|
تحريم تهاني أعياد ميلاد المسيح تحريض على الكراهية وتكريس لها
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1423 - 2006 / 1 / 7 - 10:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تصاعدت قبيل وأثناء الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية فتاوى تحرم على المسلمين ، ليس فقط الاحتفال بذكرى ميلاد النبي عيسى عليه السلام ، بل وأساسا تقديم عبارات التهاني للمسيحيين ، أكانوا مواطنين أو أجانب . ورغم أن مناسبة رأس السنة الميلادية تزامنت مع موسم الحج وقرب احتفال المسلمين بعيد الأضحى وما يقتضياه من مواعظ وإرشادات كان الأجدر بخطباء الجمعة إيلاءهما الأهمية اللازمة ، رغم كل هذا ، أبى عدد من الخطباء إلا أن يتصدوا بالتحريم والتفسيق لكل من يبادل المسيحيين تهانيهم أو يتقدم بها إليهم ، بعد أن عدّوا ذلك " موالاة" للكفار . ولم يكن هذا حال العديد من خطباء المغرب ، بل هي عدوى عقيدة "الولاء والبراء" التي انطلق وباؤها من فقهاء التيار الإسلامي في المشرق ليتداعى له بحمى التشدد نظراؤهم في المغرب . إن هؤلاء جميعا يرمون المسيحيين بالكفر ويتخذونهم أعداء يحقدون على كل من تعامل معهم أو سالمهم أو بارك لهم أعيادهم . تلكم إذن ثقافة البغض والكراهية تتطاير شرارتها لتشعل الفتن بين أبناء الوطن الواحد مسيحيين ومسلمين ، أو تؤلب شعوب العالم وحكوماته ضد المسلمين الأبرياء . إن ثقافة كهذه لا تجيد غير تعميم التحريم ومنع كل تعامل إنساني لا يميز بين البشر . إنها ثقافة الكراهية والبغض التي يروج لها فقهاء خلت قلوبهم من كل محبة وقست بحيث لم تعد تهتز مشاعرهم لآلام الآخرين فأحرى أفراحهم . وقد كانت كارثة " تسونامي" دليل تعفن النفوس بعد مرضها . إنها عقيدة الشماتة والغل التي تسعى هذه الجماعات فرضها على المسلمين وإلزامهم بها وما أنزل الله بها من سلطان . إنهم يزعمون تمثل تعاليم الدين الإسلامي والسير على نهج نبينا الكريم ، بينما هم يفترون على الله تعالى الحقد وهو أرحم الراحمين ، كما يفترون على الرسول الكريم البغض وهو الذي جاء يتمم مكارم الأخلاق . إن الله تعالى لم يجعل العداوة والبغضاء بين المسلمين وأهل الديانات السماوية ، المسيحيين واليهود ، هي الأصل والقاعدة ، أي معاداتهم بسبب عقيدتهم . بل إن البر والقسط وحسن المعاملة قيم سامية من صميم تعاليم ديننا الحنيف ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة آية: 8 . لأجل هذا أحل الله تعالى للمسلمين مصاهرة أهل الكتاب ومواكلتهم ومشاربتهم ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) المائدة : 5 . فبأي شريعة يلتزم دعاة الكراهية ، وأية سنة يتمثلون وهم يستخسرون في مواطنيهم وأصدقائهم وبقية الإنسانية عبارة " سنة سعيد" ويستكثرون عليهم أمنيات الخير والسلام ؟ إن كان من جهة الشريعة ، فهم أبعد عن تعاليمها السمحة كما نصت الآية الكريمة أعلاه . أما من جهة السنة المطهرة فهي بريئة من تحريفهم وتخاريفهم ، بدليل الثابت عنه صلى الله عليه وسلم تعظيم يوم عاشوراء الذي ظل يصومه الرسول والمسلمون ، كما ترويه الأحاديث التالية : ( عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء.فقال:ما هذا؟قالوا:يوم صالح ،نجى الله فيه موسى،وبني إسرائيل من عدوهم،فصامه موسى.فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا أحق بموسى منكم)) فصامه،وأمر بصيامه،متفق عليه.وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ( كان يوم عاشوراء،تعظمه اليهود،وتتخذه عيدا،فقال صلى الله عليه و سلم: ((صوموه أنتم)) متفق عليه. ( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من وسع على نفسه،وأهله يوم عاشوراء،وسع الله عليه سائر سنته))رواه البيهقي في الشعب،وابن عبد البر. هذه هي السنة الشريفة التي لم تؤسس للحقد والكراهية ، كما يزعم المراؤون ، قدر تأسيسها للتقارب والتعارف والتسامح . أي تأسيسها لمكارم الأخلاق التي جاء رسولنا الكريم لإتمامها ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) كما جاء في الحديث الشريف . فهل من مكارم الأخلاق تحريم حتى تقديم التهاني لأهل الكتاب أكانوا أصهارا أو جيرانا أو مواطنين أو إخوة في الإنسانية ؟ فأية رحمة يزعم دعاة البغض والكراهية نشرها بين العالمين ؟ وأي "إحسان" هذا الذي يقوم على بُغض أهل الكتاب ومقاطعتهم ؟ ماذا لو أن أهل الديانات ،مسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس وغيرهم ، حملوا نفس الكراهية للمسلمين واتخذوا مواقف مماثلة في التشدد والبغض ؟ هل كانوا سيوفرون لنا أسباب العلاج ويمكنوننا من وسائل النقل والاتصال ويزودوننا بما يستر عوراتنا ويملأ بطوننا ، وييسرون لنا سبل العلم ومناهجه ؟ الأكيد أن دعاة الكراهية لا يتقنون غير الحقد ولا يجيدون سوى الاستعداء حيثما وجدوا أو رحلوا . وحسبنا دليلا على انحطاط قيم الإسلاميين المبغِضين موجة الغضب التي أثارتها فتوى وكيل وزارة الشؤون الإسلامية في البحرين فريد يعقوب المفتاح بجواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، والتي جاء فيها "لا مانع أن يهنئ المسلم غير المسلم بهذه المناسبات، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشمل شعار أو عبارات دينية تتنافى وتتعارض مع مبادئ الإسلام ولا مانع أيضاً من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها" . لو قُدِّر لهؤلاء الصولة والقوة فلنقرأ السلام على الأمن والأمان . www.saide.c.la
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا ضعفت حجج المرء زاد صياحه
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
هل القادة المسلمون حقا يد واحدة ضد الإرهاب ؟
-
العنف ضد المرأة تكريس لثقافة الاستبداد
-
يوم تواطأ الحداثيون والإسلاميون على الصمت
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
منذ متى كان الظواهري رحيما أو حكيما ؟
-
رسائل التهديد بالقتل
-
التسامح مفهوم دخيل على الثقافة العربية
-
هل ستتحول - حماس- إلى نحس على الفلسطينيين ؟
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني 3/3
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني 3/2
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني- 3/1
-
إرهابيون وإن غيروا فتاواهم
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي 10
-
انتحاريون ليسوا كالانتحاريين
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|