تعي هذه الحالة وتحرص على تخفيف الجرعات لاأن تلقي بكل شيء في وجه المجتمع فتتسبب بحالة من عسر الهضم .. وحتى لاتخلق ردة فعل عكسية .. تستثمرها قوى التخلف في تحريض المجتمع على الوقوف بوجه العلمنة والديمقراطية باعتبارها كفراً والحاداً .. هنا كان من الواجب تقديم العلمانية للمجتمع بواقعها الحقيقي على أنها ثقافة تهدف فيما تهدف اليه الى ابراز الحالة الانسانية للدين ..مطلق دين . وان استبعاد رجال الدين عن أية علاقة بالسلطة لايعني إطلاقا معاداتها للدين لأن رجال الدين لايملكون تفويضاً للتحكم بالدين ..دين الله ؟ وبالتالي فان الله ليس تحت وصايتهم ..؟ وان الغاية هي ازالة الشوائب والخرافة من الدين والتي تسللت اليه عبر العصور.. وهذا مالم نراه حتى الآن وهو مطلوب لكسر حدة الهجمة التي يشنها قسم كبير من رجال الدين المتخلفين والذين يريدون العودة بالعالم الى عصر محاكم التفتيش .. والواقع أن هؤلاء رجال الدين الذين يمكنني أن أصفهم بحملة الفكر التلمودي الصهيوني .. يقفون بكل صفاقة لاتهام العلمانية .. بأنها نتاج الصهيونية .. لاحظوا كيف يقلبون المعايير .. محاولين باستماتة ابقاء المجتمع ضمن دائرة التخلف والجهل والتدين المشوه المعادي لحقيقة حالته الأخلاقية الانسانية . لم نلاحظ أية حالة ضياع لدى الفكر السياسي الوطني المعارض ..فهو يخرج من حاجة المجتمع في الانتقال الى الحالة الحضارية بكافة جوانبها الاقتصادية السياسية الاجتماعية ..وهو يعيش تماماً طبيعة العصر .. فقد وضع في سوريا سقفاً لتحركه هو حالة الوطنية والمواطنة وبدأ يتحرك تحتها آخذاً بعين الاعتبار الجوانب التي أشرنا اليها وتمكن من طرح مفاهيم منطقية للحالة الديمقراطية الليبرالية بحيث تبعد المجتمع عن الاصطدام بالجدار بسرعة قصوى فينهار ويتفتت .. لكنه وجد نفسه في سباق لايرحم مع الفكر الكاذب القادم من الخارج والذي حمل على ظهره الشعارات الديمقراطية والليبرالية والتي في حقيقتها لاعلاقة لها بذلك وبين صدقيته هو في استيعابها واعادة تمثلها بما يفيد المجتمع والوطن .. لامراء أن هناك بعض الاخطاء لكنها لاتكاد تذكر الى جانب الغاية والمصداقية ..وكما قلنا أنها قوى وليدة ماتزال تحبو وهي بحاجة لكي يقوى عودها .. والخشية عليها من القوى الكاذبة التي تلبس رداء الديمقراطية وتخفي تحته أشد وأسوأ أنواع الفكر القمعي وهي أخطر القوى .. فان تمكنت ستتسبب بحالة إحباط في المجتمع قد تمتد لقرن قادم .. ان مشكلتنا الحقيقية هي في الانسان ..الانسان . وليست في الفكر ومنهجيته .. نحن لم نتمكن من القضاء على حالة النفاق والأنانية والنرجسية التي تتحكم في انساننا وهذا عائد لقرون طويلة من القمع والإرهاب الأسود رسخت فيه إيثار السلامة على مايحتاجه من مساوئ على رأسها النفاق .. ومحاولة الصعود الى القمة على الأنقاض والجثث باعتبار أنها أقصر الطرق لضمان الأمان . من هنا نرى أسوأ أوجه الإحباط .. نحن بحاجة لقيادات تؤمن حقيقة بالديمقراطية والحداثة بعيداً عن الأنانية والتدافع نحو الواجهة .. لأن ثقافة الواجهة هي الأسوأ وهي التي تشكل عامل كبح للقوى الحضارية تنعكس داخل المجتمع الى حالة فقدان ثقة بقواه الجديدة لذا فانه من واجب هذه القوى أن تبدأ بتدريب وتعويد نفسها على سلوكيات الحالة الحضارية حتى لايقف أحدهم ويتهمها بالأستذة والتنظير وهذا من حقه اذا استمرت على سلوكها الراهن ولم تتخلى عن عقد الأنانية وحب البروز وهي عقدة عربية بامتياز .. فهلا حاولت قوى الديمقراطية واليسار ..والعلمانية بشكل عام التي تحمل الهم الوطني من توحيد صفوفها وبلورة أفكارها والخروج بقيادة موحدة كي تقنع المجتمع بجدارتها وتتمكن بالتالي من استبعاد القوى المزيفة التي تعمل على اختراقها وإجهاض هذا التنامي في الفكر الحضاري .. نتمنى .. ولكن الحرب لاتكسب بالأمنيات والأدعية ..؟ !!!!!
#خليل_صارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قال أن الإخوان يشكلون ثقلاً في الشارع السوري ..؟2/2
-
من قال أن الاخوان يشكلون ثقلاً في الشارع السوري ..؟1
-
تنبؤات عام 2006..؟ وماحدا أحسن من حدا ..!
-
على هامش لقاء البيانوني -الخدام ...هل بعد ذلك من كذب..؟
-
من يراهنني ...؟2
-
من يراهنني...؟1
-
سيدي الرئيس ...انها سورية ..تعال لنطهرها من الأوغاد الفاسدين
...
-
العب غيرها ...فلن تكون رئيساً مقبلاً ولن تعود الا مكبلاً خاض
...
-
المعارض الكاريكاتيري ..؟مابين التفاهة والسقوط ..وبين التسلط
...
-
على من تقرأ مزاميرك ..يا..عبدو؟؟
-
ألم تكن أنت الحامي الأساسي للفساد ..؟ أم أنك تظن أن الشارع غ
...
-
في مواجهة المجتمع ..3: ا لواقع المزري !!
-
ماهذا..؟
-
القرد الهربان من جبلاية القرود ..بيتكلم سياسة..؟!!
-
صحيح .. اللي استحوا ماتوا ..؟!!
-
النظام السياسي العربي ومواطنه....متى نستعيد انسانيتنا المسرو
...
-
النظام البيلوقراطي..أو المسخ الشرس الذي ينتجه النظام الأمريك
...
-
دعوة للحوار المتمدن ..لتملأ المكان الشاغر ...؟
-
أبا لهب .. أبا جهل ..مرة ثانية .؟ مسيلمة ليس غريباً عن المنط
...
-
المائدة السورية حافلة بكل الأصناف الجيدة .. لماذا الاصرار عل
...
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|