أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - سورية تودع عاما صعبا وتستقبل عاما أصعباً















المزيد.....


سورية تودع عاما صعبا وتستقبل عاما أصعباً


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 1422 - 2006 / 1 / 6 - 11:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن المتابع للشأن السوري، وخصوصا من السوريين أنفسهم، سرعان ما يجد نفسه في ورطة حقيقية، ورطة من الذهول وعدم اليقين، تأخذه الأسئلة يمينا، ويسارا، وفي كل اتجاه، يحار في أجوبتها، وقد يجد جوابا في يومه، لينفيه غده، وغالبا لا يجد جوابا، فيولد من السؤال الواحد أسئلة أخرى كثيرة، وكأنه أمام أحجية لا حل لها. هذا هو وضع السوريين، وهم يودعون العام 2005، ويستقبلون العام 2006.
إن ما يمر به البلد من أوضاع سيئة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا..الخ، يزيد في تعقيدها محيط عربي ضاغط، ووضع دولي غير مريح، هو، في كثير من جوانبه، من صنع نظامنا العتيد، الذي لا يزال يفكر بعقلية مناخات الحرب الباردة، وبالتالي لم يحسن قراءة ما جرى في العالم من تغيرات في أنماط التفكير، وفي الرؤى، وفي السياسات، وفي السلوكيات..الخ. السوريون يتساءلون بمرارة لماذا أصبحت سورية شبه منبوذة عالميا؟ لماذا ساءت علاقاتها العربية؟ ماذا فعلنا في لبنان؟ ولماذا صارت علاقات سورية بلبنان إلى ما هي عليه في الوقت الراهن من سوء إلى حد القطيعة والعداء؟ لماذا الاقتصاد، ومستوى معيشة الناس في تدهور مستمر؟ لماذا الفساد لا يزال يتنامى، ويصبح أكثر وقاحة؟ لماذا لا يطبق النظام ما يعلن عنه، وخصوصا مقررات مؤتمر حزبه الأخير المتعلقة بالشأن الداخلي؟ أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة. لقد كنا في كثير مما كتبناه في عام 2005، نحاول تقديم أجوبة محتملة عن مثل هذه التساؤلات، وكانت جميعها تحيل المشكلات إلى طبيعة النظام الاستبدادي في سورية. وإذا كانت الأشياء تعرف بضدها، فإن المخرج الوحيد المفتوح لخروج سورية من أزمتها هو في نقيض نظام الاستبداد، إنه في نظام ديمقراطي، تسود فيه مناخات الحرية والقانون، نظام يقلب آلية اشتغال السلطة، إلى نقيضها تماما، بعد تحويلها إلى سلطة شرعية تمثيلية، تخضع للمراقبة والمحاسبة، والتغيير.
إنه لمن المؤلم حقاً، أن ينظر بعض السوريين إلى سورية، وجلهم من كان في موقع المسؤولية، أو لا يزال، ويتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عن الوضع الذي آلت إليه، من ضعف، وتخلف، وغياب للرؤية، من منظار مصالحه الضيقة. بل لا يزال البعض في أجهزة الدولة، وهم كثر للأسف، حتى في أحلك الظروف، وأخطرها، كما هو حالها اليوم، مستمرون في نهب اقتصاد البلد وتخريبه، مستمرون في فسادهم، وإفسادهم، مستمرون في كم أفواه الوطنيين الشرفاء، الحريصين على سورية، والذين ليس لهم غيرها، في حين أن الآخرين لهم أوطان وأوطان، حيث أموالهم التي نهبوها من قوت الشعب، وحيث قصورهم، ومزارعهم،..الخ، وما خدام، ورفعت، والشهابي، إلا بعضا من هذه الرموز الفاسدة.
أسئلة كثيرة تتردد على لسان السوريين مع مطلع عام 2006، وجلها يتعلق بقدرة السلطة في سورية على إدارة الأزمة الراهنة، وتجنيب سورية مخاطر العقوبات. وفيما إذا كانت الأجندة الأمريكية تجاه سورية، تتوافق مع مصالح الشعب السوري، أو فيما إذا هي أخطر من أجندة النظام؟!. وكيف سوف يكون حال المعارضة في العام الجديد، وما هو السر في تغير الخطاب السياسي لبعض رموزها، من الإصلاح التدريجي، والسلمي، والآمن، إلى برنامج إنقاذ للوطن؟ ثم كيف يمكن الخروج من ثنائية الداخل الخارج؟، وأخيرا ما هي الخطوط العامة لسورية في المدى المنظور؟. هذه الأسئلة، وغيرها، كنت قد تلقيتها من بعض الأخوة القراء، ومن قبل بعض المواقع الإلكترونية، يسألوني جوابا عنها، فهي أسئلة تصلح بحق كي تكون أسئلة العام الجديد. وهي مناسبة أيضا للإجابة على رسالة " لمواطن أمريكي تعود أن يكون مواطنا سوريا"، علق فيها، من موقع مختلف، على مقالتنا الأخيرة " عبد الحليم خدام: الفضيحة غير المتوقعة للنظام السوري"، ولا ننسى أن نحييه. ونظرا لطبيعة الأسئلة، وجدت أنه لا مفر من المزج بين التحليل السياسي، والتحليل النظري، وأنا أجيب عنها.
يتفق جميع المراقبين، ويعترف بذلك بعض أركان النظام السوري، على أن الأزمة الراهنة التي تمر بها سورية هي الأخطر من نوعها في تاريخ سورية الحديث، وان المتسبب بها بالدرجة الأولى هو السلطة السورية، والسياسات الخاطئة التي انتهجتها طوال العقود الماضية. وإذا كانت السلطة في العام الماضي قد استطاعت أن تدير الأزمة المتعلقة بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري بنجاح نسبي، مستفيدة من فضيحة الشهود الذين اعتمد عليهم تقرير المحقق الدولي ديتلف ميلتس الأول والثاني، ولاعبة على اختلاف المصالح الدولية تجاه ما يجري في المنطقة، خصوصا بين روسيا والصين من جهة، وأمريكا ومعها بعض الدول الغربية من جهة أخرى، مستغلة الخوف الدولي والإقليمي من حصول فوضى عارمة في المنطقة في حال استمرت الضغوط عليها، إلا أن وضعها أصبح أكثر تعقيدا مع انشقاق عبد الحليم خدام، وتحوله إلى شاهد إثبات في القضية. من الصعوبة بمكان الاستفادة من تناقضات المجتمع الدولي، وتحديدا تناقضات الأطراف الفاعلة في مجلس الأمن، وطموح روسيا للعودة إلى لعب دور فاعل في السياسة الدولية إلى ما لا نهاية، وخصوصا بعد تصريحات خدام الأخيرة التي تضمنت اعترافا شبه صريح بتورط بعض أركان النظام السوري في جريمة اغتيال رفيق الحريري. إن روسيا في وضعها الراهن، وكذلك الصين، ليستا قادرتين على الوقوف بفعالية في مواجهة أمريكا، عداك عن مواجهتها ومعها فرنسا وبريطانيا، ومن خلفهما الاتحاد الأوربي، ودول أخرى في العالم.
وأيضا لا تسطيع السلطة السورية أن تعول كثيرا بعد الآن على مساعدة مصر والسعودية، التين بلا شك قد أحرجهما أيضا ما صرح به عبد الحليم خدام، على الأقل لجهة دعمهما للنظام السوري والتستر عليه. ومع أن مبارك سارع للاجتماع بالعاهل السعودي، ومن بعده سافر للقاء الرئيس الفرنسي، في مسعى منه لمحاولة تخفيف ما يمكن أن يترتب على تصريحات خدام من آثار سلبية على وضع النظام، تزيد في تعقيد وضعه، لما لذلك من آثار سلبية على المنطقة برمتها. ومع أن ما تسرب عن هذه المساعي المصرية لا يسمح بتكوين صورة دقيقة عن الغرض الحقيقي منها، إلا أن بعض التسريبات الصحفية، أدرجت هذه التحركات في إطار المساعي لتقويض النظام، بدلا من دعمه، بعد أن " يأست مصر والسعودية"(كذا) من إمكانية انضباط النظام السوري، والمحافظة على تماسكه. في هذا السياق يندرج الحديث عن ضرورة قيام حكم "سني" في دمشق يوازن الحكم "الشيعي" في العراق.
إن الطريقة التي تدير السلطة السورية بها الأزمة الراهنة، لا محالة سوف تؤدي إلى معاقبة سورية. فلا تزال السلطة تراهن على الزمن، وعلى ابتزاز العالم بمخاطر الفوضى التي يمكن أن تحدث في المنطقة في حال ازدادت الضغوط عليها، ولذلك فإن مقولة " إما أنا أو الطوفان " لها، للأسف، حضورها لدى السلطة السورية. من هذا المنطلق فإن فكرة المبادرة إلى مصالحة وطنية، كفكرة ضرورية لمواجهة المخاطر التي تهدد الكيان السياسي السوري، من خلال تحققها الفعلي على الأرض، لا تزال خارج نطاق إدراك، وقبول السلطة السورية.
وفيما يخص الأجندة الأمريكية تجاه سورية، والمنطقة عموما، فإنها لم تكن واضحة ومعلنة في يوم من الأيام، كما هي عليه الآن. إن المسؤولين الأمريكيين، وعلى أعلى المستويات، ما انفكوا يصرحون بان هدفهم تغيير المنطقة، وتغيير أنظمة الحكم فيها، من منظور المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وبالتالي الإسرائيلية. هذا لا يعني بالطبع أن الأوضاع التي كانت قائمة قبلا، وأنظمة الحكم الاستبدادية، لم تكن موضوعيا، وذاتيا في خدمة هذه المصالح، بل على العكس، عندما نبحث في العمق بموضوعية وحيادية، سوف نكتشف أن هذه الأنظمة قد قدمت أفضل الخدمات للمشروع الصهيوني في المنطقة، وللمصالح الأمريكية الاستراتيجية، وغالبا للأسف تحت رايات كتبوا عليها تحرر، وحدة، تقدم، أو ما شابه ذلك. لنلق نظرة على المشهد السياسي في منطقتنا، كما يبدو على السطح، ونتساءل أين أصبح المشروع النهضوي العربي، وأين أصبح المشروع الصهيوني، وهما مشروعان في العمق، وفي التفاصيل، وفي المنطلق، والمآل على طرفي نقيض، ولا يتقدم أحدهما إلا على حساب تراجع الآخر، علما أن مستلزمات النهوض العربي المادية، والتاريخية، لم تتوفر لمشروع آخر مثلما هي متوفرة له.
باختصار إن أمريكا في ظل العولمة، والتنافس المحموم على المنطقة ومواردها، وبعد أن خرجت عن سيطرتها قوى الإرهاب التي رعتها خلال عقود من السنين، واستخدمتها خلال الحرب الباردة لتسخين بعض الجبهات مع الاتحاد السوفييتي السابق، ونظرا لتنامي الشعور بكراهية أمريكا لدى العرب، من جراء دعمها، وانحيازها الفاضح للكيان الصهيوني، وسلوكها ومواقفها المذلة للعرب، ووقوفها الطويل خلف الأنظمة الاستبدادية العربية، داعمة لها، بذريعة المحافظة على استقرار المنطقة، كل ذلك وغيره دفع صناع السياسة الأمريكية للنظر في تغيير استراتيجيتهم تجاه المنطقة، وهذا ما أعلنه الرئيس بوش صراحة في خطابه أمام الصندوق الوطني للديمقراطية في خريف عام 2003.
إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة، هي حقيقة لا يجوز الشك فيها بعد الآن، وهي تستهدف، من جملة ما تستهدف، تغيير الأنظمة، والبنى المجتمعية، وربما الجغرافيا السياسية. غير أن هذه الاستراتيجية لا تعني أنها سوف تتعامل مع كل بلد، وكل نظام بالطريقة ذاتها. فيما يخص النظام السوري، أعتقد أنهم يعنون ما يصرحون به حتى الوقت الراهن، بأنهم يريدون تغيير سلوك النظام السوري، وليس إسقاطه، لكنهم يدركون جيدا أن تغيير سلوك النظام السوري، سوف يفتح الطريق واسعة أمام تغييره. والحجة التي تساق عادة تركز على عدم وجود بدائل جاهزة، ومضبوطة، خشية من حصول فوضى في سورية، تؤدي إلى مخاطر جدية على أمن إسرائيل.
من سخرية القدر، أن تبدو إسرائيل حريصة على بقاء النظام السوري، ليس حبا فيه، بل خشية من البدائل "غير المضبوطة"، ولذلك فهي تضغط على أمريكا من أجل أن لا تتمادى في ضغطها عليه. هذا ما جاء على لسان العديد من المحللين السياسيين الإسرائيليين، وغير الإسرائيليين، وهو بالتفكير والتحليل، يحوز على درجة كبيرة من المصداقية. في هذا السياق يمكن إدراج ما نشرته كبريات الصحف الإسرائيلية حول خدام بعد تصريحاته الأخيرة.
أما بخصوص التساؤل حول مصلحة الشعب السوري، في كل ذلك، وهل يخدم صراعه ضد الاستبداد؟، أقول على العكس لقد أضرت الضغوطات الأمريكية على سورية كثيرا في هذا المجال، وبشكل خاص بعد فضائح النموذج الذي قدمته في العراق.
إن الوطنية السورية، بالصورة التي هي عليه في الوقت الراهن، لا تقبل بأي تغيير يمكن أن يأتي من الخارج. وقد استغل النظام السوري هذه الحقيقة، ليؤجج مشاعر السوريين تجاه الخارج عموما، وتجاه أمريكا خصوصا، وبالتالي لتأجيل الكثير من استحقاقات الإصلاح في سورية، وخصوصا الإصلاح السياسي.
لقد تشكلت الوطنية السورية الراهنة في مناخات الحرب الباردة، وحركات التحرر، وشحنتها كثيرا النزعات والميول القومجية، ولذلك فهي تحتاج إلى تغيير جذري، يعيد تشكيلها على قاعدة المصالح السورية، كأساس ومنطلق إلى الأفق القومي الأوسع. لا نقول ذلك من منطلق قبول التغيير الذي يأتي من الخارج، بل على العكس من أجل أن لا يكون ثمة مبرر لتدخل الآخرين في شؤوننا الداخلية، والنجاح في مقاومته في حال حصوله.
إن الوطنية هي جزء من الهوية، وبصفتها هذه فهي ليست معطى ناجزا ونهائيا، بل تتشكل باستمرار وبمضامين مختلفة. في الوقت الراهن، الوطنية الحقة هي تلك التي يمكن معايرتها في ضوء الإجابة عن تساؤلات التخلف الذي نحن فيه، وهي إجابات لا بد أن تنطلق من طبيعة العصر الراهن، ومعطياته، وضروراته. بمعنى آخر الوطنية الحقة هي تلك التي تجيد لغة المصالح، دون أن تتخلى عن مبادئها السامية، وتركز على تنمية البلد، وتحقيق تقدمه وازدهاره، بلدا حرا ديمقراطيا. بين الوطنية بهذا المعنى، والحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والتمسك بحكم القانون والتنمية..الخ، علاقات تشارط متبادلة.
من غير المقبول في عالم اليوم، وهو من الناحية النظرية ينطوي على خطأ كبير، أن يتم رفض التفاعل مع الخارج، والامتناع عن الاستفادة منه للإجابة عن تساؤلات الداخل، من منظور المصالح الوطنية، بدعوى المحافظة على الوطنية، وإن حصول ذلك هو اللاوطنية بامتياز.
إن العلاقة بين الداخل والخارج تثير مشكلات نظرية أكثر منها عملية، لأنه من الناحية الواقعية، والموضوعية، من الصعوبة بمكان الفصل بين ما هو داخلي، وما هو خارجي في الظروف الراهنة. لذلك، ومنذ بعض الوقت، أحاول الاشتغال على هذه المشكلة، فوجدت أنه يمكن البحث عن حل لها، على قاعدة ما أسميه "التكيف المتبادل". بموجب هذه القاعدة ينبغي تغليب لغة المصالح على لغة العقائد والأيدولوجيا، في العلاقات الدولية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، ينبغي الاعتراف بمصالح الآخرين واحترامها، في الوقت الذي تطالب الآخرين باحترام مصالحك الخاصة. وتتطلب هذه القاعدة ثالثا، رؤية جديدة للعالم الراهن، عالم العولمة، بمنظار مفاهيمه الخاصة الأساسية. من غير الممكن التعامل مع عالم اليوم، عالم المصالح، بلغة ومفهومات الحرب الباردة، أو بمفهومات النظريات النضالية السابقة على اختلاف أنواعها. لا بد من العمل على إنتاج فكر جديد، يؤسس لنظريات "نضالية" جديدة.
أما بخصوص التساؤل حول تأجيل/ أو تعجيل مواجهة الاستبداد، بدعوى مواجه الأجندة الأمريكية في المنطقة، فهو سؤال ينطوي على خطأ. السؤال الصحيح هو هل يمكن مواجهة الأجندة الأمريكية بأنظمة مستبدة؟ هنا الجواب يأتي واضحا وجازما، بالنفي. فالمسألة ليست تأجيل أو تعجيل، بل نظر في الممكنات الموضوعية والذاتية المتاحة، وهي للأسف الشديد محدودة جداً. لقد خرب الاستبداد المزمن شخصية المواطن السوري، وخرب فعاليته العامة، بقضائه عليه كفعالية سياسية. إن مجتمعا منزوع السياسة، حول الاستبداد مواطنيه إلى مجرد رعايا، يبحثون عن مقومات وجودهم البيولوجية، ولا يجدونها إلا بشق النفس، هو مجتمع غير محصن، وسريع الانكسار. ولا يجوز الانخداع بما يجري على السطح، بل النظر في عمق العلاقات والروابط المجتمعية، التي خربها الاستبداد، بتخريبه لحمتها السياسية، عندئذ سوف نصل إلى استنتاج بسيط وصائب وهو: لكي يتم العمل بفعالية، وجدوى ضد المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وهزيمته، لا بد من تكثيف النضال ضد الاستبداد، والعمل على عودة المجتمع إلى السياسية، إنما على قاعدة تعزيز مناخات الحرية، والديمقراطية.
إن مقولة تأجيل النضال ضد الاستبداد، بدواعي مواجهة الخطر الخارجي، أو صورتها المقلوبة، أي ضرورة غض النظر عن الأجندة الأمريكية، حتى يتم القضاء على الاستبداد، هي مقولة خاطئة. والأخطر منها، القول الذي يقول به البعض، من أن أمريكا حاملة لرايات الحرية، والديمقراطية في المنطقة، وما علينا سوى العمل من خلال مشروعها، على قاعدة التقاء المصالح، دون مناقشة نوعية الحرية، والديمقراطية التي تريدها أمريكا فعلاً لشعوبنا. الصحيح أننا، وفي الوقت الذي نعمل، ونناضل فيه، ضد المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، علينا أن نعد العدة لذلك، وهذا يجعلنا في مواجهة مباشرة مع الأنظمة الاستبدادية، وما تركته من أثار عميقة ومدمرة في بنية المجتمع والإنسان العربي. و إن السؤال حول أيهما أخطر: الأجندة الأمريكية أم أجندة النظام؟ هو سؤال خاطئ أيضاً. المسألة ليست في بعض الفوارق النسبية بين الأجندتين، بل في الرؤية الشمولية لكلا الأجندتين، فكلاهما في الجانب الأخر المعادي لمصالح الشعب ومستقبله. وأستدرك لأقول، حتى لا يتهمنا أحد بمعاداة أمريكا، أو الشعب الأمريكي، أنني من أنصار أفضل العلاقات مع أمريكا وشعبها، كما مع جميع دول وشعوب العالم، فالمنطق الذي أؤمن به، وأدافع عنه هو منطق التعاون، وليس منطق العداء، إنما من منظور مصالح شعبنا السوري، الوطنية والقومية، وضرورة احترامها واحترام خياراته، وهذه الأمور للأسف الشديد، لا تقيم لها الإدارة الأمريكية الحالية، كما لم تقم لها الإدارات الأمريكية الأخرى السابقة، أي اعتبار.
أما فيما يخص مواقف المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية، يمكنني القول انه ليس هناك من يطالب بتغيير النظام عبر إسقاطه، بل لم يعد المعارضون في الخارج أيضا يطالبون بإسقاط النظام، كمطلب سياسي. فهذا المطلب غير واقعي، وفي الظروف الراهنة يعني الفوضى الشاملة. ومن يقرأ إعلان دمشق، أو الإعلان الذي صدر عن لقاء حمص، أو الإعلان الصادر عن لقاء فندق البلازا، أو نداء لجنة العمل الوطني الديمقراطي في محافظة اللاذقية، أو إعلان دير الزور، وحتى رؤية الأخوان المسلمين لمستقبل سورية، وغيرها من المواقف المعلنة لمختلف أطياف المعارضة السورية في الداخل، والخارج، لا يجد فيها هكذا مطلب. ما تطالب به المعارضة هو تغيير آليات اشتغال السلطة، بعد أن تكتسب شرعية دستورية متفق عليها، من خلال انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، عبر القيام بسلسلة متصلة من الإصلاحات المتدرجة، لكنها الجدية، تفضي إلى ذلك خلال فترة زمنية منظورة.
الذي تغير، وهو مهم بطبيعة الحال، هو أن بعض أطراف المعارضة الفاعلة قد وجدت، أنه بالنظر إلى عدم جدية النظام بالقيام بالإصلاحات الضرورية، حتى تلك التي نادى بها، وكان قد أوصى بها في مؤتمر حزبه الأخير، من غير المنطقي تبني مفهوم السلطة، وزاوية رؤيتها للإصلاحات، فطرحت رؤيتها الخاصة في إطار مشروع شبه متكامل، الأمر الذي أخرجها عن إمكانية مصطلح " الإصلاح" على استيعابها معرفيا، لذلك كان مصطلح "التغيير" هو المصطلح المناسب، مع الإبقاء على ضرورة أن يكون سلميا متدرجا وآمنا.
وما دمنا نتحدث عن المعارضة في سورية، فإننا كنا قد نبهنا في مقالتنا الأخيرة عن خدام، إلى ضرورة عدم الانزلاق إلى مواقف انتهازية، لا ترى منها أي خطر من انشقاق خدام على الشعب السوري، وعلى مصالحه، بل على النظام وحده. ويبدو لي أن ما نبهنا عنه قد ذهب أدراج الرياح، حيث بدت مواقف بعض المعارضين(رموز للمعارضة)، وكأنها وقعت على صيد ثمين، يخدم مشروعها التغييري. ففي مقابلة صحفية لأحد قادة المعارضة في الداخل بدا وكأنه لا يمانع في انضمام خدام إلى ما أصبح يعرف بـ"إعلان دمشق". إن مثل هذه المواقف الخاطئة سياسيا، تضر بعمل المعارضة، وينبغي أن لا تتكرر. بل إني أدعو أصحاب هذه المواقف إلى توضيحها، ورفض مجرد فكرة قبول أن يكون خدام قد أصبح معارضا، بل منشقا، وفاسدا، ومسؤولا عن كثير من الجرائم التي حصلت للشعب السوري والشعب اللبناني وغيرهما، مثله مثل غيره ممن انشقوا سابقا عن النظام السورين وكانوا أركانا فيه.
وأخيرا، من الصعوبة بمكان التنبؤ بدقة كيف سوف يكون حال سورية خلال عام 2006، غير أنه سوف يكون عاما صعبا جداً على السلطة السورية، وعلى الشعب السوري. فلا تبدو في الأفق أية إمكانية لكي يقدم النظام على تغيرات جوهرية في نهجه، وفي أساليب تعاطيه مع القضايا الداخلية والخارجية. إنه يماطل ويؤجل الاستحقاقات الراهنة، لكي يكسب ولاية جديدة مدتها سبع سنوات. ربما بعد ذلك، وفي ضوء المتغيرات في المنطقة، يمكنه أن يقدم على بعض التغييرات الجدية. بطبيعة الحال يتوقف الكثير في هذا المجال على مدى قدرته على الخروج من الأزمة الراهنة، التي تعصف باقتصاد البلد، وعلى كيفية تطور الأحداث المرتبطة بالتحقيق الدولي، وعلى الأوضاع في العراق، و على قدرة المعارضة السورية الوطنية الديمقراطية على توحيد صفوفها، وتوصيل خطابها إلى الشعب، وعلى مدى التفافه حولها..الخ. إن مستقبل سورية يكاد يكون في وضعية عدم التعيين، نظرا لأن الكثير من العوامل المؤثرة فيه من الصعب التنبؤ باتجاه تأثيرها، وهذا يفسر القلق العام المسيطر على الشعب السوري.
أذكر من سنوات الفتوة، أن خطيب جامع قريتنا، كان يختم كل دعاء له بعبارة لا تنسى، حيث كان يقول" أستجب اللهم استجب"، وكأنه يأمر الله، ونحن بودنا أن نقول لحكامنا أن استجيبوا لمصالح شعبكم، استجيبوا لضرورات إنقاذ سورية، ولتكن سلسلة من المراسيم:
- واحدا، للعفو العام، وإغلاق السجن السياسي، والسماح بعودة جميع السوريين إلى وطنهم.
- وآخر، لفصل حزب البعث عن جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها، وإخراجه منها، إلى الأحياء والقرى .
- وثالثا، لتنفيذ ما اتخذه مؤتمر البعث الأخير من قرارات تتعلق بالشأن الداخلي، وعلى رأسها إلغاء جميع القوانين الاستثنائية في البلد، وما ترتب على تطبيقها من محاكم، وأحكام.
- ورابعا، لتحرير جميع المنظمات والنقابات الجماهيرية والمهنية من سيطرة السلطة عليها.
- ومرسوما خامسا(بل دعوة..) لدعوة جميع القوى والفعاليات الوطنية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، إلى مؤتمر وطني جامع يعد له جيدا، لتدارس الأوضاع، والتوافق على المخارج الممكنة والمحتملة منها، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون من ضمن اولوياتها العمل على تعديل الدستور، من منظور ديمقراطي، واستصدار جميع القوانين الضرورية لتنظيم الحياة السياسية، والنقابية، وغيرها مما له علاقة مباشرة بحقوق الإنسان، وحريته، ومسؤوليته.
إن الشعب السوري، مثله مثل الكثير من الشعوب التي خرجت من نير الحكام المستبدين، يمكن أن يغفر لمن نهبوه، وأساءوا إليه، وارتكبوا الجرائم بحقه، في سبيل صيانة مصالحه العليا. وبصفتهم أفرادا سوف يمكنهم أن يعيشوا كمواطنين متمتعين بكامل الحقوق الدستورية، والقانونية.
لنعمل جميعا على إنقاذ سورية، ولنجعل من عام 2006 عاما للأمل.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحليم خدام: الفضيحة غير المتوقعة للنظام السوري
- سورية للجميع: هل الجميع فعلا لسورية؟
- الاصلاح في سورية- ضروراته ومعيقاته
- مساهمة في إعادة صياغة إعلان دمشق
- الخطر الذي يواجه سورية قادم من أين؟
- تقرير ميلتس: بوابة عبور خطرة جداً
- سورية إلى أين؟
- إعلان دمشق والمسؤولية الكبيرة
- ما أفسدة دهر الاستبداد هل يصلحه عطاره الجديد؟!
- في سبيل حوار رصين وهادئ
- أدوات قديمة لا تصنع جديدا
- نحو حزب بلا تاريخ- مرة اخرى
- محددات السياسة الامريكية في الوطن العربي
- وأخيرا عقد البعث مؤتمره
- السوريون يكسرون القاعدة الذهبية لنظامهم
- في سبيل مشروع وطني ديمقراطي لإنقاذ سورية
- نحو حزب سياسي منفتح على المستقبل
- مساهمة في نقد العقلية البعثية
- الليبرالية وحذلقة المثقفين
- بحث في طبيعة السلطة في سورية واحتمالات انفتاحها على العصر


المزيد.....




- الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر ...
- لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح ...
- مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع ...
- -حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم ...
- هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
- فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون ...
- ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن ...
- محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - سورية تودع عاما صعبا وتستقبل عاما أصعباً