أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - في الخوف















المزيد.....

في الخوف


محمد علي عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 5386 - 2016 / 12 / 29 - 16:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الـخوفُ هو مَصدرُ الاختلالِ والعنفِ وهو نتيجةُ الجهلِ وعدمِ الرؤية. الـخوفُ يعطِّلُ مَلَكاتِ النفسِ وقوى الجسد. فبالخوفِ يتدجَّنُ الإنسانُ ويُصبحُ حيوانًا مستنعجًا يستسيغُ الذُلَّ فتَــقِــلُّ إنتاجيَّــتُه ويغذِّي استذآبَ أخيه الإنسانِ أو يُصبحُ حيوانًا مستذئبًا يستسيغُ الإذلالَ ويزيد عنفَه فيغذّي حلقةَ التبعيةِ العمياء. وبالتالي يَخْلقُ الخوفُ تـجَـمُّـعًا حيوانيًا مـمسوخًا أكثرَ مِنهُ مُجتمَــعًا إنسانيًا متوازِنًا. إن كلَّ أيديولوجيا أو عقيدةٍ مرتكزةٍ على الخوف هي إذًا عنيفةٌ وضارةٌ بالبشرية.
وبـِما أنَّ الأديانَ والإيديولوجياتِ القوميَّةَ تَـقومُ على بَـثِّ الـخوفِ فإنها مسؤولةٌ عن تَـرَدِّي الوعيِ البَشَريّ، لأنها تَخْــلُقُ تَـجَـمُّـعًا من الـمُؤْمنينَ والقوميّين الـمشلولين نفسيًا والـمُغَـيَّـبينَ الذين يظنُّون أنَّ أديانَهم وإيديولوجيَّاتِهم بريئةٌ وأنَّ الـمُـشْـكِلةَ في نظرِهم تَـكْـمُنُ فقط في تطبيق الدِّين والإيديولوجيا وبالتالي في مُــطَــبِّــقِـيْــهِما.
صحيحٌ أنَّ الـمسؤول الأوَّلَ هو الإنسانُ الـمُطَـبِّـقُ للدِّينِ أو الإيديولوجيا، ولكنَّه في الواقعِ هو ضَحيَّةُ بَرمجةِ هذا الدِّينِ وتلكَ الإيديولوجيا. وبالتالي فإنه ينبغي الوقوفُ إلى جانبِهِ ومساعدتُه على الـمشيِ على رِجْـلَيهِ دُونَ الـحاجةِ إلى التَّـوَكُّؤِ على عُـكَّازِ الدِّينِ والإيديولوجيا. ولذلك فإنَّه لـَمِنَ الضَّروريِّ بيانُ مساوئِ عُـكَّازِ الدِّين والإيديولوجيا دُونَ إهانةِ حاملِهِ.
ولكنَّ الـمشكلةَ هي أنَّ الـمُـتَّـكِئَ على هذا النوعِ مِنَ العَكاكيزِ يتماهى معَ عُكَّازِهِ نظرًا لِشِدَّةِ التصاقِ العُكَّاز بـجسدِهِ فيَـتَـوهَّـمُ أنَّ فَـضْـحَ العُـكَّازِ هو فَــضْـحٌ لصاحبِهِ.
صحيحٌ أنَّ عُكَّازَ الدِّينِ والإيديولوجيا قد يُريحُ قليلًا وقد يكونُ مُـفيدًا في حالاتٍ خاصَّةٍ ولفترة قصيرةٍ أو لذَوِي الاحتياجاتِ الـخاصَّةِ، ولكنه يَكُونُ في حالاتٍ كثيرةٍ سببًا للنزاعِ وأداةً للتفرقة ومُسبِّبًا للخوفِ ومقوّيًا له، مِـمَّا يُـبَـدِّدُ طاقاتِ الـمُجتمَعِ فيُوقِفُه عن الـمشي حتَّى بالتَّوكُّؤ على العكاكيزِ وبالتَّوكُّلِ على الله.
إنَّ الـخوفَ كلَّما زادَ في مجتمَعٍ زادت أمراضُه النفسيةُ والـجسديةُ وقلَّ فيه الإنتاجُ؛ بل ربـَّما أوصلَ الـخوفُ الـمجتمعَ إلى الـموت. ونحن نرى نتائجَ الـخوف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي أصبحَ فيها رَجُلُ الأمنِ الـخائفُ ورَجُلُ السياسةِ ورَجلُ الدين الأكثرُ خوفًا أكبرَ صانِعينَ للخوف وأصبحَتِ الثقافةُ والتربيةُ تقومان أساسًا على تكريس الـخوف إذْ قامتا بتفعيل العصا وتعطيل الـجَزَرة، لا بل جعلَتا الـجَزرةَ على شكل عصا. وإذا أراد الـحُـكَّـامُ الـخائفون أنْ يُقدِّموا الـجزرةَ مِنحةً ومَكرُمةً فإنهم يقدِّمونها لِـمَن كان أكثرَ خوفًا وأكثرَ طاعةً وتذلُّلًا أو لِـمَن كان أكثرَ تخويفًا لعوامِّ الشعب. فمنذُ الطفولةِ الأولى يخيفون الطِّفلَ مِن العفاريت والأشباح والـجِنّ الأزرق، وما إنْ يَكبُرْ قليلًا حتى يخيفوه مِن اللهِ والـجحيم وعذابِ القبر وثعابينِه وظُلْمِ الـحكومة وأفاعيها وخطرِ الأمن ورجالِه. إنَّ بلدًا يخافُ فيه الـمُواطِنُ ليس وطنًا بل سجنٌ للتعذيب أو في أحسن الأحوال حظيرةُ حيواناتٍ أو غابةُ ضِباعٍ.
الخوفُ مُدمِّر للفرد وللمجتمَع. وللخائفين قوةٌ تدميريةٌ لا تعميريةٌ هائلة. والسياسةُ العربيةُ والإسلاميةُ ليست في جوهرِها سوى ترويضِ الخائفين وتوجيهِ طاقاتِهم لـخدمةِ الساسة. فمِن الـمعروف أن الفعل "ساسَ" في العربية يحملُ في حقلِه الدلالي معنى "الاعتناء بالدوابِّ"، ويُظْهِرُ العلاقةَ بين الإنسان والحيوانِ، وقد كان يُستخدَمُ للخيول بـمعنى: "روَّضَها واعتنى بها". ومِن أضدادِ الفعلِ "ساسَ" نـَجِدُ: "أَذعَنَ" و"ذَلَّ" و"استكانَ" و"اتَّضَعَ" و"انقادَ". فالعلاقةُ بين السياسيِّ أو الـحاكمِ العربيِّ وبين الـمواطنين تُشْبِهُ في الثقافة العربية العلاقةَ بين سائس الخيول وخيوله. فهو يعتني بها منتظرًا منها أن تُذعِنَ له وتخدمَه. فإذا رفضَت وتـَمرَّدَت فليس أمامه من خيارٍ سوى ضربِها وحتى قتْلِها.
هناك إذًا علاقةٌ وطيدةٌ بين السياسةِ العربية الإسلامية وبين الإذلال، وبالتالي فإنَّ هناك علاقةً بين السياسة والـخوف الذي هو أداةُ إذلالٍ وإخضاع. فالسياسةُ والـخوفُ وجهانِ لعملةٍ واحدة. كما أنَّ العلاقةَ بين الـمُسْلِم وإِخْوَتِهِ من البَشَرِ هي عمومًا علاقةُ إخافةٍ. لقد صَرَّحَ القرآنُ بأنَّ الهدفَ مِن أنْ يصبحَ المسلمون أقوياءَ هو إرهابُ الآخَـر ِالـمُصَنَّفِ تـحتَ بندِ "عدو الله وعدوكم" (8: 60).
وقد يتبادر لذهن القارئ ردًا على ما سبقَ حديثٌ يقول: "الـمُـسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الـناسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". ولكنَّ الـحديثَ الأرجح بحسب لفظ البخاري هو: "الـمُـسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". وإذا أوردَ الرواةُ لفظَ "الناس" بدلًا من "الـمُسْلِمُون" فإنَّ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني قد فسَّرَ في فتح الباري في شرح صحيح البخاري الـمقصودَ بـ"الناس" قائلاً: "الـمُرادُ بالناس هنا‏:‏ الـمُسْلِمون كما في الحديث الـموصول، فهُمْ الناسُ حقيقةً عند الإطلاق، لأنَّ الإطلاق يُحْمَلُ على الكامل، ولا كمالَ في غير المسلمين‏".‏ (فتح الباري، ج 1، باب "الـمُـسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الـناسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"، ص 108).
إنَّ الأديان هي أحد أهمِّ مولِّدات الخوف ولذلك يستخدِمُها الساسةُ لِلَجْمِ الشعوب. ولذلك فإنَّ ضررَ الأديانِ في هذا العصرِ أكبرُ بكثيرٍ من نَفعها. فإذا كانت الأديانُ تُشجِّع الأخلاقَ فإنَّ الأخلاق توجد من دونها، وإذا كانت تواسي وتقوِّي المتعبين نفسيًا فإنَّ التأمُّـلَ والطِّبَّ الجسديَّ والنفسيَّ والعلاقاتِ الإنسانيةَ تقوم بذلك. وإنْ كانت الأديانُ تفيد بعض الأفراد فإنَّ ضررَها على الجماعات لا حصرَ له. يكفي أنها تجعل من الجماعة قطيعًا وتُـجرِّد أفرادَه من التفكير السليم.
وبالتالي فإن جهود بعض البُسطاء أو الـخُبثاء الذين يُـفَـتِّشون عن قراءة جديدة للأديان أو لمولِّداتِ الخوف ليست سوى اجترارٍ وتكرار. وإنَّ مشاريعَ هؤلاء البسطاءِ المتمثِّلةَ في تقديم قراءة جديدة أو معاصِرة للقرآن أو في تقديم قراءة تُسلِّطُ الضوءَ على ما يُسمَّى بـ"الإعجاز العِلميِّ" في القرآن ليست سوى عَجْزٍ عن القراءة. فهي لا تقدِّم شيئًا سوى الثرثرةِ التي قد تفيد البعضَ مؤقتًا على الصعيد الشخصي حصرًا كتفريغٍ للكبت أو كتأكيدٍ للذات.
بالإضافة إلى الأديان، تبثُّ ثقافةُ الاستهلاك العالميةُ حاليًا الخوفَ في العالَم من خلال سياسات الدول العسكرية والاقتصادية والتجارية والمالية. كارميًا، إنَّ الخوفَ الذي نولِّده ينتشر حوْلَنا ثم يرتدُّ أضعافًا علينا. فأين ستذهب إذًا الـمخاوفُ المتراكمةُ من جَرَّاء الجشع وثقافة الاستهلاك والاتِّـجار بلحوم الحيوانات التي تُشرِّعُها الأديانُ؟ كلُّ حربٍ تَـجُـرُّ أخرى.
*** *** ***



#محمد_علي_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا خمرتي يا ربتي
- أُصَلِّي إلى الراح
- راحوا
- تعالى ذكرها الأسمى
- القلب يرشف خمرة في صمته
- قم فاسقنيها
- أعاقر ويسكي
- ملاحظات حول التقمص
- رسالة إلى مؤمن
- مفهوم الله
- قراءة جديدة لقصة أضحية إبراهيم
- القرآن وثقافة الخوف. كيف يشل القرآن نفسية المسلمين؟
- لماذا القرآن؟ ولماذا فيه أخطاء؟
- أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية: قراءة تفكيكية
- بضع ملاحظات على أسلوب الالتفات في القرآن
- كيف يحجب القرآن الرؤية؟ (2)
- الأخطاء اللغوية والإنشائية في القرآن: رد على سامي الذيب
- نشأة الكون بين الخلق والتجلي والأزلية
- القرآن وتحجُّر اللغة
- الإسلام والعقل


المزيد.....




- بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
- العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك ...
- اتصالات هاتفية بين الرئيس الإيراني وقادة الدول الإسلامية
- سوريا: مقتل 12 مدنيا غالبيتهم من الطائفة العلوية على أيدي مس ...
- العيد في سوريا: فرحة مشوبة بمخاوف أمنية والشرع يصلي في قصر ا ...
- فيديو: تواصل الاحتفال بعيد الفطر في الدول الإسلامية وسط أجوا ...
- تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي 2025 لمت ...
- دول عربية وإسلامية تحتفل بأول أيام عيد الفطر
- دول عربية وإسلامية تحتفل الاثنين بأول أيام عيد الفطر (صور+في ...
- عشرات الآلاف يتوافدون إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة العيد وسط ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - في الخوف