|
الأقباط … يركلون أمريكا
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 11:55
المحور:
بوابة التمدن
على طريقة (يقتل القتيل ويمشي في جنازته)، وبكل صفاقة، ينظر الكونجرس الأمريكي الآن مشروع "قانون خاصٍّ بترميم الكنائس" (المصرية!) التي حُرقت وفُجّرت أثناء حكم الإخوان الأغبر لمصر وبعد فضّ اعتصامي رابعة والنهضة المُسلّحين!!!!! وبالطبع، وكما عودتنا كنيستُنا المصرية الوطنية، أعلن قداسة البابا تواضروس والقائمون على الشأن المسيحي بمصر، في بيان رسمي، رفضهم هذا المشروع بشكل مبدئي وحاسم. وكأن أمريكا تظنُّ أننا، نحن المصريين مسلمين ومسيحيين، لا نعي أن أمريكا هي التي دعمت الإخوان وأضرابهم بالمال والعتاد والخطط الجهنمية ووفرت لهم الحماية حتى يسرقوا عرش مصر عامًا كاملا، حتى أجهض مسعاها اللئيم شعبٌ عظيم وجيش عظيم، في يونيو ويوليو 2013. وكأن أمريكا لا تدرك أننا مدركون أنها هي التي زرعت داعش المجرمة في العراق بعد غزوها واحتلالها في 2003، بزعم وجود أسلحة دمار شامل، لم يُعثر عليها بعد! فاحتلّت العراق العريق ودمّرت تراثه وبشره، قبل أن تنتقل إلى سوريا لتنفّذ فيها مخططها الإجرامي ذاتَه! وكأن أمريكا لم تفهم بعد أن المصريين يعرفون أن هيلاري كلينتون، ذات الشعبية الأمريكية الفائقة، كانت تعمل على التضحية بأقباط مصر لصالح أمريكا، مثلما سمحت بإبادة مسيحيي العراق على يد داعش تحت سمع وبصر أقوى جيوش العالم الذي نظر وصمت ولم يحرّك ساكنًا. وكأن أمريكا لم تعِ بعد أننا واعون للمليارات التي دعمت بها الإخوان في مصر، مثلما تدعم اليوم "داعش" بالسلاح الذي تموّله قناطير "قطر"؛ من أجل إنهاك المنطقة العربية وجيوشها لصالح عيون إسرائيل العزيزة على قلبها. وكأن أمريكا لم تفهم بعد أننا نرى بعيوننا كيف أسقطت نظام القذافي في ليبيا، ليس لرخاء الليبيي،ن بل لدعم الفوضى والشتات وقوى الإرهاب الذي ينحر عنق ليبيا كل نهار. وكأن أمريكا لا تعرف أننا نعرف أنها تبتسم مع كل حادث طائفي في مصر، ثم تُخفي ابتسامتها لتنظر كيف تحوّل المأساة إلى منفعة لسياستها في الشرق الأوسط التي تصبّ دائمًا في صالح إسرائيل! أمريكا تظنّ بكل بلاهة وانعدام رؤية أن محنةَ الأقباط المسيحيين في مصر، وهي حقيقة يراها المبصر والأعمى، ربما تنحر في وطنيتهم وذكائهم وعشقهم لمصر ووحدتها، وهو ما لم يحدث عبر التاريخ، ولن يحدث أبدًا، وفي بيان الكنيسة الأخير ما يؤكد هذا. أشاد بيان الكنيسة بتعهّد الرئيس عبد الفتاح السيسي بترميم الكنائس وإصلاحها بالجهود والأموال المصرية قبل انتهاء 2016، وهو ما تقوم به الهيئة الهندسية بالقوات المسلّحة المصرية، على الوجه الحسن، حتى الكنيسة البطرسية، آخر ضحية للإرهاب، سوف تكون جاهزة للصلاة عشية عيد الميلاد المجيد. ولكن. والمحن كلّها تكمن في (لكن) التي تُفتّح العيونَ على المثالب والمشاكل لنواجهها. ولكن علينا أن ندرك أن "وطنية" أقباط مصر، يجب ألا تُنسينا عدة أمور علينا تأملها. أولا: أن جهود مصر في معالجة "آثار" الإرهاب، لا ينفي تخاذلها في مكافحة "أسباب" الإرهاب. جميلٌ أن تُسارع مصرُ لترميم كنيسة سحقتها يدُ الإرهاب السوداء، ولكن مصر ذاتها تعزّز الإرهاب الفكري الذي يضع القنبلة في يد الإرهابي "المُنفّذ"، وتلفّ خصرَه بالحزام الناسف. ثانيًا: أن مصر تعالج "العرض" ولا تداوي "المرض". لأن الإرهابي ذا الاثنين وعشرين عامًا الذي فجّر البطرسية، وغيره من المجرمين، لم يتعلّموا الإرهاب بين ليلة وضحاها، إنما تم غسيل أمخاخهم الهزيلة على مدار سنوات طوال من الشحن الطائفيّ في المدارس والزوايا وأشرطة التسجيل التي يعبئها بالسموم مشايخُ التضليل، على مرأى ومسمع من الحكومات المصرية والحكّام المصريين منذ ستين عامًا، ولا يوقفهم أحد. ثالثًا: أن المعلّم والمعلّمة في مدارس مصر، وخصوصًا مدارس الصعيد، يُعدّون، دون دراية، إرهابيين جددًا في طور النشء حين يميّزون في المعاملة بين الطالب المسلم والطالب المسيحي. وأن مناهج التعليم المصري المُفخّخة بالعنصرية والطائفية تقوم بالدور نفسه في تهيئة روح الطالب على الإرهاب حين يتيسّر له الأمر ويحوز سلاحًا. رابعًا: أن الإرهاب "اللفظي" ضد المسيحيين، الذي تسمح به الدولة المصرية على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي والمدارس والزوايا والطرقات، لا يقلّ خطرًا عن الإرهاب "المسلّح"، لأن الإرهاب اللفظي هو إرهابٌ "منزوع السلاح”. إن توفّر له السلاح؛ قتلَ وفجّرَ ونسفَ ونحر. خامسًا: هناك آية في الإنجيل تقول: “يُدافَعُ عنكم وأنتم صامتون"، ويفهم منها المسيحيُّ أن اللهَ يدافع عنهم وإن صمتوا ولم يدافعوا عن أنفسهم، ولكننا في الدولة المدنية التي ننشدها، حيث حقوق المواطنة والعدالة، نفهم منها أن "الدولة" هي التي يجب أن تقوم بهذا الدور في الدفاع عن مواطنيها، ولا تكتفي بأن تذهب إليهم في كنائسهم، بعد وقوع الهول والتفجير والتقتيل، لتواسي جراحهم وتمسح دموعهم وتعدهم بإصلاح ما تلف، لأنها إن أصلحت كنيسة دُمّرت لن تستطيع إعادة الروح لمن استشهد منهم. الأولى أن تمنع الدولةُ ذلك الهول من "المنبع" لا أن تعالج ما تيسّر من تداعياته المُرّة. سادسًا: مازال القانونُ في مصر ميزانُه مائل إذا ما تعلّق الأمر بنزاع بين مسلم ومسيحي. ومازال القانون أعرجَ كسيحًا في توقيف المُحرّضين ضد المسيحيين. ومازال مَن هدموا كنيسة "صول" على مدار اثنين وعشرين ساعة على مرأى من الدولة ومسمع، أحرارًا طلقاء يعيثون في الأرض فسادًا. ومازالت أُذن "أيمن ديمتري" المبتورةُ، مبتورةً، دون أن يُقتصَّ من الجُناة السفاحين. وتلك جميعها، وغيرها الكثير، "ثغراتٌ" تُطلُّ منها أمريكا برأسها الإرهابية على شأننا الداخلي "المعوجّ"، وآن الآوان لنعالج اعوجاجَه نحن من جذوره. وأخيرًا: ما كان لأمريكا أن تتدخّل في شأننا على هذا النحو السافر السافل لو أنها لم تجد "الثغرة" التي تدخل منها. والحقيقة أن تلك الثغرةَ شقٌّ هائل وصدعٌ مُخجل يتجلّى في معاناة المسيحيين في بلادهم منذ عقود طوال، ليس وحسب في تفجير كنائسهم واضطهادهم الصريح في صعيد مصر، بل أيضًا في عدم السماح لهم بتقلّد المناصب القيادية والسيادية الرفيعة في مصر على عكس ما كان يحدث قبل نشوء جماعة الإخوان عام 1928 واستفحالها وتغلغلها في مفاصل مصر ونشر فكرها العنصري الإقصائي في عقول الناس على مرّ السنين. بل غير مسموح لطالب الطب أن يتخصص في أمراض النساء والتوليد اليوم، حتى لا يعالج امرأة مسلمة، رغم أن أبي المسلم المتصوف المثقف حافظ القرآن، ذهب بأمي لطبيب مصري يهودي اسمه "ليون ليشع" لأولَد أنا على يديه، وقت كانت مصر متحضرة. أيتها الحكومة المصرية، (آن الأوان لإصلاح العقول قبل إصلاح الكنائس). فما كان للكونجرس الأمريكي أن يتجاسر بتقديم ذلك المشروع المتبجّح لو لم يجد العنف الطائفي ضد المسيحيين في صعيد مصر مستمرًا وناصعًا على مرأى من الدولة المصرية ومسمع! تحية احترام وإجلال للكنيسة المصرية الوطنية العريقة التي تأبى تدخّل أمريكا في الشأن المصري ببيانها المحترم الرافض لمشروع الكونجرس الأمريكي لترميم كنائس مصر، وتحية احترام وإجلال لمسيحيي مصر الذين يثبتون يومًا بعد يوم، ومحنة بعد محنة، وهولاً بعد هول، مدى نضوجهم ووطنيتهم وتحضّرهم. هم الذين طالما علّمونا أن المحبة لا تسقط أبدًا، وأن التحضّر والتعليم والترقّي هو الحلّ لكل ما نمرُّ به من محن وأهوال.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لأن الله يرى!
-
الشنطة بيني وبينك
-
المصري اليوم تحاور الشاعرة فاطمة ناعوت
-
على هامش البطرسية
-
أيها الجندي … أنت تجرحني!
-
الجميلةُ المغدورة، اليومَ عيدُها
-
من حشا الحزام الناسف بالشظايا؟
-
قُبلة يهوذا
-
لهذا لم أحادثك يا صبحي!
-
دموعُ الفارس | إلى محمد صبحي
-
شجرةٌ وأربعُ عيون
-
محاكمة نجيب محفوظ وأجدادنا والفراشات
-
مشيرة خطاب أمينًا عامًا لليونسكو
-
إيزيس
-
عروسة مولد وشجرة ميلاد
-
أنتم تخدشون حياءنا
-
حلوى المولد .... والبيض الأرجنتيني
-
حلوى المولد والبيض الأرجنتيني
-
صباح فيروز … وجه الفرح
-
هل الآخر جحيم … نعيم؟
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
حَمّاد فوّاز الشّعراني
/ حَمّاد فوّاز الشّعراني
-
خط زوال
/ رمضان بوشارب
-
عينُ الاختلاف - نصوص شعرية
/ محمد الهلالي
-
مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة
/ فاروق الشرع
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4
/ ريبر هبون
المزيد.....
|