|
أزمة اللجوء وآلية الخروج من عنق الزجاجة
رولا حسينات
(Rula Hessinat)
الحوار المتمدن-العدد: 5380 - 2016 / 12 / 23 - 18:01
المحور:
حقوق الانسان
..هل تيه الفلسطينيين والسوريين واليمنيين والعراقيين قرونا من الزمان أم أنها مجرد أربعين فلا أرض لهم تستقيم ولا بقاء؟؟!! بعد أن كانت الهجرة بحثا عن مصدر رزق أصبحت الهجرة هاجسا لا يمكن التخلص منه إذ أصبحت سفينة نوح في العهد الجديد.. وبعد أن كانت الحاجات الأساسية حسب هرم ماسلو أساسا في سعي الإنسان للوصول إلى النقطة الحيادية أو التعادل في الرضا النفسي أصبح الشعور بالأمان مطلبا أساسيا .. عندما قرر اللبنانيون الهجرة في أواسط القرن الثامن عشر 1854 وهو ما يعرف بالشتات اللبناني حيث يمكن تقديره لما يتجاوز 15 مليون مهاجر توزعوا على الأمريكيتين وكندا وأستراليا ويعتبر المهاجرون هناك مصدرا ماليا ممتازا وتشكل التحويلات المالية للمغتربين مصدرا مهما للاقتصاد اللبناني حيث تبلغ ما مجموعه 8.4 مليار دولار ولا يمكن إنكار الدور الاقتصادي الذي لعبوه في إنعاش اقتصاديات تلك الدول إن ذاكرة الغربة لهم شكلت بوصلة الانخراط في المجتمعات البديلة عن الوطن وانشئوا لهم مجتمعا منخرطا في المجتمعات التي يمكن اعتبارها نامية كأمريكا اللاتينية وقد تقلدوا إدارة الأمور في كثير من شؤون الحياة هناك و في كثير من المجالات.. وقد لعبت هجرة العقول العربية دورا بارزا في المساهمة بالثورة العلمية العالمية فقد وجد الدارسون العرب بيئة خصبة وملائمة محفزة على الإبداع بعيدا عن هموم اللهث وراء رغيف الخبز أو الوظيفة الحكومية فكانت هجرة مستقطبة للطلاب العرب الذين يتطلعون للمستقبل المتحرر من أوسع أبوابه.. إن السعي وراء لقمة العيش جعلت وجهة المهاجرين واضحة على الخارطة التمويلية العالمية وبعد أن احتلت دول الخليج العربي المركز الأول عالميا في استقطاب العاملين من مختلف التخصصات حظيت كل من أمريكا وكندا وأوروبا واستراليا ونيوزلندا المركز الثاني.. من بلاد عانى مواطنوها الأمرين من الكساد والفقر والتضخم وهذا ما أفرزه العجز في الميزان التجاري وعليه أدى إلى انخفاض مستوى الدخل الفردي والذي مرده إلى سوء توزيع الدخل وضعف المشاريع الاقتصادية والتنموية التي لم تحقق نجاحا لمشاريعها بل كانت سببا في نهب الرساميل أو هروبها. بعد أن كانت هجرة الفلسطينيون بعد النكبة عام 1948والنكسة 68 لدول الجوار أمام صمت دولي فاضح في إقامة الدولة الصهيونية بعد وعد بلفور وبعد أن كان منطق الصراع بين الصهيونية والإسلام في فلسطين لعقود من الزمان فقد أصبحت فلسفة الصراع اليوم دينية بحتة مرادها السيطرة على ثروات ومكتسبات البلاد مع مفهوم التطهير العرقي والترويج للعنف والإرهاب.. إن ما استطاع الترويج له تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وجبهة جند الشام من مفهوم الإسلام السياسي والتطهير العرقي وفوبيا الأديان والحرب الطائفية وغيرها مفاهيم إرهابية التي أدت إلى نزوح وهجرة الملايين من المتضررين من ويلات هذا التنظيم من جهة والحروب وويلاتها التي أشتعل فتيلها بعد ما يسمى الربيع العربي والحراك الشبابي والتي لم يكن حلمها إلا في العيش الكريم والكرامة والحرية وهذه مضامين العدالة والمساواة اللازمة لبقاء أي دولة وبعد تحالف الأنظمة السياسية مع التنظيمات الإرهابية على إفناء شعوبها لم يكن بوسع طالبي النجاة إلا الهجرة إلى ما وراء البحار بعد أن ازدحمت بهم دول الجوار.. أزمة المهاجرين هي في الواقع أزمة لجوء لفاقدي حق العودة والهاربين من فم الموت بأعجوبة إن البحث عن صورة ملونة للحياة غير اللون الأحمر بعيدا عما اختزلوه في اللونين الأسود والأبيض... أزمة اللاجئين ليست حدثًا لمرة واحدة إنما قد تكون أزلية بأحسن الأوقات فهي تنذر بفترة من ضغوط الهجرة الأشد في المستقبل المنظور جراء مجموعة معينة من الأسباب بما في ذلك الاختلالات الديموغرافية والاقتصادية بين أوروبا وأفريقيا وآسيا والصراعات التي لا نهاية لها في المنطقة الحدودية فسياسات الهجرة المنطوية على الهروب من العنف أمام شرعية دولية في الحقيقة مخيبة للآمال... ولكن أمام جميع هذه التحديات يبقى الهدف الأساسي الذي لا يمكننا التلاعب فيه هو تقديم الحد الأدنى من الخدمات وتحسين ظروف التوظيف والمعيشة ومنحهم فرصة التعايش والانخراط بالمجتمعات بعد تدريبهم وتهيئتهم من حيث اللغة والتهيئة النفسية وكل هذا بحاجة إلى تمويل ودعم دولي لكي لا يستنفذ مقدرات الدولة المستضيفة إن قرار القبول أو الرفض ليس قرارا تمن به الدول المستضيفة للاجئين إنما هي فرض واجب عليها كونها مشاركة في الحرب ضد الإرهاب وهي حرب في واقع الأمر للدفاع عن مصالحها واستعمار جديد بصورة البطل المغوار المنقذ إن من واجب المخطط في كافة الدول المستضيفة أن يدرج مفهوم التخطيط لمدن اللاجئين وتنشئ لها وزارات وفرق تنفيذية لأن عملية إعادة تأهيلهم نفسيا وبدنيا تمنحهم قبولا مجتمعيا ليس فقط من إحساسهم العاطفي والمواساة بل بقدرتهم على تخطي تلك المعاناة والمشاركة الايجابية في المجتمعات... إن ما نجده على الخارطة العالمية للاجئين والمهاجرين هو إعدام حقهم في الوصول إلى هذا الهدف فهم معزولون على بعد مئات الهكتارات عن أحلامهم في أن يعيشوا كغيرهم... أن حقيقية قدرة أوروبا على تخطي ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية منحها فرصة جديدة في الاستفادة من الطاقات المكبوبة على اعتبار أن جميع هؤلاء المهاجرين من حقهم أن ينصفوا في إدراجهم في المشاريع التنموية وهذه التجربة التي جعلت اليابان أن تخرج بقوة على الخارطة الاقتصادية العالمية... إن مفهوم المشاريع التنموية لا تتأتى بإقامة مخيمات على مسطحات واسعة من الوحل مغطاة بالأسلاك الشائكة إنما تعني إقامة بنى تحتية ومدن حقيقية تستطيع استيعابهم وفيها معسكرات تدريبية على صناعات تقنية كانت أم تجميعية أو نسيجية أيا كان المسمى لا يمكننا الجزم أن مثل هؤلاء اللاجئين يشكلون أيدي عاملة وافرة دون تقديم مشاريع البنية التحتية الخدمية كالطرق والمدارس والمستشفيات إن كان هذا مفهوم عزل اللاجئين عن التفاعل المنظم في الدول المستضيفة متذرعين بالضائقة المالية والعبء الاقتصادي عمليا يمكن تجاوز تكلفة المهاجرين والمعونات المترتبة على استضافتهم متجنبين أي خلل في توزيع الدخل ورفع أسعار العديد من الخدمات الحيوية والمشاريع الإسكانية والخدمية وبعيدا عن ضعف الدعم لتغطية احتياجاته المقدمة على شكل معونات من المنظمات العالمية التي بدورها تتلقى تمويلها من الدول المانحة بإشراكهم بالمشاريع التنموية الإنتاجية الخدمية التي ترفع سويتهم أولا وتحول دون تشكيلهم عبأ وهو الأهم... ما نتحدث عنه ما يتجاوز المليون شخص ممن فقدوا فرص الحياة الأساسية نحن نتحدث عن نسبة عالية من الشباب الذين فقدت قدرتهم البنائية كما نتحدث عن جيل بأكمله حرم حق التعليم ومنح الجهل بسخاء ولن ننسى أننا نتحدث عن جيل بأكمله من ذوي الإعاقة بسبب الحروب وانتهاكاتها المحرمة الحديث عن الهجرة لا يختلف عن الحديث عن اللجوء فكلاهما وجه لعملة واحدة وإن اختلفت أسباب اللجوء وتعددت هموم المهاجرين تبقى الحاجة إلى الشعور بالأمان وحق الحياة لزاما ليس خيارا وحقا مشروعا لا فضلا ولا منحة من أحد وعلى المجتمع الدولي أن يتخطى مرحلة الجدلية إلى مرحلة العمل الحقيقي....
#رولا_حسينات (هاشتاغ)
Rula_Hessinat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شواء بشري بطعم الحرية
-
حمى المناهج وفوبيا الأديان
المزيد.....
-
يوم أسود للإنسانية.. أول تعليق من الرئيس الإسرائيلي على أوام
...
-
حماس: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت تصحيح لمسار طويل من الظلم
...
-
رفض إسرائيلي لقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو
...
-
منظمة الفاو تحذر من وصول المجاعة إلى أعلى درجة في قطاع غزة،
...
-
مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف.. كل ما نعرفه للآ
...
-
مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.. أول تعليق من مكتبه وبن غفير يدعو ل
...
-
زلزال سياسي: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال في
...
-
حماس ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق ن
...
-
حماس تحث المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة جميع القادة الإ
...
-
هولندا تعلن استعدادها للتحرك بناء على أمر الجنائية الدولية ب
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|