|
الثورة السورية : جذورها، نتائجها ومآلاتها (مقاربة نظرية)
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 5401 - 2017 / 1 / 13 - 09:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظة : يدخل هذا البحث في إطارعمل مشترك بمعية رفاقي الطلبة في ماستر أنثروبولوجية المدينة بكلية الآداب بالمحمدية -المغرب (حمزة الأندلسي، يونس أعناجي ومحمد العلوي وعمر أحويلات) حيث اشتغلنا جميعا على نتائج الربيع العربي (المغرب، تونس، مصر، سورية) في إطار مادة الدولة والأمة بتوجيه من المفكر مراد الزوين .
1) مخاض سورية من أجل الاستقلال : نضال السوريين ضد التقسيم
تتموقع سوريا في بلاد الهلال الخصيب، تحدها شرقا العراق، وشمالا تركيا، وجنوبا الأردن، بينما تحدها فلسطين ولبنان والبحر المتوسط غربا، حصلت سوريا على استقلالها عام 1946 بعد أكثر من عشرين عاما من المقاومة والنضال، لقد كانت سوريا جزءا من الامبراطورية العثمانية لقرون طويلة، ولكن بعد مشاركة هذه الأخيرة إلى جانب ألمانيا المنهزمة في الحرب العالمية الأولى، انسحب قائد الجيش التركي مصطفى كمال أتاتورك من مدينة دمشق فاسحا المجال للقوات البريطانية والعربية، تشكلت أول حكومة عربية عام 1918 بقيادة الأمير فيصل الأول في دمشق، لكنها كانت حكومة صورية، إذ رفض البريطانيون السماح للجيش العربي بالتسلح، وخيبت آمال العرب في تحقيق الاستقلال خلال مؤتمر الصلح عام 1919 بقصر فرساي بباريس، لقد كانت قبل ذلك اتفاقية سرية اسمها سايكس بيكو وقعت سنة 1916 بين ابريطانيا وفرنسا وروسيا وقضت بتقسيم منطقة الهلال الخصيب إلى منطقة الانتداب الفرنسي ومنطقة الانتداب البريطاني رغم مطالب الأمير فيصل خلال مؤتمر الصلح باستقلال ثلاث دول عربية وهي سوريا والعراق والحجاز، فمباشرة بعد مؤتمر الصلح عمل البريطانيون على تطبيق الاتفاق السري مع الفرنسيين، والذي فضح هذا المشروع هم البلاشفة بعد وصولهم إلى السلطة في روسيا لأنهم حصلوا على وثيقة الاتفاق أثناء سقوط النظام القيصري عام 1917، لذلك أنزلت القوات الفرنسية جيوشها على الساحل السوري واستلمت قيادة سوريا من البريطانيين الذين حصلوا بموجب الاتفاق على العراق والأردن وفلسطين وتعيين الأميرين فيصل وشقيقه حاكمين صوريين على الأردن والعراق، الشيء الذي مهد لثورة الشعب السوري من أجل الاستقلال. حينما علم السوريون بمضمون الاتفاق السري، حدثت مجموعة من الانتفاضات والثورات كثورة صالح علي وثورة صبحي بركات وغيرها من الثورات التي طالبت بتحقيق الاستقلال من الانتداب الفرنسي، لقد عمل هذا الأخير على تفتيت الوطن السوري إلى دويلات على أسس طائفية وإثنية كما هو الحال لدولة العلويين التي شيدت في ساحل اللاذقية وجبال العلويين وامتدت من الإسكندرون إلى النهر الكبير على حدود لبنان الشمالية، إضافة إلى دولة خاصة بكاثوليك الشرق تسمى بلبنان الكبير، ودولة درزية جنوب دمشق، هكذا يظهر أن منطقة الانتداب الفرنسي التي كانت تسمى بمنطقة (أ) لم يتم تفتيتها على هذه الشاكلة وحسب، بل انسجاما مع مضمون سايكس بيكو تم فصل سوريا الأم إلى عدة أقاليم، وهكذا حصل الانتداب البريطاني (منطقة ب) على الأردن وسيناء، بينما فلسطين احتلها الصهاينة ومنطقة الاسكندرون احتلتها تركيا، في حين قبرص تم تقسيمها بين اليونان وتركيا، لذلك فعشية استقلال سوريا في نيسان عام 1946 تقلصت مساحتها خصوصا بعد فصل لبنان عنها من 300 ألف كلم مربع إلى 185190 كلم مربع. كان رد السوريين قويا بعد تقسيم البلد من طرف الانتداب الفرنسي، هكذا في عام 1925 نشبت الثورة السورية الكبرى بقيادة باشا الأطرش، فرد الفرنسيون بعنف، واستعملوا القوة العسكرية ضد الثوار، غير أن هذا لم يمنع الثورة من الانتشار في مدن آخرى في الفترة الممتدة ما بين سنة 1925 وسنة 1927 خاصة في مدن دمشق والغوطة، الشيء الذي أرغم الفرنسيين في سنة 1925 على السماح للسوريين بتشكيل الأحزاب السياسية، وفي السنة نفسها تشكل حزب الشعب السوري بقيادة المحامي فارس خوري (بروتستانتي) وعبد الرحمان شهبندر (سني)، وإن دل هذا التأسيس على شيء، فإنما يدل على وعي الطوائف السورية بالمخططات الاستعمارية الرامية إلى تفتيت البلد على أسس مذهبية للحفاظ على انتدابها ووجودها في الأرض السورية، لذلك أعلن المنضوون في حزب الشعب أن أي سوري لن يجد هويته الوطنية في بلاد مجزأة بإرادة الاستعمار وأن السعي إلى الحرية والاستقلال يجب أن يكون يدا بيد مع السعي إلى وحدة سورية الجغرافية بما فيها فلسطين ولبنان، وكان نضال حزب الشعب شاملا، لقد انصب على قضايا التعليم والصناعة الوطنية والقضاء على الأمية التي وصلت إلى 90 في المئة بعد التخلص من العثمانيين، وبالتالي كان برنامجه يعكس طموح البورجوازية السورية الساعية إلى تشكيل دولة وطنية تتعالى من خلالها على الصراعات المذهبية. مهد تشكيل الأحزاب الدخول إلى البرلمان، ففي سنة 1928 أجريت انتخابات نيابية وأسفرت عن فوز الموالين للانتداب الفرنسي، لكن على الرغم من ذلك كان هؤلاء الموالون لفرنسا في اجتماعاتهم داخل البرلمان يبحثون عن صيغة لتقليص السيطرة الفرنسية ومنح السلطة إلى الشعب السوري، في هذا الإطار جرت أول مواجهة بين المفوض السامي هنري بونسو، إذ رفض هذا الأخير مسودة دستور تلغي كليا سلطة الانتداب الفرنسي وتضم بنودا على وحدة سورية الجغرافية، فقام بونسو عام 1930 بإلغاء البرلمان، وتعديل الدستور لكي ينسجم مع الانتداب الفرنسي، ففي فحوى الدستور المعدل نجد تطاولا كبيرا لفرنسا على مبادىء ثورتها التي جرت عام 1789 القائمة على مفهوم المواطنة العالمية التي لا تميز بين البشر على أسس دينية أو مذهبية أو طائفية، هكذا نجد في الدستور أن رئيس الجمهورية يكون مسلما ولا يخضع للمساءلة البرلمانية، بينما التمثيل النيابي، فيعتمد على التوزيع المناطقي والمذهبي، هذا ما دفع الكثير من النواب إلى الاستقالة لأن سلطة الانتداب الفرنسي لا تأخذ القضايا الأساسية للبلاد على محمل الجد، والأنكى من ذلك صار البرلمان محلا للمماحكات الفارغة، وما إن صعد المفوض السامي دميان دي مارتل حتى عطل البرلمان وكل المؤسسات بعد إلغاء النقاشات حول مسودة الدستور التي وعد بفتحها انطلاقا من عام 1932. عندما تم تعطيل الحياة السياسية في سورية، قام السوريون بمظاهرات حاشدة في البلاد، ففي عام 1935 قام السوريون بإضراب دام 50 يوما شل الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والملفت أن هذه المظاهرات لم تكن مسبوقة في تاريخ سورية المعاصر، لقد أغلقت المدارس والمعامل والدكاكين والأسواق وإدارات الدولة والمحاكم، وكان قادة الإضراب نخبة من المجتمع المديني التي تطالب بالحرية والاستقلال، غير أن الرد الفرنسي كان قويا بالقمع وإطلاق الرصاص على السوريين العزل واجتياح الأحياء واقتياد المئات إلى الاعتقال، وتم منع التجول وإعلان حالة الطوارئ، لكن هذا لم يمنع السوريين من مواصلة الاحتجاج إلى أن أرغم الفرنسيون على التفاوض حول مصير سورية. في سنة 1936، بدأ وفد سوري هام يتفاوض مع الانتداب الفرنسي، كانت المفاوضات قد أخذت طابع الجدية خصوصا مع وصول الجبهة الشعبية اليسارية إلى حكم في فرنسا حيث كانت تتعاطى أقل تشددا مع المستعمرات، بالمقابل كان الوفد السوري حازما في مطالبه خصوصا مع استقلال العراق عام 1930، غير مسألة الأقليات طرحت مسألة كبرى، فالعلويون والدروز لطالما تعرضوا للاضطهاد من جانب الأكثرية السنية عبر تاريخ المنطقة، خافوا على وضعيتهم بعد الاستقلال خصوصا وأن الانتداب الفرنسي منحهم حكما ذاتيا حصلوا لأول مرة في التاريخ، فالعلوي الذي كان مستبعدا في الجبال وفارا من السواحل التي تسيطر عليها السنة، منحته فرنسا قيمة بتعليمه وتجنيده ومنحه دويلة يسيرها بنفسه بعد أن كان يهده شظف العيش، وفي الوقت الذي علم فيه العلويون بالمفاوضات مع فرنسا بعث الزعيم العلوي ابراهيم كنج مذكرة إلى رئيس وزراء فرنسا ووقع هذه المذكرات 80 شخصا من العلويين تحذر الفرنسيين من مصير الأقليات ولاسيما حرية المعتقد وحرية الفكر، لكن هذه المذكرة قوبلت بالرفض من طرف علويين آخرين مؤكدين على الوحدة الوطنية السورية وأن العلويين مسلمون، فهم يتحدرون من علي ابن عم النبي محمد، لذلك لا يقبلون بالانفصال عن الوطن السوري، وفي أيلول عام 1936 اعترفت فرنسا باستقلال سورية، ولكن مع الحفاظ على حقوقها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ثم توحدت سورية رغم رفض بعض الوجهاء العلويين، غير أنه بمجرد تسلم هاشم الأتاسي السلطة قام بردع الحركة الانفصالية، إضافة إلى عجزه في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وعدم الفصل بين المسائل الشخصية والمصلحة العامة للبلاد، وعدم مساندة ثورة القسام في فلسطين المحتلة باعتبارها جزءا من سوريا الجغرافية، دون ننسى أن البرلمان الفرنسي لم يصوت على معاهدة الاستقلال، بل تنصل منها وفي نفس الوقت سارعت الحكومة الفرنسية إلى توقيع اتفاقية مع تركيا عام 1939 تقضي بمنحها لواء الاسكندرون لكيلا تتحالف مع ألمانيا النازية دون استشارة حكومة وشعب سورية في ذلك، والأنكى من ذلك رجعت إلى الطرح الانفصالي بتعيين شوكت عباس العلوي حاكما على منطقة اللاذقية ومنحه حكما ذاتيا. مع انطلاق الحرب العالمية الثانية عام 1939، كان الاستقلال السوري معلقا، لقد تراجعت فرنسا على كل وعودها، لم يتحسن الحال كثيرا منذ دخولها مع جلاء العثمانيين، فالأراضي السورية في معظمها كانت بيد الإقطاع، وساعات العمل كانت تصل إلى أكثر من 50 ساعة في الأسبوع، وعمالة الأطفال، لذلك لم تكن ضبابية في الأفق السياسي وحسب، بل كانت هناك ضبابية في الأفق الاجتماعي، وهكذا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية واكتساح هتلر لأوروبا واندلاع ثورة الكيلاني في العراق تجددت مطالب السوريين بالاستقلال الشامل، ولئلا يقع تحالف للوطنيين السورين مع هتلر، تقدم شارل ديغول بوعود لتحقيق سورية للاستقلال، وفي عام 1943 عين شكري القوتلي زعيما لسوريا، وبعد انتهاء الحرب ظلت فرنسا متمسكة بمصالحها في سورية العسكرية والثقافية والسياسية، لكن حدة الاحتجاجات والمظاهرات عجلت بخروجها من البلاد، خاصة بعد قصفها لدمشق بالطائرات وضغط القوى الخارجية كالاتحاد السوفياتي، فكان استقلال سورية عام 1946.
2) سورية ما بعد الاستقلال : هيمنة حزب البعث على السلطة
بعد استقلال سورية عام 1946، كان شكري القوتلي هو أول رئيس لها، لكن هذا الرئيس سيتعرض للعزل عام 1949 إثر انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم، إذ سيحل البرلمان ويقيم حكما عسكريا، وجاء هذا الانقلاب بعد رفض حكومة القوتلي السماح للشركة العربية الأمريكية للنفط من تمرير أنبوبها عبر الأراضي السورية نظرا للدعم الأمريكي للتمركز الصهيوني في فلسطين المحتلة، والأنكى من ذلك أن حكومة القوتلي رفضت توقيع الهدنة مع الصهاينة، فيأتي حسني ويوقع الاتفاقيتين مع الصهاينة، غير أن هذا لم يمنع مفكرين بعثيين كمشيل عفلق وقوميين كحوراني من التقرب إليه، ولكن خيانته لزعيم الحزب القومي السوري الاجتماعي أنطون سعادة عجلت بالانقلاب عليه وقتله من طرف عناصر من الجيش كانوا متعاطفين مع الحزب في سنة 1949، لقد كان مشروع الحزب القومي السوري الاجتماعي وحدة سورية التاريخية، ومن أجل هذا الغرض كان ينظم مهرجانات واحتجاجات ومظاهرات في لبنان، لكن هذه الأعمال أزعجت المذاهب التقليدية لأن الحزب كان يطالب بدولة علمانية في كافة أرجاء سورية على أسس قومية قطرية، فطرد زعيم الحزب أنطون سعادة من لبنان كما كان مطرودا ومغتربا في البرازيل أيام الانتداب، ثم رحل إلى سورية واستقبل من طرف حسني الزعيم وأهداه مسدسه الشخصي عربونا على الصداقة، لكن هذا الأخير وباتفاق مع رياض الصلح زعيم الحكومة اللبنانية تم تسليمه إلى لبنان ونفذ في حقه حكم الاعدام، لكن حسني الزعيم قتل هو الآخر في نفس السنة وصعد محله أديب الشيشكلي الذي انقلب على أديب الحناوي أحد قاتلي حسني الزعيم، في هذه الفترة عادت الحياة السياسية إلى الهدوء ونوقشت في البرلمان قضية الإصلاح الزراعي وسمح للأحزاب بالعمل ماعدا الحزب الشيوعي، وتم تعيين ميشيل عفلق وزيرا للتربية وسمح للمرأة بالمشاركة الكاملة في الانتخابات وأصبح سن التصويت هو 18 سنة، لقد كان الصراع حاميا في البرلمان السوري حول الدستور، فبعض النواب كان يطالب بدولة علمانية والبعض الآخر بدولة دينية، فأقر في الأخير بدينية الدولة وعلى تطلعها نحو الالتحام بالدول العربية، بالإضافة إلى الإقرار بإسلامية رئيس الدولة، غير أن الدستور عدل في سنة 1950 وخلا من إسلامية الدولة وبطاقات الهوية لم تعد تذكر الدين أو الطائفة. رغم الإصلاحات السياسية لم يتغير حال الريف السوري، بل ظل الإقطاع جاثما عليه، هكذا اندلعت ثورة الفلاحين بقيادة حوراني تطالب إصلاح زراعي حقيقي رافعة شعار : الأرض لمن يحرثها ، لكن الشيشكلي قام بانقلاب ثان عطل الحياة السياسية ولم ينجز أي شيء بخصوص الإصلاح الزراعي، وعمل على حظر جميع الأحزاب السياسية مما دفع بزعمائها إلى الفرار خارج سورية وتشكيل جبهة قوية للأحزاب المعارضة ولعل الحدث الأبرز في سنة 1953 هو الوحدة بين حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي وتسميته بحزب البعث العربي الاشتراكي. تأسس حزب البعث عام 1947 من طرف ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وتأسست فلسفة الرجلين على ثلاثة مبادئ وهي : الوحدة، الحرية، الاشتراكية، كان المفكران يريا أنه لابد من نهضة عربية تتضمن انقلابا شاملا في المجتمع السوري وعاداته وتقاليده وانبعاث إنسان جديد وبعث الأمة العربية في عقول أبنائها ووعيهم لذاتهم وبلادهم، منذ تأسيسه كان حزب البعث خافتا، لكنه كان له الكثير من الضباط الموالين له في الجيش، ففي الوقت الذي فشلت فيه الكتلة الوطنية المكونة من العديد من الأحزاب القومية والليبرالية في تسيير شؤون البلاد كانت سورية تتعرض من حين لآخر لقصف اسرائيلي وتدخل للسعودية والعراق وتركيا في شؤونها الداخلية وخاصة عندما رفضت الدخول في مشروع إيزنهاور لوقف الشيوعية، فما كان أمامها سوى الدخول في علاقة مع موسكو، لكن هذه العلاقة لم تدم طويلا بفعل الضغط الاقليمي والأمريكي، ومن ثمة وجدت سورية نفسها عرضة لتدخل القوى الأجنبية في شؤونها، على هذا الأساس بدأت المحادثات بين الجانب السوري والمصري لتشكيل الوحدة مع إصرار حزب البعث على ذلك وكان يريد وحدة فيدرالية، بينما الجانب المصري أصر على وحدة اندماجية وأيده بذلك صلاح البيطار، ولكن الرغبة المصرية كانت هي المنتصرة، فصارت سورية اقليما مصريا وتم نسف الحياة البرلمانية والأحزاب ومصادرة الصحف وحصل تواطؤ مع الملاكين الزراعيين على حساب الفلاحين وبقي الإصلاح الزراعي معطلا، ولا ننسى اختراق المخابرات المصرية للجيش السوري، لقد ظلت كل السلطات محصورة بيد الرئيس جمال عبد الناصر وأتباعه، غير أن الوجود المصري لم يدم طويلا، ففي عام 1961 حصل انقلاب قام عبد الكريم النحلاوي أطاح بالوجود المصري في سورية وتم طرد الجيش المصري، لكن النحلاوي ظل مصرا على عدم عودة الحياة البرلمانية، بالمقابل بقيت مصر من جهتها عازمة على بقاء نفوذها داخل سورية، وفي هذا الإطار حركت عناصر موالية في مدينة حلب تطالب بعودة الوحدة، بيد أن خلافا دب في عناصر الانقلاب بين البعث الذي يطالب بوحدة فيدرالية والناصريين الذين يطالبون بوحدة اندماجية، الشيء الذي جعل العمل الانقلابي يبوء بالفشل. في سنة 1963، شهدت سورية انقلابا لحزب البعث الذي جاء استمرارا لسلسلة من الانقلابات التي عرفتها سورية منذ تحقيقها للاستقلال عام 1946، إذ أنها لم تعرف استقرارا إما لدواعي خارجية أو داخلية مردها إلى تدخل الجيش في الميدان السياسي، لقد كان الكثير من الضباط مسيسين منضوين تحت أحزاب كثيرة منها حزب البعث، أما بالنسبة للذين قاموا بالانقلاب المذكور فهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد بصفته قائدا عسكريا لسلاح الجو واتفقوا على القيام بعمل انقلابي ينهي ما أسموه الحكم الانفصالي المحافظ الذي دام 18 شهرا. وكان من نتائج الانقلاب زوال الطبقة السياسية المدينية، السنية خاصة التي حكمت سورية مئات السنين، منذ أيام الأتراك وفي ظل الانتداب الفرنسي ولفترات متقطعة بعد الاستقلال عن الساحة وانتهاء دورها وأن سورية دخلت مرحلة ثورية انقلابية ستكتمل صورتها بعد سبع سنوات بهيمنة واسعة للأقليات التي تزعمت حزب البعث. تأسست فلسفة هذا الحزب عقب الوصول إلى السلطة على المزج بين القومية العربية والاشتراكية المبسطة، لقد حكم سورية منذ ذلك التاريخ بقبضة من حديد مشكلا دولة بوليسية تقيم حالة الطوارئ منذ عام 1963 وعلى نحو مماثل تماما لفكرة الأخ الأكبر، إذ على كل سوري أن يدلي ببياناته الشخصية، كما هناك رقابة شديدة على الصحف والمجلات والأنترنت ، وبالتالي تم ضرب عرض الحائط كل من الاشتراكية والحرية والوحدة باعتبارها شعارا للبعث. عقب نجاح البعث في انقلابه تم تأسيس مجلس الثورة، وكان أعضاء فيها إلى جانب العسكريين كل من عفلق والبيطار ومنصور الأطرش، غير أن هؤلاء بعد مرور سنة غادروا السلطة نظرا لقمع العسكر لمظاهرات واحتجاجات تطالب بعودة الديمقراطية، إضافة إلى تنامي الفكر اليساري داخل البعث الذي يتنافى مع قناعات المؤسسين القومية، وبالتالي تكون أحداث الشغب التي وقعت سنة 1964 دليل على حاجة الحزب إلى توجه اشتراكي، لكن من الملفت القول أن السبب وراء ذهاب عفلق إلى ألمانيا الغربية أكثر من سخطه على الاحتجاجات وإنما فشله في استرداد البعث إلى السلطة في العراق، غير أنه استدعي من جديد وعين قائدا للحزب على الرغم من فشله في أن يكون أمينا عاما، إلا أن انقلاب عام 1966 سوف يعصف بالجناح اليميني في الحزب الذي ينتمي إليه عفلق، وستصعد قوى يسارية من داخل الحزب بقيادة صلاح جديد. مع حلول حرب يونيو عام 1967 التي جرت بين الكيان الصهيوني والدول العربية شاركت سورية في هذه المعركة المصيرية، لقد كانت سورية مأوى للمقاومة الفلسطينية وكانت عنصرا داعما لها في هذه الفترة، لذلك كان الكيان الصهيوني يشن غاراته من حين لآخر على المناطق الحدودية، كانت رغبة هذا الكيان هي الاستيلاء على مصادر المياه على نهر الأردن وبحيرة الطبريا ونهر الليطاني، بل أكثر من ذلك كان ومازال يسعى لتأسيس ما يسمى باسرائيل الكبرى"، ولئن كان الكيان الصهيوني يحظى بدعم أمريكي من خلال تزويده بالسلاح، كانت سورية عرضة للصراع على السلطة بين أجنحة حزب البعث والصراع مع باقي الدول العربية، وما إعلانها على حركة التحرير الشعبية ورمي اسرائيل في البحر هي مجرد دعاية ليس إلا لقطع الطريق أمام عبد الناصر الذي تدخل في اليمن عام 1962 وتكبد خسارة فادحة ويعتبر نفسه قائدا للأمة العربية من خلال انفراده بالقضية الفلسطينية، لم تدم حرب يونيو إلا ستة أيام، استطاع فيها الكيان الصهيوني أن يسحق ثلاثة دول عربية مجتمعة وهي مصر والأردن وسورية، ففقدت مصر سيناء وفقدت الأردن الضفة الغربية وفقدت سورية الجولان ، لقد تركت هذه الهزيمة وقعا سيئا على الشعوب العربية وخاصة على المثقفين حيث أعلنوا أفول المشروع القومي واستهلاكه لجميع إمكانياته في تحرير المنطقة العربية وخاصة قضية فلسطين. بالمقابل، استمر الصراع في سورية بعد الهزيمة بين الجناح العسكري بقيادة حافظ الأسد الذي أصبح وزيرا للدفاع وصلاح جديد قائد الجناح المدني، إلا أن حافظ الأسد هو من سينتصر فيما سمي بالحركة التصحيحية عام 1970 وسيقوم بسجن جديد وسجن أكبر المعارضين المدعو الأتاسي حتى وفاته في السجن عام 1992، بل إن المطاردات والسجن والاغتيالات طالت حتى المؤسسين لحزب البعث وعلى رأسهم صلاح البيطار الذي نفي في باريس وأسس مجلة الإحياء العربي التي وجهت نقدا سافرا إلى الأسد بعد رفض هذا الأخير عودة الجناح المدني، لقد اغتيل البيطار عام 1980 وهو في خلاف مع رفيق دربه ميشيل عفلق حول الوحدة بين البعث السوري والعراقي بعد وصول هذه الأخير إلى السلطة عام 1968. ولد حافظ الأسد بقرية القرداحة عام 1930 شرق مدينة اللاذقية، ويتحدر من أصول علوية، وبالضبط من عشيرة الكلبيين، التحق بالمدرسة عام 1939، أراد أن يصير طبيبا، لكن أسرته لم يكن في مقدورها تأمين أقساط تعليمه، فالتحق عوض ذلك بسلاح الجو السوري معتبرا أن السلك العسكري سيفتح الباب أمامه لدخول المعترك السياسي، كان الأسد في 33 من عمره عندما شارك بصفته قائدا عسكريا في الانقلاب الذي أتى بالبعثيين إلى سدة الحكم عام 1963، وتم تعيينه قائدا لسلاح الجو، وبعد ذلك بسبع سنوات، تخللها انقلابان، سيطر الأسد على السلطة بعد تصفية خصومه وعين نفسه الحاكم المطلق لسوريا، ولا يشكل العلويون الذين ينتمي إليهم الأسد سوى 12 في المئة من ساكنة سورية، ولقد ظلت هذه الطائفة مستبعدة عبر تاريخ المنطقة، لذلك كان الانخراط في الجيش منذ أيام الانتداب الفرنسي فرصة للتخلص من عدوى التهميش ومواجهة الأكثرية السنية، وعلى الرغم من النضال من أجل دستور علماني لا يشترط أن يكون رئيس الدولة مسلما أو سنيا، فإن حافظ الأسد كان ملزما بالحصول على فتوى من الإمام الشيعي اللبناني موسى الصدر التي تؤكد شرعية توليه الرئاسة بوصفا مسلما، وهذه من المؤاخذات التي نؤاخذ بها حزب البعث شخصيا، كان ما يهمه حقيقة هو السلطة لا أكثر، وليس تغيير النظم الثقافية والفكرية في الوطن العربي بمعنى أن التناحر والصراع على الكراسي كان هو الهدف، وللأمانة فقد حاول الأسد عام 1973 تعديل الدستور والإقرار بعلمانية الدولة، إلا أن الاحتجاجات الرافضة عبرت عن خطأ البعث لا خطأ الجماهير لأن تعديل الدستور كان يتم التمهيد له منذ الستينات لا تنزيله في لحظة واحدة. كانت جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي تزعمت الاحتجاجات المناوئة للتعديل الدستوري، وكانت تمثل قطب المعارضة منذ تأسيسها عام 1940، وكانت لها مجلة ناطقة باسمها تسمى بالعهد، وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن قوى المعارضة السورية منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970 إلى حدود الربيع العربي 3) خريطة المعارضة السورية: قوة إسلامية متزايدة وذبول المعارضة العلمانية. منذ استقلال سورية عام 1946، كانت هناك مجموعة من الأحزاب القومية والليبرالية والإسلامية والشيوعية، بل إن الكثير منها كان له امتداد في المؤسسة العسكرية، ومن هذه الأحزاب نجد الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث والحزب العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي وحركة الإخوان المسلمين وغيرها من الأحزاب التي تتصارع على المشهد السوري عقب الاستقلال، ويمكن في هذا الصدد أن نلخص أقطاب المعارضة السورية :
أ) المعارضة العلمانية
تأسست الأحزاب العلمانية إبان الانتداب الفرنسي، وهكذا تأسس الحزب الشيوعي السوري من طرف خالد بكداش سنة 1924، كان الحزب الشيوعي مناهضا للانتداب الفرنسي، إذ كان يقف وراء المظاهرات العمالية وتدبيج البيانات السياسية بلغة قانونية وأدبية لا تخلو من إيحاءات يسارية أوروبية، تغير موقفه كثيرا من اسرائيل واعتبرها صناعة امبريالية بالرغم من ضبابية موقفه من التقسيم عام 1947، ظل الحزب الشيوعي في صف المعارضة وظل حزبا محظورا بعد الاستقلال اللهم فترة خاطفة بعد انقلاب 1966، ووصول الجناح اليساري في حزب البعث إلى السلطة، وخلال الربيع العربي كان حضوره خافتا، بالمقابل نجد الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تأسس عام 1932 من طرف أنطون سعادة ويتأسس الحزب على الشعار التالي : سورية وطن السوريين، سورية أمة تامة"، من أهم المبادىء التي تأسس عليها هذا الحزب فصل الدين عن الدولة وتحجيم دور رجال الدين وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، ناضل هذا الحزب من أجل استقلال سورية ولكن تعرض للمضايقات والمحاكمات إبان الانتداب الفرنسي، وشاركت فرقته الزوبعة الحمراء ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبعد اغتيال زعيمه عام 49 شارك في الحياة السياسية والبرلمانية في سورية إلى حدود سنة 1955 إثر مقتل نائب رئيس أركان الجيش السوري عدنان المالكي، وظل الحزب مستبعدا حتى سنة 2005، غير أن المحكمة العسكرية السورية سوف تبرئ الحزب من التهمة سنة 2010، لكن الملفت القول أن الحزب المذكور منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة قام هذا الأخير بإطلاق سراح الكثير من المعتقلين السياسيين المنتمين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان يحيط به مستشارون من الحزب السوري القومي، إن هذه الصلة أو القرابة بين الحزب السوري القومي الاجتماعي عائلة الأسد نجدها ساطعة بعد الثورة السورية عام 2011، إذ دافع هذا الحزب عن نظام الأسد، فرئيس الحزب أسعد حردان أكد وقوفه مع النظام ورفضه للجامعة العربية التي لم تقف على الحياد في نظره وتدخلت في شؤون سورية الداخلية، هكذا يظهر لنا أن الأحزاب العلمانية عموما لم يكن لها حضورا وازنا في رفض نظام بشار البعثي الذي لم يكن ديمقراطيا، بل كان قمعيا ومحتكرا للسلطة السياسية، إذ ظل قانون الطوارئ معمولا به منذ سنة 1963 رغم التفاؤل الذي رافق ربيع دمشق عقب وصول بشار الأسد إلى الحكم عام 2000، لكن مع تصاعد الاحتجاجات في مارس عام 2011 ضد النظام أعلنت بثينة شعبان مستشارة الرئيس الأسد إلغاء قانون الطوارئ، غير أن هذا القانون سرعان ما ظل ساريا بعد تنامي الاحتجاجات وتحولها إلى العنف، ومع ذلك حتى لو كانت الأحزاب العلمانية ذات دور باهت في سبيل دمقراطة الحياة السياسية، فإنه تشرين الأول عام 2011 تشكلت هيئة سياسية تحت اسم المجلس الوطني السوري أخذت على عاتقها تعبئة الشعب لمواجهة بشار، ولكن هذه لا تحوي قوى علمانية وحسب، بل قوى إسلامية كانت تقاوم النظام منذ الثمانينات ويتعلق الأمر بجماعة الإخوان المسلمين بجناحيها المعتدل والمتطرف. ب) المعارضة الإسلامية
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في سورية عام 1940 من طرف طلاب سوريين أزهريين كانوا في ارتباط مع الحركة الأم التي أسسها حسن البنا عام 1928 بمصر، ويعتبر مصطفى السباعي أحد المؤسسين وأول مراقب لهذه المنظمة في الفترة الممتدة بين 1946 و1964، وفي هذا التاريخ تعرضت للحظر والمنع، لكنها بقيت المعارضة السياسية الأكثر فعالية لحزب البعث وتأكد ذلك حينما اندلع تمرد متفرق في أنحاء سورية في سنة 1976 واستمر لنحو ستة أعوام. وقاد هذا التمرد الجناح المتطرف في حركة الإخوان المسلمين التي انقسمت سنة 1972 إلى جناح معتدل بقيادة عصام العطار وجناح آخر متشدد بزعامة عبد الفتاح أبو غدة حيث خاض مواجهات عنيفة ضد البعث خلال الثمانينات. انبثق من الجناح المتطرف لجماعة الإخوان المسلمين جماعة إسلامية جديدة تسمى بالطليعة المقاتلة بقيادة مروان حديد الذي كان قد تلقى تدريبات عسكرية في مخيمات لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأردن وكانت لهذه الجماعة خلايا في دمشق وحلب وحماة وكانت تمول من جماعة الإخوان المسلمين وصارت بمثابة جناحها العسكري، وفي سنة 1979 قامت الجماعة بهجمات ومحاولات اغتيال متكررة وما إن وصلت سنة 1981 قتلت الجماعة ما يزيد عن 300 شخص، وفي يونيو 1980 حاول مسلحون من الطليعة المقاتلة اغتيال حافظ الأسد، الشيء الذي جعل النظام يقتل 1152 سجينا إسلاميا في سجن تدمر مطلقا النار عليهم من أسطح السجن عندما كانوا متجمعين في باحته. على ضوء المواجهة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، صار الانتماء إليها جريمة يعاقب عليها القانون بالإعدام، لكن هذا لم يثني جماعة الطليعة المقاتلة من شن هجمات استهدفت منشآت حكومية ومقرات للشرطة ومبان تابعة لحزب البعث واستخدمت هذه الهجمات سيارات مفخخة، وفي سنة 1982 قادت جماعة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة تمردا ضخما في حماة وسيطرتا على هذه المدينة التي يقطنها قرابة 250 ألف شخص، ورد حافظ الأسد وشقيقه رفعت باستخدام أكبر قوة ممكنة لقمع التمرد، فتم قصف المدينة بلا هوادة على مدى ثلاثة أسابيع إلى أن استسلمت جماعة الإخوان المسلمين وهو العمل نفسه الذي قام به بشار الأسد في فبراير ومارس عام 2012، وقتل في قصف حماة ما يناهز 20 ألف شخص وحمل النظام المسؤولية لجماعة الأخوان المسلمين بدل أن يمارس النقد الذاتي في تقصيره في تدبير شؤون البلاد، وبعد مذبحة حماة تم سجن 30 ألف من قادة وأعضاء جماعة الإخوان، وبذلك انتهى الوجود الرسمي لأي جماعة إسلامية داخل سورية لقرابة العقدين من الزمن. عندما تم استئصال جماعة الإخوان المسلمين من سورية، انتقلت الجماعة إلى المنفى سواء أتعلق الأمر بجناحها المعتدل أو المتطرف، لقد كان من بين أعضائها عام 1980 شابا في الواحدة والعشرين من عمره يدعى مصطفى بن عبد القادر ست مريم، المعروف بكنية "أبومصعب السوري"والذي سيصبح لاحقا أحد أبرز المفكرين والاستراتيجيين لتنظيم القاعدة، ويحكي في هذا الإطار المفكر عبد الباري عطوان أن أبي مصعب سيصبح هو وأبو مصعب الزرقاوي "العرابين الروحيين " لتنظيم الدولة الإسلامية التي تسمى اختصارا بداعش حيث اضطر بعد أحداث حماة اللجوء إلى الأردن، ويسرد عبد الباري عطوان أنه التقاه في جبال تورابورا وسجن في باكستان عام 2005، وأرسل إلى سورية قبل الثورة ودخل السجن عام 2011. عند اندلاع انتفاضة الشعب السوري عام 2011، سوف تعاود جماعة الإخوان المسلمين الظهور داخل المشهد السياسي السوري، لكن بمسميات أخرى، فهذه الجماعة تحمل صبغة عالمية، ففي صراعها مع الأسد خلال الثمانينات كان لها ارتباط بالتنظيم العالمي للجماعة، لقد شارك العديد من أنصارها ضمن العرب الأفغان الذين قاتلوا السوفيات في أفغانستان منذ سنة 1979، ولكن بعد قضاء مهمتهم هناك، انخرط العديد من أعضائها داخل تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الذي أعلن الجهاد العالمي ضد أمريكا، لذلك سوف يشارك الكثير من المقاتلين السوريين إلى جانب القاعدة بعد سقوط نظام صدام عام 2003، ويحكي عبد الباري عطوان أنه عندما وصل أبو مصعب الزرقاوي إلى شمال العراق عام 2002، كان برفقته عدد من الجهاديين السوريين الذين ساعدوه على إنشاء شبكة من الخلايا النائمة في سورية ولبنان، مع رصد حدود سورية التي يمكن من خلالها تهريب البشر والمؤن والأسلحة خصوصا مع تصاعد التمرد ضد الاحتلال الأمريكي للعراق حيث التحق العديد من السوريين في صفوف المقاومة، ولم يعد هؤلاء إلا مع بدء الثورة عام 2011. ظهرت المعارضة السورية المسلحة خلال الأشهر 12 إلى 18 الأولى من بدء الثورة، واتسمت منذ البداية بالفوضى والتعقيد، إذ احتوت بين طياتها ما يناهز ألف مجموعة مسلحة مختلفة ومئة ألف مقاتل، هذه المجموعات تبقى صغيرة الحجم، لكن الكثير منها لديه ارتباطات مع جماعات أخرى، بيد أن الكثير منها سارع إلى تأييد أقوي الجماعتين الجهاديتين في المعارضة هما : الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، الأولى تشكلت على أنقاض الجيش العراقي المنحل سنة 2003 بعد الغزو الأمريكي وشكلت دولة تضم جزءا من العراق وسورية وكسرت حدود سايكس بيكو، ويرأسها زعيم يدعى بأبي بكر البغدادي وتملك كل مقومات الدولة من شعب و أرض وحدود وإقليم واستقلالية مادية وجيش، أما الثانية فهي فصيل من المعارضة تابع لتنظيم القاعدة العالمي الذي يتزعمه أيمن الظواهري وكان هذا الفصيل في صراع دائم مع الدولة الإسلامية، إذ رفض تقديم الولاء للبغدادي بعد ظهوره العلني في رمضان من 2014 يدعو فيها المسلمين إلى النفير نحو العراق والشام وتقديم البيعة له، لأن تنظيم القاعدة يعتبر أن الشروط لم تنضج بعد في سبيل تشكيل دولة إسلامية، فميزان القوى غير متكافئ، لذلك لابد من الكر والفر، ومصير الدولة الإسلامية لن يختلف عن دولة طالبان التي قضت سنوات قليلة، سرعان ما قصفها الجيش الأمريكي، و فيما يلي نبذة عن أبرز الجماعات المسلحة في المعارضة : - الجيش السوري الحر: تأسس هذا الجيش في يوليوز 2011 على أيدي منشقين من الجيش النظامي ومتطوعين ويترأسه أحمد طعمة وهو معارض في المنفى، بينما يرأسه على الأرض اللواء سليم إدريس، ويمثل الجيش الحر المعارضة المعتدلة، غير أنه مشكلته أنه بقي مفككا، وانفصلت عنه عناصر كثيرة وإن ظل البعض مرتبطا بها مثل لواء شهداء سورية ولواء أحرار سورية، لكن في سنة 2014 سجلت حالات فساد داخل الجيش الحر. والملاحظ أن هناك معارضة علمانية ضئيلة داخل الجيش يصل عددها إلى 2000 مقاتل. - الجبهة الإسلامية: تكونت في نونبر عام 2013 من قبل السعودية خوفا من تنامي داعش والنصرة وضمت 45 ألف مقاتل بعد انضمام مجموعات إليها، وهي : حركة أحرار الشام الإسلامية، لواء الحق، جيش الإسلام، صقور الشام، لواء التوحيد، والجبهة الإسلامية الكردية، كان الغرض من تأسيس وجمع هذه الفصائل التأكيد أن هناك جماعات إسلامية معتدلة تقارع نظام الأسد. في يوليوز 2012 قام فصيل لواء الإسلام بقتل زوج أخت الأسد آصف شوكت.
4) علاقات سورية الخارجية والرد الدولي
منذ استقلال سورية عام 1946 من الانتداب الفرنسي كانت دائما في المحور المعاكس للامبريالية الأمريكية، بل تميزت سورية عن بقية الدول العربية بارتباطاتها الخارجية المميزة وبالأخص مع القوتين العالمتين الاتحاد السوفياتي (روسيا حاليا) والصين، والقوة الاقليمية إيران، ما جعل من الصعوبة بمكان إيجاد حل سياسي أو عسكري للأزمة السورية، ومنذ تشكيل اسرائيل كانت سورية إلى جانب القضية الفلسطينية وخاضت حروبا ضد الكيان الصهيوني عام 1967 وعام 1973 وفقدت هضبة الجولان، أما بالنسبة لعلاقتها مع جيرانها العرب، فقد شكلت الوحدة مع مصر عام 1957 وتدخلت عام 1976 في قوة الردع العربية للقضاء على الحرب الأهلية في لبنان، وفي الوقت الذي زار توني بلير سورية عام 2001 لم يتمكن من إقناع الأسد بالالتحاق بالحرب ضد الإرهاب، الشيء الذي جعل بوش عام 2002 يصف سورية بمحور الشر، ووجه تهديدا إذا لم تكف عن دعم حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، لكن خلال ثورة الشعب السوري ضد الأسد عام 2011، ومع تنامي جبهة النصرة وداعش في السيطرة على مساحة واسعة من أراضي سورية، دخل حزب الله إلى القتال إلى جانب نظام الأسد، فتوترت العلاقة أكثر مع اسرائيل خصوصا حينما حصلت على صواريخ روسية من طراز إس300 المضادة للطائرات، والأنكى من ذلك أن الجماعات الإسلامية المناهضة للأسد تسيطر على المناطق المتاخمة للجولان المحتل، الأمر الذي يهدد الكيان الصهيوني. في الوقت الذي تحولت فيه سورية من ثورة إلى حرب أهلية، حار المجتمع الدولي في دراسة الوضع في سورية، لقد اعتقد الثوار أنه مباشرة بعد قمع انتفاضتهم أن الغرب سيقوم بتدخل عسكري ضد الأسد مثلما حصل في ليبيا والعراق، لكن سورية كان لها حلفاء من الوزن الثقيل مثل روسيا والصين وإيران وحزب الله، فروسيا باعتبارها عضوا في الأمم المتحدة لها أسطول بحري في مرفأ طرطوس السوري، في حين إيران وحزب الله وقفا بدورهما مع الأسد لأسباب مذهبية لأن الأقلية العلوية متفرعة من الشيعة. لذلك فروسيا استخدمت حق النقض الفيتو ضد أي مشروع مناوئ لممارسات الأسد في سورية، أما علاقات هذه مع الغرب : ففي أبريل 2012 كان على الاتحاد الأوروبي أن يرفع الحظر على صادرات النفط من سورية، لأنه أراد أن يشتري النفط مباشرة من الفصائل المعارضة. ردا على الفيتو الروسي والصيني، تم تشكيل هيئة دولية بديلة تأخذ قرارا بالشأن السوري، وسميت هذه الهيئة " بمجموعة أصدقاء سورية" تحت إشراف وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون، واعتبرت أن الائتلاف الوطني السوري هو الممثل الشرعي والمعترف به دوليا للمعارضة السورية، لقد حضرت أكثر من 70 دولة في اللقاء الأول بتونس يوم 24 فبراير 2012، وفي اللقاء الثاني باسطنبول، ثم لقاء باريس ومراكش وصل عدد الدول المشاركة إلى 114 دولة. لكن بعد شهرين تناقص عدد دول المجموعة، ولم تحضر سوى 11 دولة برئاسة وزير الخارجية البريطاني آنذاك ويليام هيغ نظرا للانشقاقات في صفوفها بشأن المساعدة التي يجب أن تقدم للمعارضة السورية، والتي تراوحت بين القيام بالاجتياح الشامل وإزالة الأسد، أو تزويد المعارضين بأسلحة نوعية، أو الاكتفاء بأسلحة غير فتاكة، وخير مثال على الانقسام الحاصل في مجموعة أصدقاء سورية هو انسحاب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل محتجا أنه لا يتم تقديم ما يكفي لمنع الأسد من قتل شعبه، سرعان ما تلخص الصراع في لقاء مراكش حول تغيير اسم : "أصدقاء الشعب السوري"، لذلك انسحب الكثير بسبب الاحباط. هكذا إذا أردنا أن نفهم الدول التي اصطفت ضد الأسد، فهناك أمريكا، وابريطانيا أوروبا وتركيا ودول الكتلة السنية ودول الخليج ومصر والأردن، في حين الدول المؤيدة للأسد نجد إيران والصين وروسيا وحزب الله، لقد قامت روسيا بتسليح نظام بشار الأسد، أما إيران فقد زودته بالصواريخ ومضادات الدروع والقذائف الصاروخية والمدفعية التي يتم غالبا تهريبها في طائرات تجارية وفي شاحنات، بالمقابل لم تقم أمريكا وبريطانيا وفرنسا سوى بتقديم شحنات محدودة من الأسلحة الخفيفة، أما السعودية فقد أرسلت طائرات سلاح الجو الملكي السعودي لنقل شحنات أسلحة تتضمن صواريخ وقاذفات وأنفقت خمسة بلايين دولار على تسليح ودعم المعارضة السورية مثلما فعلت من قبل مع المجاهدين في أفغانستان، في حين قطر شحنت جوا أسلحة إلى تركيا من أجل توزيعها على الثوار السوريين في يناير 2012، غير أن هذه الدول مع حلول 2013 وجدت نفسها تدعم جماعات متطرفة بشكل علني وخاصة مع تنامي وتمدد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي كشفت الدراسات أن الشعب السعودي يتعاطف معها بما يناهز 92 في المئة، والأمير بندر بن سلطان كان يدعم كل الجماعات الإسلامية في سورية من أجل التسريع في إسقاط الأسد. كانت الدول المؤيدة للمعارضة السورية في صراع مرير مع بعضها، لقد كان هناك تعويل على أمريكا للتدخل عسكريا ضد الأسد، في 2013 أعطى باراك أوباما وعودا بذلك شريطة إذا استخدم الأسد أسلحة كيماوية ضد شعبه، لكن الأسد سيستعمل أسلحة كيماوية في الغوطة دون أن يتحرك أحد، بيد أنه في قمة العشرين في بترسبورغ وافق أوباما على اقتراح روسي بانضمام سورية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيمائية وموافقتها على التخلص من كل ترسانتها من هذه الأسلحة، هذا التقارب الروسي الأمريكي أثار قلقا سعوديا كبيرا خصوصا الاتصال الهاتفي الذي أجراه أوباما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، الشيء الذي دفع السعودية إلى الانسحاب من العضوية غير المباشرة في مجلس الأمن التي تدوم سنتين، والملفت أن السعودية وقطر احتكرتا جامعة الدول العربية وأصبحت تتبنى قرارا مناوئا لنظام الأسد، مع العلم أنه في أحد بنود الجامعة ما ينص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وهذا ما جعل الأخضر الابراهيمي يقبل أن يكون مفاوضا باسم الأمم المتحدة لا جامعة الدول العربية. منذ بداية الثورة السورية على الأرض لم تحقق أي من الأطراف المتصارعة انتصارا واضحا، لكن الملفت هو صمود نظام الأسد بالمقارنة مع الأنظمة التي سقطت في دول عربية أخرى، هكذا عقدت مجموعة من الاتفاقات مثل جنيف 1 وجنيف 2 بحضور للدول المعارضة للأسد ورفضها لحضور إيران، مع العلم أنها عنصر فاعل في الصراع، بيد أنها ما يثير أكثر في المرحلة هو ظهور الدولة الإسلامية التي استحوذت على أراضي واسعة وراحت تطبق الشريعة الإسلامية بتطبيق الحدود من رجم وجلد وقطع الرؤوس، وهذا جعل الكثير من الدول تراجع موقفها اتجاه الأسد كتركيا وأمريكا، ولا ننسى أيضا التدخل الروسي في سورية الذي جاء لمساعدة الأسد في الوقت الذي تمددت فيه الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من سورية.
5) سورية من الثورة إلى الحرب الأهلية : من ثورة الشباب من أجل الحرية والكرامة والعدالة إلى قطع الرؤوس !
إذا كانت الثورتان التونسية والمصرية قد وصلتا إلى هدفهما في غضون أسابيع بإسقاط بن علي ومبارك، وفي ليبيا واليمن استغرقت الثورة أقل من سنة من أجل الإطاحة بالقذافي وعلي صالح، فإنه في سورية مازال بشار الأسد زعيما للبلاد إلى الآن رغم الاحتجاجات الصاخبة والقوية التي انطلقت في العديد من المدن السورية منذ سنة 2011، انبثقت أولى مؤشرات التمرد في سورية في يناير وفبراير سنة 2011 كرد فعل على موجات الاضطرابات التي تجتاح المنطقة، ودعت مجموعة من الناشطين إلى يوم غضب عبر صفحات الفايسبوك إسوة بالشباب التونسي المتمرد الذي أطاح ببن علي، لقد رفع هؤلاء المحتجون شعار الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية وهي شعارات ثورية تدعو إلى القطيعة مع حكم البعث الاستبدادي الذي حول الإنسان إلى دمية لا قيمة له، إن الكرامة تتضمن انتصارا للمواطنة التي لم يلمسها المواطن السوري منذ الاستقلال، لقد كان آخر ما تفكر فيه الدولة هو الإنسان السوري، بل تحولت مؤسسات الدولة إلى حلبة للصراع بين السياسيين والعسكريين حول اقتسام خيرات البلاد وما يبرر ذلك هو كثرة الانقلابات العسكرية والتناحر بين السياسيين، والأنكى من ذلك لم يتذوق المواطن السوري الحرية، كان يعيش دائما الرهاب من كل كلمة يتفوه بها أو سلوك يقوم به، لقد كان ينتابه الخوف من كل شيء معتقدا أن للجدران آذان وخير دليل على ذلك قانون الطوارئ الذي لازال ساريا إلى الآن، فإذا قال المرء أي شيء أو كتب أو نشر مقالا مناوئا للنظام يتم الزج في السجن دون محاكمات، يقول أدونيس : " الكلمة تعامل كجريمة قانونية في العالم العربي وهذا غير معقول، مع العلم أن الله أصغى إلى عدوه إبليس رغم أنه رفض أن يطيعه " لكن في المجتمع السوري الذي ينتمي إليه علي أحمد سعيد لا يمكن للسوري أن يعبر ويكتب بكل حرية، فكل شيء مراقب وممنوع من قبل أجهزة الرقابة التي تتابع كل شيء، فتصادر الحريات وتزج بالأفراد نحو السجون، بالإضافة إلى ذلك خرج السوريون من أجل العدالة الاجتماعية، فكما رأينا سابقا عجزت جميع الحكومات والأحزاب التي تبوأت السلطة في تحقيق الإصلاح الزراعي أو تحسين أوضاع العمال، بل كان الرهان الأساسي هو التعطش للسلطة وشن الانقلابات وزرع الدسائس السياسية بين الأحنجة العسكرية لحزب البعث عقب وصوله إلى السلطة سنة 1963، لم يتحسن أي شيء في التعليم و الصحة والخدمات، وفي هذا الإطار يقول صادق جلال العظم: "مع حافظ الأسد وبشار كانت برجوازية دولة. ولولا الدولة، لما استطاعت البرجوازية الجديدة المتمثلة برامي مخلوف وأشباهه تجميع ثرواتهم ومراكمة رأس المال "، نفهم من كلام العظم أن البعث على الرغم انقلاب جناحه اليساري عام 1966 ورفعه لشعار العدالة الاجتماعية، فلم يحقق شيئا على الأرض، بل حتى شعارات جناحه اليميني التي تقوم على الوحدة والحرية والاشتراكية لم يطبق منها شيئا، ومن ثمة استحوذت بورجوازية الدولة على خيرات البلاد. في الوقت الذي استفحلت فيه أوضاع الشعب السوري وطبقاته المهمشة، قام السوريون بانتفاضات مدنية في مارس 2011، وتم اعتقال 15 طالبا وتعذيبهم في درعا بسبب كتاباتهم عبارات سياسية على الجدران تقول : " الشعب يريد إسقاط النظام "، وعندما ظهرت احتجاجات على توقيفهم، ردت قوات الأمن بقتل عشرات المحتجين، وسرعان ما تمددت الاحتجاجات إلى مدن أخرى كبانياس وحمص وبعض الضواحي في دمشق، وقدمت للمسؤولين المحليين لوائح بمطالب يرفعها المحتجون، لكن الحكومة المركزية تجاهلتها، لم يتم تفهم هذه المطالب، بل لوح النظام بوجود مؤامرة خارجية وهي يافطة يلجأ إليها لتأبيد الاستبداد السياسي داخل البلاد، فماذا تحقق للمواطن السوري منذ الاستقلال ؟؟ وعلى الرغم من عدم استجابة النظام للمطالب، خرجت تظاهرات ضخمة عقب صلاة الجمعة في 18 من مارس عام 2011، واستخدمت قوات القمع الغازات المسيلة للدموع، لكنها سرعان ما بدأت تستخدم أعيرة نارية، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن عشرين شخصا، وأمام القمع المتزايد أقدم المحتجون على حرق مقر قيادة حزب البعث في مدينة درعا، وفي 25 من مارس شهد أكبر التظاهرات على الإطلاق وامتدت عبر كامل سورية، وقتل 79 شخصا وجرح المئات على أيدي قوات الأمن المسلحة تسليحا ثقيلا وشرطة مكافحة الشغب التي لجأت إلى ضرب المحتجين علنا، بيد أن هذا لم يثني المحتجين على مواصلة الاحتجاج، يقول برهان غليون: " بعد أربع سنوات من الاجرام المنظم والقتل الهمجي في ساحات المعارك والسجون والأحياء، وبكل الأسلحة والبراميل، ها هو يجد نفسه في طريق مسدود، فالشعب الذي دمرت حياته لا يزال غير عابئ بالتضحيات، وعلى استعداد متجدد للقتال حتى إسقاط الطاغية ودفن الطغيان، والدول التي أراد ترويعها بالتحكم بآلة الإرهاب ترفض كليا شراء خدماته في مكافحته"، يتضح من خلال كلام غليون أن الشعب بالرغم من القمع الذي طاله، فهو مستعد للاستمرار في المعركة حتى إسقاط النظام، لكن هذا الأخير بدوره أكثر تمسكا ببقائه، وبقمعه للقوى المحتجة، وهكذا مع تمدد المظاهرات في بدايتها قام نظام الأسد باعتقال كل من يشتبه في أن له نشاطا سياسيا وتم توقيف عشرات الآلاف وسمح للشرطة بسجن أي شخص مشتبه فيه لمدة ثمانية أيام بدون توجيه تهمة له أو إصدار مذكرة اعتقال. في أبريل 2011، حاول الشباب السوري الاستمرار في نضالهم السلمي بنصب خيام كما فعل الشباب المصري في ساحة التحرير، لكن قوات الأمن منعتهم، وتم نصب حواجز تحول دون انتقالهم إلى مدن أخرى، لكن ذلك لم يمنع احتجاجاتهم التي كانت سلمية ومدنية، والفيديو الذي أشرنا إليه من قبل يوضح أن الشعب السوري خرج يطالب بمدنية الدولة السورية تتسع لجميع الطوائف، لا الطائفة العلوية التي بترت العلمانية من كل مبادئها، فهذه الأخيرة لا تعني التسامح بين الأديان، بل تعني المساواة بين المواطنين بغض النظر عن دينهم، إن التسامح يتضمن منطقا استعلائيا كما يشير أدونيس، وفي ظل تواصل الاحتجاجات المناهضة للأسد، أصدر هذا الأخير حزمة من التنازلات، لكن جاءت متأخرة، فأفرج عن أعداد من السجناء السياسيين ورفع حالة الطوارئ التي كانت سارية منذ 48 سنة، مع الزيادة في رواتب الموظفين، والترخيص بتأسيس الأحزاب السياسية حتى لو بقي في الدستور أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، كما سمح أيضا بالحق في الاحتجاج السلمي، بيد أن كل هذه التنازلات كانت متأخرة، بل إن الكثير من المفرج عنهم انضموا إلى الاحتجاجات، ففي 25 من أبريل توجهت المظاهرات نحو الأسوأ لما نشر ستة آلاف جندي لفرض الحصار على درعا، وما تضمن من اقتحام البيوت واعتقال المشاركين في الاحتجاجات، وانتشار القناصة على أسطح المنازل والدبابات على الشوارع، إضافة إلى قطع الماء والكهرباء وخطوط الهاتف، فقتلت المئات سواء في درعا أو مدن أخرى كبانياس حمص، وبحلول ماي قتل ما يزيد عن ألف شخص. مع تنامي الاحتجاجات، وتزايد القمع حصلت انشقاقات في صفوف الجيش السوري في يوليوز 2011، وتم الإعلان عن ظهور الجيش السوري الحر، وانضم إليه متطوعون عديمو الخبرة في القتال، لكن مع حلول دجنبر ارتفع عدد الجيش الحر إلى 20 ألفا، قبل أن يصل إلى 50 ألفا في السنتين اللاحقتين، غير أن الجيش ظل متماسكا رغم الانشقاقات التي حصلت في صفوف جيشه، كما ظل أكثر ولاء وإيمانا بعقيدة البعث، ومزودا بقوة جوية وأسلحة متطورة عكس جيش القذافي الذي تفكك بسرعة، هكذا يظهر لنا المآل الذي نحت نحوه الثورة السورية من شعارات مدنية وعلمانية تدافع عن الحرية والعدالة والكرامة إلى حرب أهلية بين جيش نظامي تأسس مع فجر الاستقلال، وجيش من الضباط المنشقين الذي سيكون مقدمة لظهور فصائل معارضة إسلامية ترعاها قوى إقليمية وعالمية التي سينخرط فيها العديد من السجناء الإسلاميين الذين اعتقلهم نظام الأسد منذ الثمانينات، وسوف يشكلون فصائل دينية تضرب عرض الحائط مبادئ الدولة المدنية التي ترتكز على العدالة والحرية والعقد الاجتماعي والكرامة والمواطنية، ففي يونيو 2014 حققت داعش انتصارات متتالية على النظام السوري وأعلنت قيام الخلافة الإسلامية بعد استحواذها على مساحات واسعة من أراضي العراق وسورية، لقد أشرنا من قبل أن داعش تشكلت نواتها الأولى في العراق، ومع بداية الثورة السورية انضم إليها مقاتلون سوريون يقاتلون النظام خصوصا مع عدم تمكن نظام الأسد من بسط سيادته على كافة الأراضي السورية، وشرعت داعش في تطبيق الشريعة الإسلامية وبثت شرائط الفيديو لبث التوحش والرعب كاستراتيجية ترغم العدو على الفرار مثلما حصل للجيش العراقي الذي فر من مدينة الموصل عام 2014، وترك المدينة بيد الدواعش، لقد طبقوا الحدود على الأقلية الايزيدية، إذ سبوا نساءها وقتلوا رجالها، إضافة إلى قطع اليدين ورجم النساء وقطع الرؤوس والحرق والصلب والإعدامات الميدانية، وتحطيم التراث العراقي وما يتضمن من منحوتاث، هذه الممارسات هي تطبيق حرفي للحدود الإسلامية المنصوص عليها دينيا، يقول صادق جلال العظم في هذا الصدد : "داعش وضع الفكر الإسلامي، إن كان سنياً أم شيعياً أمام امتحان حقيقي، بمعنى النصوص التي يستند إليها داعش، هي نصوص القرآن. مثلاً اسأل شيخ الأزهر عن العبودية: هل هي حلال أم حرام؟ لن يستطيع تحريمها، سيلف ويدور. موضوع السبي، داعش يسبي، اسأل أيضاً عن هذا الموضوع، إن كان حلالاً أم حراماً ما حكمه الآن؟ سيلف ويدور أيضاً لأن النبي كان لديه سبايا. موضوع العقوبات، عندما أحرق داعش الطيار الأردني غطوها بآية من القرآن، آية الحرابة، الطريف في الموضوع، أن الأزهر الذي دان حرق الكساسبة استخدم الآية نفسها ليعاقب داعش بها؛ من أحرق الكساسبة جزاؤه الصلب والحرق والتقطيع. عدا عن ذلك، في كل ما قيل عن داعش لم يخرج أحدٌد من المفتين ليقول إن الصلب ممنوع في هذه الأيام. انظر إلى المناهج التي تدرّس في كلية الشريعة أو في الأزهر، ستجد المستند النظري لما يقوم به داعش الآن ولما قامت به طالبان سابقاً عندما هدمت تماثيل بوذا على اعتبار أنها أصنام" ، نفهم من كلام العظم أن داعش تعري حقيقة التراث الديني ونظمه التعليمية في الأزهر، وفي عموم المدارس المنتشرة في العالم العربي، داعش ليست إنتاجا غربيا، بل إن ممارساتها كانت حاضرة عبر التاريخ الإسلامي منذ غزاوات النبي وصراعات الخلفاء على السلطة، ثم إن الحدود والشرائع المعيبة التي تمارسها داعش طبقت عبر التاريخ الإسلامي حتى لو تبرأ منها السياسيون والإسلاميون، بل إن كل الحدود موجودة في القرآن والحديث وفي سير النبي والخلفاء، هذا ما جعل الثورات العربية تنزاح إلى الحروب الدينية والأهلية ويسيطر عليها الإسلاميون، لأن عموم العرب إسلاميون بالقوة، الشيء الذي دفع المفكر السوري هاشم صالح إلى القول في كتابه الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ أن فهم تاريخ العرب يجب أن يكون هيغليا، والتاريخ الهيغلي يمشي على الجثث، هكذا هو مصير العرب، فلكي تنقشع الحرية لابد من الدماء، فالتاريخ يسير وراء ظهور البشر، وفي كل خطوة درس، فما هي هذه الدروس التي يمكن أن نستفيد منها من الثورة السورية أو من تاريخ سورية المعاصر ؟
6) على سبيل الختام : لماذا فشلت الثورة السورية حتى الآن ؟ جلسة مع أدونيس!
في رسالة وجهها إلى الشاعر المغربي صلاح بوسريف، يعطي المفكر أدونيس انطباعات وملاحظات حول الثورة السورية ومآلاتها ونتائجها، ففي البداية أبدى تفاؤله بخصوص الثورة الشبابية في بدايتها، ولكنه أبدى ريبته من الحركات الأصولية واصفا إياها إلا تنويعا على القديم، غير أنه أكد أن جميع الثورات التي حصلت في العالم العربي قادها شباب متحمس وكابد واستشهد في سبيل الحرية والعدالة والكرامة، ولم يطلقها الإسلاميون ولكنهم استولوا عليها بحكم قوتهم العددية ومتانة تنظيمهم، إلا أن أدونيس يلفت أن الإسلاميين هم مواطنون، لكن لا يجوز لهم مصادرة الثورة باسم الدين أو باسم الاقتراع، ويقول أدونيس هنا أنه لا يجب أن ننس أن الإسلاميين يتوقون الرجوع إلى ماض هو مناف تماما للحاضر والمستقبل، ضد العقلنة، ضد التنوع وحق الإنسان في اختياراته ومعتقداته. هذا أولا، في النقطة الثانية، يعتبر أدونيس أن استخدام الدين في السياسة هو نوع من العنف ضد الإنسان، فالفاشية الدينية في نظره لا تقل هولا عن الفاشية العسكرية، لأن استبدادها أكثر شمولا وتقضي على الحميم الكياني المتفتح والمستقبلي في الإنسان، وبالتالي لكي تحصل ثورة حقيقية في العالم العربي يقتضي خمسة أمور وهي : يجب الفصل الكامل بين الدين والدولة دون إنكار ما في الدين من قيم إنسانية، ويعتبر أدونيس أن المزج بين الدين والدنيا هو أصل المشاكل في العالم العربي وسوف يقودنا من طغيان إلى طغيان، ومن نير إلى نير، لا ينبغي التنصيص على دين رئيس الدولة، يجب تطبيق العلمانية الكاملة والقضاء على الانتماء المذهبي والطائفي ويصير أبناء المجتمع مواطنين كاملي المواطنة ودون هذا سيصير هناك إخلال صريح بالمواطنة وتناقض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم يجب أن يكون للفرد الحق في الإيمان بالدين الذي يشاء وحقه كذلك في اللاتدين ويجب احترام هذا الحق وصونه قانونيا، إضافة إلى ذلك يجب تحرير المرأة من أحكام الشرع الديني بحيث تتساوى مع الرجل تساويا كاملا. لكن هل تحققت هذه الشروط في الثورة السورية ؟ يرى أن أدونيس في النقطة الثالثة أن هذه الشروط لم تكن حاضرة في الثورات العربية وخاصة الثورة السورية، لقد هيمنت الحركات الأصولية وشوهت الثورة حولتها إلى صراعات مذهبية وإثنية كما حصل في التاريخ منذ 14 قرنا ووقفت حاجزا في وجه التحرر والتقدم وارتكزت على التخوين وشيطنة الآخرين، فما كان منه إلا أن طرح هذا السؤال في صيغة جواب : " ما بال هؤلاء الثوّار العرب، ثوّار القرن الحادي والعشرين، لا يحتملون رأياً مختلفاً حتى لو كان في النتيجة، في المنحى الثوريّ نفسه، وذلك قبل وصولهم إلى السلطة! وما لهم يمارسون تخوين بعضهم بعضاً، ويمارسون الطغيان بعضهم على بعض، كمثل أصحاب الأنظمة التي يثورون عليها؟ فلا حوار، ولا تعدد، بل لونٌ واحدٌ ملزِمٌ ومفروض ـ كما هي الحال في الأنظمة. إنهم في ذلك يبتذلون الثورة، ويشوّهونها، ويحوّلونها إلى مجموعة من العصبيّات والثارات والكراهيّات والانحرافات، حتى أنهم يرون التعامل مع الأجنبيّ وطنيّة، والعنف المسلّح ضدّ مواطنيهم واجباً وطنيّاً. هكذا وبدلاً من أن يكونوا مثقفين ثوّاراً، يصبحون متديّنين ثوّاراً. فهل وصل مستوى النقاش إلى درجة أصبح معها ضروريّاً التذكير ببعض البديهيات. فإذا كنت أخالفك الرأي فذلك لا يعني أنني أتفق مع أعدائك."، لا ثورة في نظر أدونيس إذا لم تتأسس على الاختلاف وعلى قبول الآخر والنقاش، فالثورة الحية في نظره تكون عند فوران الأفكار والآراء والمقترحات وتعدد زوايا النظر، فهل هذا هو الذي تحقق في الثورة السورية ؟ لا يسع أدونيس سوى الرجوع إلى سنة 1956 التي كانت تاريخا مفصليا في مسار الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان ينتمي إليه أدونيس، فاغتيال عدنان المالكي تبعه حظر للحزب، فعطلت الحياة السياسية وفرضت الواحدية السياسية والفكرية التي ينتقدها أدونيس في هذه الرسالة، فعاش الرجل مدى نصف قرن خارج سورية، ويحكي أنه في التسعينات كان هناك تعميم وزاري يمنع ذكر أدونيس في الصحف السورية وطرد من اتحاد الكتاب السوريين، ومع اندلاع الثورة السورية بعث أدونيس رسالة إلى السلطة يدعوها إلى الرجوع إلى الشعب وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تعتبر حزب البعث قائد المجتمع، فالإنسان ليس مجرد تابع أو سلعة، وإنما غاية في ذاته، في الانتقادات التي وجهت له بسبب عدم اكتراثه من جرائم القتل التي يرتكبها بشار، يقول أدونيس أن القتل ليست خاصة بالنظام السوري وحده، بل لازمت التاريخ العربي من خلال الصراع الديني حول السلطة، وإن هذا التاريخ الفاجع يدعونا إلى ضرورة الفصل بين الديني والسياسي في العالم العربي، هنا يلفت أدونيس إلى نقطة مهمة جدا لم تتحقق في الثورات العربية : " إنّ العمل الثوري الحقيقي في المجتمع العربي لا يقتصر على تغيير السلطة، وإنّما يجب ان يؤسّس للقطيعة كلّياً مع هذا الطّقس ، سياسةً وثقافةً. ولذلك يجب أن يتمحور العمل الثوري على تغيير المجتمع : ثقافةً ومؤسّساتٍ وأن يكون هذا التغيير سلميّاً، وديمقراطيّاً، وأن يتجنّب العنف، وبخاصّة في شكله المسلّح"، إن أدونيس من خلال هذا الكلام ينتقد بشدة المآل التي آلت إليه الثورات العربية معتبرا أن هؤلاء الثوار يراهنون على السلطة، لا تغيير المجتمع فكريا وثقافيا، وبالتالي لن تكون تلك الثورات سوى تكرار لكل ما سبق، وليست قطيعة مع الماضي، بل إنها الماضي نفسه وقد ارتدى حلة جديدة، لذلك يؤكد في النقطة ما قبل الأخيرة أن تغيير الحكام لا قيمة له وأن الثوار ليس لهم أي تصور عن وضع المرأة ولا تصور عن الثقافة ولا تمثل عن الاقتصاد، إن المستوى الثقافي عند الثوار ضحل جدا حسب أدونيس، لكنه يلفت إلى أن الشعب السوري مسالم، وسورية متعددة ثقافيا ودينيا لن تقبل إلا بترك الدين مسألة خاصة والسياسة شأن عام، ثم إن نضال السوريين ضد الطغيان لا يعني أن يصيروا جنودا في يد قوى أجنبية، غير أنه من الضروري أن نرد على أدونيس في مسألة تدني المستوى الثقافي عند الثوار، أليس هذا هو دور المثقفين وأدونيس واحدا منهم ؟ لماذا لم ينخرط معهم في حراكهم الاحتجاجي كما عملت السعداوي في مصر ؟ أليست مهمته هي التأطير والتنظير كما كان يعمل سارتر في ثورة ماي 1968؟ لماذا المثقف عندنا متوار مثلما غاب عن حركة 20 فبراير في المغرب كل من عبد الله العروي وطه عبد الرحمان وغاب جعيط في تونس وإلهام المناع في اليمن ؟ أليس غياب المثقفين هو السبب الرئيسي في أفول الربيع العربي ؟ أليس التنظير مجرد جعجعة فارغة ؟ أكتفي بهذه القولة في خاتمة رسالة أدونيس : "لا أشكّ في أنّ العالم العربي يعيش، منذ نشوء إسرائيل، شكلاً من أشكال إبادة الذات. وها هم العرب يلتهم بعضهم بَعْضَاً. وها هي الحرب الكونية في القرن الحادي والعشرين، ليست إلاّ حرباً عربيّة ــ عربيّة، وإسلاميّة ــ إسلاميّة. ربّما لهذا قلتُ مرّةً، إنّ الثقافة العربية ــ الإسلاميّة، اليوم، ليست ظاهرة بحثٍ وتساؤلٍ وكشف وتراكم معرفيّ وإنّما هي، بالأحرى، ظاهرة سيكولوجيّة." وأنا أقول إن صمت المثقفين هو شكل من أشكال جلد الذات، وتعبير عن روح انهزامية ما فتئت تكشف عن نفسها كغول متوحش يعبر عن انبطاحية مقيتة أمام عالم عربي يزداد حلكة وسوادا.
عبد الله عنتار/ 13 يناير 2017/ الدار البيضاء- المغرب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لائحة المراجع : 1ـ كمال الديب، تاريخ سوريا المعاصر (من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011)، دار النهار، ط 2 2012 2ـ عبد الباري عطوان، الدولة الإسلامية، الجذور، التوحش، المستقبل، ط 3، دار الساقي . 3ـ جون أر برادلي، ما بعد الربيع العربي كيف اختطف الإسلاميون العربي، ت شيماء عبد الحكيم طه، دار النشر الهنداوي 4ـ https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A 5ـ https://arabic.sputniknews.com/radio_event/201509231015711722/ 6ـ https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A 7ـ https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86_%D9%81%D9%8A_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7 8ـ 143 https://www.youtube.com/watch?v=pK7NhADqEFQ 9ـ https://www.youtube.com/watch?v=yXym_2Ah5EQ&feature=youtu.be 10ـ https://www.youtube.com/watch?v=augBpYnG_6Y 11ـ https://www.alaraby.co.uk/diffah/interviews/2016/12/7/%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85-2-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%85%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A 12ـ http://critique-sociale.blogspot.com/2014_08_01_archive.html 13ـ https://www.youtube.com/watch?v=OhnHX3LqOmU 14ـ 141 https://youtu.be/YQfcc5BvB0s 15ـ https://www.alaraby.co.uk/diffah/interviews/2016/12/7/%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85-2-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%85%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A 16ـ http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298896 17ـ
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها (4 )
-
ذكريات مدينة كان الصعب الخروج منها
-
ذكريات مدينة كان الخروج منها صعبا (2 )
-
ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها!
-
على شفا الأمواج
-
واقعة لا تنسى
-
نحو انثروبولوجية الواقع الكرزازي
-
لنكن كبارا وما يجمعنا هو الأرض
-
الواقع الكرزازي: قراءة نقدية
-
حكاية وردة التي قصت
-
أرض آفلة
-
هل هو الإفلاس التام ؟
-
هل واقعنا واقع سرابي ؟
-
الأرض العطشى
-
رحلة إلى الشمال : بين أزلا وشفشاون : رحلة بطعم المغامرة
-
رحلة إلى الشمال : أقشور : الغابة المطيرة
-
رحلة إلى الشمال : واد لاو : حينما تصير القراءة فعلا استثنائي
...
-
رحلة إلى الشمال : أزلا : المناظر الخلابة وتردي الخدمات
-
رحلة إلى الشمال : أزلا : القرية الهادئة والأهالي الطيبون
-
رحلة إلى الشمال : مارتيل : مزيج بشري
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|