صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1423 - 2006 / 1 / 7 - 10:10
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
موجة ارهابية لم يشهد العراق مثلها من قبل!
حادثة ارهابية فضيعة في مأتم دفن شيعي, وحادثة مرعبة في الرمادي ثم حادثة أفضع منها في كربلاء... كل هذا اعادة الى ذهني سؤال ملحّ محير.. السؤال أثارته حادثة سابقة مشابهة في كراج النهظة, حيث فجر إرهابي نفسه في منطقة مكتضة بالمسافرين.
السؤال الذي حيرني هو: من يمكن ان يضحي بنفسه من اجل ان يقتل حفنة من المسافرين؟
قبل البدء, اريد ان أنبه ان الإرهاب في العراق مركب له دوافع عديدة لايصح الخلط بينها, فمن عمليات عسكرية ضد الإحتلال الى تفجيرات ارهابية ضد المواطنين الى عمليات خطف ولصوصية عادية. ولنقل ان اللصوص يسرقون ويخطفون من أجل الفدية, ومن يضرب العسكر الأمريكي يريد تخليص البلاد من الإحتلال أو يريد الذهاب الى الجنة ومن يضرب الناس والأمريكان من بعيد بالمدفعية, أو يهاجم ويقتل ويهرب, ربما يريد عرقلة الأمور لعودة الحكم السابق أو جزء منه, لكن, مرة اخرى:
من يمكن ان يقتل بنفسه من اجل قتل بضعة مسافرين أو مشيعين أو مصلّين أو اطفال؟
تعالوا نراجع الأمر بهدوء...جماعة صدام هي جماعة نفعية ليس لها اية مباديء حتى ولا قومية أو طائفية أو دينية, ومن يعتقد بغير هذا فليس عراقياً, أو انه ترك العراق منذ زمن طويل جداً, أو انه نسي العراق. فالبعث في زمن صدام تحول من حزب قومي, الى مافيا لصوصية وحشية تحمي صدام ونفسها, وكل فرد فيها يعرف حقيقتها جيداً ويبقى فيها لإنتفاعه الشخصي أو لخوفه الشديد فقط. فالمبدأ الوحيد كان نهب ما يمكن نهبه وتجنب إغضاب صدام ومن حوله.
هل يمكن أن يوجد في مثل هذه المجموعة من يفجر نفسه من أجل اي شيء؟ لا يمكن ذلك! صحيح ان لديهم قوات مدربة جيداً على الوحشية والإرهاب, وهي مستعدة للقتل والمغامرة, ولكن ليس التضحية بنفسها في تفجير انتحاري. وإن كان هناك من لديه منهم مثل هذا الإستعداد فهم قليل ولن يضحى بهم في كراج النهضة!
هل يمكن ان يكونوا من العرب المحيطين بالعراق, والذين ربما يكونوا متشدديين في تدينهم على نحو اكبر كثيراً مما نعرف وبشكل يجعلهم ينتحرون بشكل اعمى مخالف حتى للدين؟ لا يبدوا هذا معقول ايضاً. فأولاً لايبلغ من امسك به من العرب في عمليات مسلحة غير نسبة مهملة, وثانياً لدى هؤلاء العرب اسباباً لعملياتهم في بلادهم حيث يرتع الإسرائيليون وأو الحكام الظالمون التابعون لأميركا منذ زمن طويل, ولم نسمع بكل هذا الإندفاع للتضحية من أجل المباديء, مهما كان الفهم لتلك المباديء.
وعلى اية حال فلا يوجد اي تفسير لكي ينتحر شخص بتفجير مسافرين إعتياديين, مهما كان مندفعاً في حماسه الديني, فلا يوجد ما يبرر عدم اختيار هدف عسكري امريكي لمثل هذا المندفع. وقد يقول قائل ان صعوبة الهدف العسكري الأمريكي هو السبب. ولكن ه1ذا مردود, فالإنتحاري يقصد الموت قصداً, والمسلم يريد بالذات الموت شهادة كطريق الى الجنة, ولا معنى من اختيار هدف مشكوك تماماً في تقييمه الديني (المدنيين من الناس العزل) بدلاً من هدف تنطبق عليه الشهادة بشكل أوضح وأوثق.
يبقى لدينا من المرشحين المعروفين للإرهاب الطائفيين المتطرفين من الشيعة والسنة.
أريد هنا ان أسألك يا قارئي العزيز, هل تعرف شخصياً, أو هل عرفت مرة في حياتك شخصاً من طائفتك بلغ به الحقد أن يمكن أن يقتل نفسه من أجل ان بقتل بعض الناس, بلا اختيار, من الطائفة الأخرى؟ بالنسبة لي لا أعرف من اقربائي السنة, من لديه استعداد لأن يؤذي بريئاً من الشيعة حتى لو لم يكلفه ذلك شيئاً, ولا أعرف من اصدقائي الشيعة من لديه استعداد ليؤذي نملة. وحتى ان قلتم انني ربما كنت اعيش في وسط بعيد عن الطائفية والعنصرية وأنه ليس قياسياً, وربما كان ذلك صحيحاً, وكذلك فأن الحال لم تعد كالحال, ومع ذلك فلم نسمع يوماً في العراق بصراع دموي شيعي – سني في تأريخ العراق, وأن بعض الخلاف والنقد لايتعدى عادة النكات المتبادلة وبعض الكتب التي تتواجد عادة بين اي طائفتين تتعايشان سلمياً في مكان واحد.
أن دليلي الأكبر على ما اقول ان احداً من علماء الدين الشيعة أو السنة لم يدع جهاراً في يوم من الأيام الى محاربة أو مصارعة الطرف الثاني. وليس ذلك لأن جميع رجال الدين ومدعيه من الشرفاء الطيبين, بل لأن الشارع طيب ويعرف المحتالون قبل الطيبون ان ذلك الشارع سيلفضهم ان هم تفوهوا بكلام طائفي يدعوا للفتنة. ولو لم يكن الأمر كذلك, ولو كان التوتر محسوساً بين الطائفتين لتكاثر المحتالون لإستغلاله واللعب على حباله, ولا يخلو بلد من المحتالين.
هاهي المظاهرات الشيعية والسنية والمشتركة, في بداية الاحتلال, تؤكد بلا استثناء على وحدة وأخوة الطائفتين ووقوفهما بوجه الفتن. ولو ان شعوراً قوياً بالإضطهاد الطائفي كان موجوداً لإندلعت موجة الإنتقام بمجرد سقوط الحكم. لكن ذلك لم يحدث أبداً, رغم ان الإعلام الغربي والأردني بشكل خاص كان يثير اللغط عن مقالق طائفية في العراق, ويحاول ان يوحي لكل من الطرفين بخطورة الآخر, وأن حرباً طائفية قد بدأت, ويجب الإستعداد لها.
لكن حادثة جسر الأئمة تثبت العكس. وحادثة جسر الأئمة هي القياس وليس استثناء لطبيعة العلاقة بين الشيعة والسنة في العراق كما نعرفها. ليس هذا كلاماً مرتباً لتجنب الحرب الدموية, بل هو حقيقة نعرفها جميعاً وإن كنت مخطئاً فلك كل الحق ان تتهمني بالكذب وان تتوقف عن قراءة مقالي هذا.
لا أعرف سنياً يمكن ان يفكر بتفجير مجموعة في مأتم شيعي, ولا اعرف شيعي يمكن ان يفعل مثل ذلك بسنة أبرياء ولا استطيع ان اتخيله ابداً. أن أمثال هؤلاء لايوجدون إلا في الخيال الذي توحي به الأخبار الإذاعية والصحفية. ربما يحق للأجنبي ان يتعرف على نفسية العراقيين من خلال الأخبار, فليس لديه غيرها. لكننا عراقيون, ولسنا بحاجة الى واسطة لنعرف بعضنا, وأنا اقول أن ما يحدث ليس طبيعياً ولا يمكن تخيله وان في الأمر شيئاً غريباً جداً, فما هو؟
قبل حوالي سنتين, لاأذكر التأريخ بالضبط, قرأت خبراً أثار إستغرابي الشديد, فلم اكن قبل سنتين شكاكاً مثلما أنا الآن. الخبر كان عن الشرطة العراقية, وكانت جديدة في تكويناتها الأولى, في مطاردة لسيارة يستقلها ارهابيين. المطاردة انتهت بأشتباك مع القوات الأمريكية (من جهة واحدة على ما اضن, حيث كان الامريكان يطلقون النار وحدهم). حيث ان نقطة التفتيش الامريكية سمحت للسيارة الارهابية بالعبور وهي مسرعة تماماً فيما فتحت نيرانها على سيارات الشرطة المطاردة. إستمر الأمريكان باطلاق النار لمدة ساعة كاملة والشرطة تحاول بالصياح والاشارات والإتصالات ان تفهمهم انهم من الشرطة العراقية, وأن الارهابيين هم في السيارة التي تركوها تدخل اليهم.
ما قلت اعلاه يستند الى كلام احد الضباط المشاركين في المطاردة, والمقالة لم تعد لدي ولكن ربما يحتفظ بها احد منكم أو يذكرها. على أية حال بقيت هذه القصة في ذهني كلغز محير ومثير للشكوك, لكن مثل هذا الأمر لم يتكرر فنسيتها.
ثم, وبعد زمن طويل, جاءت حادثة الجنود البريطانيين في البصرة كقصة ناصعة الوضوح تدين قوات الاحتلال بالمشاركة بالأرهاب! فلا يوجد أي تفسير اخر لتواجد البريطانيين ومعهم "اسلحة ارهابيين" كما وصفها احد افراد الشرطة الذين القوا القبض عليهم, وأهمها وأنصعها دليلاً جهار التفجير عن بعد "الريموت كونترول".
القي القبض على هؤلاء قرب حسينية في البصرة وتم تحريرهم بسرعة خاطفة بحركة عسكرية عنيفة وعصبية مما يدل على خطورتهم وخطورة ما يملكون من حقائق قد تؤدي الى كارثة للإحتلال إن اضطروا للإعتراف بها.
مهما حاول البريطانيون تفسير وجود جنودهم المتنكرين بشكل رجال دين في سيارة تقف قرب الحسينية, من ادعاءات بمحاربة الارهاب ومراقبة الأيرانيين القادمين من الحدود, فلا شيء من كلامهم يمكنه ان يفسر جهاز التفجير عن بعد! التفسير الوحيد هو انهم كانوا يريدون تفجير المكان بواسطة "انتحاري" يدخل الى الحسينية محملاً بالمتفجرات.
ولكن من الذي سيحمل لهم المتفجرات؟ البريطانيون او الأمريكان لن يضحوا بجنودهم (ولا هؤلاء بأنفسهم) من اجل ذلك. لكن لدى قوات الاحتلال حوالي عشرة الاف سجين بأعترافهم, وهؤلاء يمكن ان يوضعوا تحت مختلف الضغوط للقيام بأي عمل. فيمكن مثلاً ان تتفق مع سجين بأن يضع المتفجرات في مكان ما مقابل اطلاق سراحه, ثم يفجر بواسطة الريموت كونترول أثناء قيامه بمهمته. ويمكنك ان تغيبه عن الوعي بالأدوية والمؤثرات ليسير كالمنوم حتى يصل الهدف لتفجره من بعد ايضاً. أن وجود جهاز التفجير عن بعد يدل على ان حامل المتفجرات, ان صح وجوده, لم يكن ليفجر نفسه بنفسه, وأنه أما مخدوع او غائب عن الوعي.
لم يريد الامريكان تلك التفجيرات والأرهاب؟ الا يناسبهم اكثر دولة مستقرة يسيل منها النفط الى جيوبهم؟ أولاً هذا امر مشكوك به في دولة مستقرة, ويعتمد على الطريقة التي ستستقر بها. فليست كل حكومة مستقرة تضمن سيلان النفط. كما ان الأمر يعتمد على خطة الامريكان البعيدة التي لا نعرفها بالضبط. فلربما كان التواجد العسكري في العراق جزأً اساسياً منها, وهذا أيضاً يتطلب حكومة مناسبة, أو بقاء الإضطراب حتى تصل الحكومة المناسبة الى السلطة.
لك ان تقول يا قارئي انها قصة اخرى من قصص نظرية المؤامرة, وربما تقول لي ان العراق الذي عرفته تغير, لكني اجيبك بحادثة جسر الأئمة التي تثبت ان الأمر غير ذلك وأن الدواخل ما تزال انسانية وحميمة في اعماقها. لذا يبدوا لي اننا ان تخلصنا من تأثير القصص الإعلامية, والتي تبدوا لكثرة تكرارها كأننا رأيناها في الواقع, فأننا سنستنتج ان لايوجد مواطنين من اية طائفة او مجموعة يمكن ان تنتحر لقتل اخرين عشوائياً.
لعلك تجد كلامي صعب التصديق وربما كان لك الحق. لكني بالمقابل اطالبك أولاً أن تفسر لي لم لا نعرف لا أنا ولا انت أشخاصاً حقيقيين يمكن ان يكون احدهم من هؤلاء الوحوش, وأطالبك ثانياً ان تفسر لي وجود جهاز التفجير عن بعد لدى الجنود البريطانيين المتخفين في سيارة قرب حسينية في البصرة, ولم لم يستطع الجيش البريطاني تقديم اي تفسير لها يمكن قبوله؟ فإن استطعت, فمن حقك ان تهمل قصتي وتتهمني بنظرية المؤامرة وتفسر ما يحدث كما تراه معقولاً.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟