|
ماركس يعود إلى ساحة النقاش
محمد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5409 - 2017 / 1 / 22 - 15:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أنجز النبيل الانكليزي السير توماس مور عمله الروائي: {العالم المثالي} في عام 1516 الذي كتبه باللغة اللاتينية، ونشر في بلجيكا في العام ذاته. وقد ألفّه بأسلوب ساخر باهر، كما يحتوي على بعض الأفكار التي تثير الاهتمام والفضول، مما ضمن استمراريته خلال الخمسمئة عام التالية. ويحتوي الكتاب على حوار متخيّل يدور ما بين المؤلف مور وأحد الرحالة الذين قدموا من أرض العالم المثالي اليوتوبي الذي اكتشف حديثا. وقد استخدم توماس مور كبير قضاة انكلترا تلك الحكاية لتوبيخ الطبقة العليا الاوروبية لجشعها، ولامبالاتها، وطغيانها وجورها، وقارن ذلك بوضع الدولة المثالية.
كان ذلك أول عمل يعرض فكرة الشيوعية بوضوح وتفصيل في أنقى صورها المثالية اليوتوبية. ويقول الرحالة للمؤلف مور: «انني مقتنع تماما اننا لن نتوصل الى توزيع عادل للبضائع، أو تنظيم حياة الناس، ما لم نلغ، ونزيل الملكية الخاصة تماما. لأنه طالما كانت مستمرة، فإن الأغلبية الغالبة للعنصر البشري، والجزء الأكثر رفعة وسموا فيه، سوف يستمر يعاني من عبء الفقر والجور والحرمان والقلق». وقدم مور وجهة نظره في الرد على تلك الحجة، قائلا: «لا أعتقد أنه سيكون لدينا مستوى معيشي معقول تحت النظام الشيوعي، لأن الوضع سوف يميل دوما نحو الشّح، لأن لا أحد سيعمل. بجد كاف». فقبل قرون، وقبل ان تصبح الشيوعية واقعا سياسيا قدم توماس مور فهما لكنهها وجوهرها في كتاب واحد صغير الحجم، فالفكرة تقول بكل بساطة ان الشيوعية تشغل نفسها بقضية العدل والنزاهة في توزيع الثروة، ولكنها تفشل في شرح الكيفية التي يمكن من خلالها رفع الكفاءة فيما يختص بعملية انتاج الثروة عندما نقدم على إزالة الحافز الذي يقود الى المنافسة. وسوف يشغل هذا التناقض الحوارات المستمرة منذ 500 عام. لقد حاول أناس مختلفون في اوروبا وأميركا إقامة مجتمعاتهم المثالية أو اليوتوبية الخاصة في أعقاب صدور ذلك الكتاب.
نظرية سياسية وفي القرن التاسع عشر استطاع كارل ماركس تطوير مفهوم الشيوعية وتحويله الى نظرية سياسية شاملة. وقد تتوج التعاون فيما بين ماركس وفريدريك انغلز باصدار عمل ضخم، هو كتاب «رأس المال». وفي هذه الأيام تجد ردود فعل الناس تزداد حدة كلما أتى ذكر اسم ماركس، على الرغم من ان القليل منهم يكون قد قرأ فعلا كتابه المذكور. وكارل ماركس مفكر ذو فكر أصيل ونظرة ثاقبة، وقد اثبت ملكة في التفكير الفلسفي تثير الاعجاب، كما كان دقيقا في عمله البحثي. ولقد امضى ماركس معظم وقته ينقب في التقارير البرلمانية والاحصائية البريطانية في قاعة القراءة في المتحف البريطاني. وعلى الرغم من موهبته الواضحة، فقد كان لديه ميل لاصدار تصريحات تتسم بالتعميم والعجلة، بل انه اظهر ميلا نحو المثالية اليوتوبية، وهو امر كان يثير لديه السخرية حين صدوره عن الآخرين. وقد كان ماركس ايضا مناظرا يجيد الجدل في مناظراته، ويرفض الحلول الوسط. وعلى الرغم من نقده الباهر والذكي للرأسمالية، فإنه لم يتناول البتة مسألة المؤسسات السياسية والتشريعية التي يجب إقامتها بعد الثورة البروليتارية، كما أنه لم يوضح كيفية حماية الحرية الفردية في مواجهة سلطة مركزية شمولية.
انتقادات باكونين ولقد صدرت أكثر الانتقادات شدة ضد عمل ماركس من المفكر الفوضوي ميخائيل باكونين، فقد طرح باكونين تساؤلات حول الكيفية التي يمكن ان تستمر بها سلطة ذات اقتصاد مركزي من دون اللجوء إلى العسف السياسي، وعندما ادعى ماركس ان دكتاتورية البرولتياريا وحدها يمكن ان تحقق الحرية للناس، رد عليه المفكر الروسي باكونين: ان الدكتاتورية لا يمكن ان يكون لها أي هدف آخر سوى ادامة ذاتها باستمرار، وإنها لا يمكن ان تقود إلى أي شيء سوى العبودية لمن هم خاضعون لها. وان الحرية يمكن ان تأتي فقط عن طريق الحرية، أي برفع مستوى جميع الناس والتنظيم الحرّ لجمهور العاملين من الأسفل الى الأعلى. واكتسبت أفكار ماركس بعداً راديكاليا اضافياً على يد فلاديمير لينين، ففي اعقاب ثورة أكتوبر الحمراء قبل 99 عاماً مضت، انتشرت الشيوعية عبر العالم، وبدا الأمر لوهلة وكأن ذلك سوف يشكل مستقبل البشرية، ولكن وكما تنبأ باكونين فان السلطة المطلقة انما تقود الى الفساد والكساد، وهنالك اليوم اربع دول فقط ما زالت تتبنى اسمياً الشيوعية، ثلاث منها في آسيا، وبالمصادفة فان هذه الدول الثلاث تتشارك في الجذور الثقافية ذاتها، وعليه هل ما زال ماركس يعني لنا أي شيء حالياً؟ في اعقاب نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، بدا وكأن الماركسية والشيوعية باتتا من مخلفات التاريخ، وصدر حينها كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ والرجل الأخير» الذي اعلن فيه ليس موت الماركسية فقط، بل الانتصار التام للديموقراطية الليبرالية.
سوق غير حرة بيد أن الاعوام الأربعة والعشرين التي تلت ذلك اتسمت ببعض الاحداث المثيرة، وبدأت النظرة الوردية لليبرالية الديموقراطية تتلاشى بعد مرور عقد ذهبي. إذ بينما شهد الاقتصاد العالمي توسعاً يحسد عليه فإن النمو جاء غير متوازن ويعوزه التناغم والانسجام. وباتت الثروة الآن تتركز في ايدي واحد في المئة، أي في أيدي الطبقة العليا، وقد أثارت الأزمة المالية في عام 2008 ردة فعل سلبية سادت العالم ضد الاقتصادات الليبرالية، وأدرك عديدون ان السوق الحرة انما هي فقط حرة بالنسبة للنخبة فقط. ولقد كان عام 2016 الماضي عام بروز الحركات الشعبوية في جميع انحاء العالم، وقد يستمر هذا الوضع خلال هذا العام، ويبدو ان مسيرة التاريخ قد بدأت مجدداً، وهذه الموجة الشعبوية لم يعد في الإمكان تعريفها وفق المفهوم الايديولوجي التقليدي، أي اليسار واليمين والوسط. وتعد تلك حركة تمرد ضد المؤسسة كما ضد الاعراف السياسية، وتجد مرشحيها يهاجمون عن قصد الحصافة السياسية، كما يلجأون احياناً إلى لغة فظة وفجة، لكي يبدوا مختلفين عن النخبة العنيدة المتشددة. وربما يكون ماركس المنظر السياسي قد بلغ حدوده التاريخية، فعمله بكل ما يحتوي على عمق وبعد نظر ذكي، الا انه ينتمي الى العصر الصناعي، بيد ان ماركس لا يزال لديه مغزى ووجود كمنظر اخلاقي، فقد كان يعتقد انه اكتشف «الحقيقة العلمية للتاريخ» الذي سوف يسير قدماً بغض النظر عن المواصفات الأخلاقية الضيقة الافق للمجتمع. ومن المفارقة فانه لم يكتشف اي شيء من ذلك النوع، غير أن قيمته كمنظر اخلاقي سوف تتفوق على نظريته. وكارل ماركس ينتمي لأسرة المانية يهودية ثرية، وتزوج من سيدة ارستقراطية بروسية، وكان في مقدوره ان يعيش حياة شخص نبيل مريحة، وان يختار منصباً محترماً في أي جامعة أو حكومة، ولكنه بدلاً من ذلك وقف في وجه الظلم والوحشية التي شاهدها في الأيام المبكرة للرأسمالية، واختار ان يكون نصير المستضعفين، وقد قضى حياته يبحث عن حل لمعالجة قضية التوزيع العادل للثروة، والمفكرون من أمثال مور وماركس يأتون من طبقة النخبة، ولكن عملهم الفكري وانزعاجهم يقوم على الاهتمام بأمور الفقراء، وفي فترة الاضطرابات هذه التي تسود العالم حالياً، نحن في حاجة لمزيد من المفكرين مثلهما.كارل ماركس (أرشيف)
#محمد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما وراء الستار في الأزمة السورية :
-
في رحاب احمد سيف الاسلام حمد - مقارنة بين الهلالي وسيف
-
تصورات الطليعة وجدل الممارسة
-
اوهام الطليعة وجدل الممارسة
-
عن الحب والتبصر : رسالة من حكيم* إلى تلميذه
-
خواطر رومانسية وسياسية من عاشق مصرى إلى حبيبته السورية الأسد
...
-
انتخابات كردستان: شكرا نوشروان مصطفى!
-
محاولة فاشلة: كيف أساء نادي شالكه الألماني لنبي الإسلام؟
-
الطيب صالح: هل أقول وداعاً؟
-
شرطة الأخلاق العربية وشجاعة لبنى
-
لماذا قاطع الغيطاني ألمانيا؟
-
الاخطاء العلمية في القرآن
-
آن الأوان لتكون لحركة -فتح- فضائية
-
من غزة المحتلة للقائد الفتحاوي سمير المشهراوي
-
اعتذروا للقائد الفتحاوي محمد دحلان
-
مديرية الآثار والمتاحف على حافة الانهيار
-
الحصاد
-
الى الامام لمستقبل واعد
-
الديمقراطية والواقع السياسي الحالي
-
الواقعية في مشروع الكونفدرالية الديمقراطية
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|