ابتسام يوسف الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 1426 - 2006 / 1 / 10 - 11:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيرون هم الذين استفادو او نالوا الشهرة التي يحلموا بها, بسبب القضية العراقية او بالاحرى من مصيبة العراق, واغلب هؤلاء, من التجار سواء اكانوا تجار السلاح او الشعارات, او تجار المولدات الكهربائية! ولكن اكثرهم ربحا هم تجار الكلام, والصنف الاخير هم الاغلبية, عشرات من هؤلاء حصلوا على رتب (محلل سياسي) او (مفكر عربي)..الخ من الالقاب.
ومنهم من صاروا اصحاب لمحلات حزبية, او مؤسسات اعلامية يشار لها بالسبابة! ومنهم من شكلوا احزابا وجمعيات, لعلهم يدخلوا السياسة من اوسع ابوابها ربحا.
مقابل هؤلاء هناك الالاف ممن قضيتهم الاولى العدالة والسلام للجميع, وحياة كريمة لكل الاطفال. الذين كنت معهم ومازلت ضد الحروب بكل اشكالها وضد حصار الشعوب, لانه جريمة كبرى لاتقل بشاعة عن الحروب, فكلاهما ضد الابرياء.
لذا كنت اشارك بكل فعالية او نشاط ضد الحرب او الحصار على العراق, من التي يتبناها البريطانيون الذين نقدر عاليا روح التضامن لديهم, فالبعض منهم يقطع مئات الكيلومترات ليشارك بتضاهرة ما او اجتماع.
في تلك الفترة عرفت جورج كالوي (او غالوي) حسب المزاج العربي, لم اكن اعرف عنه غير انه واحد من عشرات السياسيين الذين عارضوا الحرب والحصار على العراق, لكنه يختلف عن بعض البريطانيين, في انه لم يذكر نظام صدام بسوء ولا سياسته المتهورة اذا لم نقل الدكتاتورية بنوعها الغبي. كما فعل الاخرين, مثل السيد توني بن, اليساري العمالي.
تذكرت حوار عابر مع السيد غالوي, وانا اشاهده في لقطات لاسوأ برنامج بريطاني, بالنسبة لي على الاقل, برنامج (الاخ الكبير) الذي يحظى بشعبية عالية وسط البريطانيين من قراء صحف التبلويد الفضائحية. والمشتركين به معظمهم من الذين يحلموا بالظهور على شاشة التلفزيون, ويلجأوا لكل الحركات الفاضحة لعل صحيفة الصن التي تتغذى على الفضائح تكتب عنهم.
فقد سألته يوما بحوار عابر, قبل ان يعرض التلفزيون البريطاني لقاءه بصدام بعد فضيحة حصوله على مبالغ مقابل نشاطه الذي كنت اظنه انساني فقط . "هل التقيت بصدام, ومارايك به؟"
فاجابني بشكل مقتضب, مستخدما التعبير الشعبي الشائع لدى الانكليز حين يتحدثوا عن شخص ما:
"he is not my cup of tea"
اي بمعنى انه ليس الشخص المفضل, او شخص غير مهضوم, ولكنه كما قال:"افضل من الحكام العرب وخاصة حكام الخليج".
لم اكن اعرف ان زوجته فلسطينية, لذا استغربت من فكرته تلك! فلاوجود لهكذا مقارنة الا بتفكير العرب المخدوعين بقومية صدام واولهم الفلسطينيون.
فبمقارنة بسيطة بامكاننا ان نفكر بحيادية لنرى كيف خدم اؤلئك الحكام بلدانهم وأيهم كان اكثر ضررا لشعوبهم وللقضية العربية, قضية فلسطين بشكل خاص.
لا نقدر ان ننكر ان صدام فاق الجميع بشعاراته الفقاعية, فهو اول من اراد تحرير فلسطين عبر عربستان! فاودى بحياة الاف الشباب العراقي بحرب الثمان سنوات, اوهنت الميزانية العراقية واضعفت الجيش العراقي وقضت على البنية التحتية والفوقية للبلاد!
كذلك هو اول حاكم عربي يحتل بلد عربي جاره, وقف معه بحربه الاولى, ليحرر فلسطين مرة اخرى, ولكن من الجنوب العراقي هذه المرة! ربما كان يلعب (طوطحية بالمية) التي كنا نلعبها ونحن صغار حيث ندور على انفسنا حتى ندوخ ولانقدر على السير بشكل مستقيم, فداخ المسكين وتيه الطريق لفلسطين.
بل الاكثر فضاعة انه كان يوهم الاخوة الفلسطينيين, بوطن بديل ليستبدلوا فلسطين بالكويت, ليخدع وقتها بعض المضللَين من ابناء فلسطين من الباحثين عن وطن, أي وطن كان, بالرغم ما بتلك الفكرة من طعن للفلسطينيين انفسهم وللعرب والعروبة قبل طعن الكويتين . فلم يرى الفلسطينيون انه كان السبب بتشريدهم من الكويت التي احتضنتهم عقودا, ودفع بالاف العوائل على الحدود الاردنية. وفوق ذلك كله تسببه باحتلال العراق من قبل ابشع مستعمر.
لكن لو امهلوه, المسكين, لاحتل الاردن لتحرير فلسطين ولعرف الفلسطينيون انه ليس غبيا بالجغرافية على كل حال.
يقول اصحاب غالاوي, ان حكام الخليج عملاء لامريكا!! لنرى من خدم امريكا اكثر, فصدام العروبة بحربه مع ايران قدم لها الفرصة الذهبية لاستغلال منطقة الخليج كلها والسيطرة عليها, وجعلها سوقا لاسلحتهم المدمرة.
ثم خدمها جل خدمة باحتلال الكويت فقدم لها الفرصة الالماسية لاقامة القاعدة العسكرية التي حلمت وخططت لها عقودا واعواما. بل صارت لها قواعد في معظم دول الخليج.
والاهم من ذلك كله لنرى كيف خدم صدام بلده العراق مقارنة بحكام الخليج وماقدموه لبلدانهم؟
العراق من البلدان الغنية بثرواتها وطبيعتها الجغرافية, قبل عشرات السنين كان العراق جنة ببساتينه وانهاره, بسهوله وجباله. وقبل عقود كان العراق يوزع الملايين من الدولارات على مصر وغيرها من البلدان كمساعدات. لااريد ان اخوض بالماضي العريق واحكي عن منزلة العراق وبغداد التي كانت مدرسة يطلب العلم فيها من اقاصي الغرب الى الصين.
ماذا حل بالعراق الان, على يد القائد المدافع عن العروبة؟ العراق اليوم مدن مهجورة ومبان مهملة كالحة وشوارع تحولت لمزابل تتضخم يوميا, تجوبها قوات المحتل والمجرمين من كل الاجناس ليزرعوا الخراب والدمار في المباني والنفوس. كل ذلك من اجل حفنات من النقود وعدوا بها او استلموها مسبقا ثمنا لدماء الابرياء من ابناء العراق.
بل تزحف اليوم الصحراء لمدن العراق بدلا من زرع صحراءها. واموال البترول استخدمت ضد الشعب ولتدميره بدل من تحديث المباني وصيانة الاثار والتراث الغني, ولتوفير الحياة الكريمة لابناء العراق.
بينما نجد مدن الخليج التي كانت بالامس القريب قرى صحراوية تخلو من ابسط سبل الحياة الحضرية, نراها اليوم تضاهي العواصم الاوربية اعمارا وخدمات ونظافة, حكام الخليج (العملاء) حولوا تلك الصحاري الى حدائق غناء, استخدموا اموال النفط لجعل بلدانهم تنعم بالخير والرفاه حتى لو كان نسبيا لسكانها, اضافة لتوفير فرص العمل لكل الفقراء الذين ياموها من مختلف البلدان الاسيوية او الافريقية. واحتظنت المئات او الالاف من الفلسطينين, فمن هو الافضل: ( العميل) حسب اتهام القومجيين, الذي يخدم بلده, ام الذي يرفع شعارات معاداة الاستعمار ويعمل لصالحه؟ وقيل (من لاخير به لاهله لاخير به لامته).
ام نكتفي بشعارات لامعنى لها ولا فحوى في اجندة ومخططات القائد العربي الغيرعميل!
ولكن لالوم على جورج كالاوي في رايه, بقدر ملامة العرب الذين ينظرون للامور (صفحْ) اي بعين واحدة.
ولايهمنا بما تتحدث به الصحف البريطانية عن كذبه وحقيقة تسلمه الاموال التي يقال انها ليست باسمه بل باسم زوجته (الفلسطينية) او باسم الوسيط او الوسطاء ومااكثرهم!
فماعاد لذلك الامرمن اهمية بالنسبة لي فكثيرون الذين اعماهم صدام بالدولارات ولم يرو فداحة الثمن الذي باعوا به ضمائرهم, لم يرو حجم المصيبة وهم يشاهدوا الكم الهائل من القتل والتخريب اليومي.
حتى لو اثبت غالاوي كذبة المفتشين او المحققين الامريكان (المعروفين بزيفهم) بانه لم يستلم اي نقود. لن يغير من الامر شيئا , فالامر لايختلف عن مشاركته ببرنامج (الاخ الكبير) التي يسعى من خلالها الحصول على شهرة اكبر وشعبية لحزبه الجديد, حتى لو كانت من خلال هكذا برنامج. ولو ان بعض الصحف العربية تحاول تبرير ذلك من خلال زعمها بانه قرر ان يمنح الشعب الفلسطيني المبلغ المفترض تقديمه له بحالة فوزه!
فالامر اراه سيان, هو البحث عن الشهرة مهما كانت الوسيلة, سواء كانت المشاركة ببرنامج سطحي مع مهرج فاشل مثل (باري مور), او بتمجيد جلاد احمق مثل صدام, وقد سمعته ورايته بعيني عبر الشاشة الصغيرة يمجد القائد الكارثة ذاك وهو واقفا: " اني احييك سيادة القائد, احيي شجاعتك" فتلك كلمات النفاق او الغباء السياسي! ابشع من تهمة تسلمه الدولارات اياها.
#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟