"ورقة موقف" بشأن قضية العملاء...
المركز الفلسطيني يدعو لإلغاء عقوبة الاعدام
دعا مركز حقوقي فلسطيني إلى الغاء عقوبة الاعدام كونها لا تشكل رادعاً للجريمة، وتمثل انتهاكاً للحق في الحياة. وقد جاءت هذه الدعوة بعد يومين من صدور حكم باعدام أحد سكان رفح أدانته محكمة أمن الدولة بـ"التخابر مع جهة أمنية أجنبية معادية بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية العليا".
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في غزة في "ورقة موقف" أصدرها يوم 26 تشرين الأول، أن عقوبة الاعدام "هي واحدة من أبشع العقوبات التي ينبغي العمل على إلغائها في جميع أنحاء العالم، بما فيها فلسطين، لأنها تمثل انتهاكاً للحق في الحياة"، مشيراً إلى أنه لا يرى أنها "تشكل رادعاً للجريمة".
وأوضح المركز أن "إلغاء هذه العقوبة لا يعني التسامح مع المدانين بجرائم خطيرة، بمن فيهم العملاء، ولكن ينبغي النظر في عقوبات رادعة وتحافظ على إنسانيتنا في آن".
يذكر أن محكمة أمن الدولة الفلسطينية أصدرت مساء 24 تشرين الأول حكماً، هو الثالث من نوعه خلال شهر واحد، باعدام أكرم الزطمة (22 عاماً)، رمياً بالرصاص بعد أن ادانته بتهمتي "التخابر مع جهة أمنية أجنبية معادية بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية العليا، وإضعاف الروح المعنوية وروح المقاومة للشعب الفلسطيني".
وكان الزطمة قد اعتقل في شهر آب الماضي 2002، حيث وجهت له إلى جانب التهمتين المذكورتين، تهمة القتل قصداً وبالاشتراك في اغتيال زعيم الجناح العسكري لحركة "حماس" الشهيد صلاح شحادة، وذلك في أعقاب قيام طائرات حربية إسرائيلية بقصف مبان سكنية في حي الدرج بمدينة غزة، يوم 22 تموز 2002 بهدف اغتيال شحادة، مما أدى إلى سقوط 16 مدنياً فلسطينياً بينهم 8 أطفال. وقد برأت المحكمة الزطمة من تهمة القتل قصداً أو بالاشتراك وجرمته فيما يتعلق بالتهمتين الأخريين.وأوضح المركز موقفه من قضية العملاء ومسألة التعامل معهم وذلك على النحو الآتي:
" أولاً: إن عملاء الاحتلال الإسرائيلي هم جزء لا يتجزأ من بنية الاحتلال ومن أخطر أدواته وأذرعه المزروعة في جسم الشعب الفلسطيني، ينفذون ويساهمون في تنفيذ الجرائم المستمرة التي تواصل قوات الاحتلال اقترافها بحق الشعب الفلسطيني. وموقف المركز من جرائم العملاء لا يختلف عن موقفه من جرائم الاحتلال التي تمثل جرائم حرب يجب معاقبة مقترفيها من قادة وجنود الاحتلال وتقديمهم لمحاكم دولية، بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وفيما تكون ملاحقة مجرمي الحرب من قادة قوات الاحتلال وجنوده مهمة دولية، فإن مهمة ملاحقة عملاء الاحتلال وتقديمهم للقضاء هي مهمة فلسطينية بحتة، ينبغي الوقوف أمامها بكل حزم، وتتحمل السلطة الوطنية الفلسطينية المسؤولية الكاملة، كحق وواجب، لتنفيذ هذه المهمة في إطار من القانون.
ثانياً: إن حركة حقوق الإنسان قد رفعت صوتها عالياً منذ نحو سبعة أعوام منتقدة اتفاقية التسوية المرحلية التي قدمت فيها منظمة التحرير الفلسطينية ضمانات بعدم ملاحقة العملاء ومضايقتهم، واعتبرت في ذلك تنازلاً غير مبرر عن حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني بملاحقة هؤلاء المجرمين وتقديمهم للعدالة. وفي هذا السياق ينص البند 4 من المادة 20 من اتفاقية التسوية المرحلية الأولى الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1994 (اتفاق حول قطاع غزة ومنطقة أريحا) على ما يلي: "مع تولي السلطة الفلسطينية زمام الحكم، يلتزم الجانب الفلسطيني بحل مشكلة أولئك الفلسطينيين الذين كانوا على اتصال بالسلطات الإسرائيلية. وإلى أن يتم التوصل إلى حل متفق عليه، يتعهد الجانب الفلسطيني بعدم محاكمة هؤلاء الفلسطينيين أو إلحاق الأذى بهم بأي شكل." وقد تضمنت الاتفاقية الإسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1995 ضمانات مماثلة للعملاء، حيث نصت المادة 16 - 2 على ما يلي: "الفلسطينيون الذين أقاموا صلات مع السلطات الإسرائيلية لن يكونوا عرضة لأعمال المضايقة أو العنف أو التعسف أو المحاكمة. وسيتم أخذ إجراءات ملائمة ومستمرة بالتنسيق مع إسرائيل من أجل ضمان حمايتهم."
ومع أن هذه القيود تنطبق فقط على العملاء قبل توقيع اتفاقية التسوية المرحلية، كان تقديم ضمانات بعدم المس بالعملاء وملاحقتهم وفقاً للقانون انتقاصاً وتنازلاً عن حق مشروع للشعب الفلسطيني الذي عانى وما يزال من جرائم الاحتلال وعملائه. ويرفض المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشكل قاطع أي تقاعس من جانب السلطة الفلسطينية عن فتح ملفات جميع العملاء واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، وذلك تأكيداً على مبادئ سيادة القانون وأنه لا ينبغي التسامح مع كل من يخالف القانون، وأن العملاء لا يمكن أن يكونوا فوق المساءلة القانونية.
ثالثاً: إن المطالبة بتقديم العملاء للعدالة لا يعني بأي حال القبول بعرضهم أمام محكمة أمن الدولة. وموقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المعارض لوجود محكمة أمن الدولة ليس له علاقة من قريب أو بعيد بقضية واحدة. فمنذ إنشاء هذه المحكمة في العام 1995، اعتبرت منظمات حقوق الإنسان أنها تشكل انتقاصاً للسلطة القضائية وأنها تفتقر للمعايير الضرورية الواجب توفرها في محاكمة عادلة، حيث تجري محاكمات سريعة ولا يتوفر فيها دفاع ملائم وأحكامها غير قابلة للاستئناف.
ومع إقرار السلطة الفلسطينية مؤخراً للقانون الأساسي وقبله قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم والتي خلت جميعها من أية إشارة لمحاكم أمن الدولة وأكدت على مبدأ استقلال السلطة القضائية، فإن من المهم التأكيد مجدداً على المطالبة بإلغاء هذه المحاكم وإلغاء منصب النائب العام لمحاكم أمن الدولة كاستحقاق أساسي لعملية الإصلاح في السلطة الفلسطينية.
رابعاً: إن موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام هو موقف مهني وأخلاقي من حيث المبدأ وليس له علاقة بقضية بعينها. وأمام الجدل واسع النطاق في العالم حول جدوى هذه العقوبة، ورغم استمرار العمل بها من قبل العديد من بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، لا يرى المركز أن هذه العقوبة تشكل رادعاً للجريمة. وهي واحدة من أبشع العقوبات التي ينبغي العمل على إلغائها في جميع أنحاء العالم، بما فيها فلسطين،لأنها تمثل انتهاكاً للحق في الحياة. وإلغاء هذه العقوبة لا يعني التسامح مع المدانين بجرائم خطيرة، بمن فيهم العملاء، ولكن ينبغي النظر في عقوبات رادعة وتحافظ على إنسانيتنا في آن. ولا يتعارض هذا الموقف الذي يتبناه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إزاء عقوبة الإعدام، مع مبدأ سيادة القانون الذي يناضل المركز بصرامة بغية تطبيقه واحترامه.