|
الكعبة ليسة واحده ؟ كيف
قيس علي
الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 19:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تناثرت جماعات البشر في الوسط الاجتماعي العربي على هيئة قبائل متنافرة ؛ لا حكم فيها ولا سلطة إلا للعرف القبلي ، الذي يختلف بدوره باختلاف القبائل وظروفها . ومع تعدد القبائل تعددت المشيخات وكثر الشيوخ وأبطال الغزو ، أولئك الذين تحولوا بعد موتهم إلى أسلاف مقدسين ، وأقام لهم أخلافهم التماثيل والمحاريب ، ليلتمسوا عندهم العون كلما حزبهم أمر أو حل بهم جلل ، ومن أجل هؤلاء الصالحين السالفين ؛ أقيمت بيوت العبادة ، وشرعت طرق التقرب إلى الأرباب أو الأسلاف ( الرب لغة هو سيد الأسرة أو القبيلة وهو بعلها ) ؛ ومن ثم تعددت الأرباب بتعدد الأبطال والصالحين الراحلين ، وبتعدد الأرباب تعددت الكعبات ؛ حيث كانت الكعبة ( البناء المكعب ) هي الصيغة المعمارية المفضلة لبيوت أرباب القديمة ، وأحياناً أخرى كانت هذه الكعبات تقام تقديساً للأحجار الغريبة والنادرة ؛ مثل الأحجار البركانية أو النيزكية ، وكلاهما كان يغلب عليه اللون الأسود نتيجة عوامل الاحتراق ، ونظن هذا التقديس ناتجاً – إضافة لغرابة شكل الحجر – من كونه قادماً من عالم غيبي مجهول ؛ فالحجر البركاني مقذوف ناري – من باطن الأرض وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات ، واحتسبته عالماً لأرواح السالفين المقدسين – كذلك الحجر النيزكي ، وربما كان أكثر جلالاً ، لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور ؛ فهو يهبط بسرعة فائقة محتكا بغلاف الأرض الغازي ؛ فيشتعل مضيئا ومخلفاً وراءه ذيلاً هائلاً ، لذلك ؛ كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعاً لحسبانه ساقطاً من عرش الآلهة في السماء ؛ حاملاً معه ضياء هذا المكان النوراني. انواع الكعبات مع كثرة الأحجار القادمة من عند الأسلاف ، أو الهابطة من السماء ؛ كثرا أيضاً الكعبات . يقول الباحث ( محمود سليم الحوت ) : " يجب ألا يخطر على بال أحد أن مكة – وإن ارتفعت مكانتها عن سواها من أماكن العبادة – هي القبلة الوحيدة في الجزيرة ؛ فقد كان للعرب كعبات عديدة أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة ، تعتر ( تذبح ) عندها ، وتقدم لها النذور والهدايا ، وتطوف بها ، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدينية المطلوبة . وقد اشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني ( بيت اللات ، وكعبة نجران ، وكعبة شداد الأيادي ، وكعبة غطفان ) ، وما ذكره الزبيدي ( بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية ) ، وما جاء عند ابن الكلبي ( بيت ثقيف ، إضافة إلى ما أحصاه جواد علي ( كعبة ذي الشري . و كعبة ذي غابة الملقب بالقدس ) ومحجات أخرى لآلهة مثل ( اللات ، وديان ، وصالح ، ورضا ، ورحيم ، وكعبة مكة . وبيت العزي قرب عرفات ، وبيت مناة ( ) ، هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن " .. البيوت التي تعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام ، ويقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل .. وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة ، وهي بيت الأقيصر ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت رضاء ، وبيت نجران ، وبيت مكة .. وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل ؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة . يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده .. فالأمر الذي لا يجوز الشك فيه أن البيوت الحرام وجدت في الجزيرة العربية ؛ لأنها كانت لازمة .. وقد اجتمع لبيت مكة من البيوت الحرام ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة ؛ لأن مكة كانت . ( ملتقى القوافل ؛ بين الجنوب و الشمال ، و بين الشرق والغرب " ( 6 ويفهم من العقاد أن هذه البيوت كانت محرمة ولها أيامها الحرام ، لكن بيت مكة بالتحديد أخذ في التمايز ؛ لموقع مكة العظيم على طرق القوافل التجارية جميعاً ؛ حتى جاء وقت – كما قلنا أصبحت فيه مكة ملتقى تجارة العالم ، وأصبح أهلها أهم تجار الدنيا . ويمكننا هنا التمييز بين مفهوم العربي الجاهلي لمعنى الألوهية ومعنى الربوبية ؛ فالألوهية تعني إلها غير منظور يسكن السماء ، ومن هناك يتساقط ملاط بيته الإلهي من أن لآخر ؛ على هيئة أحجار سوداء ، في حين أن الربوبية تشير إلى تقديس للأسلاف يتفق حجمه مع أهمية رابطة الدم عند العربي البدوي . وعلى هذا النحو ؛ عبد النبطيون حجراً أسود يرمز إلى الشمس كإله للسماء ، وعبد الهذليون حجراً أسود يرمز لمناة ، وكان ذو الشري حجرا أسود ، وكذلك كانت الكعبة إطاراً لحجر أسود ) ، كما كانت باقي الكعبات تتسم بذات السمة ؛ فهي أطر لأحجار سود . ) وسميت هذه الكعبات بيوت الله ؛ لأن كل بيت منها فيه حجر من بيت الإله الذي في السماء ؛ تمييزاً له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أفنية الكعبات ؛ انتفاعاً ببركات الأسلاف الصالحين ، وتشفعاً بهم عند إله السماء . وواضح لدى أي باحث أن هذا التفرق العقائدي ، وتعدد العبادات والأرباب ؛ قد ساعد بفعالية في زيادة الفرقة القبلية ، بحيث أصبح عائقاً دائماً ومستمراً في سبيل المحاولات التي قامت من أجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العرب ؛ إضافة إلى الطبع القبلي الذي يأنف كبرياؤه وينفر من فكرة سيادة سياسية واحدة – تلك المحاولات التي سبق أن أشرنا إليها – مثل محاولات زهير الكلبي ، وعبد الله بن أبي ، وكندة ، والغساسنة ، والمنادرة ، وكان الدافع إليها جميعاً حلماً وأملاً أججه الشعور الآتي بإمساك عنان تجارة العالم ، ووجود هذا العالم مسترخياً ينزف في حروب طال مداها بين الإمبراطوريات الكبرى . ولا تفوتنا الإشارة إلى أن مثل هذه المحاولات اتسمت بروح العصبية العربية الخالصة التي تجلت بدءاً في اعتناق المناطق العربية الواقعة تحت النفوذ الإمبراطوري ؛ أيديولوجيات أو مذهبيات دينية تخالف مذاهب الإمبراطوريات ؛ حتى بلغ الطموح مداه في هجمات عربية متفرقة – لكنها شرسة – كراً وفراً ؛ على حدود الدول العظمى ؛ إلى درجة أن الشعور العربي بلغ أوجه ؛ متمثلاً في فرح بالجزيرة كلها ، عندما انكسر الفرس بعظمتهم وجبروتهم أمام حلف عربي صغير لقبائل شيبان وعجل وبكر بن وائل ؛ في وقعة ذي قار ( 9) ؛ مما دفع بالحلم إلى الخروج من ساحة التمني إلى ساحة التوقع ؛ وربما التحقيق مرهوناً بشرط واحد هو تحالف وتوحد كتوحد العرب في ذي قار ؛ ذلك التحالف الذي بدأت تباشيره في شعور عام دفع الوفود القبلية من كل صوب وحدب ، إلى أن تحث خطاها بين الفيافي والقفار نحو اليمن ؛ لتهنئ معد بن يكرب أو سيف بن ذي يزن بطرده الأحباش ، وبعودة الحكم العربي إلى اليمن . نستعرض لكَ أبرز "الكعبات" التي عرفها العرب قبل الإسلام غير "كعبة مكة" 1- رئام (ريام) يقول ابن إسحاق "وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يُقال له رئام، كانوا يعظمونه" ويتقربون لله عنده بالذبائح، وكان يُطاف به كذلك، وهو قولٌ أكده ابن هشام في سيرته، ووهب بن منبه في كتابه "التيجان". 2- ذو الخلصة (الكعبة اليمانية) هو بيتٌ مربّع على سفوح جبال سراة الحجاز بين مكّة واليمن، كان في الجاهليّة قِبلة لقبائل خثعم وبجيلة ودوس وما جاورها من سكّان منطقة "تبالة" اليمنيّة (سيرة ابن هشام، ج 1، ص 30)، وقد كان مخصّصا لعبادة الإله "ذي الخَلَصة" ممثّلا في صخرة بيضاء منقوش عليها تاج وفقًا لما أورده هشام بن السائب في كتاب الأصنام، وتواصل وجوده إلى حدود السّنة العاشرة للهجرة حين وجّه النّبيّ القائد جرير بن عبد الله البُجَليّ في مائة وخمسين فارسا من قبيلة "أحمس" إلى هدمه، ولكن يبدو أن تعليمات الرسول اقتصرت على هدم ما احتواه المكان من أصنام وحسب، لأن كتب التاريخ تُعاود ذكر سيرته بعدها من خلال كونه تحول إلى مسجد فها هو كتاب الأصنام (المكتوب في القرن الثاني من الهجرة) يؤكد على أن "ذا الخلصة اليوم عتبة مسجد تبالة" كما أن ياقوت الحموي ينقل عن أب العباس المبرد (في القرن الثالث الهجري) مؤكدًا أنه صار "مسجدًا جامعًا". 3- أياد (شداد) وهى خاصة بقبائل أياد، وهم مجموعة قبائل كانت تعيش في تهامة، إلى أن حاربتهم قبائل مضر وربيعة فأجلتهم عن جزيرة العرب إلى العراق، وهناك ما بين البصرة والكوفة بنوا كعبتهم، والتي كانوا يطوفون بها ويعتبرونها بيت الله، وسُميت أيضًا بين كعبة شداد، إلى أن اعتنقوا النصرانية فالإسلام. 4- ذو الكعبات قال ابن اسحاق "وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب" وهو البيت الذي قال عنه أعشى بني قيس بن ثعلبة (بين الخورنق والسدير وبارق .. والبيت ذي الكعبات من سنداد)، وقال عنه ابن هشام "وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي. وجده نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. 5- رضى (رضاء) يقول ابن إسحاق "وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ووفقًا لابن هشام "قال عنها المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام (ولقد شددت على رضاء شدة .. فتركتها قفرا بقاع أسحما) 6- سقام وهو بيت كان للعزى فى أحد شعاب وادى حراض، الذى يُقال له سقام، وكانوا يضاهون به الكعبة في الحجم والعظمة والإجلال. 7- بيت الربة (اللات- ثقيف) اللات هي إحدى الأصنام التي عبدها العرب قبل الإسلام، وقيل إن الاسم هو مؤنث كلمة "الله"، وكان له بيت مشيد في الطائف ترتحل إليه العرب، ويضاهي به أهل الطائف الكعبة، ويسمونه "بيت الربة"، وكان له كسوة وحَجَبَة، وكانت السدانة لآل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك ولبني عتّاب بن مالك، وكلاهما أسرتان ثريتان من ثقيف، وكان له أيضًا واديًا يُدعى "حَرَم الربة"، لا يُقطع شجره ولا يصاد حيوانه ومن دخله فهو آمن. وتقول الروايات إن ثقيف امتنعت عن نُصرة كعبة مكة إبان حملة أبرهة عليها، وإنما أرسلت إليه من يدله على مكانها، وبعد فتح مكة أرسل الرسول المغيرة بن شعبة وأبي سفيان إليه لهدمه، وبعد ذلك بزمن أقيم في موضعه مسجد الطائف. 8- نجران هي أقدم كنيسة شيدت في شبه الجزيرة العربية جنوب السعودية وحج إليها العرب طيلة 40 عاما قبل الإسلام، وقيل إنها كانت مصنوع من الجلد. كان موقعها على قمة جبل "تصلال" الذي يبعد عن نجران إلى الشمال الشرقي بحوالي 35 كم، وشُيدت بواسطة بني عبد المدان بن الديان الحارثي، على طراز كعبة مكة، وقاموا بتعظيمها وقلدهم بعض العرب في ذلك الزمان. 9- غطفان بناها سليم بن أسد، سيد غطفان، حول بئر ووضع بها حجر أبيض ادعى أنه سقط من السماء، وعبدها قومه وكانوا يطوفون حوله عدة مرات، ومع ظهور الإسلام ودخول غطفان فيه، هدمها خالد بن الوليد. 10- ذو الشرى معبد "ذو الشرى" Dushare بمدينة "بطرا"، والفضل في المعلومات التي وردتنا عنه تعود إلى الكتابات النبطية، وإلى ما كتبه بعض الكتبة اليونان والسريان عنه. وقد خصص هذا البيت بعبادة الإله "ذي الشرى"، الذي هو "رب البيت" وهو اللقب الذي أطلقه النبط على إلههم، وقد نصب في هذا المعبد الصنم "ذو الشرى" على قاعدة مكسوة بالذهب، في بيت موشى بالذهب وبالصور التي تمثل مشاهد تقديم القرابين إليه. وهو في موضع مرتفع على صخرة عالية، يحج إليه الناس من مواضع بعيدة؛ للتقرب إلى ذلك الإله، فيفد إليه الناس من أماكن بعيدة للتقرب إلى "رب البيت"، فينحرون ويقضون الأيام المعينة، ثم يعودون إلى ديارهم. والظاهر أن هذه الكعبة لم تكن خاصة بأهل "العربية النبطية"، إنما كانت محجة لغيرهم من جيرانهم العرب. 11- بيت الأقيصر في مشارف الشام مقصد القبائل من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجون إليه ويمارسون نفس طقوس حج اهل مكة لكعبتهم ويحلقون رؤوسهم عنده بعد انتهاء حجهم. تناثرت جماعات البشر في الوسط الاجتماعي العربي على هيئة قبائل متنافرة ؛ لا حكم فيها ولا سلطة إلا للعرف القبلي ، الذي يختلف بدوره باختلاف القبائل وظروفها . ومع تعدد القبائل تعددت المشيخات وكثر الشيوخ وأبطال الغزو ، أولئك الذين تحولوا بعد موتهم إلى أسلاف مقدسين ، وأقام لهم أخلافهم التماثيل والمحاريب ، ليلتمسوا عندهم العون كلما حزبهم أمر أو حل بهم جلل ، ومن أجل هؤلاء الصالحين السالفين ؛ أقيمت بيوت العبادة ، وشرعت طرق التقرب إلى الأرباب أو الأسلاف ( الرب لغة هو سيد الأسرة أو القبيلة وهو بعلها ) ؛ ومن ثم تعددت الأرباب بتعدد الأبطال والصالحين الراحلين ، وبتعدد الأرباب تعددت الكعبات ؛ حيث كانت الكعبة ( البناء المكعب ) هي الصيغة المعمارية المفضلة لبيوت أرباب القديمة ، وأحياناً أخرى كانت هذه الكعبات تقام تقديساً للأحجار الغريبة والنادرة ؛ مثل الأحجار البركانية أو النيزكية ، وكلاهما كان يغلب عليه اللون الأسود نتيجة عوامل الاحتراق ، ونظن هذا التقديس ناتجاً – إضافة لغرابة شكل الحجر – من كونه قادماً من عالم غيبي مجهول ؛ فالحجر البركاني مقذوف ناري – من باطن الأرض وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات ، واحتسبته عالماً لأرواح السالفين المقدسين – كذلك الحجر النيزكي ، وربما كان أكثر جلالاً ، لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور ؛ فهو يهبط بسرعة فائقة محتكا بغلاف الأرض الغازي ؛ فيشتعل مضيئا ومخلفاً وراءه ذيلاً هائلاً ، لذلك ؛ كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعاً لحسبانه ساقطاً من عرش الآلهة في السماء ؛ حاملاً معه ضياء هذا المكان النوراني. انواع الكعبات مع كثرة الأحجار القادمة من عند الأسلاف ، أو الهابطة من السماء ؛ كثرا أيضاً الكعبات . يقول الباحث ( محمود سليم الحوت ) : " يجب ألا يخطر على بال أحد أن مكة – وإن ارتفعت مكانتها عن سواها من أماكن العبادة – هي القبلة الوحيدة في الجزيرة ؛ فقد كان للعرب كعبات عديدة أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة ، تعتر ( تذبح ) عندها ، وتقدم لها النذور والهدايا ، وتطوف بها ، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدينية المطلوبة . وقد اشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني ( بيت اللات ، وكعبة نجران ، وكعبة شداد الأيادي ، وكعبة غطفان ) ، وما ذكره الزبيدي ( بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية ) ، وما جاء عند ابن الكلبي ( بيت ثقيف ، إضافة إلى ما أحصاه جواد علي ( كعبة ذي الشري . و كعبة ذي غابة الملقب بالقدس ) ومحجات أخرى لآلهة مثل ( اللات ، وديان ، وصالح ، ورضا ، ورحيم ، وكعبة مكة . وبيت العزي قرب عرفات ، وبيت مناة ( ) ، هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن " .. البيوت التي تعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام ، ويقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل .. وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة ، وهي بيت الأقيصر ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت رضاء ، وبيت نجران ، وبيت مكة .. وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل ؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة . يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده .. فالأمر الذي لا يجوز الشك فيه أن البيوت الحرام وجدت في الجزيرة العربية ؛ لأنها كانت لازمة .. وقد اجتمع لبيت مكة من البيوت الحرام ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة ؛ لأن مكة كانت . ( ملتقى القوافل ؛ بين الجنوب و الشمال ، و بين الشرق والغرب " ( 6 ويفهم من العقاد أن هذه البيوت كانت محرمة ولها أيامها الحرام ، لكن بيت مكة بالتحديد أخذ في التمايز ؛ لموقع مكة العظيم على طرق القوافل التجارية جميعاً ؛ حتى جاء وقت – كما قلنا أصبحت فيه مكة ملتقى تجارة العالم ، وأصبح أهلها أهم تجار الدنيا . ويمكننا هنا التمييز بين مفهوم العربي الجاهلي لمعنى الألوهية ومعنى الربوبية ؛ فالألوهية تعني إلها غير منظور يسكن السماء ، ومن هناك يتساقط ملاط بيته الإلهي من أن لآخر ؛ على هيئة أحجار سوداء ، في حين أن الربوبية تشير إلى تقديس للأسلاف يتفق حجمه مع أهمية رابطة الدم عند العربي البدوي . وعلى هذا النحو ؛ عبد النبطيون حجراً أسود يرمز إلى الشمس كإله للسماء ، وعبد الهذليون حجراً أسود يرمز لمناة ، وكان ذو الشري حجرا أسود ، وكذلك كانت الكعبة إطاراً لحجر أسود ) ، كما كانت باقي الكعبات تتسم بذات السمة ؛ فهي أطر لأحجار سود . ) وسميت هذه الكعبات بيوت الله ؛ لأن كل بيت منها فيه حجر من بيت الإله الذي في السماء ؛ تمييزاً له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أفنية الكعبات ؛ انتفاعاً ببركات الأسلاف الصالحين ، وتشفعاً بهم عند إله السماء . وواضح لدى أي باحث أن هذا التفرق العقائدي ، وتعدد العبادات والأرباب ؛ قد ساعد بفعالية في زيادة الفرقة القبلية ، بحيث أصبح عائقاً دائماً ومستمراً في سبيل المحاولات التي قامت من أجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العرب ؛ إضافة إلى الطبع القبلي الذي يأنف كبرياؤه وينفر من فكرة سيادة سياسية واحدة – تلك المحاولات التي سبق أن أشرنا إليها – مثل محاولات زهير الكلبي ، وعبد الله بن أبي ، وكندة ، والغساسنة ، والمنادرة ، وكان الدافع إليها جميعاً حلماً وأملاً أججه الشعور الآتي بإمساك عنان تجارة العالم ، ووجود هذا العالم مسترخياً ينزف في حروب طال مداها بين الإمبراطوريات الكبرى . ولا تفوتنا الإشارة إلى أن مثل هذه المحاولات اتسمت بروح العصبية العربية الخالصة التي تجلت بدءاً في اعتناق المناطق العربية الواقعة تحت النفوذ الإمبراطوري ؛ أيديولوجيات أو مذهبيات دينية تخالف مذاهب الإمبراطوريات ؛ حتى بلغ الطموح مداه في هجمات عربية متفرقة – لكنها شرسة – كراً وفراً ؛ على حدود الدول العظمى ؛ إلى درجة أن الشعور العربي بلغ أوجه ؛ متمثلاً في فرح بالجزيرة كلها ، عندما انكسر الفرس بعظمتهم وجبروتهم أمام حلف عربي صغير لقبائل شيبان وعجل وبكر بن وائل ؛ في وقعة ذي قار ( 9) ؛ مما دفع بالحلم إلى الخروج من ساحة التمني إلى ساحة التوقع ؛ وربما التحقيق مرهوناً بشرط واحد هو تحالف وتوحد كتوحد العرب في ذي قار ؛ ذلك التحالف الذي بدأت تباشيره في شعور عام دفع الوفود القبلية من كل صوب وحدب ، إلى أن تحث خطاها بين الفيافي والقفار نحو اليمن ؛ لتهنئ معد بن يكرب أو سيف بن ذي يزن بطرده الأحباش ، وبعودة الحكم العربي إلى اليمن . نستعرض لكَ أبرز "الكعبات" التي عرفها العرب قبل الإسلام غير "كعبة مكة" 1- رئام (ريام) يقول ابن إسحاق "وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يُقال له رئام، كانوا يعظمونه" ويتقربون لله عنده بالذبائح، وكان يُطاف به كذلك، وهو قولٌ أكده ابن هشام في سيرته، ووهب بن منبه في كتابه "التيجان". 2- ذو الخلصة (الكعبة اليمانية) هو بيتٌ مربّع على سفوح جبال سراة الحجاز بين مكّة واليمن، كان في الجاهليّة قِبلة لقبائل خثعم وبجيلة ودوس وما جاورها من سكّان منطقة "تبالة" اليمنيّة (سيرة ابن هشام، ج 1، ص 30)، وقد كان مخصّصا لعبادة الإله "ذي الخَلَصة" ممثّلا في صخرة بيضاء منقوش عليها تاج وفقًا لما أورده هشام بن السائب في كتاب الأصنام، وتواصل وجوده إلى حدود السّنة العاشرة للهجرة حين وجّه النّبيّ القائد جرير بن عبد الله البُجَليّ في مائة وخمسين فارسا من قبيلة "أحمس" إلى هدمه، ولكن يبدو أن تعليمات الرسول اقتصرت على هدم ما احتواه المكان من أصنام وحسب، لأن كتب التاريخ تُعاود ذكر سيرته بعدها من خلال كونه تحول إلى مسجد فها هو كتاب الأصنام (المكتوب في القرن الثاني من الهجرة) يؤكد على أن "ذا الخلصة اليوم عتبة مسجد تبالة" كما أن ياقوت الحموي ينقل عن أب العباس المبرد (في القرن الثالث الهجري) مؤكدًا أنه صار "مسجدًا جامعًا". 3- أياد (شداد) وهى خاصة بقبائل أياد، وهم مجموعة قبائل كانت تعيش في تهامة، إلى أن حاربتهم قبائل مضر وربيعة فأجلتهم عن جزيرة العرب إلى العراق، وهناك ما بين البصرة والكوفة بنوا كعبتهم، والتي كانوا يطوفون بها ويعتبرونها بيت الله، وسُميت أيضًا بين كعبة شداد، إلى أن اعتنقوا النصرانية فالإسلام. 4- ذو الكعبات قال ابن اسحاق "وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب" وهو البيت الذي قال عنه أعشى بني قيس بن ثعلبة (بين الخورنق والسدير وبارق .. والبيت ذي الكعبات من سنداد)، وقال عنه ابن هشام "وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي. وجده نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. 5- رضى (رضاء) يقول ابن إسحاق "وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ووفقًا لابن هشام "قال عنها المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام (ولقد شددت على رضاء شدة .. فتركتها قفرا بقاع أسحما) 6- سقام وهو بيت كان للعزى فى أحد شعاب وادى حراض، الذى يُقال له سقام، وكانوا يضاهون به الكعبة في الحجم والعظمة والإجلال. 7- بيت الربة (اللات- ثقيف) اللات هي إحدى الأصنام التي عبدها العرب قبل الإسلام، وقيل إن الاسم هو مؤنث كلمة "الله"، وكان له بيت مشيد في الطائف ترتحل إليه العرب، ويضاهي به أهل الطائف الكعبة، ويسمونه "بيت الربة"، وكان له كسوة وحَجَبَة، وكانت السدانة لآل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك ولبني عتّاب بن مالك، وكلاهما أسرتان ثريتان من ثقيف، وكان له أيضًا واديًا يُدعى "حَرَم الربة"، لا يُقطع شجره ولا يصاد حيوانه ومن دخله فهو آمن. وتقول الروايات إن ثقيف امتنعت عن نُصرة كعبة مكة إبان حملة أبرهة عليها، وإنما أرسلت إليه من يدله على مكانها، وبعد فتح مكة أرسل الرسول المغيرة بن شعبة وأبي سفيان إليه لهدمه، وبعد ذلك بزمن أقيم في موضعه مسجد الطائف. 8- نجران هي أقدم كنيسة شيدت في شبه الجزيرة العربية جنوب السعودية وحج إليها العرب طيلة 40 عاما قبل الإسلام، وقيل إنها كانت مصنوع من الجلد. كان موقعها على قمة جبل "تصلال" الذي يبعد عن نجران إلى الشمال الشرقي بحوالي 35 كم، وشُيدت بواسطة بني عبد المدان بن الديان الحارثي، على طراز كعبة مكة، وقاموا بتعظيمها وقلدهم بعض العرب في ذلك الزمان. 9- غطفان بناها سليم بن أسد، سيد غطفان، حول بئر ووضع بها حجر أبيض ادعى أنه سقط من السماء، وعبدها قومه وكانوا يطوفون حوله عدة مرات، ومع ظهور الإسلام ودخول غطفان فيه، هدمها خالد بن الوليد. 10- ذو الشرى معبد "ذو الشرى" Dushare بمدينة "بطرا"، والفضل في المعلومات التي وردتنا عنه تعود إلى الكتابات النبطية، وإلى ما كتبه بعض الكتبة اليونان والسريان عنه. وقد خصص هذا البيت بعبادة الإله "ذي الشرى"، الذي هو "رب البيت" وهو اللقب الذي أطلقه النبط على إلههم، وقد نصب في هذا المعبد الصنم "ذو الشرى" على قاعدة مكسوة بالذهب، في بيت موشى بالذهب وبالصور التي تمثل مشاهد تقديم القرابين إليه. وهو في موضع مرتفع على صخرة عالية، يحج إليه الناس من مواضع بعيدة؛ للتقرب إلى ذلك الإله، فيفد إليه الناس من أماكن بعيدة للتقرب إلى "رب البيت"، فينحرون ويقضون الأيام المعينة، ثم يعودون إلى ديارهم. والظاهر أن هذه الكعبة لم تكن خاصة بأهل "العربية النبطية"، إنما كانت محجة لغيرهم من جيرانهم العرب. 11- بيت الأقيصر في مشارف الشام مقصد القبائل من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجون إليه ويمارسون نفس طقوس حج اهل مكة لكعبتهم ويحلقون رؤوسهم عنده بعد انتهاء حجهم. تناثرت جماعات البشر في الوسط الاجتماعي العربي على هيئة قبائل متنافرة ؛ لا حكم فيها ولا سلطة إلا للعرف القبلي ، الذي يختلف بدوره باختلاف القبائل وظروفها . ومع تعدد القبائل تعددت المشيخات وكثر الشيوخ وأبطال الغزو ، أولئك الذين تحولوا بعد موتهم إلى أسلاف مقدسين ، وأقام لهم أخلافهم التماثيل والمحاريب ، ليلتمسوا عندهم العون كلما حزبهم أمر أو حل بهم جلل ، ومن أجل هؤلاء الصالحين السالفين ؛ أقيمت بيوت العبادة ، وشرعت طرق التقرب إلى الأرباب أو الأسلاف ( الرب لغة هو سيد الأسرة أو القبيلة وهو بعلها ) ؛ ومن ثم تعددت الأرباب بتعدد الأبطال والصالحين الراحلين ، وبتعدد الأرباب تعددت الكعبات ؛ حيث كانت الكعبة ( البناء المكعب ) هي الصيغة المعمارية المفضلة لبيوت أرباب القديمة ، وأحياناً أخرى كانت هذه الكعبات تقام تقديساً للأحجار الغريبة والنادرة ؛ مثل الأحجار البركانية أو النيزكية ، وكلاهما كان يغلب عليه اللون الأسود نتيجة عوامل الاحتراق ، ونظن هذا التقديس ناتجاً – إضافة لغرابة شكل الحجر – من كونه قادماً من عالم غيبي مجهول ؛ فالحجر البركاني مقذوف ناري – من باطن الأرض وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات ، واحتسبته عالماً لأرواح السالفين المقدسين – كذلك الحجر النيزكي ، وربما كان أكثر جلالاً ، لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور ؛ فهو يهبط بسرعة فائقة محتكا بغلاف الأرض الغازي ؛ فيشتعل مضيئا ومخلفاً وراءه ذيلاً هائلاً ، لذلك ؛ كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعاً لحسبانه ساقطاً من عرش الآلهة في السماء ؛ حاملاً معه ضياء هذا المكان النوراني. انواع الكعبات مع كثرة الأحجار القادمة من عند الأسلاف ، أو الهابطة من السماء ؛ كثرا أيضاً الكعبات . يقول الباحث ( محمود سليم الحوت ) : " يجب ألا يخطر على بال أحد أن مكة – وإن ارتفعت مكانتها عن سواها من أماكن العبادة – هي القبلة الوحيدة في الجزيرة ؛ فقد كان للعرب كعبات عديدة أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة ، تعتر ( تذبح ) عندها ، وتقدم لها النذور والهدايا ، وتطوف بها ، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدينية المطلوبة . وقد اشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني ( بيت اللات ، وكعبة نجران ، وكعبة شداد الأيادي ، وكعبة غطفان ) ، وما ذكره الزبيدي ( بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية ) ، وما جاء عند ابن الكلبي ( بيت ثقيف ، إضافة إلى ما أحصاه جواد علي ( كعبة ذي الشري . و كعبة ذي غابة الملقب بالقدس ) ومحجات أخرى لآلهة مثل ( اللات ، وديان ، وصالح ، ورضا ، ورحيم ، وكعبة مكة . وبيت العزي قرب عرفات ، وبيت مناة ( ) ، هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن " .. البيوت التي تعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام ، ويقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل .. وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة ، وهي بيت الأقيصر ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت رضاء ، وبيت نجران ، وبيت مكة .. وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل ؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة . يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده .. فالأمر الذي لا يجوز الشك فيه أن البيوت الحرام وجدت في الجزيرة العربية ؛ لأنها كانت لازمة .. وقد اجتمع لبيت مكة من البيوت الحرام ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة ؛ لأن مكة كانت . ( ملتقى القوافل ؛ بين الجنوب و الشمال ، و بين الشرق والغرب " ( 6 ويفهم من العقاد أن هذه البيوت كانت محرمة ولها أيامها الحرام ، لكن بيت مكة بالتحديد أخذ في التمايز ؛ لموقع مكة العظيم على طرق القوافل التجارية جميعاً ؛ حتى جاء وقت – كما قلنا أصبحت فيه مكة ملتقى تجارة العالم ، وأصبح أهلها أهم تجار الدنيا . ويمكننا هنا التمييز بين مفهوم العربي الجاهلي لمعنى الألوهية ومعنى الربوبية ؛ فالألوهية تعني إلها غير منظور يسكن السماء ، ومن هناك يتساقط ملاط بيته الإلهي من أن لآخر ؛ على هيئة أحجار سوداء ، في حين أن الربوبية تشير إلى تقديس للأسلاف يتفق حجمه مع أهمية رابطة الدم عند العربي البدوي . وعلى هذا النحو ؛ عبد النبطيون حجراً أسود يرمز إلى الشمس كإله للسماء ، وعبد الهذليون حجراً أسود يرمز لمناة ، وكان ذو الشري حجرا أسود ، وكذلك كانت الكعبة إطاراً لحجر أسود ) ، كما كانت باقي الكعبات تتسم بذات السمة ؛ فهي أطر لأحجار سود . ) وسميت هذه الكعبات بيوت الله ؛ لأن كل بيت منها فيه حجر من بيت الإله الذي في السماء ؛ تمييزاً له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أفنية الكعبات ؛ انتفاعاً ببركات الأسلاف الصالحين ، وتشفعاً بهم عند إله السماء . وواضح لدى أي باحث أن هذا التفرق العقائدي ، وتعدد العبادات والأرباب ؛ قد ساعد بفعالية في زيادة الفرقة القبلية ، بحيث أصبح عائقاً دائماً ومستمراً في سبيل المحاولات التي قامت من أجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العرب ؛ إضافة إلى الطبع القبلي الذي يأنف كبرياؤه وينفر من فكرة سيادة سياسية واحدة – تلك المحاولات التي سبق أن أشرنا إليها – مثل محاولات زهير الكلبي ، وعبد الله بن أبي ، وكندة ، والغساسنة ، والمنادرة ، وكان الدافع إليها جميعاً حلماً وأملاً أججه الشعور الآتي بإمساك عنان تجارة العالم ، ووجود هذا العالم مسترخياً ينزف في حروب طال مداها بين الإمبراطوريات الكبرى . ولا تفوتنا الإشارة إلى أن مثل هذه المحاولات اتسمت بروح العصبية العربية الخالصة التي تجلت بدءاً في اعتناق المناطق العربية الواقعة تحت النفوذ الإمبراطوري ؛ أيديولوجيات أو مذهبيات دينية تخالف مذاهب الإمبراطوريات ؛ حتى بلغ الطموح مداه في هجمات عربية متفرقة – لكنها شرسة – كراً وفراً ؛ على حدود الدول العظمى ؛ إلى درجة أن الشعور العربي بلغ أوجه ؛ متمثلاً في فرح بالجزيرة كلها ، عندما انكسر الفرس بعظمتهم وجبروتهم أمام حلف عربي صغير لقبائل شيبان وعجل وبكر بن وائل ؛ في وقعة ذي قار ( 9) ؛ مما دفع بالحلم إلى الخروج من ساحة التمني إلى ساحة التوقع ؛ وربما التحقيق مرهوناً بشرط واحد هو تحالف وتوحد كتوحد العرب في ذي قار ؛ ذلك التحالف الذي بدأت تباشيره في شعور عام دفع الوفود القبلية من كل صوب وحدب ، إلى أن تحث خطاها بين الفيافي والقفار نحو اليمن ؛ لتهنئ معد بن يكرب أو سيف بن ذي يزن بطرده الأحباش ، وبعودة الحكم العربي إلى اليمن . نستعرض لكَ أبرز "الكعبات" التي عرفها العرب قبل الإسلام غير "كعبة مكة" 1- رئام (ريام) يقول ابن إسحاق "وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يُقال له رئام، كانوا يعظمونه" ويتقربون لله عنده بالذبائح، وكان يُطاف به كذلك، وهو قولٌ أكده ابن هشام في سيرته، ووهب بن منبه في كتابه "التيجان". 2- ذو الخلصة (الكعبة اليمانية) هو بيتٌ مربّع على سفوح جبال سراة الحجاز بين مكّة واليمن، كان في الجاهليّة قِبلة لقبائل خثعم وبجيلة ودوس وما جاورها من سكّان منطقة "تبالة" اليمنيّة (سيرة ابن هشام، ج 1، ص 30)، وقد كان مخصّصا لعبادة الإله "ذي الخَلَصة" ممثّلا في صخرة بيضاء منقوش عليها تاج وفقًا لما أورده هشام بن السائب في كتاب الأصنام، وتواصل وجوده إلى حدود السّنة العاشرة للهجرة حين وجّه النّبيّ القائد جرير بن عبد الله البُجَليّ في مائة وخمسين فارسا من قبيلة "أحمس" إلى هدمه، ولكن يبدو أن تعليمات الرسول اقتصرت على هدم ما احتواه المكان من أصنام وحسب، لأن كتب التاريخ تُعاود ذكر سيرته بعدها من خلال كونه تحول إلى مسجد فها هو كتاب الأصنام (المكتوب في القرن الثاني من الهجرة) يؤكد على أن "ذا الخلصة اليوم عتبة مسجد تبالة" كما أن ياقوت الحموي ينقل عن أب العباس المبرد (في القرن الثالث الهجري) مؤكدًا أنه صار "مسجدًا جامعًا". 3- أياد (شداد) وهى خاصة بقبائل أياد، وهم مجموعة قبائل كانت تعيش في تهامة، إلى أن حاربتهم قبائل مضر وربيعة فأجلتهم عن جزيرة العرب إلى العراق، وهناك ما بين البصرة والكوفة بنوا كعبتهم، والتي كانوا يطوفون بها ويعتبرونها بيت الله، وسُميت أيضًا بين كعبة شداد، إلى أن اعتنقوا النصرانية فالإسلام. 4- ذو الكعبات قال ابن اسحاق "وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب" وهو البيت الذي قال عنه أعشى بني قيس بن ثعلبة (بين الخورنق والسدير وبارق .. والبيت ذي الكعبات من سنداد)، وقال عنه ابن هشام "وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي. وجده نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. 5- رضى (رضاء) يقول ابن إسحاق "وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ووفقًا لابن هشام "قال عنها المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام (ولقد شددت على رضاء شدة .. فتركتها قفرا بقاع أسحما) 6- سقام وهو بيت كان للعزى فى أحد شعاب وادى حراض، الذى يُقال له سقام، وكانوا يضاهون به الكعبة في الحجم والعظمة والإجلال. 7- بيت الربة (اللات- ثقيف) اللات هي إحدى الأصنام التي عبدها العرب قبل الإسلام، وقيل إن الاسم هو مؤنث كلمة "الله"، وكان له بيت مشيد في الطائف ترتحل إليه العرب، ويضاهي به أهل الطائف الكعبة، ويسمونه "بيت الربة"، وكان له كسوة وحَجَبَة، وكانت السدانة لآل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك ولبني عتّاب بن مالك، وكلاهما أسرتان ثريتان من ثقيف، وكان له أيضًا واديًا يُدعى "حَرَم الربة"، لا يُقطع شجره ولا يصاد حيوانه ومن دخله فهو آمن. وتقول الروايات إن ثقيف امتنعت عن نُصرة كعبة مكة إبان حملة أبرهة عليها، وإنما أرسلت إليه من يدله على مكانها، وبعد فتح مكة أرسل الرسول المغيرة بن شعبة وأبي سفيان إليه لهدمه، وبعد ذلك بزمن أقيم في موضعه مسجد الطائف. 8- نجران هي أقدم كنيسة شيدت في شبه الجزيرة العربية جنوب السعودية وحج إليها العرب طيلة 40 عاما قبل الإسلام، وقيل إنها كانت مصنوع من الجلد. كان موقعها على قمة جبل "تصلال" الذي يبعد عن نجران إلى الشمال الشرقي بحوالي 35 كم، وشُيدت بواسطة بني عبد المدان بن الديان الحارثي، على طراز كعبة مكة، وقاموا بتعظيمها وقلدهم بعض العرب في ذلك الزمان. 9- غطفان بناها سليم بن أسد، سيد غطفان، حول بئر ووضع بها حجر أبيض ادعى أنه سقط من السماء، وعبدها قومه وكانوا يطوفون حوله عدة مرات، ومع ظهور الإسلام ودخول غطفان فيه، هدمها خالد بن الوليد. 10- ذو الشرى معبد "ذو الشرى" Dushare بمدينة "بطرا"، والفضل في المعلومات التي وردتنا عنه تعود إلى الكتابات النبطية، وإلى ما كتبه بعض الكتبة اليونان والسريان عنه. وقد خصص هذا البيت بعبادة الإله "ذي الشرى"، الذي هو "رب البيت" وهو اللقب الذي أطلقه النبط على إلههم، وقد نصب في هذا المعبد الصنم "ذو الشرى" على قاعدة مكسوة بالذهب، في بيت موشى بالذهب وبالصور التي تمثل مشاهد تقديم القرابين إليه. وهو في موضع مرتفع على صخرة عالية، يحج إليه الناس من مواضع بعيدة؛ للتقرب إلى ذلك الإله، فيفد إليه الناس من أماكن بعيدة للتقرب إلى "رب البيت"، فينحرون ويقضون الأيام المعينة، ثم يعودون إلى ديارهم. والظاهر أن هذه الكعبة لم تكن خاصة بأهل "العربية النبطية"، إنما كانت محجة لغيرهم من جيرانهم العرب. 11- بيت الأقيصر في مشارف الشام مقصد القبائل من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجون إليه ويمارسون نفس طقوس حج اهل مكة لكعبتهم ويحلقون رؤوسهم عنده بعد انتهاء حجهم.
المصدر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AA 1. محمود الحوت : في طريق الميثولوجيا عند العرب ، ص 133 الهمداني : الإكليل ، بغداد ، ج 8 ، ص 48 الزبيدي : تاج العروس ، القاهرة ، 1306 ه ، ج 271 ، 2 . 4. الكلبي الأصنام ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، ط 1924 ، 2 ، ص 16 5. د . جواد علي : للفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، للجمع العلمي العراقي ، بغداد ، . د . ت ، ج 5 ، متفرقات صفحات : 224، 217 ، 153 ، 152 ، 180 العقاد : طوالع البعثة المحمدية ، ص 130 و 131 د . خليل أحمد خليل : مضمون الأسطورة في الفكر العربي ، الطليعة ، بيروت ، . 1977 ، ص 43 . 62 الحوت : في طريق الميثولوجيا عند العرب ، ص 59 ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج 1 ، ص 200 http://www.elyomnew.com/news/inside/2015/09/26/34454
#قيس_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصي طارق في عمل كراكتير بريشة الفنان احمد خليل
المزيد.....
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|