|
أمريكا وسياسة التوجه للداخل
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 21:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمريكا وسياسة التوجه للداخل
منطق الرئيس الأمريكي في خطاب التنصيب يكشف عن تحول جوهري في النظرة العملية الجديدة للتحولات البنيوية في السياسة الخارجية للقوة المتفردة في عالم ما بعد العولمة، فكل أرهاصات هذا التحولت والتي أستمرت لما يقارب الثلاث عقود وأكثر من التنظير السياسي والعمل العسكري متعدد الصفحات أظهر نتيجة واحدة قد أشار لها الكثيرون من الكتاب والمفكرين عبر التاريخ السياسي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي المقولة التي تختصر القضية برمتها بعنوان (إذا أردت أن تحارب عدوك وتنتصر عليه حصن قلاعك وأستعرض كل مصادر قوتك قرب وخارج حدود لخصم حتى تتعبه فيضطر للمساومة)، هذه النظرية لم تجد أذان صاغية لها في المؤسسة العسكرية الأمريكية على مدى العقود السابقة وأصرت على أن تتدخل في كل مرة عبر أساليب هجمومية أستباقية وتدخلية على التهديدات المفترضة ضد الأمن والوجود القومي الأمريكي. تحت عوامل دافعة وضاغطة لا علاقة لها بعلم السياسة ولا بخيارات حماية الأمن القومي والمصالح العليا الأمريكية وجدت الإدارة السياسية الأمريكية نفسها محشورة بين سلطتي الأعلام ومراكز الدراسات المختصة وأجهزة الأمن والأستخبارات والمخابرات في تحالف قوي ومتشعب مع كارتل الصناعات العسكرية وقوى خفية تتحكم في تحريك لوبي أخطبوطي محيط بكل تفاصيل القرار الأستراتيجي ومتمكن كليا من التأثير والفعل بمضمون الفكرة السياسية للقوة الثنائية الأمريكية وهما الحزبان الجمهوري والديمقراطي، هنا كانت الأدارات المتعاقبة تماهي بالفعل هذا المزاج السلطوي متعدد الأجنحة ومركزي القرار تنفيذا لمصالح قوى عليا وليس أحتواء لها بقدر ما يشكل خضوعها فعليا لقوة المال وسطوة الصناعات العسكرية والحاجة المستمرة للتحديث. المسارات الفعلية وحضور القوة كما وصفها الرئيس ترامب في خطاب التنصيب حينما أشار إلى الخطأ الجوهري للسياسة العسكرية الأمريكية أختصرها بالقول(دافعنا عن حدود الدول وتركنا الدفاع عن حدودنا)، لكنه أردف في نفس الخطاب لتبني خط سياسي مختلف عندما أشار أيضا (أن أمريكا ستكون قوية ولا يهزمها أحد بقوتنا ونحن موحدين، وأننا في أمان بفضل الجيش)، هذا الرسم المزدوج بين رفض السياسة التدخلية السابقة وما وعد به من محاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف عبر تحالفات قائمة أو ستقوم والهدف أجتثاث هذا الأرهاب سيكون بالتأكيد وفق نظرية ترامب، بعيدا عن المواجهة المباشرة مع القوة الأمريكية، سيمارس الرئيس الجديد أرهاب القوة ليجبر أخرين أما العمل لأجل المصلحة الأمريكية وفق نظرية أستعراض القوة، أو ممارسة نوعا جديدا من الحرب الى مباشرة التي تدار من واشنطن ولكن بأدوات من خارجها. يرى البعض أن هناك تناقضاً في مواقف الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة ترامب والمنهج الأستعراضي المفترض للفوة أو ما يسمى بــ (الإرهاب البعيد) من جهة أنها تريد الانسحاب من المنطقة دون أن تشارك في فاعلية مباشرة في الحدث العسكري، ومن جهة أخرى نرى تغلّب سلوك "الصقور" في التعامل مع إيران وقضايا أخرى منها مكافحة الإرهاب الهدف الأكثر جلجلة في الخطاب الرئاسي، وكيف ستقيم الإدارة الأميركية توازناً بين التوجهات المتعارضة تلك، من المعلوم أن لدى أميركا تحالفات تقليدية مع إسرائيل ومصر والسعودية ورغم أن ترامب لم يكن إيجابياً وخطابيا تجاه السعودية خلال حملته الانتخابية ولا حتى في خطاب التنصيب، لكن ما يرجح دوما في رأي الخبراء والمحللين السياسيين والأقتصاديين أن تقوم كلا من الرياض وواشنطن بجهود من أجل المصالحة وتقديم أثمان عبلار سلسلة من المساومات والمساومات المتقابلة لوضع تصور عملي لفهم جديد لنوعية العلاقة بين البلدين. كما أن الوضع الذي يمر الشرق الأوسط عموما ونتيجة لما وصفه ترامي فعل الإدارات الأمريكية السابقة في خلق داعش والتطرف الإسلامي وأعتباره خطأ وجوديا وبصريح العبارة فأن هذه المنطقة اليوم تمر بأوقات عصيبة، إدارة ترامب تهدف بالتأكيد مدعوة إلى القيام بأمور تصب في مصلحتها كليا وبغض النظر عن ما يصيب الأخرون طالما أن خطابها اليوم تحول إلى خطاب شعبوي يذكرنا بالسياسات السيادية التي كانت جزء من ثقافة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وفيما يبدو أنه سيكون هناك إعادة بناء علاقة جيدة مع الرياض لكنها متعددة الأطراف وفي ظل تحالف أقليمي كبير يضم كل أتباع وشركاء أمريكا في المنطقة والعدو الجديد هو إيران والصين بالدرجة الثانية وروسيا إذا لم يتم تدجينا وفقا للمصالح العليا الأمريكية وفي وقت قريب سيكون هناك رسائل إيجابية بين البلدين (روسيا وأمريكا) بخصوص أعادة التوازن لمبدأ الفعل والنتيجة أرضا. إن سياسة العودة للداخل لحماية البيت الأمريكي القومي أولا لا يمثل بأي صورة من الصور إنكفأ حقيقيا لدور الولايات المتحدة الأمريكي كلاعب أول ورئيسي ومحوري في قضايا العالم، ولن يعلن عن هذا على أنه تخلي عن أستراتيجة قوة الفعل العسكري في معالجة قضايا ومشكل دولية، وبتقديري الخاص أن الدافع الأساسي لكل هذه التحولات له بعدين، الأول أقتصادي محض من خلال خفض تكاليف التدخل العسكري وتوظيف ذلك لبناء الداخل الأمريكي، منطلقا من نظرة ترامب المالية وليست الأقتصادية، فهو يعرف أن المزيد من المال المتوفر يجلب المزيد من فرص الحصول على مكاسب مالية تتراكم، والنقطة الثانية والأهم هو أجبار أصحاب المصلحة في مناطق التوتر والنزاعات أن يدفعوا المزيد من الأموال مقابل الخدمات التي تقدمها أمريكا، وهذا الأسلوب في الفرض يتميز أيضا بطابعه التجاري المالي وليس السياسي الأخلاقي فلكل خدمة ثمن برأي الرئيس ترامب وأن أمريكا ليست جمعية خيرية لأحد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجريف التربة الصالحة للزاعة وتلويث المياه ... حرب بأيقاع أخر
...
-
ثورة الفقير ومشكلة السيد الأمير
-
هاجس الأمن بين حاجة المجتمع وتقاطعات حماية حقوق الإنسان ح2
-
هاجس الأمن بين حاجة المجتمع وتقاطعات حماية حقوق الإنسان
-
كتابات طائشة
-
هل كان الإنسان الأول عاقلا كاملا؟ ح3
-
وظيفة الكتابة في زمن اللا قراءة
-
هل كان الإنسان الأول عاقلا كاملا؟ ح1
-
هل كان الإنسان الأول عاقلا كاملا؟ ح2
-
السيد دونالد ترامب رئيس دولة الولايات المتحدة الأمريكية المح
...
-
مشروع عقلنة الوعي العربي بين حلم التحقيق وحالية الأضطراب
-
المعرفة التأريخية المرموزية وإشكالات الأنتقال لمرحلة الحداثة
...
-
إشكاليات العقل العربي من منظور ذاتي
-
لا تلعن الريح ...... ولا تلعن الخطيئة
-
سؤال وجواب
-
الدخول إلى قلب المدينة ح 9
-
الدخول الى قلب المدينة ح8
-
الدخول الى قلب المدينة ح7
-
الدخول الى قلب المدينة ح6
-
الدخول إلى قلب المدينة ح5
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|