|
الجميلةُ المغدورة، اليومَ عيدُها
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5377 - 2016 / 12 / 20 - 14:15
المحور:
بوابة التمدن
================
أجلسُ مع صديقتي، نيللي حسن، طبيبة الأسنان الجميلة التي تعالجني بدولة الإمارات، نفكّر كيف نحتفلُ بعيد ميلاد حبيبتنا الجميلة التي نسيناها، اليوم 18 ديسمبر. فهمستْ الطبيبة المثقفة: ما رأيك في"حانة الأقدار"، فوثبتُ إلى حاسوبي، وبعد برهة بدأ شلالُ العذوبة يُمطرنا برذاذه الطّيب.
حانةُ الاقدارْ/ عربدتْ فيها لياليها/ ودارَ النور/ والهوى صاحِ/ هذه الأزهار/ كيف تسقيها وساقيهـا/ بها مخمور/ كيف يــا صاحِ؟!/ سألتُ عن الحبِّ أهلَ الهوى/ سُقاةَ الدموع ندامى الجوى/ فقالوا حنانَك من شجوه/ ومن جِدِّه بكِ أو لهوِه/ ومن كدَرِ الليل أو صفوهِ/ سلى الطيرَ إن شئتِ عن شدوه/ ففى شدوه همساتُ الهوى/ وبرحُ الحنين وشرحُ الجوى/ ورحتُ إلى الطيرِ أشكو الهوى/ وأسألُه سرَّ ذاك الجوى/ فقال: حنانَك من جمرهِ/ ومن نهيه فيكِ أو أمره/ ومن صحوِ ساقيه أو سُكره/ سلى الليلَ إن شئتِ عن سره/ ففى الليل يُبعثُ أهلُ الهوى/ وفى الليلِ يكمنُ سرُّ الجوى/ ولما طوانى الدُّجى والجوى/ لقيتُ الهوى وعرفتُ الهوى/ ففى حانةِ الليل خمّارُه/ وتلك النجيماتُ سُمّاره/ وهمسُ النسائم أسرارُه/ وتحت خيامِ الدُّجى ناره/ وفى كل شيء يلوح الهوى/ ولكن لمن ذاق طعم الهوى.
كيف كتب "طاهر أبو فاشا" تلك الكلمات، وكيف مَوْسقَها "محمد الموجي"، وكيف شدتَها شاديةُ الكون "أم كلثوم"؟! سيبقى ذلك سرَّهم الخاصَّ الذي لا يعرفه سواهم. مثلما لا يعرفُ الهوى إلا من ذاقَ طعمَ الهوى. وستبقى اللغةُ العربية سرًّا مدهشًا أبديًّا لا نملكُ جميعَ مفاتيح سحرِها إلا بقدر ما تسمح بها قدراتُنا على تذوّق النغم الفريد، بقَدرٍ. ما هذا السحر السيّال الذي يطفر من بين ثنايا لغتنا العربية الجميلة؟! ما كل العبقرية المعقودة بناصية تلك اللغة الفذّة التي تغمرك بقطرِ الدفق الشهيّ حين تسمعُ بعض آيات من سورة قرآنية مَكيّة، أو أبياتٍ من قصائد الشعر القديم؟ لغةُ المرادفات والأضدّاد والمشتركات اللفظية والمتشابهات والإدغام والتشبيع والقصر والقطع والمجاز والطباق والجِناس، والمقابلة والسجع! تلك لغتُنا العظيمة التي لم يعد يحبُّها من غفلوا عن حُسنِها ورشاقتها وقوّة بيانها. لم أر أمّةً لا تعتزُّ بلسانِها مثلنا! والسبب؟! عشراتُ الأسباب ليس مجالها هذا المقال، حتى لا يفسدُ ثوبَ الجمال خيطٌ مُنسّلٌّ رديءُ الصنع. اختار اليونسكو يوم 21 فبراير من كل عام، يومًا للاحتفال بعيد "اللغة الأم" لدى الأمم المتحدة. وهو اليوم الذي تحتفل به كلُّ أمّة من دول العالم، باللغة الأم الخاصة بها. فاختار الروس يوم 6 يونيو، وهو يوم ميلاد الشاعر الروسي "ألكسندر بوشكين"، واختار الصينيون 20 أبريل، ذكرى "سانج چيه" مؤسس الأبجدية الصينية، وبالطبع اختار الإنجليز 23 أبريل يوم ميلاد عظيم العالم الأديب الإنجليزي وليم شكسبير، بينما اختار الفرنسيون 20 مارس المتزامن مع اليوم العالمي للفرنكفونية، فيما اختار الأسبان 21 أكتوبر، يوم الثقافة الإسبانية. أما نحن، الناطقون بالعربية، فقد وقع اختيارنا على اليوم 18 ديسمبر عيدًا عالميًّا للغة العربية، وهو ذكرى اعتماد العربية لغةً رسمية في الأمم المتحدة عام 1973، بعد محاولات دؤوب بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي. ولأنني أودّ أن يصفو مقالي هذا للاحتفال والاحتفاء، لا للنقد والتباكي على ما وصلت إليه لغتُنا من حالٍ تعسة على ألسن الناطقين بها، فلن أخوض في ركاكات الإعلاميين وأخطائهم الفادحة التي تصمُّ آذاننا ليل نهار، ولا انهيار مستوى معلّمي اللغة العربية وعجزهم عن الأخد بأيدي أبنائنا ليُحبّوا لغتهم ويتقنوها، إنما سأذكر الإشراق الذي أصادفه بين "أُميّين" لا يعرفون القراءة والكتابة، لكنهم قادرون على ارتشاف سحر العربية، دون عِلمٍ أو دراسة. اذهبْ إلى المزارعين البسطاء في صعيد مصر، وأنصت إليهم وهم يدندنون فيما يضربون فؤوسهم في طمي الأرض ليخرجوا كنوزَها الخبيئة. تجدهم يحفظون عن ظهر قلب قصائد ابن الفارض، الشاعر الصوفيّ الأكبر، بعدما سمعوها بصوت الشيخ ياسين التهامي، المنشد الديني الشهير ابن قرية منفلوط المصرية. بل ويحفظون، بفهم وإدراك حقيقيين قصائد أحمد شوقي وأحمد رامي وجورج جرداق وأبي فراس الحمداني وغيرهم مما غنّت لهم أم كلثوم. وإن سألتهم عن مكامن المجاز والاستعارات أجابوك بفطرتهم بما يدهشك من معارف. استسلم لسحر اللغة العربية، ودعها تتسلّلُ داخل روحك وتُسرّب إلى عمقك أسرارَها، تمامًا كما تستسلم لحبيبتك لكي تُذيقك من مفاتنها ما تجهل. أيتها الجميلة المغدورة، أيتها اللغة العربية الساحرة، أقول لك في عيدك: كل سنة وأنت طيبة وبخير أيتها الفاتنة المهجورة.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من حشا الحزام الناسف بالشظايا؟
-
قُبلة يهوذا
-
لهذا لم أحادثك يا صبحي!
-
دموعُ الفارس | إلى محمد صبحي
-
شجرةٌ وأربعُ عيون
-
محاكمة نجيب محفوظ وأجدادنا والفراشات
-
مشيرة خطاب أمينًا عامًا لليونسكو
-
إيزيس
-
عروسة مولد وشجرة ميلاد
-
أنتم تخدشون حياءنا
-
حلوى المولد .... والبيض الأرجنتيني
-
حلوى المولد والبيض الأرجنتيني
-
صباح فيروز … وجه الفرح
-
هل الآخر جحيم … نعيم؟
-
“فن- الحذر من الآخر
-
فن الحذر من الآخر
-
خيانة الأفكار
-
ماذا يعني مهرجان الموسيقى العربية؟
-
متى المسافرُ يعود؟
-
هل نحب؟
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
حَمّاد فوّاز الشّعراني
/ حَمّاد فوّاز الشّعراني
-
خط زوال
/ رمضان بوشارب
-
عينُ الاختلاف - نصوص شعرية
/ محمد الهلالي
-
مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة
/ فاروق الشرع
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4
/ ريبر هبون
المزيد.....
|