|
دراسة تحليلية في البنية التنظيمية للحركة الكردية في سوريا
غمكين ديريك
الحوار المتمدن-العدد: 1424 - 2006 / 1 / 8 - 10:30
المحور:
القضية الكردية
تشكل سورية موزاييكا بشرياً غنياً تضم شعوباً وثقافات وأديان ومذاهب متعددة ،حيث شكلت جسراً لعبور الاديان السماوية الثلاث وإنتشارها في المنطقة والعالم، وتعتبر منذ القديم حلقة وصل بين قارات العالم وتعتبر مهداً للحضارة الطبقية التي ولدت على أرض ميزوبوتاميا، فكانت لها اهميتها التاريخية الخاصة، لتصبح محطة أنظار القوى الحاكمة الاقليمية والدولية بهدف السيطرة على هذا الموقع والطرق التجارية التي تمر فيها، وذلك منذ العهد العبودي وإلى يومنا الراهن. تعتبر مناطق الشمال والشمال الشرقي من سوريا أهم وأغنى المناطق في سوريا من حيث البنية التاريخية والتراكم الثقافي الغني وموزاييكه البشري المتنوع، فقد شهدت هذه المنطقة أول ثورات الحرية من نشوء القرى حتى التجمعات السكنية والتي تدرجت فيها الحضارة الإنسانية وساهمت في تكوين الحضارة السومرية، التي تعتبر بداية التاريخ البشري. فهذه المنطقة المعروفة بمناطق أكراد سوريا أو كردستان سوريا يقطنها غالبية ساحقة من الشعب الكردي، الذين يعتبرون السكان الأصليين للمنطقة، على عكس بعض النظريات القديمة التي تفيد بان الكرد قدموا من شمال أسكندنافيا أو ما شابه ذلك. البحوثات العلمية وعلم السلالات والمكتشفات الأثرية الحديثة التي توصلت إليها العلوم في القرن الماضي ، تفيد بأن الشعب الكردي هو أحد اقدم الشعوب التي سكنت هذه المنطقة، لا بل يعد من مؤسسي عصر الأمومة حيث يسمى حسب المصطلحات في علم الآثار بـ عصر حضارة / تل حلف/. وأثبتت عن التشابه الثقافي في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة ميزوبوتامية العليا التي تعتبر المنطقة المركزية لهذه الثقافة. وأستمر تواجدها في هذه المناطق إلى يومنا هذا ولكن بكثافة سكانية متباينة،فأحياناً أخذت شكل إمارات وأحياناً شكل أمبراطوريات مركزية ، وشّكل مركزاً للحكم في المنطقة. إعتماداً عليه أخذ الهوريين" عامودا " عاصمة لإمبراطوريتهم والتي كانت تسمى" أوركيش " وأخذا الميتانين مدينة " رأس العين " عاصمةً لإمبراطوريتهم والتي مازالت تحافظ على أسمها الكردي بـ " خوشكاني ". رغم الهجرات المتنوعة للشعوب والقبائل المختلفة الى هذه المنطقة ، استطاع الشعب الكردي الحفاظ والاستمرارية في هذه المنطقة دون التفريط بثقافته ، ورغم تعاقب الحضارات وصراعاتها استطاع هذا الشعب الحفاظ على مكوناته الاساسية وتشكيلته الاجتماعية والاقتصادية وبتطورها الخاص نتيجة الارث المتراكم من العصر النيوليتي وعصرالامومة والاستمرارية في صقل فلسفتها الخاصة المكتسبة من تلك المراحل ، لابل تطورها وتكريسها عن طريق الديانة الزرادشتية.،حيث كانت الزرادشتية اول دين او ايديولوجية فلسفية تقوم بتحليل المجتمع والوجود وعلاقته المتبادلة ، ووضع القوانين الأساسية في التطور الفلسفي للكون في وحدة وصراع الاضداد، وهو يقوم بالأساس على تقديس دور الأم كمنبع أساسي للتطور الأجتماعي؛ حيث تأخذ المرأة والأرض نفس القدسية في فلسفته، وهما ركيزتين أساسيتين في تبلور المجتمع؛ فالأرض هي لمن يعمل بها. والمرأة هي رمز التكوين الإجتماعي و وحدته على الرغم من تفاوت المميزات والخواص؛ و بالتالي ترسيخ الاتحاد والتعاون بين جميع أفراد المجتمع / المساواة والإخاء والعدالة / أي الشراكة في الارض والمصير ؛ وهي خاصية اساسية من العصر الأمومي ، والدعامة الاساسية في تعاليم او الفلسفة الزراشتية . أستطاعت الشعوب المتدينة بالزرادشتية قيادة أو تشكل اول نظام مجتمعي متطور في التاريخ الإنساني من الناحية اتحاد الشعوب ، وحقوقها في لعب دورها في النظام القائم ، و وضع اسس الفيدرالية والكونفدراليات ف يمنطقتنا هذه ، وأسطع الأمثلة على ذلك الأمبراطورية الميدية التي أستطاعت لم شمل كافة الشعوب والقبائل تحت مظلة الفيدرالية ، والتي كانت الخطوة الأولى لنظام حكم جديد في المنطقة يؤّمن العدالة الاجتماعية والمساواة والاخوة ، ويحافظ على المكونات الاجتماعية لكل شعب و قومية وطائفة ، ولم يفقد هذا الشعب خواصه ومميزاته وأرضه وأستطاع الحفاظ عليها بأشكال مختلفة وتحت ظروف مختلفة ، ومن الجانب الإجابي ، فقد رسخ وطوّر مميزات قد تكون سليمة نوعاً ما في مجتمع متكافئ ومتساو ويؤمن بالعدالة الاجتماعية ، فهو لا يتطلع إلى الجبروت والعظمة والتحكم بممتلكات ومقدرات الشعوب؛ وبالتالي يبقى ضعيفاً أو غير فعالاً في التطورات الخارجية مع الحفاظ على تأثيرها الأساسي في التشكيلة الإقليمية سياسياً وإجتماعياً وثقافياً ، وبالطبع هذا لا يعني المراوحة او إصابة المنطقة بالركود والانحطاط، فأن دور التحول أو التطور المرحلي يبدأ من النقطة المركزية في محورها الإيجابي الذي ذكرناه سلفا ً وهي المحور الثقافي . الحملات الغربية الاخيرة وبدايات القرن الواحد والعشرين سوف يلعب دوره في دمقرطة المنطقة، وإن لم يكن دوراً أساسياً فسيكون الركيزة الأساسية في كل الاحوال ، وهذه الحقيقة تخاف منها الانظمة التسلطية على المستوى الاقليمي والعالمي، فقد قسمت كردستان لإضعاف قوتها ومنعها من التحول إلى قوة مؤثرة في أتفاقية قصر شيرين 1639 على يد الأنظمة الاقليمية، وقسمت إلى أربعة أجزاء في بدايات القرن العشرين وفي عام 1916 بقرار من النظام العالمي المتمثل في كل من فرنسا وبريطانيا ( سايكس – بيكو )، في مرحلة نمو المفهوم القومي في الشرق الأوسط، وضرورة الانطلاقة وطبع المرحلة بطابعها الإنساني، بعد ما غفت الامبراطوريات في سباتٍ عميق واصيبت بالخمول والركود. ولم يتم مجابهة فعلية لهذا المخطط من قبل هذا الشعب الذي لم يكن يملك شيئا حينها ، وذلك عائد إلى طبيعة وخواص هذا الشعب الذي تحول كافة طاقته إلى طريق التحرير وبناء الجمهوريات مع الشعوب المجاورة، فالبديل هو العدالة والأخاء والمساواة في جمهورية ديمقراطية مثل المشاركة الكردية في بناء الجمهورية التركية ، وتم الأتفاق على الشراكة في الجمهورية التركية بين الأكراد و الاتراك ، وبدء حرب التحرير المعروفة ضد اليونان وأنتصروا فيه وبنوا جمهورية مع الاتراك الذين نكحوا بوعودهم فيما بعد ، وغدروا بالأكراد تحت أسماء ومواقع مختلفة. وفي أيران كانت المقاومة الوطنية الديمقراطية تتطور لبناء الجمهورية الايرانية ، أما في العراق فقد كانت الأوضاع مختلفة؛ فالملكية لم تستقر بعد وهي في بداياتها فما كان من الكرد إلا الحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطقهم وتوسيع المؤسسات العامة والخدمية. وفي سوريا لا يمكن إنكار دور الكرد في الثورات السورية ضد الاحتلال الفرنسي والمقاومة الخالدة التي تبنوها في مرحلة التشكل السوري ، فلم يكتفي الشعب الكردي بالمقاومة فحسب بل قادوا المقاومة وكانوا قوتها الطليعية؛ من خلال رموز المقاومة السورية أمثال / يوسف العظمة و إبراهيم هنانو..... الخ /. بمعنى أخر عندما يؤمن شعب ما بالجسارة والعدالة والمساواة كأستراتيجية له لا بد أن يجد الطرق والوسائل الكفيلة التي توصله إليها ، والمنطق الكردي والفلسفة الكردية تترسخ في الحفاظ على الكرامة الانسانية، والعيش الحر، وتطوير المجتمع الذي يعيش فيه ، بعيدا عن المفاهيم العنصرية والتجزئوية والتفرقاتية والاستعلاء القومي ، وبهذه العقلية والمفهوم أو الفلسفة الاجتماعية ، تم الترابط والتكوين الاجتماعي في الاجزاء الاربعة للشعب الكردي، وأثر الكرد على القوميات الاخرى وتأثرو منهم وطوروا معا وثيقة اجتماعية غنية استطاعت من خلالها تحويل المنطقة الى قوة فعالة ومؤثرة في السياسة الدولية، وتشكيل الجمهوريات الديمقراطية. وأن كان التحول فيما بعد الى جمهوريات قومية عنصرية اعتمدت الانكار والرجعية في حل المسائل القومية واصبحت عقبة في تطور المجتمع الديمقراطي ومؤسساتها المدنية ، اثرت في تخلف مجتمع الشرق الاوسطي وصولا الى الانحطاط التي تعيشها الان ، والبعد عن ركب الحضارة ، وتهميش حقيقة المجتمع الشرق ، وانكار القومية الكردية بشكل خاص ، ليس كقومية فحسب بل اعدمت تلك الخواص التي كانت مزروعة في نفسية المجتمع ، في الاخاء والمساوات والعدالة الاجتماعية والشراكة . الحفاظ على الوجود الكردي (كمهمة )ديناميكية اساسية في إرفاد البنية الاجتماعية والموزاييك السوري وتطويرها وجعلها اساس في دمقرطة المجتمع السوري ، وركيزة للبناء الوطني الذي لا يمكن من دونه الحديث عن الوحدة الوطنية او وحدة الصف ، اعتمدها الكثير من المثقفين الكرد والسياسيين الذين كانو اعضاء في الحزب الشيوعي السوري، الذي لا علاقة له بالقومية والشوفيينية مبدئيا وكبرنامج سياسي ، الا ان الحزب الشيوعي السوري ظهر فيه توجهات عنصرية عربية رغم غالبية اعضائه من الكرد وتطبع اعضاءه بالطابع العربي للدولة السورية ،على الرغم من ان سوريا لها طابعها الخاص تاريخيا فهو ـ خليط ومزيج من القوميات والاديان والطبقات ـ وان كانت تحمل الدولة الصيغة العربية فيما بعد ، فنسبة السكان العرب او المتعرب ( فالساحل السوري هم فينيقيون وليسو عربا بل استعربو فيما بعد ) يتجاوز 70%. وتحت اسم اللاقومية تم انكار الكرد وثقافتهم وقوميتهم في الحزب الشيوعي، حيث رفض الحزب اصدار جريدة ثقافية كردية ـ باللغة الكردية ـ مما حدى بهؤلاء المثقفيين بالانشقاق من الحزب والتوجه الى التنظيم السياسي الكردي الخاص في الاطار الوطني السوري، وذلك في منتصف حزيران 1957 والاعلان عن حزب الديمقراطي الكردي في سوريا عن طريق نخبة من المثقفيين الكرد ومنهم / محمد علي خوجه ـ عثمان صبري ـ شوكت نعسان ـ رشيد حمو ـ حميد حاجي درويش ـ حمزة ويران ملا داوود عبدالله ـ عبد العزيز ملا علي ـ خليل ممو ـوالدكتور نوري زازا الذي انضم لاحقاً ، والتي كانت من اهم بنود البرنامج السياسي للحزب والتي لم ترى مثيل لها في الحركات القومية العالمية، وهي؛ عندما يتحرر بلدنا من نفوذ الاستعمار وتنتهي التداخلات الاجنبية في شأنها سوف يطلب الحزب الوحدة الوطنية والاعتراف بالقومية الكردية ضمن السيادة الوطنية ، اي انها تضع مطاليبها القومية في الدرجة الثانية. تأتي هذه التطورات في خضم مرحلة الانقلابات في سوريا، التي تعتبر من أهم المراحل في التاريخ السوري ، فهذه المرحلة تعتبر مرحلة ترسيخ وتأسيس البيت السوري الداخلي. وما تعاقب وتتالي الانقلابات فيها ، إلا دليل على القبول والرفض لهذا الترتيب ( صراع الاضداد )، فبعض الانقلابات تتجه نحو القومية الواحدة والشوفينية المتمثلة في شخصيات عربية متعصبة ، وبعضها الأخر ليبرالي ديمقراطي يتجه إلى ترتيب البيت الداخلي وفق موزاييك سوريا القومية، والانفتاح إلى الخارج والاعتراف بموزاييك الغني لإقليم" الشرق الأوسط"، ممثلاً بالتيارالليبرالي الديمقراطي بزعامة حسني الزعيم ، محسن البرازي وحسني البرازي (الاكراد قوميا ) ، وبعض الشخصيات الوطنية الاخرى من العرب ، وكان يهدف هذا التيار إلى ترتيب البيت الداخلي عبر العدالة الاجتماعية في المساواة والاخوة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق والدين والجنس، وخارجيا الانفتاح السياسي والاقتصادي والدبلوماسي وقد تم اتهامهم بالعلاقة مع اسرائيل والولايات المتحدة انذاك من قيبل القوميين المتعصبين العرب ، فقد كانت قناعة هذا التيار هو انه للشعب اليهودي الحق في حياة كريمة في الشرق الاوسط والاعتراف بهم كجزء من موزاييكه الغني اولا والحق في العيش بسلام مع الشعب الفلسطيني وبناء كافة مؤسساتهم بدءا من الدولة وصولا الى مؤسسات المجتع المدني اسوة بالشعب العربي الفلسطيني الذي سوف يحقق تطوره المستقل عن طريق دولة فلسطينية او فيدرالية وهذا ما تم الكشف عنه في احدى رسائل محسن البرازي الى الولايات المتحدة الامريكية ، وان كان ذلك ياخذ طابعا من الصحة فان توجه هذا التيار كانت في الديمقراطية المستوردة او المفروضة الان على الشرق الاوسط والانظمة العربية، ( كما تسميها الانظمة المتسلطة الان ) ، وان وجد هذا التيار الطريق الى السلطة آنذاك لكانت مسألة السلام والعلاقة مع اسرائيل قد حلت منذ زمن وتوجهت الدول ذات العلاقة وخصوصا سوريا الى التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مكرسا كافة طاقاته بدلا من الصراعات التي آلت اليه في المسالة القومية والعنصرية بعد اربعة عقود الى البحث عن سبل السلام والعلاقة والتفاوض مع اسرائيل ، فبدلا من انهاك اقتصادها واصابتها بالوهن والخمول السياسي والتخلف الاجتماعي والتخلف عن مواكبة العصر، كانت اتجهت الى التطور الاقتصادي ولكانت الان تجاري دول مثل اليابان و فينزويلا والكثير من دول اسيا الوسطى في اقتصادها ، لانها كانت تملك البنية التحتية لذلك التطور . وكنتيجة للصراعات في مرحلة الانقلابات ، انتصر التيار القومي الذي كان اقوى من التيارات الاخرى وذلك بعد مساندة بعض القوى الضيقة الافق وممسوخة الشخصية والتي ارادت مغازلة هذا التيار مثل الحزب الشيوعي السوري الذي ساند التيار القومي العربي كقوة محالفة له في سوريا من جهة ، وتطور المفهوم القومي في الوطن العربي وخصوصا في مصر تحت قيادة الرئيس القومي العربي جمال عبد الناصر الذي حرض الى دعم الوحدة العربية وجعلها هدفه الرئيسي، فقد رفض التوقيع على ميثاق الوحدة مع سوريا الا بعد حظر الاحزاب ومنعها من النضال السياسي في سوريا. تفاقمت النعرات القومية لاحقا وتطورت معها العنصرية، وخصوصا عن طريق حزب البعث الذي اصبح ممثل للقومية العنصرية العربية، وان كان رئيس الوزراء في الحكومة الاولى عند اعتلاء البعث السلطة هو كردي ـ محمود الايوبي ـ ويقال انه جاء لتجميل النظام او الدكتاتورية ولكن اعتلاء البعث لنظام الحكم في سوريا كان بتاثير المباشر من الرئيس المصري جمال عبد الناصر ممثل القومية العربية ، وبمعنى اخر تم اختتام مرحلة التبلور السياسي في سوريا لصالح القوميين العنصريين ممثلا بحزب البعث واتى الرئيس حافظ الاسد ليرسخ هذا المفهوم كرجل دولة استطاع السيطرة على زمام الامور واعطائها الوجه القومي بحنكة ومهارة؛ بعدما كانت الارضية ممهدة ومنذ عام / 1959 / للمشاريع العنصرية ومشروع الوحدة كان هدفا قائما، اما مشروع حظر الاحزاب وانشاء خط الحزام العربي والاحصاء وسياسة التهجير والتعريب فقد اعطت للقوميين العرب السوريين القوة الكافية من الرئيس جمال عبد الناصر، لتنفيذ هذه المخططات التعسفية التي لا تعكس الواقع السوري فحسب لا بل تتنكر لحقيقة الموزاييك السوري، والتي تعتبر بداية مرحلة انحطاط او وضع العقبة الاساسية في طريق التطور السوري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا . وفي العراق وتحت ضغط القوميين العرب العنصريين اضطر عبد الكريم قاسم اعلان الحرب على الاكراد وايقاف المشروع الوطني الديمقراطي في بناء جمهورية العراق الديمقراطي، وكنتيجة كان اعلان ثورة ايلول واندلاع الاشتباكات في كافة ارجاء كردستان العراق بين القوات العراقية وقوات الثورة الكردستانية، والتي اثرت على الروح القومية الكردية في الاجزاء الاخرى ايضا ، وادت الى ازدياد الوعي الوطني والقومي لدى اكراد سوريا، كتاثير مباشر للقومية العنصرية العربية من جهة ، واندلاع الثورة كسند ومصدر قوة للاكراد من جهة اخرى ، وبدات معها مرحلة جديدة من الصراع بين العد العكسي التي اعتمدته العنصريين العرب ، والتطور الحقيقي للمنطقة عبر الاعتراف بموزاييك المجتمعي للمنطة واخذ الديمقراطية اساسا في المجتمع والدولة . توجه الاكراد إلى النضال السياسي والتنظيمي كقوة مستقلة تهدف إلى الضغط على السلطة ، وردة الفعل ضد النزعات العنصرية والرجعية والتي أدت بدورها إلى نشوء تيارين من الافكار والمفاهيم ، وكانت هذه بداية ظهور أولى الانشقاقات في الصف الكردي في سورية ، وذلك بعد أن قامت السلطات السورية بالاعتقالات التعسفية مكشرة عن أنيابها وإظهار نواياها الحقيقية في إنكار الشعب الكردي ونضاله الديمقراطي ووجوده على ارضه وحقيقته الاجتماعية ، فقد أختار المناضل الكردي المعروف عثمان صبري طريق المقاومة مع بعض رفاقه ، وتكشف ظروف الاعتقال والتعذيب الذي مورس عليهم مدى اهمية نصاله من أجل حقوق ومطالب الشعب الكردي المشروعة ، كجزء لا يتجزأ من النضال الوطني الديمقراطي ضدد الديكتاتورية الطائفية والعنصرية في المحاكم السورية ( محكمة أمن الدولة)، وبمقاومة واصراره على المطالبة بالحقوق القومية والوطنية للشعب الكردي ، تشكل بذلك التيار اليساري ، أما التيار الثاني فقد تنازل قادته عن بعض من مطاليبهم القومية المشروعة للشعب الكردي أثناء الاعتقال ، واكتفو بنداءات لتحسين اوضاع الكرد ، وأنسحبوا من المعارضة السياسية الفعلية للنظام والاكتفاء بالمعارضة الاجتماعية ، وتشكلت بذلك التيار اليميني ، حيث بقي التيار اليميني هذا يشكو من العزلة والانغلاق ويعيش مرحلة الركود والسكون في المراحل اللاحقة، بينما يتطور التيار اليساري ويتعاظم مع قاعدته الجماهيرية التي كانت تتوسع يوميا ، وبأنضمام المثقفيين الوطنين والقوميين الديمقراطيين الى صفوفها ، ومع أتساع القاعدة الجماهيرية تكاثرت الاراء والمفاهيم والروئ المختلفة الى سبل حل القضية ، ولكن النضال الديمقراطي بطبيعته يتطلب النفس الطويل والسيطرة على تطوير أساليب النضال والحفاظ على استمراريتها تحت كافة الظروف والمراحل الصعبة والاحتفاظ بالمرجعية القومية والوطنية . مع القمع المستمر وتزايد الممارسات التعسفية والعنصرية سياسة فرق تسد المتبعة من قبل النظام ، و الاعتقالات وسياسة التهجير والمشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية، من المشروع الامني والحزام العربي وقانون الاحصاء الجائر بحق الكرد ، وتجريد الالاف من الهوية السورية وحق المواطنة وتعريب المناطق الكردية وحظر اللغة والثقافة الكردية ، وإنشاء مستوطنات عربية في مناطق الكرد ، تزعزعت البنية التنظيمية للحركة الكردية، وأخذت بنائها تتصدع وظهرت فيها المفاهيم المختلفة والتناقضات الفكرية ، من يسار ويمين و وسط ، فانشقاق البارتي الى يسار ويمين ومحاولة القيادة الكردستانية في العراق القيام بمبادرة ايجاد صيغة توحيدية ، ادى الى ظهورالتيار الحيادي الذي لم يتمكن من توحيد التيارين السابقين ، فتوجهة هي بنفسها لانشاء مرجعية ( الحياد) والتي كانت تتشكل من مجموعة من الملاكين العقاريين والملالي . ومن ثم انشقاق القيادة المرحلية"الحياد" الى تيارين الاول الاقطاعي العقاري التي استقرت الامانة العامة فيها الى السيد احمد اغا مؤخرا والثاني الديني او الملالي بزعامة الشيخ محمد باقي شيخ محمد عيسى. وبعدها انشقاق اليسار بعد المؤتمر الرابع الى حزبين احدهما بزعامة السيد صلاح بدر الدين"الحزب الاشتراكي الكردي في سوريا" والاخر بزعامة السيدات والسيد عصمت سيدا " الحزب الاشتراكي السوري" وتبرعم السيد صالح كدو من الحزب الاشتراكي الكردي في سوريا تحت اسم " الجناح التقدمي" ومن ثم تحوله الى الحزب الاشتراكي الكردي في سوريا ، ومن ثم انشقاق الشيخ آلي من الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا وتحوله الى حزب العمل الديمقراطي في سوريا ، وبروز حزب الشغيلة الكردية في سوريا بقيادة السيد صبغت الله هيزاني من احشاء الحزب اليساري الكردي في سوريا. و بتأثير الانشقاق في الحركة الكردية في جنوب كردستان " كردستان العراق " تظهر على الساحة السياسية وخصوصاً في التيار اليساري تنظيمات جديدة كرديف للتنظيمات والاحزاب الكردستانية او هي تعتبر نفسها موالي لها ، ولكن هذه التنظيمات بقيت سلبية وغير مؤثرة في الساحة السياسية الكردية السورية، ولم تحاول التاثير على السلطة ،لأن المفهوم الحاكم آنذاك والمسيطر على الفكر السياسي الكردي السوري ، هو أن الحركة الكردية في سورية لن تتطور إلا بتطور الحركة الكردستانية في كل من العراق وتركية وايران ، وهذا التطور سوف يؤثر سلبياً أو أيجابية على الحركة الكردية في سورية وتطورها، وان كان هذا جزءاً من الحقيقة ولكنها ليست كل الحقيقة حتما، لذا نرى رحلة المناضل عثمان صبري إلى تركية وزيارته لكافة مناطق كردستان الشمالية، ومطالبته من المثقفيين الثوريين بالكفاح المسلح ضد الدولة التركية، وعندما لا يصل إلى مبتغاه يصيب بخيبة الامل ويبقى كتيار محافظ في الحركة السياسية الكردية في سورية ، وصولاً إلى الاستقالة وأعتزال السياسة في السنوات اللاحقة. وتبقى الحركة الكردية في حالة ضعيفة وهزيلة، ولم يتطور النضال والصراع مع السلطة حتى مرحلة السبعينات وذلك بعد حكم الاسد وأستلامه السلطة من جهة وتطور النضال والكفاح المسلح في العراق من جهة ثانية. مرحلة التحول الاساسية في الحركة السياسية الكردية في سوريا تبدأ بعد اتفاقية الجزائر في 11 آذار 1975 ، فقد كان الخطاب السياسي الكردي موضوعي وصحيحاً في مرحلة / 70- 75 / في سوريا وهي الحفاظ على الوحدة الوطنية السورية ، وتقوية الجبهة السورية ضد العدوان الإمبريالي والإسرائيلي، مع عدم التنازل عن مطاليب الشعب الكردي في العيش الكريم والاستمتاع بحقوق القومية والوطنية والديمقراطية في وطنها سوريا ، (والتي لم تعيرها السلطة اية انتباه مع الاسف). وريثما يحقق الكرد في العراق نوعاً من الاستقلال أو نيل الحقوق المشروعة سوف تضطر سوريا للانصياع إلى المطاليب الكردية في سوريا ، ولكن عندما حصلت نكسة 1975 ، ( اتفافية 11 آذار) خيم خيبة الأمل على الشارع السياسي الكردي في سوريا ، وأصبح البحث عن الحلول البديلة هي الشغل الشاغل للحركة الكردية السورية ، حيث ظهرت على الساحة السياسية انذاك حركة الشبيبة المثقفة الوطنية والتي أرفدت روحاً جديدة إلى الحركة السياسية وبكثافة نوعية، كرد فعل على النكسه ، فقد عاشت بين أفكار ومفاهيم في المرحلة ما بعد النكسة، أنشقاقات عديدة في الفكر والمفهوم ، وصولاً إلى مرحلة الثمانينات ، فمن المعروف أن هذه المرحلة تعتبر أهم المراحل نوعياً بالنسبة للحركة الكردية في سوريا ، ولم تشهدها من قبل في مثل هذه الصراعات ، لأن رغبة الشباب الثوري في الانضمام إلى المجال السياسي كانت في اوجهها ويندر وجود بعض الأشخاص الغير منظمين في تنظيم سياسي؛ يساراً أو يميناً أو حياداً ، وسادها" المجتمع الكردي" روح الديمقراطية والتعددية إلى أبعد الحدود في النضال السياسي ، حيث تجد في البيت الواحد او في عائلة واحدة حزبيين أو ثلاثة أحزاب متصارعة في الفكر والمفهوم السياسي والتنظيمي، والكل متفقين في ضرورة النضال من اجل نيل الحقوق القومية المشروعة للكرد في سوريا ، ونستطيع تسمية هذه المرحلة بمرحلة البحث عن الحلول. فأكراد سوريا قوة ضعيفة واعتمادها على نفسها لا تكفي ان لم نقل غير ممكنة، بسبب الجغرافيا المشتتة والاقتصاد الضعيف او المعدوم، والاعتماد على الحركات الكردية العامة غير ممكنة لأنها في حالة نكسة في العراق وحالة خمول في تركيا؛ والوضع السوري غير متسامح وغير منفتح على الأسلوب الديمقراطي. فقد تقوقعت السلطة السورية في ازدواجية تجاه المطالب الداخلية، والنضال الديمقراطي ، بحجة انها تصب الماء في الطاحونة الإسرائيلية والأمريكية ، وتضعف الصف العربي وتضعف الجبهة السورية، وبهذه الحجج تقمع التحركات الديمقراطية، وتسدل الستار على الحقوق والمطالب الكردية والغير كردية، ولكن حالة الغليان واصطدام الصراعات السياسية مستمرة ، وعدم اكتفاء بهذه الأحزاب الموجودة والتي بلغت أكثر من (11) حزباً، في قيادة المجتمع الكردي في النضال الديمقراطي والإصلاح وحده لا يجدي نفعاً ، لان ظروف النضال الديمقراطية غير متوفرة في سوريا ،لأنها منغلقة على نفسها وتحكم قبضتها على الدولة والمجتمع ، ويجب فتحها من منفذ أخر. فبعض الأحزاب توجهت في الدعوة إلى قبول هذا الوضع إلى حين مجيء فرصة مواتية لتطوير النضال، ومنها توجهت إلى التشهير والمعارضة الشديدة للنظام وتعرضت إلى أساليب السلطة العنصرية والهمجية. والبعض الأخر أكتفت بتفسير الوضع وتحليله تحليلاً طبقياً وضرورة اتحاد البروليتاريا العربية والكردية في مواجهة الديكتاتورية ، ولكن دون مشروع عمل مشترك أو تبيان خطوات عملية. من المعروف ان هذه المرحلة تميزت بازدياد الوعي الوطني والقومي ، وخصوصا بين المثقفين الثوريين في المدارس والجامعات السورية ، فقد اصبحت الجامعات معاقل الفكر السياسي وبدأت هذه الفئة بالتنظيم والممارسة العملية في السياسة والفكر السياسي الكردي، مما ادى الى اشتداد الصراع السياسي والوصول الى الذروة، وانبثاق فكر ثوري مستقل يقوم على اساس الفكر الماركسي - اللينيني، تحت تأثير حركات التحرر العالمية، والقيام بالفعاليات التنظيمية والثقافية في ترسيخ التنظيم ، وهدفها الارتقاء بالكادر التنظيمي وإعطاء وجه جديد للصراع السياسي وتشكيل الثقل السياسي في سوريا ، ردا على السلبية وعدم الفاعلية التي تتمتع بها الاحزاب السياسية آنذاك ، وهذا التيار اخذ ينتشر بين الطليعة المثقفة على وجه الخصوص عن طريق نخبة من الشباب المثقفين في الجامعات ( دمشق ـ حلب ) وقد كانت الافكار المروجة لها أفكار واضحة وشفافة ويزيل الغموض والخمول والسلبية التي اجتاحت الشارع الكردي في سوريا ، ملمين بالمعرفة والعلم والقوة التحليلية العميقة للتاريخ الكردستاني وتطور المجتمعات البشرية ، فهذا الوضوح في الرؤى والتحليل السياسي السليم للوضع الراهن في كل من سوريا وكردستان عموما، ومنطقة الشرق الاوسط عموما كان تحليلا شموليا ويهدف الى فكر استراتيجي بالنسبة للقومية الكردية . ففي مرحلة الصراع الشديد ظهرت في كردستان الشمالية حركة تحررية وطنية ديمقراطية مستندة الى الفكرالماركسية اللينينية في برنامجها السياسي ونظامه الداخلي، واضعة استراتيجية عامة لكردستان بتحليل علمي وقوة عسكرية فاعلة لبدء الممارسة العلمية ضمن استراتيجية تحرير كردستان ، توجه قواد وكوادر طليعية من هذه الحركة الى سوريا، بعد انقلاب 12 ايلول الفاشي في تركي، لإعادة التنظيم ، بعد ما الحقت بها من قمع وعسف واعتقال اغلب كوادرها القياديين ، والاستعداد للمارسة العلمية طويلة الأمد بعيدة عن الضغوطات الفاشية في تركيا، فقد كانت هذه الحركة تعكس أحلام وأفكار الشبيبة والتيار الوطني – القومي بطليعة المثقفين والثوريين، ويعبر عن طموحاتهم وامالهم في المستقبل الحر والمشرق للقضية الكردية عموما ، والقضية الكردية في سوريا خصوصاً ( على انها محلولة سلفا بعد تحرير كردستان الكبرى )، فما كان من هذا التيار (الجديد العهد) وبعد لقاءات ومحاورات عديدة وتحت تاثير العاطفي ( حب السلاح )والارتباط بالسلاح كحل وحيد في حل المسالة القومية والوطنية ، الا الانضمام الى صفوف هذه الحركة وتطبيعها على الساحة السورية، كمخرج لازمة الشباب وكنهج واستراتيجية فكرية وممارسة علمية ، وانتشرت الدعاية والتنظيم بين كافة صفوف الفئات الاجتماعية واخذ التنظيم الاجتماعي طرازاً جديدا من حيث شكل التنظيم والوعي والاجتماعي، حيث شمل التنظيم الهرمي كافة الفئات وكل حسب خصوصياته ، واصبح هناك مجتمع منظم وشامل، في ظل اوضاع غريبة نوعا ما ، فالسلطات تغض الطرف عن تطورها ، وتوجه كافة طاقته المادية والمعنوية لتطوير الثورة والكفاح المسلح في الشمال ، الذي انعكس بدوه على التطور المعنوي والتوعية الاجتماعية في سوريا، والارتقاء بالفكر السياسي في المجتمع الكردي في سوريا ( بغض النظر عن السلبيات اللاحقة في تغير الاستراتيجية من قبل قيادة الشمال والتوجه للمصلحة الحزبية الضيقة او المساومة على الاجزاء الاخرى ). كان موقف الاحزاب السياسية الكردية الاخرى عامة مناهضة لهذا التطور ، الا انها لم تحرك ساكنا ، سوى بعض البيانات الحزبية المنددة بهذه الفكرة والاجتماعات المتتالية والتي لم تصل الى حل او خطوة عملية ، لا بل انها بقيت في الفترات اللاحقة في موقف المتفرج ، خشية المواجهة ، لان هذا التنظيم كان يهدد ويضرب من يعترضه ، اي ان الحركة الكردية في سوريا اصبحت مقيدة اليدين والقدمين خوفا من الحركة الكردية من الشمال ، اكثر ما كانت تخاف من السلطات السورية ، والحكومة أو الدولة السورية كانت لها موقف المتفرج من جهة اخرى والتربص ومحاولة الاحتواء من جهة أخرى فالحرب ضد تركيا العدو التاريخي لسوريا هي لمنفعة السلطة السورية، وتصدير خيرة كوادر التنظيم لا بل خيرة ابناء الشعب الكردي في سوريا ، الى تركيا وزجها في الحرب، هي اراحة لكاهل السلطة السورية ، وتكون بذلك تخلصت من القوى الفعالة في السياسة والفكر الكردي في سوريا، ومحاولة احتواء بقايا التنظيم وتسييرها وفقا لمخططاتها التي تجعل من الحركة الكردية في سوريا حركة مدجنة سلبية . وبما ان كافة طاقات الحركة الكردية متجهة نحو الشمال الكردستاني وتركيا، فأنها استطاعت ( أي السلطة ) ان تمرر بعض مشاريعها وقراراتها التعسفية والعنصرية بحق الشعب الكردي ، وان تؤجل حل المسائل الكردية في سوريا أو محاولة الأقتراب من حلها، وانما محاولة تعقيدها وتحويلها الى الخارج ، وربطها بكردستان تركيا ، ومحاولة أيجاد صيغة شرعية لتعريف الرأي العام ،على ان الاكراد في سوريا هم مهاجرون قدموا من تركيا، واصدار القرارات الرسمية من اجل تعريب المنطقة ، بعد ترسيخ مشروع الحزام العربي وقانون الإحصاء، فقد قامت السلطة باصدار قرار منع اللغة الكردية في اماكن العمل كقرار رسمي والمرقم / 1212 / ص / 25 / في 11 ـ 11 ـ 1986 وفي نفس العام قام وزير الداخلية بإصدار قرار / 122 / وحرم من خلاله الأطفال الاكراد المولودين من أبويين محرومين من الجنسية حق المواطنة خلافا لأبسط حقوق الإنسان ومبادئ حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي ، وبقرار من محافظ الحسكة محمد مصطفى ميرو، تم منع الاغاني والموسيقا الكردية في الاعراس والاعياد القومية والدينية بتاريخ 3 ـ 12 ـ 1989 ورغم القرار/ 1865 / وفي عام 1992 صدر القرار / 122 / الذي منع فيه تسمية الاطفال الاكراد بالاسماء الكردية ، وربطت مسالة تسجيل الاطفال في دفتر العائلة والنفوس ، بالدوائر الامنية بالاضافة الى تبديل اسماء القرى والاماكن التاريخية في المناطق الكردية من الكردية والسريانية الى العربية، ولم تجد كل هذه القرارات والممارسات التعسفية بحق الشعب الكردي اية رد فعل ، لا من الرأي العام ولا من الاكراد أنفسهم ، لان حزب العمال كانت متفقا مع الدولة على ان الاكراد هم مهاجرون من تركيا والعراق الى سوريا ، وذلك من خلال مقابلة قائد الحركة مع الصحفي نبيل ملحم في كتاب ( سبعة ايام مع القائد ) . أصيبت الحركة الكردية في سوريا بالوهن والترهل، وخصوصاً بعد منتصف التسعينات، ولم تستطع تحريك ساكن ، تجاه القرارات التعسفية من السلطات السورية ، او تجاه الحركة الكردية في الشمال ، والتي اخذت تحدد الوطنية والخيانة وفق مفومها الخاص ، وكان الحركة الكردية في سوريا غير موجودة ،على الرغم من تطور الحركة الكردية في العراق والوصول إلى بناء الدولة، (عبر مؤسساتها الرسمية مثل البرلمان والحكومة والمؤسسات الرسمية الاخرى ) ، ألا أن ذلك لم يؤثر على الحركة الكردية في سوريا، وذلك بسبب عدم تحويل الأنظار من الشمال الى الجنوب ( بسبب الدعاية القوية بخيانة الجنوب للقضية القومية) وسلبية الحركة السياسية في سوريا ، وكرد فعل سلبي ايضا ظهرت بعض التشكيلات الحزبية في هذه الفترة وذلك بعد تبلور بعض الانشقاقات الجزئية ، وتم تشكيل الوحدة من اتحاد الشعب وقواعد اليسار والشغيلة والعمل والشق الاخير من البارتي بقيادة السيد اسماعيل عمر ، الا انها لم تعمر كثيرا كوحدة لمجموعة احزاب او تنظيمات ، بل اصابتها هزات وانشقاقات ، كان من اهمها انشقاق اتحاد الشعب وتشكيل ما يسمى اليكتي الكردي في سوريا ، على الرغم ان هذه الانشقاقات لم تضف اية صيغ تحليلية لسبب هذه الانشقاقات ، او تعديل البرنامج السياسي المعتمد من حزب الام ، ولم يتم تطويرها او انشاء برنامج سياسي اكثر تطورا ، او ايجاد حلول اخرى غير ما تراه حزب الام في برنامجها السياسي ، والى الان لايوجد تناقض فكري او استراتيجي بين مجموع احزاب الحركة الكردية السورية ، ولا يوجد ذلك الفارق الكبير بين سياساتها وايدولوجياتها ، ان استحقت ان تسمى ايديولوجية ، لانه وبعد الانشقاق الاول في الحركة الكردية في سوريا لم تظهر الى الان تيار تتبنى مشروع استراتيجي لحل القضية الكردية في سوريا ، وان لم نقترب بشكل انكاري من الحركة ، فان البرنامج السياسي والنظام الداخلي لكل التنظيمات متشابه ان لم يكن نسخة واحدة ، فقط تتغير اسماء القيادة ( مع احترامي ) وان وجد بعض الاحزاب تتبنى استراتيجية مغايرة للحركة فانها لاتملك تلك القاعدة وتعيش في الخارج . الا ان تبلور التنظيمات والاحزاب الكردية الان تحت سقف (الجبهة - والتحالف ) لها مدلولاتها الايجابية على صعيد الحركة الكردية في سوريا بشكل عام ، وطهور بوادر التنسيق او العمل المشترك يؤكد على عدم موت هذه الحركة ، وفي تطور مشابه توجهة كل من اليسار الكردي واتحاد الشعب الى اتحاد تنظيم تحت سقف الحزب الازادي ، الا انها لاقت بعض الهزات العنيفة ، نتيجة تراجع او رفض قواعد اتحاد الشعب لهذا الاندماج ، وترافق هذا ظهور تيارين اخرين في الحركة السياسية وهما : تيار المستقبل الذي انقسم او اصابها انشقاق قبل تبلورها كتيار سياسي ، والاخر: تيار ليبرالي ديمقراطي ( الوفاق الديمقراطي الكردي السوري) ، والذي قدم مشروعا استراتيجيا ( وفق منظوره ) لحل القضية الكردية في سوريا، وتتمحور هذا المشروع حول ايجاد صيغة توافقية في الحركة الكردية وانشاء مرجعية كردية سورية ، ومن اهم بنودها ( تطبع العلاقات في كردستان سوريا الى ما قبل الاحصاء ، والغاء المستوطنات ، وكافة المشاريع الاستثنائية ، وتعديل الدستور السورية وتضمينها للحكم الذاتي لكردستان سوريا ) . على الرغم من أن الحركة الكردية وجماهيرها في سوريا، كانت زخماً وأحتياطاً غنياً لكافة الاجزاء الاخرى من كردستان ، الا ان الاختناق في السياسة الكردية في الشمال وعدم استطاعتها تجاوز نواقصها وعبر حملاتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية ، أثرت بشكل مباشر على الجماهير الكردية في سوريا، وحركتها السياسية بالإضافة الى السياسات التعسفية والاساليب الاستخباراتية من قبل الدولة ، لإحتواء الحركة السياسية الكردية وتجريدها، ولكن لا الحركة السياسية الكردية فاقت من ركودها وجمودها ، ولا الدولة استطاعت احتوائها بالشكل التي تخطط لها ، وبقيت الجماهير الكردية في حالة تشتت وعجز سياسي ، والضعف تنخر في قواها المادية والمعنوية ، وبقيت الحركة السياسية ايضا تعيش تحت رحمة التشتت والعجز السياسي المصحوب باليأس ، على الرغم من بروز الحركة الكردية في العراق كقوى اساسية، وركيزة استراتيجية لدحر الفاشية ودكتاتورية صدام واصبحت هذه الحركة في واجهة الاحداث، لابل اصبحت تمثل القوة الاستراتيجية للقومية الكردية في الشرق الاوسط . الاختناق السياسي والاجتماعي في الانظمة السياسية والشرق أوسطية بشكل عام أثرت على الحركة الكردية في سوريا بشكل خاص، الا أن هذه الانظمة (الشرق أوسطية) لم تحاول التحول والتغيير وفق متطلبات المرحلة المعاصرة، ومن ضمنها الحركة السياسية الكردية في سوريا التي لم تستطع تجاوز برامجها ومفاهيمها التي اصبحت من بقايا القرن الماضي او تطويرها، ومع تطور النظام العالمي الجديد وتبنيها لاستراتيجية جديدة ومستندة الى الديمقراطية وحقوق الانسان ، لاقت الانظمة الديكتاتورية والانظمة الاستبدادية والفاشية والايديولوجيات الشمولية ضربة قاصمة ، والحقت بها هزيمة نكراء ، من خلال اسقاط نظام طالبان في افغانستان ، واسقاط نظام صدام في العراق ، والتي فتحت منفذا للتحرك السياسي والدبلوماسي ، من اجل تطوير النضال الديمقراطي ، والدفاع عن الحريات العامة ، ورفع وتيرة الفعاليات والعمليات السلمية والديمقراطية مثل الاحتجاج والاعتصام والمسيرات والتظاهرات ، وان استطاعت الجماهير الشعبية قراءة هذا التطور العالمي ، الا ان الانظمة الشمولية لم تستطع الوصول الى الفهم الصحيح في قراءة لهذه التطورات ، والحركة السياسية الكردية في سوريا ايضا كانت بعيدة عن فهم هكذا تطور ، واكتفت بفعالياتها القديمة وتمجيدها لتمديد عمرها ، والعيش على التوازنات الداخلية ، وما كانت أحداث / 12 / آذار وانتفاضة قامشلي الباسلة الا صفعة مؤلمة لنظام الحكم ذات المفاهيم السابقة الذكر وتنظيمات الحركة الكردية على حد سواء. فالتطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية والتحول من المراكز الى الاطراف وتداعياتها والتي تؤدي حتماً الى تقريب الثقافات وتداخلها وكسر الهوة الفاصلة بين الأمم والقوميات ، وعدم اعترافها بالحدود السياسية والجغرافية ، وبروز التناقض الاساسي في اساليب وطرق اللحاق بموكب العصر وترسيخ اسس الحضارة الديمقراطية وحقوق الانسان ، والتي تطبع المرحلة بطابعها الاساسي ، يقصر المسافات ويسمح للنظام العالمي الجديد بمداخلة كل صغيرة وكبيرة في هذه الدنيا ، ولاتستطيع قوة ما التحكم بمصائر شعوبها او شعوب المعمورة كما يحلو له ، وان تدويل القضايا هي لمصلحة الشعوب دائما وهي تحتاج الى العديد من التضحيات لايصال قضيته للراي العام العالمي ، والتتي تتبنى الديمقراطية وحقوق الانسان وحل جميع القضايا العالقة في الدول والمجتمعات على حد سواء ، وهذا يعني كانت مطالب الجماهير الشعبية وأمالها مترسخة في هذا الطرح الايجابي كطريق حل للمسائل الوطنية والقومية والاجتماعية ، واستطاعت النهوض في 12 اذار ، الا ان الحركة الكردية لم تستطع النهوض بل ظلت على منوالها القديم ، حتى في مرحلة انشقاق السلطة نفسها على بعض تبقى الحركة غير ابهة بهذا التطور والتي قد تؤدي الى اشتداد الصراع في السلطة وصولا الى نتائج مهمة بالنسبة للشعب السوري . وكنتيجة عامة : نستطيع القول ان الحركة السياسية الكردية ، مرت عبر مراحل عصيبة جدا في تاريخها، وان لم يكن هذه المراحل مشابهة لما مرت به الحركات الكردستانية في الاجزاء الاخرى ، مثل المجازر والقتل العام والانفال او التعرض للغازات الكيمائية ، الا انها وبحسب موقعها وظروفها تعرضتت الى اساليب مشابهة ، وبشكل خاص انها ( اي الحركة ) فقيرة جدا ، بالنسبة للحركات الكردية في الاجزاء الاخرى ، حيث انها لاتملك او لم تكن تملك اي من مقومات النضال الفعال في السنوات المنصرمة ( كانت في نظام احادي القطب وعدم وجود اي طرف مناقض في سوريا )، وذلك يعود الى فقرها الاقتصادي والسياسي والاداري والدبلوماسي والعسكري والفكري ايضا ان صح التعبير ، لان افتقار هذه الحركة الى استراتيجية قومية ووطنية واضحة ، او افتقارها الى مشروع استراتيجي قومي ، يعرضها للضعف في كافة المجالات الاخرى ، فلم نسمع بحزب او تنظيم في هذه الحركة ، وقد قدمت مشروعا واضحا لحل المسالة القومية في سوريا ( قوميا او وطنيا ) واكتفت الحركة بشكل عام على انتظار الغد ومفاجأتها من جهة ، ومن جهة اخرى بقيت تحافظ على كياناتها التي اصبحت بالفعل قديمة ويجب تجاوزها . يبادر الى الذهن السؤال التالي : كيف لايملك شعب يقارب تعداد سكانه ثلاثة ملايين نسمة ، ممثليه له في كل من اوربا او امريكا او حتى في كردستان العراق ، حيث اننا نفتقد الى مكتب باسم اكراد سوريا وممثله عنها في هذا العالم الرحب ، وطبعا يعود هذا الى المصالح الحزبية الضيقة من جهة ، ومن تناقضات وصراعات هذه الاحزاب مع بعضها البعض من جهة اخرى ، وعدم وجود دبلوماسية كردية سورية ، وان قلنا بان الخيار الداخلي هو الاساس بالنسبة الى الحركة السياسية الكردية في سوريا ، الا انها لم تستطع الوصول الى ما تريد او تحقيق اطار يجمعها ، الا مؤخرا بالتعاون مع المعارضة العربية في ( اعلان دمشق ) والتي تعتبر خطوة ايجابية نوعا ما ، على الرغم من بعض تحفظات الكرد فيها حول حل المسالة الكردية . ولكن الضغوطات العديدة على النظام الحاكم في سوريا ، والاجماع الدولي على عدم صلاحية هذا النظام ، يعطي دفعا للمعارضة بشكل عام ، فتقرير ميليس الاول المقدم الى مجلس الامن ، افرزت اعلان دمشق داخليا ، بروح من المسؤلية في التغير والتطور الديمقراطي ، ولكن انشقاق السلطة على نفسها وبروز خدام كمعارض للنظام ، يعطي للمعارضة السورية بشكل عام قوة كبيرة ودفعا اقوى ، ويجب على المعارضة الكردية تحليل هذا الانشقاق ، والوصول الى الاليات الكفيلة لنهوضها ، وممارسة فعالياتها السياسية والديمقراطية بفعالية اكبر وبروح مسؤلية عالية ، لانه لايبقى رهان على السلطة ، ويبقى الرهان على الطرف المعارض ، ومدى تلائم الحركة الكردية مع هذه التطورات المهمة ، والصيغة التي ستتناولها في هذا الصراع التي اصبحت اكثر ايجابية الان ، والاتفاق على مشروع حل القضية الكردية كمشروع استراتيجي قومي ووطني ، وتفعيله في الممارسة العملية ، ومن اجل الوصول الى هكذا مشروع ، لابد للحركة من ان تجتمع وتحاور وتناقش وتصل الى خطاب سياسي كردي موحد ، ونبذ الصراعات الداخلية ولو مرحليا ، وتشكيل تحالف كردي ، او منسقية كردية يضم جميع الاطراف السياسية والتنظيمات الكردية وحتى الجماهيرية والمجتمع المدني ، وحتى العشائرية ايضا ان وجدت ، لان المراحل الانتقالية مهمة جدا بالنسبة للامم والشعوب ، وان لم نحقق تطورا في هذه المرحلة قد نخسر الكثير مستقبلا ، وسوف تدخل سوريا في المرحلة الانتقالية تحت الضغوطات التي ستمارسها المعارضة السوريا داخليا وخارجيا ، والوضع الدولي مهيا لهذه التطورات . غمكين ديريك [email protected]
#غمكين_ديريك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة ميليس
-
الرجل يعرف بكلمته التي لن تتغير ولو طارت راسه
-
رسالة إلى إعلان حلب
-
من بين المتاهات
-
هل ستتساوم قامشلوعلى كرديتها
-
شذرات سياسية
-
دور الشبيبة في ترتيب البيت الكردي السوري
-
تأهيل الشرق الأوسط الكبير
-
افتتاحية جريدة الوفاق العدد 22
-
الانظمة تخلق حفارة قبرها
المزيد.....
-
مفوض الأونروا: مستقبل وكالة اللاجئين الفلسطينيين الأممية يبد
...
-
الوفد الإسرائيلي المفاوض يتوجه إلى الدوحة السبت لاستكمال بح
...
-
رفض لبناني لتوطين اللاجئين الفلسطينيين
-
نتنياهو يعرض في واشنطن خطة لإنهاء حرب غزة وإطلاق سراح الأسرى
...
-
مقررة أممية: انسحاب إسرائيل من مجلس حقوق الإنسان -خطير للغاي
...
-
زيمبابوي تدعم قرار ترامب في ترحيل المهاجرين
-
هآرتس: الأسرى سيدفعون ثمن خطة ترامب بشأن غزة
-
البيت الأبيض: ترامب سيفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولي
...
-
غوتيريش يرد على ترامب: من المهم تجنب أي شكل من أشكال التطهير
...
-
الرياح تقتلع خيام النازحين في مواصي خان يونس وتفاقم المعاناة
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|