|
المغالطات المنطقية (2) مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع
رمسيس حنا
الحوار المتمدن-العدد: 5399 - 2017 / 1 / 11 - 23:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فى مقال سابق تم تعريف المغالطة المنطقية على أنها جُملة خبرية تبدو معقولة أو حقيقية أو صادقة و لكنها فى الواقع هى جُملة خبرية معيبة (و يكمن عيبها فى كونها غير حقيقية أو غير صادقة أو غير مرتبطة بالموضوع و لا صلة لها بالنتيجة المحددة أو المسألة المعينة أو يكتنفها الغموض أو أنها تركز على شيئ غير مذكور. و ذكرنا أن المغالطات المنطقية تنقسم الى أربعة أنواع طبقاً لــــ : 1- صلتها أو تعلقها بالموضوع ، 2- و العنصر المكون للجدلية أو الحجة المنطقية، 3- و غموض الكلمات، 4- و التركيز على المحذوف أو الغير مذكور. و قد تم تعريف النوع الأول من المغالطات المنطقية على أنه إنقطاع الصلة بين الحجة و الموضوع. أنظر هذا الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=539827 و يندرج تحت هذا النوع من مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع عدة مغالطات نتناول منها مغالطة واحدة فقط هى المغالطة الجينية:
• المغالطة الجينية/أو مغالطة الإحتجاج بالأصل "Genetic Fallacy" و تُعرف أيضاً بإسم مغالطة الأصول "fallacy of origins" هى الحجة التى تعتمد فى قوتها و مقدرتها فى الإقناع على الشخص أو المكان الأصلى الذى نشأت عنه أو منه أو فيه هذه الحجة. كما يُطلق على المغالطة الجينية مُسمى "مغالطة الفضيلة "fallacy of virtue" لانها تعتمد على المفاضلة بين الأماكن أو الأشخاص أو تعتمد على نسب الرزيلة أو الفضيلة الى مكان أو شخص معين بالذات و بالتالى فإن كل ما يصدر عن هذا المكان أو هذا الشخص هو رزيل و مستهجن أو فاضل و فضيل. و بعبارة أخرى فإن المغالطة الجينية "Genetic fallacy" تعنى الإدعاء أو الزعم بأن فكرة ما أو مُنْتَج ما أو شخص ما على خطأ أو على صواب بسبب أصله أو مصدره. كأن تحكم على شخص بأنه بخيل أو كريم بسبب أصوله العرقية أو المكانية؛ فعلى سبيل المثال إذا تقابلت مع "س" من الناس لأول مرة و حكمت عليه بأنه بخيل و عندما سُئلت كيف عرفت أنه بخيل فيكون ردك لأنه من المنوفية أو من أسيوط لمجرد أن سكان محافظة المنوفية أو سكان محافظة أسيوط متهمون بالبخل، فهذه مغالطة جينية. و على العكس عندما تقابل "ص" من الناس لأول مرة و تحكم عليه بأنه كريم و عندما تُسئل عن دليل حكمك هذا فتقول لأن الشراقوة "سكان محافظة الشرقية" مشهورون بالكرم فمقولتك هذه أو ردك هذا يُعتبر مغالطة جينية؛ فالدليل على بخل "س" من الناس لا يمكن أن يكون موطنه أو أصله (أسيوط أو المنوفية)؛ و لا يمكن أن يكون الدليل على كرم "ص" من الناس هو موطنه الأصلى (الشرقية). و هذه هى المغالطة المنطقية التى تعتمد على الأصول المكانية للحجة التى تمثل المغالطة. فالكرم أو البخل صفات شخصية سلوكية تعتمد على التربية و على ظروف أخرى و لا علاقة لها بالمكان. و مثل هكذا عندما تقول أن هذه السلعة أو هذا المنتج سيئ أو جيد لأنه صناعة بلد أو دولة ما. و كثيراً ما نقع فريسة لوجهات نظر خاطئة و نعتبرها مسلمات بناء على المغالطة الجينية "Genetic Fallacy" كالحكم على سيارة ما انها جيدة لأنها صناعة يابانية، و تلك السيارة رديئة أو سيئة لأنها صناعة الدولة الفلانية.
و هذا يعنى أن المغالطة الجينية "Genetic Fallacy" تشير الى اللاعلاقة (إنعدام العلاقة) (irrelevance) بين الحجة و مصدرها؛ حيث يتم تقديم حجة أو نتيجة مستندة فقط الى تاريخ الشخص أو تاريخ الشيئ أو على أصله أو مصدره المكانى و ليس على معنى الحجة أو مضمونها الحقيقيين. و كما فى حالة إستخدام السواك أو إتباع أو تقليد طريقة رسول الإسلام الحياتية اليومية فى ملبسه أو مظهره. فمثلاً عندما تسأل شخص ما: "ما هى مميزات أستخدام السواك على إستخدام فرشاة الأسنان؟" و يجيب أن: "رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يستخدم السواك"؛ فهذا الرد مغالظة جينية. فلا يوجد علاقة بين مميزات إستخدام السواك و بين رسول الإسلام؛ فهل لو كانت فرش الأسنان متاحة فى أيام رسول الأسلام الم يكن هذا الرسول ليستخدمها أو هل كان سيفضل عليها السواك؟؟ و حتى لو فعل ذلك بالمفاضلة فتفضيله للسواك هو أمر شخصى لا علاقة له بجودة المنتج أو بجودة الأداء للغرض الذى أُنشأ من أجله هذا أو ذاك المنتج. و مثل هكذا فى إستخدام بول البعير للإستشفاء من جميع أنواع الأمراض؛ فالناس فى مصر يتهافتون على بول الأبل لمجرد سماعهم قصة عن رسول الإسلام يأمر بعض المرضى أن بتعاطوا بول الإبل للإستشفاء (صحيح البخارى كتاب الطب النبوى حديث رقم 5686). و المغالطة الجينية (Genetic Fallacy) هنا ان إستخدام بول البعير فى الوقت الحالى لا سند له إلا شخص رسول الإسلام و لكن لا يوجد أى تعليل منطقى أو علمى للتداوى ببول الإبل. و الغريب أن الشيوخ ما زالوا يصرون على تأثير بول البعير على الشفاء من جميع الأمراض؛ (https://www.youtube.com/watch?v=hxNKqbRIN90). و يحاول الشيوخ بقدر الإمكان أن يأصلوا للتداوى ببول البعير بإدعاءات كاذبة على شاكلة: "ثبت علمياً" و "أُجريت أبحاث فى جامعات و معامل أمريكية" و "رسائل الدكتوراه فى بول البعير" و "مزرعة مرسى مطروح التى يقوم عليها عدد من الأطباء" و "منشورة على مستوى عالمى"؛ الغريب فى الأمر عندما إتصل أحد الباحثين و دحض كلام الدكتور الشيخ فما كان من الأخير أن هاجم شخص الباحث المتصل، و لكن الدكتور الشيخ لم يستطع أن يخفى خيبة أمله التى ظهرت على وجهه واضحة لأنه لم يتوقع أن يرد عليه أحد؛ (https://www.youtube.com/watch?v=R9UO70p7Z7M)؛ و (https://www.youtube.com/watch?v=zO6nZZOKL3g).
و كثيراً ما تهدف الحجة "أو الدعاية" الى غرض إقتصادى و يلبسها أصحابها رداء البركة الدينية؛ فعندما يُقال أن أطهر و أنقى ماء على وجه الأرض قاطبة هو ماء بئر زمزم فى شبه جزيرة العرب لأن المَلَك جبريل حفرها بضرب موضع البئر بعقب قدمه فأنفجرت المياه من باطن الأرض للسيدة هاجر و إبنها إسماعيل (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B2%D9%85%D8%B2%D9%85)؛ فهذه مغالطة منطقية لأن طهارة الماء و نقاءه لا علاقة لهما بجبريل أو هاجر أو إسماعيل أو شبه جزيرة العرب. فالمياه النقية توجد بكثرة فى أماكن متفرقة و متنوعة فى العالم و هذه المياه لم يفجرها جبريل بكعبه؛ كما أن نقاء المياه الجوفية يعتمد على نوع الصخور التى يتسرب منها الماء و لا علاقة بين طهارة الماء و نقاءه من ناحية و بين الملك جبريل أو عقب قدمه أو هاجر و إسماعيل من ناحية أخرى. و لكن الموضوع برمته يهدف الى تحقيق أرباح أقتصادية و يكفى أن تعلم أن لماء زمزم تجارة لا تقل فى أهميتها الإقتصدية عن تجارة البترول (http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/4/15/%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%A8%D8%AA%D8%B4%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%B2%D9%85%D8%B2%D9%85) و لكى يأخذ الأمر صبغة شرعية فقد تم إستخراج فتوى بجواز بيع ماء زمزم فالماء يباع فى شبه الجزيرة العربية و يباع للجاليات الإسلامية فى الدول الغربية؛ (http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=46225). و قد وصل ثمن زجاجة ماء زمزم فى فى الحرم المكى الى ثلاث دولارات.
و المسلمون يقدسون الكعبة و يعتقدون أنها أفضل بقاع الأرض و أن الصلاة فيها (فى المسجد الحرام) أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من مساجد. هذا الإهتمام بالكم و التركيز على العدد يبينان الى أى مدى تمثل الصلاة عبء أو "تكليف" ثقيل على المؤمن و عدم إيجاد أى متعة فيها، و رغم غموض غرض الصلاة فى الأسلام فإننا سنفترض أنها إتصال أو مناجاة من طرف و احد للحصول على منفعة من الله الذى يصلى له المؤمن؛ (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85). و لكن لا ندرى لماذا هذا المكان بالذات له هذه الأفضلية العددية التى لا تساندها أى حسابات رياضية (https://www.youtube.com/watch?v=oslHOdZdaCQ) فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام." وعن ابن الزبير قال: قال رسول الله: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ." رواه أحمد وصححه ابن حبان. و عندما نسأل عن دليل هذه الأفضلية لا يعدو أن يكون الدليل هو مجرد المكان "الكعبة" و الشخص "رسول الإسلام و أحاديثه". فبالرغم من أن رسول الأسلام لم يلتق بالملك جبريل فى الكعبة و لم يلتق به فى المسجد الحرام أبداً و لم تنزل عليه أى سورة أو حتى اًية واحدة هناك و رغم هذا فإن المسجد الحرام الذى يحتوى داخله على الكعبة هو أقدس ألاماكن الإسلامية؛ و أن الصلاة فيه تُقدر بمائة الف صلاة. و لا ندرى لماذا حتى لو قيل أن الكعبة بناها إبراهيم و إبنه إسماعيل فلا يوجد أى دليل على ذلك يظل السؤال قائماً.
و بعملية حسابية بسيطة سوف ندرك الى أى مدى يُضَّيع المؤمن عمره فى صلوات لا طائل منها. فلو كان متوسط عمر المؤمن سبعين عاماً مضروبة فى 365 يوماً مضروبة فى خمس صلوات يومياً يكون مجموع صلوات المؤمن الذى يبلغ من العمر سبعين عاماً و الذى بدأ فى ممارسة الصلوات الخمس اليومية من أول يوم ولد فيه هو 127750 صلاةً (مائة سبعة و عشرين الفاً و سبعمائة و خمسين صلاةً). فإذا كانت الصلاة الواحدة فى المسجد الحرام أفضل من مائة الف صلاة فيما سواه فيكفى للمؤمن أن يصلى صلاتين فى المسجد الحرام بما يعادل 200000 "مائتى الف صلاةً" أى أكثر مما يصليه المؤمن فى مائة عام.
و يعتقد المسلمون أن فوق الكعبة في السماء السابعة يقع البيت المعمور الذي يُعتبر كعبة الملائكة و يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك يخرجون و لا يعودون اليه مرة ثانية؛ و بالطبع لم ير أحد لا السماء الأولى حتى يرى السماء السابعة و لم ير أحد البيت المعمور هذا إذا كان له وجود أصلاً (http://www.almrsal.com/post/387475) و (https://www.binbaz.org.sa/noor/3210). و بالطبع لا يوجد أى دليل مادى أو منطقى أو عقلى على هذا فما بالك إذا علمنا أن الأرض غير ثابتة و بالتالى فأن الأماكن التى بها لا يمكن أن يقابلها شيئ ثابت لا فى السماء الأولى أو السابعة أو غيرها من السماوات ما لم تكن هذه السماوات متحركة و بنفس سرعة الأرض و فى نفس إتجاهها. و لكن الدليل الوحيد على كل هذا هو أحادبث منسوبة لشخص واحد فقط هو رسول الأسلام.
كما يعتقد المسلمون أن الحجر الأسود أشرف أجزاء الكعبة و هو من الجنة، فهو يمين الله في الأرض التي يصافح بها عباده لذلك ينبغي تقبيله كما قبله رسول الإسلام، فمن صافحه كأنه قد صافح الله، ويعتقد المسلمون أنه نزل من الجنة أبيضا وسودته خطايا الناس؛ فقد روى جابر أبن عبدالله و عبدالله إبن عمرو و أنس إبن مالك و أبو هريرة و إبن عباس و على إبن حسين و كثيرون غيرهم يروون حديث رسول الإسلام عن الحجر الأسود بصيغ متنوعة مثل: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، يصافح بها عباده) و (يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه بالحق، وهو يمين الله عزوجل التي يصافح بها عباده) و (يبعث الركن يوم القيامة له لسان ينطق به، وعينان يبصر بهما، وهو يمين الله تعالى التي يصافح بها عباده) و (الحجر في الأرض يمين الله، جل اسمه، فمن مسح يده على الحجر، فقد بايع الله، عز وجل، أن لا يعصيه) و ("من فاوض الحجر فإنما يفاوض كف الرحمن" يعني استلام الحجر الأسود) و (إن هذا الركن الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه) و (لا حج لمن لم يستلم لأنه يمين الله في عباده)؛ و هكذا يتحول الحجر الى عضو من أعضاء الله "كفه أو زراعه" و لكن العقل الجمعى الإسلامى يتقبل أن يكون الحجر "كف الله و يمين الله أى زراعه الأيمن" و لا يتقبل أن يأخذ الله شكل إنسان و يتعايش مع البشر على الأرض (http://majles.alukah.net/t83248/) و (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%AF). و لكن يأتى عمر إبن الخطاب ليصدمنا و يفيقنا من وهم كون الحجر الأسود زراع الله أو كف الله بقولته الشهيرة: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك"؛ و بهذا يكون عمر قد الغى كل أحاديث رسول الإسلام المتعلقة بكون الحجر يمين الله أو كف الرحمن.
• كما ترتبط المغالطة الجينية بمغالطة الإحتجاج على أو بالشخص/الإنسان "argumentum ad hominem" فاذا كانت المغالطة تهدف الى تشويه منتج معين أو الإساءة اليه فيتم ربط هذا المُنْتَج (أو الموضوع) بشخص مستهجن أو ذى سمعة غير طيبة، كأن تنصح شخص ما بعدم شراء سيارة فولكس فاجن (Volex Wagon) لأن هتلر و رجاله كانوا يستخدمون هذا النوع من السيارات. فمغالطة الإحتجاج بشخص لرفض موضوع معين أو سلعة ما تسمى مجازياً "Poisoning the Well" تسميم البئر/المنبع أو مباشرةً تعنى الهجوم على الشخص "Personal Attack" و هى محاولة لوضع الخصم فى موقف لا يستطيع معه الرد على الحجة المقدمة ضده؛ أما إذا كانت المغالطة تهدف للترويج أو لرواج موضوع أو سلعة معينة و ذلك بربطها بشخص معين "قد يكون الشخص الذى يقدم الحجة أو الجدل" دون أى مناقشة أو نقد للجدلية أو للحجة نفسها، فمثل هذا السلوك أو الممارسة يتسم بالمغالطة أيضاً لان الشخص الذى يتم ربطه بالحجة أو الجدلية غير ذات صلة بموضوعها و لا علاقة له بكنهها أو بصدق أو زيف الجدلية أو الحجة نفسها. فمثلاً الحقيقة أو الحجة التى تقول أن: "2 + 2 = 4" هى حجة أو حقيقة صادقة بغض النظر عمن يقولها سواءاً كان مجرماً أو بريئاً ، لصاً أو حارساً، رجل دين أو ملحداً مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً. و على عكس ذلك فإن المغالطة الجينية يمكن أن تعنى الإحتجاج بالشخص و ليس على الشخص؛ و مثال ذلك الحجة التى تقول أنه "يوجد عدد سبع سماوات" تعتمد فى حجيتها على شخصية قائلها؛ أما بالنسبة لرجل المنطق الصحيح لا يمكن أن تكون هذه الحجة صادقة لمجرد أنها صدرت من رجل دين أو نبى أو رسول.كذلك عندما حَرَّم البابا شنودة زيارة القدس على المسيحيين فى مصر وأصدر قراره أن: "كل من يزور القدس يُحرم من ممارسة طقس معين وهو التناول" فهذا القرار مغالطة منطقية فالتناول طقس كنسى تعبدى لا علاقة له بالذهاب الى القدس أو عدم الذهاب لها. ولكن حجية القرار تعتمد على شخصية مصدره و هو البابا. بمعنى أن تنفيذ القرار يتم إرضاءاً للبابا و إتقاءاً للحرمان من ممارسة طقس دينى و ليس إقتناعاً بذلك القرار أو إرضاءاً لله.
• و يدخل تحت تصنيف مغالطة نقد الأشخاص أو الإحتجاج على الشخص أو بالشخص المقدم للحجة أو الجدلية ما يُعرف بأسم الحجة أو الجدلية المسيئة أو الفاسدة (abusive argument) التى تحتج بأن إقتراح ما، أو تأكيد ما، أو حجة ما لابد أن يكون محتواها الزيف و الخطورة لأن هذا الأقتراح أو التأكيد أو الحجة صادرة عن أو نابعة من جماعة معينة؛ كأن تكون هذه الجماعة ملحدة، أو مسيحية، أو مسلمة، أو شيوعية، أو أى مجموعات أخرى. فرسول الإسلام ينكر حادثة صلب المسيح رغم ثبوتها تاريخياً و بأدلة مادية (John Piper: The Great Offense: Was Jesus Really Crucified?) ليس لأن لديه الأدلة على عدم صلبه و لكن هو ينفى حادثة الصلب لأن المسيحيين يقولون و يؤمنون بها. و العكس صحيح فلو قيل لنا أن: "الطفلة التى بلغت الخامسة من عمرها هى فتنة و يجب أن ترتدى الخمار حتى لا تكون فتنة" هى حجة صحيحة و مضمونها الصدق و الخير لانها صادرة من مجموعة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فهذه مغالطة أو حجة مسيئة أو فاسدة. و الإقتناع بمثل هذه الحجج الفاسدة ينبع من تحول نفسى حاد غير عقلانى أكثر من كونه نابع من إتساق الحجة مع أدلتها أو مع المنطق السليم المتعلق بالموضوع المطروح للنقاش. و الحجة أو الجدلية الفاسدة "" تشبه المغالطة الجينية "Genetic Fallacy" فى أن كلتاهما يركز النقد على الأشخاص و ليس على الموضوع.
كما يدخل تحت تقسيم مغالطة نقد الأشخاص أو الإحتجاج على الشخص المقدم للحجة أو الجدلية (argumentum ad hominem) ما يُعرف بأسم الحجة أو الجدلية الظرفية (Circumstantial argument) و هى الإحتجاج بأنه ينبغى على طرف ما قبول أو رفض حجة أو جدلية ما فقط بسبب ظروف حياتية؛ و ذلك يُعد مغالطة لأن الحجة او الجدلية تنفصل عن مقدمها و عن المتلقى لها، و يقتصر البحث فيها على كونها ذات أدلة منطقية تثبتها أو تدحضها لذاتها. فعلى فرض أن خصمك رجل دين، فالإقتراح عليه بأن يقبل حجة معينة لأن عدم قبوله لها يتعارض أو لا يتماشى مع ما جاء فى القراَن أو التوراة أو الإنجيل فإن هذه الحجة مغالطة ظرفية. فحزب الحرية و العدالة (حزب الإخوان المسلميىن) و حزب النور السلفى كانا يطالبان الناس بالتصويت لهما لمجرد ان الناس مسلمين و أن الحزبين إسلاميين. كذلك فإن حجة إنتماء الشخص الى حزب معين أو الى مذهب دينى معين أو الى أى جماعة معينة توجب عليه تأييد أو التصويت لصالح إجراء أو قرار معين يتخذه الحزب أو تتخذه الجماعة فإن ذلك يعنى مغالطة ظرفية. فظروف مقدم الحجة أو ظروف الخصم الخاصة لا تؤثر على صدق أو عدم صدق الحجة المُخْتًلف عليها أو الحجة موضوع الإختلاف؛ و من ثم ينبغى على المتحدث أو الكاتب أن يقدم أدلة جامعة و شاملة غير تلك المغالطات المنطقية. و لدينا مثال حى على مغالطة الحجة الظرفية التى سادت أثناء أول إنتخابات رئاسية فى مصر بعد فورة غضب فبراير 2011. فقد تم إنتخاب السيد محمد مرسى رئيساً لمصر كونه من جماعة الإخوان المسلمين التى قدمت نفسها على أنها كانت تعيش فى ظروف سيئة من الإضطهاد السياسى؛ و ليس لكونه رجلاً ذا حنكة سياسية و إقتصادية إذا ما قورن بمنافسه السيد أحمد شفيق الذى خسر الإنتخابات كونه محسوباً على نظام السيد حسنى مبارك رئيس الجمهورية الأسبق و الذى أُطيح به فى مظاهرات 2011. و كانت دعاية حزب الحرية و العدالة (حزب الإخوان المسلمين) هى"الإسلام هو الحل" و هذا يعنى أن تصويتك لحزب الإخوان يعنى الإنتصار "للإسلام" و طالما أنت مسلم فيجب عليك أن تصوت لصالح الحزب و عدم تصويتك للحزب يعنى أنك ضد الإسلام و ضد الله و ضد رسوله أى أنك "تحاد الله و رسوله".
و فى ختام هذا المقال نود أن نذكر القارئ العزيز أن هناك اربع مجالات تقع فيهم المغالطات المنطقية و هى 1- الصلة بالموضوع ، 2- مكون الجدلية أو الحجة المنطقية، 3- و غموض الكلمات، 4- و التركيز على المحذوف أو الغير مذكور. و قد تم تعريف المجال الأول من المغالطات المنطقية على أنه إنقطاع الصلة بين الحجة و الموضوع؛ و هذا النوع يشمل عدة مغالطات كان أولها المغالطة الجينية التى تعنى بنقد أو مساندة الشخص أو المكان الذى نشأت منه الحجة و ليست الحجة نفسها المغالطة للمنطق و العقلانية؛ كذلك أشرنا الى الحجة أو الجدلية المسيئة أو الفاسدة (abusive argument) لإرتباطها بجماعة معينة؛ و أخيراً تناولنا الحجة أو الجدلية الظرفية (Circumstantial argument) و التى تعنى تأييد أو قبول أو رفض حجة أو جدلية ما فقط بسبب ظروف حياتية. و الى لقاء قادم دمتم بخير و سلام. رمسيس حنا
#رمسيس_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تفجير البطرسية؟؟؟
-
حالة عشق
-
المغالطات المنطقية 1
-
الدستور المصرى: دلالات الفالج فى المادة الثانية و المادة الس
...
-
إرفعوا أيديكم عن سيد القمنى الدستور المصرى تحت مجهر إزدراء ا
...
-
سيد القمنى وضع المعول على أصل الشجرة
-
سيد الكلمة (الى سيد القمنى)
-
الله و الإنسان ... هل هناك علاقة؟؟؟ 1
-
العقل ... عندما يسقط
-
المخ ، العقل ، الميتافيزيقا و الغيب الإسلامى
-
مفهوم الغيب الإسلامى و فلسفة الميتافيزيقا
-
مقدمة فى الحمل العذراوى
-
المنير
-
مفهوم العذراوية المريمية
-
مفهوم العقل فى معجزات شفاء المرضى
-
فاطمة ناعوت: رسالة
-
نرجسية الإنسان فى النصوص الدينية
-
نرجسية الأنسان فى النصوص الدينية
-
النرجسية الموسوية
-
مقدمة فى النرجسية الدينية
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|