|
الذين يجهلون التاريخ.. يُسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (6) .. الفكرة القومية(أ): إضاءات وتوضيحات وتعريفات! .
خلف الناصر
(Khalaf Anasser)
الحوار المتمدن-العدد: 5376 - 2016 / 12 / 19 - 21:06
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
الحقائق القومية للشعوب: كفكرة وكحقيقة إنسانية تثير الكثير من التساؤلات، وتحتاج إلى الكثير من الشرح والتوضيح لــ " فك الاشتباك " الحاصل بين الأفكار والمدارس والتيارات القومية المتعددة . لأن الفكر القومي ـ كأي فكر إنساني كبير آخر ـ فيه مدارس وتيارات وأفكار ورؤى سياسية وفكرية مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان، ومن الواجب والأمانة العلمية توضيحها وفك الاشتباك بينها، والواجب أيضاً يحتم أن لا توضع جميع الأفكار والتيارات القومية، على صعيد واحد وتقاس بمسطرة واحدة..لأن في هذا ظلم كبير لهذا الفكر ولبعض المنتمين إليه!! وفي هذا (الجزء من مقالنا المتسلسل هذا) سنحاول في البداية أن نزيل اللبس والغموض عن بعض الحقائق الموضوعية فيما يخص الفكرة القومية، والتي ذهبت ضحية لهذا الاشتباك المعقد، وللتزوير أو للخلط الحاصل بين المفاهيم المختلفة للمدارس القومية المختلفة، أو الجهل بحقائق الفكر والتاريخ الإنساني عموماً..فأدت كل هذا الأمور مجتمعة بالنتيجة، إلى خلق بلبلة فكرية وتصورات خاطئة لمعنى الأمة ولمعنى القومية تحديداً، سواء من المناصرين أو من المعادين للفكرتين معاً!! فحقائق التاريخ تدلنا ـ وأرجو أن تتحملوا بعض هذه الآراء مؤقتاً ـ أن صناعة القوميات قد بدأت عندما بدأ الإنسان علاقته بالطبيعة، وعندما أخذ يفرض وجوده ويخط آثاره على بيئته المحلية.. فخلق من خلال هذه العلاقة الإيجابية بالطبيعة موجودات وعناصراً: ماديةً وفكرية وروحية واجتماعية وثقافية وحضارية لم تكن موجودة أصلاً، بشكل حر في الطبيعة!! ومن هذه العناصر التي خلقها الإنسان: لغة وفكر وقيم وتصورات وثقافة خاصة بكل مجموعة بشرية، وبهذا الخلق والابتكار الإنساني يكون الإنسان الأول قد وضع (البنية التحتية) لأمة وقومية ستكون في المستقبل!! وقد استمرت هذه الصناعة التاريخية للبشرية وقومياتها، بالتبلور والتكامل خلال آلاف من القرون ومئات من الحقب التاريخية، حتى تكاملت جميع هذه العناصر المكونة للأمم والشعوب والقوميات والمجتمعات الحديثة، في نهاية العصور الوسطى..فأدى تكامل هذه العناصر التكوينية، إلى بروز واضح للأمم والشعوب والقوميات في نهاية مطاف تلك العصور!! وكانت العصور الحديثة هي البيئة الزمنية المناسبة، التي تفتحت في ظلالها تلك (البنى التحتية التاريخية) للأمم والشعوب والقوميات المختلفة والمجتمعات الإنسانية الحديثة.. فخرجت من بين أضلاعها المتداخلة أمم وشعوب وقوميات الأرض الحالية جميعها، ومنها القومية العربية التي أنكر كاتب مقال "أسطورة القومية العربية" وجودها!! إن هذا التمهيد البسيط يجعلنا في وضع أفضل للإجابة على سؤال (ما هي القومية؟؟) الذي يتكرر على الأسماع دائماً، كما أن هذا التمهيد يعطينا بعض الأدوات التي تمكننا أن نفهم معنى القومية فهما موضوعياً.. ومعنى القومية العربية بالذات!! *** من المعروف أن لــ (معنى القومية) تعريفات كثيرة، وكل تعريف منها يمثل مدرسة قومية من مدارسها المختلفة..إلا أن أغلب هذه التعريفات تجانب الصواب لأسباب عديدة أهمها: أن هذه المدارس القومية تنطلق من أساس إيديولوجي جاهز يفرض عليها من خارجها فرضاً من قبل المؤمنين بها، وفي نفس الوقت يقابله سوء فهم من قبل المعادين لها..فأدى هذا إلى ضياع معنى القومية الحقيقي، وتشويه لفكرتها الجوهرية!! هذا لأن الفكرة القومية ـ وهذا شأن جميع الأفكار الإنسانية الكبرى ـ تتعرض دائماً لمثل ما تعرضت إلية الفكرة القومية، لأنها في الأساس أفكار كبيرة وواسعة، وتحتمل أفكار فرعية ورؤى شخصية وتسميات نمطية وتوصيفات متنوعة، كما أنها تضم في إطارها الواسع تيارات فكرية وسياسية واجتماعية مختلفة!! لكن القومية كفكرة وكحقيقة إنسانية، تمثل في جوهرها الموضوعي: (انتماءً) و (وعاءً) و (نزوعاً إنسانياً) (وتطوراً اجتماعياً) وحضارياً شاملاً: فالانتماء: لأرض وتاريخ وحضارة وجماعة بشرية محددة!! وهي وعاءً: يمكن ملأه بأية مادة إيديولوجية يُرادُها لها: سواءٌ كانت عنصرية أو دينية أو اشتراكية وإنسانية!! وهي نزوعاً إنسانيا: نحو الاستقلال والتميز والتفرد..والتخلص من كل أشكال هيمنة الغير وسطوته أو احتلاله!! وهي تطوراً اجتماعياً: لأنها آخر مراحل التاريخ وأكثرها تطوراً، وانبثقت في عصرنا الحديث هذا تحديداً.. وليس قبله وليس بعده !! وبعد هذه التعريفات البسيطة يمكننا أن نجيب عن سؤال ما هي القومية؟؟ إن القومية في حقيقتها الموضوعية ـ وبدون أية رتوش إيديولوجية ـ تمثل مرحلة من مراحل التاريخ الكبرى، التي وصلتها البشرية في العصور الحديثة فقط.. وهي لهذا تمثل روح العصر الحديث وجوهره الإنساني التقدمي، لأنها هي التي أنهت جميع أفكار ونظم وتنظيمات ومنظمات ومؤسسات القرون الوسطى!! وهي لهذا تعتبر مرحلة من أكثر مراحل التاريخ تطوراً وتقدماً على كل المستويات، وكل ما سبقها من مراحل تاريخية كان مقدمات لها، استكملت فيها ومن خلالها الأمم والشعوب والمجتمعات جميع مقومات وجودها الأساسية: من لغة وقيم وثقافة وحضارة ومصالح إنسانية مشتركة للجماعات البشرية المختلفة..وعلى إثرها برزت الأمم والشعوب إلى الوجود بشكل موضوعي، وبسمات ومميزات خاصة و بــ (شخصية قومية) محددة الملامح لكل منها، وواعية بها وبذاتها المستقلة . وقد عبرت الأمم والشعوب عن وعيها بذاتها هذا ـ خلال هذا العصر الحديث فقط ـ بحركات ومنظمات ومؤسسات فكرية وسياسية مختلفة.. هي في حقيقتها صدىً فرضته هذه المرحلة القومية بقوة على المجتمعات الإنسانية!! أما ما قبل هذه المرحلة التاريخية، فقد كان وجود الأمم والشعوب ـ بمعناها الحديث ـ هلامي وشبه معدوم، وتحتل مكانها تكوينات اجتماعية، وتنظيمات دينية وطوائف مذهبية، وعرقيات وإثنيات وقبائل وعشائر وبطون وأفخاذ متفرقة، وبمفاهيم قروسطية!! ولهذا يعتبر العصر الحديث هو عصر الشعوب وعصر الأمم وعصر القوميات و (الدولة القومية) بدون منازع!! أما العصور التي سبقت عصرنا الحديث هذا فكانت عصور: الأباطرة والملوك والبابوات والخلفاء والإمبراطوريات، وعصور (ما قبل الأمة الواحدة).. وكانت أيضاً عصور الأديان والمذاهب والطوائف والقبائل والعشائر والفرق المتعددة، وعصور الإقطاعيات والإمارات المستقلة والجماعات الدينية، وتنظيماتها الاجتماعية والسياسية المختلفة، والتي كانت سائدة لجميع بلدان الأرض وشعوبها المختلفة!! لكن الحقائق القومية للشعوب والأمم ومرحلتها التاريخية، هي التي عصفت بكل هذه التنظيمات والمسميات والتكوينات والمكونات الاجتماعية والسياسية، وقلبتها رأساً على عقب.. وغيرت معها جميع معطياتها الحياة ومفاصلها الأساسية!! وبكل هذا تكون (المرحلة القومية) هي التي أنهت (المرحلة الدينية) السابقة لها، وأنهت معها العصور الوسطى بجوهرها الكنسي الكهنوتي، في جميع البلدان التي نجحت فيها هذه المرحلة القومية فعلاً!! وبهذا التغير النوعي أصبحت القومية هي روح العصر الحديث وجوهره التقدمي، لأنها جددت الحياة الإنسانية ومنطلقاتها الأساسية، وأرست في الواقع العالمي والواقع الاجتماعي والإنساني، رؤى وقيم ومعارف وتصورات جديدة، قلبت معنى الحياة الإنسانية برمتها!! ومن أهم ما أرسته هذه المرحلة القومية هو الآتي: [ يــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــع ] [email protected]
#خلف_الناصر (هاشتاغ)
Khalaf_Anasser#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحج إلى واشنطن..والأضحية بشر!! (البريطانيون يعودون إ
...
-
الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (5) ا
...
-
الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (4) -
...
-
الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (3) ا
...
-
الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (2) م
...
-
الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (1) م
...
-
((معركة هرمجدون)).. معركة وقعت في الماضي أم ستقع في المستقبل
...
-
المرأة مقياس لتقدم وتخلف المجتمعات الإنسانية!!
-
دونالد ترامب .. و - الحلم الأمريكي - (2-2)
-
دونالد ترامب .. و - الحلم الأمريكي - (1-2)
-
ثورات شعبية مؤجلة..وانقلابات عسكرية مستعجلة ؟؟
-
مقاربة وطنية .. لإشكالات طائفية(عراقية) (6) والأخير
-
مقاربة وطنية .. لإشكالات طائفية(عراقية) (5)
-
مقاربة وطنية..لإشكالات طائفية (عراقية) (4)
-
مقاربة وطنية.. لإشكالات طائفية(عراقية) (3)
-
مقاربة وطنية..لإشكالات طائفية (عراقية) (2)
-
مدافن لوزان.. وأوهام أردوغان!!
-
مقاربة وطنية..لإشكالات طائفية (عراقية) (1)
-
أنور السادات وصدام حسين.. والفتح الأمريكي المبين!! (2-2)
-
أنور السادات وصدام حسين.. والفتح الأمريكي المبين!! (1-2)
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|