جلال مجاهدي
الحوار المتمدن-العدد: 5373 - 2016 / 12 / 16 - 21:34
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
برزت الحركات الأمازيغية إلى الوجود مع أواخر الستينيات على شكل جمعيات تعنى بالتعريف بالثقافة و اللغة الامازيغية كرد فعل محتشم على الخطاب العروبي الهوياتي للدولة , هذه الحركات , تطورت مع مرور الزمن, لتصبح اليوم حركات أمازيغية لها كلمتها في الساحة السياسية و الحقوقية , حيث استطاعت و بالتدريج, الرد على الخطاب الرسمي الهوياتي للدولة و قامت بفرض المسالة الامازيغية بقوة على الساحة السياسية و المجتمعية و الاعلامية, بعدما كانت مغيبة عن الفضاء العام.
بعد نهاية المرحلة الأولى التي امتدت من الستينيات إلى أواخر السبعينيات و التي كانت خلالها الحركات الأمازيغية تعنى فقط بالتعريف بالثقافة و اللغة الأمازيغية كمرحلة مقاومة محتشمة , ومع بداية الثمانينيات , عرفت القضية الأمازيغية تحولا مهما, حيث تحولت من مجرد تعريف إلى قضية سياسية و إلى مطلب سياسي , تمثل في إثبات الذات , بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية و بدسترة اللغة وبعد طول نضال استطاعت هذه الحركات أن تحقق نصف مطلبها المتمثل في دسترة اللغة الأمازيغية بمقتضى دستور 2011 .
وفي السنوات الأخيرة التي تلت دسترة اللغة الامازيغية , دخلت الحركات الأمازيغية بشكل ملحوظ في مرحلة ما بعد إتبات الذات و انتهت بذلك المطالب الناعمة التي كانت قد أملتها التكتيكات المرحلية فيما سبق, حيث دخلت الحركات الأمازيغية بوضوح في مرحلة جديدة و هي مرحلة القومية حيث أعادت صياغة خطابها على أساس أن القضية هي قضية قومية, مركزة على النزعة العرقية بترسيخ ازدواجية ندية مفترضة بين ثقافة و هوية العنصر الأصل الذي هو الامازيغي وثقافة و هوية العنصر الدخيل المتمثل في العربي الذي فرض ثقافته و هويته خارج إطاره الجغرافي الشرعي و خارج حوضه الحضاري , هذا الخطاب كما هو مصوغ, يسعى حسب منظور الأمازيغيين القوميين إلى التحرير الحضاري من الهيمنة الثقافية و الهوياتية العروبية لتشكيل أمة أمازيغية مستقلة حضاريا على أرضها التاريخية تامزغا التي تمتد من منطقة سيوة بمصر إلى جزر الكناري مرورا بليبيا و تونس و الجزائر و المغرب
الحركات الامازيغية و على طول السنين الأخيرة فتحت أوراشا للعمل النظري لصياغة إيديولوجيتها و خطابها لمواجهة إيديولوجية القومية العربية المتبناة و المدعومة رسميا من طرف الدولة إلا أنها و لحد الآن لا تزال ايديولوجيتها قاصرة إن لم نقل معاقة , فالحركات الامازيغية خرجت بخطاب مفاهيمي غير واقعي و إلى حد الآن لم توفق في صياغة أيديولوجية منسجمة مع المعطيات الواقعية و التاريخية , ذلك أنه للقول بوجود إيديولوجية ناضجة يتعين أن تصل إلى درجة من النضج لتطرح تفسيرات بديلة للأيديولوجيات السائدة للواقع و التاريخ و المجتمع و الانسان وللسياسة و ما إلى ذلك باعتماد مفاهيم تحليلية خاصة و دقيقة تكون لها سلطة الإقناع و التأثير و التأطير الجماهيري,
بداية نشير إلى أن مفهوم القومية لم تتوحد بخصوصه التعريفات , إلا أن الأغلب الأعم توافق على أنه إيديولوجية نشأت مع مفهوم الأمة و يقتضي تمييز أناس ما, يعيشون في مكان ما ,على أساس الإشتراك في اللغة و البقعة الأرضية و التاريخ
الحركات الأمازيغية ترتكز على عنصر العرق كعنصر محوري لتقديم طروحاتها و صياغة إيديولوجيتها و هو ما يدخلها في دائرة إيديولوجية قومية التمركز الإثني ويخرجها من دائرة الايديولوجية القومية العادية التي تقبل التعددية العرقية والتي ترتكز فقط على اللغة و البقعة الأرضية و التاريخ, إيديولوجية التمركز العرقي الأمازيغي أسست لخطاب امازيغي يربط الاثنية باللغة و الهوية و الأرض مع اعتماد خطابات غير موفقة في أغلب الأحيان .
الايديولوجيا القومية الأمازيغية المصوغة من طرف الحركات الامازيغية, تنطلق من العرق و تتمحور حوله وبالتالي فإن كل خطاباتها هي خطابات ذاتية عاطفية غير موضوعية و غير مؤسسة بالنظر لقصور المنطلق , البناء الايديولوجي القومي المبني على العرق يظل بناء قاصرا ومنغلقا طالما أن بدايته و نهايته و محوره هو العرق و بالتالي فإن إمكانية تطويره تظل محدودة و مفاهيمه و بنيته تبقى دائما محصورة في الذاتية و لا تكون نتيجته إلا تضخيم الأنا العرقي و تأجيج مشاعر العداء الإثني - و الخطاب القومي الإثني الأمازيغي حينما بني على ثنائية العربي المحتل و الدخيل في مواجهة الأمازيغي الأصيل لم يكن موفقا طالما أن الأغلبية الساحقة من سكان المغرب هم أمازيغ تحقيقا أو عرب أو أفارقة أو أوروبيين ذوو تكوين جيني أمازيغي و هو ما كشفت عنه نتائج الحمض النووي مؤخرا, حيث بلغت نسبة الأمازيغ 80 % من مجموع السكان, في حين لا تتعدى نسبة العرب حسب الخط الأبوي 13 % , أما البقية المتكونة من الأفارقة و الأوروبيين و بعض الأعراق الأخرى فهي لا تتجاوز نسبة 7 % و المصنفين في هاتين المجموعتين الأخيرتين , لا يمكن اعتبارهم عربا أو أفارقة أو أوروبيين أو غير ذلك لكون تكوينهم الجيني ,عبر الزمن , قد أصبح أمازيغيا بالنظر للزيجات المتعاقبة بالأمازيغ عبر القرون - و بالتالي فإن الآخر العربي الذي يعاديه الخطاب الأمازيغي القومي لا وجود له على رقعة الوطن.
الخطاب القومي الأمازيغي هو خطاب مبني على مغالطة مفاهيمية , فالهوية المغربية هي هوية مزدوجة و مركبة أمازيغية عربية و عربية أمازيغية , تشكلت و تبلورت عبر القرون ولا يمكن استئصال احداهما من الأخرى
فبخصوص الشق المتعلق بالثقافة كمكون من مكونات الهوية , نشير إلى أن الثقافة الأمازيغية رغم الإستعراب الذي حصل ظلت ثقافة حاضرة بقوة , فالعادات و التقاليد المغربية و شكل اللباس التقليدي ظلت أمازيغية و هي مغايرة كليا للعادات المشرقية و حتى العرب الوافدون خاصة بنو هلال و بنو سليم , لم تكن لهم ثقافة مميزة لفرضها بالنظر لعنصر البداوة الذي كان يطبعهم , فما أحضروه لا يجاوز الثقافة الدينية و اللغوية إلا بشيء يسير, فالمغاربة لازالوا كما كان عليه الأمر قديما , يأكلون الكسكس و الطجين ويستعملون أصابع أيديهم في الأكل و يلبسون البلغة و الجلباب المغربي والسلهام الأمازيغي و الحايك بالنسبة للنساء و يحتفلون بالناير باقتناء الفواكه الجافة ويحرثون الأرض بطريقة التويزة وينظمون المواسم الاحتفالية و طقوس الأعراس كما كان الأمر عليه في السابق و حتى الموسيقى الشعبية لا زالت تحتفظ بإيقاعاتها الأمازيغية القديمة في مناطق عديدة - والأمثلة عديدة لا يمكن حصرها و هو ما يؤكد أن الثقافة الأمازيغية لا تزال حاضرة بقوة في المشهد الثقافي المغربي .
و كما هو معروف فلا توجد أية ثقافة في العالم لم تثاُر بغيرها من الثقافات , فالثقافة عبارة عن تلاقح و تأثر و تأثير لمجموعة من الثقافات و من تم يكون غناها وتميزها, رهين بتفاعلها مع غيرها والثقافة المغربية هي ثقافة جامعة , خاصة للثقافات الأمازيغية و العربية و الأندلسية و اليهودية حين نعلم أن اليهود إلى حدود إحصاء سنة 1940 كانوا يشكلون 20 % من السكان , لذلك يكون الخطاب القومي الأمازيغي الرامي إلى تأصيل الثقافة الأمازيغية و استئصال باقي الثقافات و خاصة العربية , تحت مسمى الرجوع للثقافة الأصلية , أمرا غير ممكن لا على مستوى التنظير و لا على مستوى الواقع .
المطالبة بالحفاظ على الثقافة الأمازيغية أمر ضروري طالما أنه محافظة على الهوية , لكن الدعوة إلى التأصيل بإلغاء المكون الثقافي العربي أو غيره هو شيء آخر - ما هو مطلوب حاليا ليس التأصيل بل هو المحافظة على الثقافة الامازيغية و المغربية كما هي , فالخطاب الذي تتعين صياغته حاليا ليس في مواجهة الخطاب العروبي بل في مواجهة خطابات العصرنة و العولمة التي أصبحت هي الخطابات المؤثرة و المهددة للثقافات المحلية عالميا.
وبخصوص الشق اللغوي كمكون من مكونات الهوية ,لا بأس أن نشير إلى أن المشهد اللغوي المغربي هو أيضا مشهد عربي أمازيغي و أمازيغي عربي , لا يتوافق مع الخطاب القومي الأمازيغي الرامي إلى إلغاء اللغة العربية من المشهد ككل , فاللهجات الأمازيغية تستعمل العديد من الكلمات العربية و الدارجة المغربية تستعمل العديد من المفردات الأمازيغية , كما أن تراكيبها هي تراكيب أمازيغية و أكثر من ذلك فإن اللغة العربية المعيارية ليست لغة تخاطب بالمغرب , بعكس اللهجات الأمازيغية التي لا تزال حية و تتخاطب بها مجموعات كبيرة من المواطنين, كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن اللغة الدارجة المغربية هي قريبة من الإرث السرياني الذي تركه عرب الفتح , كقربها من اللغة العربية التي أدخلتها قبائل بنو هلال و بنو سليم , فالعديد من الكلمات و التراكيب تقترب من اللغة السريانية منه إلى العربية و لعل الأمر قد يرجع إلى أن الموجة الثالثة من الفاتحين العرب الذين كان عددهم يجاوز أربعة و أربعين ألف مجند, كانت تتكون من جيش الشام , الذين بقيت منهم باقية بالمغرب وامتزجت بالعنصر الأمازيغي و للتدليل على هذه المقاربة , نشير إلى أن الشاميين في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان , كانوا لا يزالون يتحدثون بالسريانية و التي استمروا في التخاطب بها إلى غاية القرن الثاني عشر إبان العصر المملوكي , في حين كانت اللغة العربية في ذلك الوقت محصورة في جزيرة العرب فقط و كأمثلة على ذلك نورد كلمات سريانية مستعملة في الدارجة المغربية مع ذكر معانيها , مثل كلمة الدالية التي تعني شجر العنب و البراني التي تعني الغريب وبرا التي تعني الخارج و إيمتى التي تعني متى و المدابزة التي تعني المشاجرة و شكون التي تعني من و استنى التي تعني انتظر و علاش التي تعني لماذا و الحشومة التي تعني الخجل و الكرش تعني البطن و شمر التي تعني طوى ثيابه كاشفا عن ساعده وعزا بمعنى واسى أهل الميت و السطل بمعنى الدلو و شكارة بمعنى محفظة وبهدل بمعنى سب واحتقر و فشكل التي تعني معوج و غير طبيعي و ملهوط التي تعني شره و الدرب بمعنى الطريق و الزنقة و الدغل بمعنى إخفاء أمور ما و مشوش بمعنى مضطرب التفكير و بهل بمعنى مغفل و الطبلة بمعنى المائدة و العرام بمعنى الكمية الكبيرة و عول بمعنى تهدد و تشقلب بمعنى انقلب وطاح بمعنى سقط و شنو بمعنى ماذا و الطاسة بمعنى الوعاء و كمش بمعنى قبض و طم بمعنى أخفى و ردم و الصنه أو الصنان بمعنى الرائحة الخبيثة وعيط بمعنى نادى و شربك و مشربك بمعنى اختلط و مختلط و كر بمعنى اعترف و فش و تفش بمعنى أفضى و شاف بمعنى نظر و آش بمعنى ماذا و غشيم بمعنى بلا عقل وشوية بمعنى قليل و يزا بمعنى كفى و بلز بمعنى تفوه بكلام في غير محله و كلمات أخرى يطول ذكرها , و ما يمكن أن نؤيد به صحة هذا الطرح هو أن الأمازيغ إبان دخول عرب الفتح كانوا يسمون اللغة العربية , بتسرغينت أي السريانية و العربي بأسرغين و هو ما كشف عنه أقدم مخطوط مكتوب باللغة الأمازيغية و الذي يعود إلى القرن الحادي عشر ميلادي و المعروف بكتاب البربرية و الذي كان يهدف إلى تعميم الإباضية بين الأمازيغ و مؤلفه هو أبو زكريا يحيى اليفرني الإباضي هذا المخطوط يضم 894 صفحة بها حوالي 20000 سطر و يوجد قيد البحث و الدرس بين يدي البروفيسور الايطالي فيرموندو بريكناتيلي بجامعة ميلانو الايطالية , ما يهمنا في الأمر هو أن اللغة الدارجة المغربية لا يمكن اعتبارها لغة عربية فهي لغة مغربية صرفة نشأت و تطورت بالمغرب و ليس بالجزيرة العربية و معجمها متنوع يضم مفردات أمازيغية و عربية و سريانية و حتى كلمات إفريقية مثل كلمة دابا التي تعني الآن و التي تستعمل أيضا في التشاد و بعض مناطق السودان , و بالتالي فإن الهوية اللغوية للهجات التخاطب بالمغرب هي هوية تجميعية لا يمكن وصفها بالعربية و من تم يكون الخطاب الأمازيغي القومي الذي يقوم على التعارض بين العربية كلغة دخيلة و بين الأمازيغية كلغة أصلية , خطاب غير مبني على أسس صحيحة بالنظر لما ذكر
وبخصوص الشق المتعلق بالانتماء كمكون للهوية , نشير إلى أن الخطاب القومي الأمازيغي الذي يقوم على أساس الانتماء العرقي, اقتضى إعادة النظر في المشروع الوطني للحركات الامازيغية ككل , فمشروع الامازيغ القومي يتعدى القطرية و الانتماء للوطن فانتماء الامازيغي القومي هو لأرض تامزغا, التي تتجاوز الحدود القطرية و هو تصور مغاير لمفهوم الانتماء كما هو مكرس رسميا, فوطن الأمازيغ حسب تصورهم هو الوطن التاريخي الذي كان يمتد من سيوة بمصر إلى جزر الكناري مرورا بليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و موريطانيا , الحدود القطرية لمجموع أرض تامزغا ملغاة في تشكيل هذا الخطاب و هي حدود تفصل بين الامازيغ الذين يعتبرهم القومي الأمازيغي كيان واحد فوق أرض واحدة , الخطاب المذكور بالنظر لانطلاقه من إيديولوجية التمركز العرقي هو خطاب عاطفي يدخل في إطار الفونتازيا الإنتمائية و الحنين للماضي , هذا الخطاب لا يؤطره أي تصور و لا توجد أية استرتيجية أو تخطيط و لو بعيد المدى لتحقيقه , غياب أي تخطيط في هذا الاتجاه يرجع إلى كون الحركات الأمازيغية تعي جيدا بأن الأمر غير واقعي و غير ممكن التحقيق لتدعه مجرد شعار فونتازي , توحيد بلاد الأمازيغ من مصر الى جزر الكناري مرورا بليبيا و تونس و الجزائر و المغرب , يضرب في الصميم سيادة الدول على أراضيها و يضرب عرض الحائط بمجموعة من المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي و مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحدود و حتى طرح الفيديرالية هو طرح أقرب للخيال منه للواقع بالنظر لطبيعة الانظمة الحاكمة و بالنظر لكون الامر يتعلق بأجزاء من دول أخرى كحال جزر الكناري ومنطقة سيوة بمصر
كل شعب فوق أرضه هو قومي بطبيعته و الخطاب المغربي الأمازيغي القومي تنبغي إعادة صياغته ليأخذ بعين الاعتبار الوطن بحدوده و البلد بتاريخه- و الساكنة بخصوصيات هويتها مع تطويره ليشكل مشروع حضاري يخدم المجتمع و يسير في اتجاه نموه و تنميته, عوض الاقتصار على إيديولوجية عقيمة بمشروع عرقي قائم على خطابات غير واقعية .
#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟