المغرب يبيع مدرسته العمومية

محمد بن عبد المالك المغرب

الحوار المتمدن-العدد: 5366 - 2016 / 12 / 9 - 16:29
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

المغرب يبيع المدرسة العمومية
لقد نهج المغرب سياسة خصخصة مؤسسات الشعب، وبيع الملك العمومي لأباطرة المال منذ تسعينيات القرن الماضي، ولطالما كانت الهزات عنيفة لما اقتربت حرارة السوق من القطاعات الحيوية: الأمن والصحة والتعليم، وها نحن نشهد كالصم البكم على هذه الدولة بمسمياتها: العميقة والعقيمة والحكومة والمحكومة، الشرعية واللقيطة حكومة الظل والشمس، نشاهدهم وهم يتكالبون على حقوق المواطن الضعيف، وشيئا فشيئا ينزعون عنه كل ما يتعلق بالوطنية، اللهم الحق في التصويت، ولقد كنا ننتظر بتوجس وبقليل من الأمل في انقشاع الضباب هذه اللكمة منذ تحرر سوق الأمن، وتيقنتها قلوبنا لما بدأ المواطن يشتغل في الأمن الخاص لاثنتي عشر ساعة مقابل مبلغ زهيد بعد أن يوقع عقدا لا تحفظ له بنوده ولو قسطا من فروض الإنسانية، ثم فرضت على المواطن جباية الدخول إلى المستشفيات، تلك البنايات التي يموت المواطن ببرودتها في صمت... نعم كنا ننتظرها وتأهبنا للعاصفة التي توقعنا أن ترافقها، لكن المآل خالف التوقع.
وها هو ثور التعليم الأبيض يؤكل يوم أكل الأمن والصحة، نعم، لقد توقعنا زحف رمال الشركات إلى هذا النبع الذي لطالما ظل صافيا، لكن أين الشعب؟ أين الحناجر؟ أين الدماء التي سالت في الأيام البيض، لما زغب الله الدولة وخرجت بقرارات مجحفة في حق مجانية وعمومية التعليم في ثمانينيات القرن الماضي؟ أ أحياء نحن؟ ما الذي قُتِل فينا؟
بدأت الوزارة الوصية على التعليم بخفض المناصب سنة تلو الأخرى، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الاكتظاظ، فتسرب التلاميذ من التعليم العمومي إلى القطاع الخاص، خاصة الابتدائي، ثم خرجت الدولة بميثاقها اللاوطني، وتبعه المخطط الاستعجالي، ومدرسة النجاح/ الدمار، فتبذير المال في برامج متلاحقة لا طائل منها، وانتظرنا قرابة العقد من التدمير النفسي لأسرة التعليم العمومي، وما رافقه من حملة استهجان وتطبيل للمؤسسات الخاصة، لنصل إلى 2015 فتخرج علينا الدولة بفصل التكوين عن التوظيف، ولتزيد من ضيق الحبل أجَّلت الضربة القاضية إلى حدود الفراغ السياسي الذي أعقب انتخابات 2016 فمررت العمل بالعقد، ولا زلنا في نومنا العميق، وهكذا ضربت الأساتذة العاملين، والمتعاقدين، والأطر المكونة في إطار عشرة آلاف إطار، بعضهم ببعض، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار الجو العام من عدم الاستقرار في المنطقة، والبطالة المستفحلة، والاقتطاع عن أيام الإضراب، هذا كله في ظل غلاء المعيشة وهشاشة النظام المغربي،
لقد نجحت الدولة في عمليتها، ومن حقها أن تحتفل بعقد البيع الذي طلعت علينا به اليوم، والذي جاء في الصيغة التالية:
" تنظم وكالة حساب تحدي الألفية-المغرب، المؤسسة العمومية المسؤولة عن تنفيذ برنامج التعاون الموقع بين الحكومة المغربية ومؤسسة تحدي الألفية الأمريكية "الميثاق الثاني"، بشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، لقاء إخباريا حول طلب للشراكات للنهوض بالتعليم الثانوي، وذلك يوم الخميس فاتح دجنبر 2016 بالرباط.
ونحن نعلم أن كل ما يأتي من أمريكا مشبوه، وأمريكا بكل مؤسساتها المندرجة والمسماة غير حكومية لا تحركها إلا مصلحة السوق.
وسيكون هذا اللقاء مناسبة لتقديم نشاط "التعليم الثانوي" المندرج في إطار الميثاق الثاني وبسط معلومات ضافية حول شروط وكيفيات المشاركة في طلب الشراكات.
يضيف البلاغ، ويذكرنا للمناورة
يهدف نشاط "التعليم الثانوي" إلى بلورة نموذج جديد للمؤسسة مبتكر ومستدام وقابل للمحاكاة، بغية توفير تعليم عالي الجودة ووجيه ويعزز قابلية تشغيل الشباب. وسيتم تنزيل هذا النموذج على مستوى حوالي 100 مؤسسة ثانوية (إعدادية وتأهيلية) موزعة على ثلاث جهات من المملكة: طنجة-تطوان-الحسيمة، ومراكش-آسفي، وفاس-مكناس.
وإننا نتساءل، منذ مدة وإصلاحاتكم تستهدف تعليم عالي الجودة، وكل ماتطبلون له، لكن الملاحظ أن مستويات المتعلم المتخرج من برامج الإصلاح المستوردة مثل هذا لا يزال ينحدر في سلم الانحطاط الثقافي واللغوي والمعرفي والمهاري إلى مستوى الأمية. ولكن لنعرف الغايات الحقيقية لنتأمل في الأرقام التي أردفها البلاغ:
وبالإضافة إلى مبلغ 127 مليون دولار المرصود لنشاط "التعليم الثانوي"، يخصص الميثاق الثاني غلافا ماليا قدره 4,6 مليون دولار لصندوق للشراكة من أجل التربية وقابلية التشغيل يهدف إلى تعزيز الوقع الإيجابي لهذا النشاط، من خلال عقد شراكات بين وكالة حساب تحدي الألفية-المغرب والفاعلين العموميين والخواص ومنظمات المجتمع المدني الراغبين في الانخراط في تنفيذ هذا النشاط عبر تقديم خبرات أو تمويلات إضافية.
ويرمي طلب الشراكات، الذي حدد يوم الاثنين 06 يناير 2017 في منتصف الليل كآخر أجل للترشيح ، وهكذا يتضح المراد، ونعلم أن المسألة تتعلق بصفقة تمرر فوق الطاولة وليس تحتها، فالتجارب علمت الحكومة خاصة الوجوه القصديرية فيها ألا تخشى المواطن الضعيف ذا الصرخة المبحوحة ما دام رأس المال في مزاج جيد، وما دامت بنصالح منشرحة الصدر.
ولأن الممول جهة خارجية، فقد رممت الوزارة لغتها وزينتها بعبارات طنانة ومشاريع ذات وجه مقبول تحدد في:
>> تشجيع ولوج الفتيات للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛
>> تكنولوجيات الإعلام والاتصال؛
>> الأنشطة الموازية للمناهج الدراسية؛
>> المكتبات المدرسية والقاعات المتعددة الاستعمالات؛
>> تعزيز الملكات اللغوية؛
>> التوجيه والانفتاح على المسارات المهنية أو أي مشروع آخر ذي صلة بأهداف نشاط "التعليم الثانوي".
وعموما إننا لما نقرأ ما جاء في هذا البلاغ، فأشدنا سذاجة سيرى فيه سما حلوا، فهو في الواجهة يحمل علامات الإصلاح ولكنه في العمق قنبلة دمار شامل.
ونندفع إلى القول بكل سذاجة وبساطة عميقة: إن المغرب يطرد فقراءه من الثانويات ويسمن بها شركات مشبوهة.
بقلم: محمد شودان

#محمد_بن_عبد_المالك_المغرب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات