أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - -البرقع- بين الحقوقي، القانوني والسياسي














المزيد.....

-البرقع- بين الحقوقي، القانوني والسياسي


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 5407 - 2017 / 1 / 19 - 22:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أقدمت السلطات المغربية على إقرار حظر صناعة وبيع "البرقع"، وهو قرار يعني عمليا التمهيد لحظر ارتدائه في الفضاء العام، ما دفع ببعض النساء المنقبات إلى الاحتجاج أمام البرلمان ضدّ هذا القرار الذي اعتبرنه يمس بحريتهن في اختيار لباسهن.
يُلزمنا هذا بمقاربة هذا الموضوع من ثلاث نواح: الحقوقية، القانونية والسياسية.
فمن الناحية الحقوقية يبدو أن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان قد اعتبرت اللباس ضمن الحريات الفردية التي يعود اختيارها إلى الفرد ذاته ، لا إلى أية قوة أجنبية عنه، فباستثناء المجالات المهنية التي تقتضي لباسا رسميا مفروضا لممارسة عمل أو نشاط ما مثل الجيش والأجهزة الأمنية والعمل في المناجم أو غير ذلك من أنواع النشاط الصناعي، فان اللباس بمفهومه اللارسمي المتعارف عليه إنما هو من حيث المبدأ حرية شخصية خالصة، قد تختلف درجة التمتع بها حسب السياقات الثقافية والاجتماعية والسياسية. فإذا كانت جميع الثقافات قد جرّمت العري التام في الفضاء العام، فإن القوانين والدول تركت للأفراد على العموم حرية اختيار لباسهم الذي يتمظهرون به في الشارع وداخل المؤسسات. باستثناء الأنظمة الشمولية التي اتخذت طابعا استبداديا قويا والتي حرست كما في إيران في ظل حكم الملالي أو لدى الطالبان أو السعودية على فرض لباس محدّد على النساء على الخصوص وإلزامهن به عن طريق الإكراه السلطوي، أو كما حدث في الصين أيام "ماو تسي تونغ" الذي فرض لباسا شيوعيا خاصا على الجميع، وهو نهج مخالف مخالفة تامة لما تنصّ عليه مرجعية حقوق الإنسان.
فاحترام الحريات، والحريات الفردية على وجه الخصوص، من المبادئ الأساسية للنظم الديمقراطية العلمانية عموما، حيث يقرّ القانون لكل واحد بحقه في اختيار نمط حياته، وحقه في أن يكون مختلفا، وبواجب الاحترام له ولاختياراته التي تتمّ بحريته خارج أي إكراه أجنبي، وما دام لا يؤذي أحدا باختياره ذاك. أي أنّ جوهر الديمقراطية هو احترام الآخر وقبوله كما هو، والتعايش معه بشكل سلمي في إطار القانون الذي يساوي بين الجميع مهما كانت ألوانهم ومعتقداتهم وأجناسهم وأنسابهم وألسنهم، ولهذا تتعارض الديمقراطية العلمانية تماما مع كل الإيديولوجيات الشمولية التي تسعى بوسائل السلطة والغلبة إلى فرض نهج معين على الجميع، ومنظومة قيم ثابتة على الكلّ.
أما من الناحية القانونية فليس في الترسانة القانونية المغربية ما يمنع لباسا محددا أو يفرض غيره، بل ترك المشرّع للمواطنين المغاربة حق اختيار لباسهم كان عصريا أو تقليديا، ويمثل الشارع المغربي نموذجا لهذا التنوع، حيث يتراوح بين أكثر الملابس عصرية وانفتاحا وأكثرها تقليدانية ومحافظة، بل يمكن القول بهذا الصدد إن القوانين المغربية وكذا الفضاء العام الوطني أكثر ديمقراطية وعلمانية من فرنسا، التي ما فتئت تسعى إلى فرض المزيد من التضييق على أنواع من اللباس وآخرها لباس البحر المعروف بـ"البوركيني" الذي أثار نقاشا حادا خلال الصيف الماضي.
غير أنه إذا كان الجانبان القانوني والحقوقي لا يطرحان أي مشكل بالنسبة لـ"البرقع" وكل الأنواع التي تدخل ضمن ما يُسمى بـ"الحجاب"، إلا أنّ الجانب السياسي والأمني يطرح إشكالات جديدة مرتبطة بسياقات غير مسبوقة يمرّ بها بلدنا كما هو شأن البلدان المغاربية والعالمية الأخرى، ويتعلق الأمر تحديدا بتزايد مظاهر التطرف الديني الذي لم يعد يقف عند حدود نمط الحياة الفردية، بل أصبح يطمح إلى أن يصبح أنظمة ودولا بقوة السلاح وكل أساليب الضغط الاجتماعي والتحريض الإيديولوجي، ما جعل الكثير من مظاهر التديّن الإسلامي تتحول بسرعة كبيرة إلى آليات للاستقطاب والتعبير عن الموقف السياسي، وكذا للتجمّع في فضاءات خاصة (في الأحياء المهمّشة) منعزلة عن المجتمع والدولة، وهو ما أصبح يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار العديد من البلدان التي لم تعرف من قبل هذا النوع من الظواهر بهذه الحدّة. كما تبيّن من بعض الأحداث الإرهابية استعمال "البرقع" و"الخمار" وكل أنواع اللباس الذي يخفي الوجه والجسم بكامله في التخفي بعد اقتراف جرائم إرهابية خطيرة، ما دفع ببعض الدول الغربية إلى التحفظ على هذا النوع من اللباس في الفضاء العام، الذي سرعان ما أصبح يشيع الرعب في أوساط السكان في مناطق مختلفة من العالم.
لم تقدم السلطات المغربية أي تفسير للإجراء الذي اتخذته، كما أنها لم تتح لوسائل الإعلام أية معطيات دقيقة تسمح بمناقشة الموضوع أو بمعرفة مدى نجاعته وضرورته، وهو ما اعتبره الكثير من الحقوقيين ضربا من التعسف غير المبرّر، خاصة وأنّ الطريقة التي فرضت بها السلطات على تجّار "البرقع" التخلص من بضاعتهم في 48 ساعة، دون احترام لأية مساطر قانونية، أو دون أن يكون ذلك مسبوقا بتقديم مشروع قانون وفق المسالك المعتادة للتشريع، وفتح نقاش مستفيض في الموضوع، قد جعل القرار المذكور يبدو كما لو أنه اتخذ في حالة طوارئ غير معلنة.
إن قيام الدولة بحماية المجتمع من التطرف والغلو بكل أنواعه، وضمان التعايش السلمي بين الجميع يدخل ضمن مهامها الأساسية التي من أجلها وُجدت، غير أنها ملزمة بمراعاة مرجعياتها القانونية والسياسية وضوابط عملها، التي تمثل مصدر هيبتها لدى المواطنين.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل استوعب حزب -العدالة والتنمية- الدرس ؟
- رسائل قصيرة إلى المغاربة
- أزمة سياسة أم أزمة دولة ؟
- توسيع مفهوم -إمارة المؤمنين- يقتضي تدبيرا عمليا للتعددية الد ...
- الصورة والحياة الخاصة، قراءة في -النزعة الفضائحية-
- عالم مجنون يتجه بخطى ثابتة نحو الكارثة
- لماذا تنعدم الثقة بين أطراف الدولة ؟
- مقاطعة الانتخابات يقوي سلطوية الدولة ونفوذ المحافظين
- لماذا تعجز مؤتمرات الفقهاء عن حلّ معضلات المسلمين اليوم ؟
- القوانين لا توضع على مقاس الإسلاميين
- لماذا يضطرّ حزب -العدالة والتنمية- إلى ترشيح الدعاة والخطباء ...
- الملائكة في خدمة فقهاء البترول
- انتحار المغتصَبات وصمة عار في جبين الدولة
- الإسلاميون والولاء للدولة
- هل يحقق إردوغان حلم -الإخوان- بالاستيلاء الشامل على الدولة ؟
- متى يتم إقرار الزواج والدفن المدنيين ؟
- -التربية الإسلامية- أم -التربية الدينية- ما الفرق ؟
- سيكولوجية الصائم
- من يسعى إلى التحكم لا شرعية له في محاربة التحكم
- من الحكومة إلى الجنة


المزيد.....




- روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر ...
- تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول ...
- ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن ...
- ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب ...
- -الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب ...
- أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد ...
- البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي ...
- موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
- -شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو) ...
- ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - -البرقع- بين الحقوقي، القانوني والسياسي