أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الحروب - اعراس فاطمة المرنيسي، موريتانياً وفلسطينياً















المزيد.....

اعراس فاطمة المرنيسي، موريتانياً وفلسطينياً


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 5362 - 2016 / 12 / 5 - 09:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



الصباح الاول في الرباط، محتفين بروح الراحلة الكبيرة فاطمة المرنيسي، ترد صباحي بالخير عليها ب: "صباح فلسطين"! اخجل، ابتسم ثم احضنها. سعدية نحيلة الجسد، عينان يشع منهما سؤال كبير وغضب مُتفلت من خلف عدستي نظارتها الواسعة. ينسدل على كتفيها شعر فضي ستيني السنوات يريد أن يكون اشعثاً، يلمع بأشياء وقصص كثيرة. جنوبية، فيها وهج خليط الصحراء والامازيغ لا يعترف بعقود السنين التي اندرجت في عداد عمرها. وقت الغداء وما بين استراحات ندوات المؤتمر تحدثني عن نضالات شبيبة اليسار في المغرب في سبعينات القرن الماضي، وتأثرهم بنايف حواتمة والجبهة الديموقراطية. ذاكرة سعدية لا تسعفها بالأسماء لكن يسعفها الوصف: كان معنا في دراسة الفلسفة ثلاثة فلسطينيين، واحد فتحاوي ممتلىء الجسد وباسم الوجه في معظم الاحيان، وإثنان يساريان من الجبهة الديموقراطية. احدهما إمتاز بجسد رياضي وغموض كبير، وكان كثير الغياب. كانت تدور حوله اقاويل تزيد من اعجابنا به. يغيب ليقاتل، كان الجميع يهمس. كان هناك فلسطينيون اخرون مع الجبهة الشعبية، وكانت اسماء كبيرة تتردد في فضائنا الطلابي الطافح بالأمل الثوري: ابو عمار، جورج حبش، نايف حواتمة. كنا نحن المغاربة لا نحس بأننا اقل فلسطينية من اي رفيق من رفاقنا الفلسطينين. كان زمنا جميلا ينحنى لجماله الجمال. قصص سعدية بديعة فتواعدنا على لقاء مطول لتقص علي حكايا فلسطين الستينات والسبعينات في المغرب. كانت تختم قصصها بأسى ثقيل: انتهى الزمن الفلسطيني في المغرب!
في المساء جاءت وتجولنا في شوارع في قلب الرباط، حي حسان وبيتريه وقريبا من متحف الفن المعاصر، تحدثني بذكريات تنز بالمرارة: "كنا مجموعات كثيرة وثائرة في اوائل العشرينات من اعمارنا، نفور بالأمل". رفعت نظري ذات استدارة طريق فرأيت موريتانيين وموريتانيات تحفهم ضحكات عالية ينزلون من سيارتين، الرجال بدراعاتهم الزرقاء والبيضاء الزاهية، والنساء بملحفاتهم الملونة بكل ألوان الفرح. سعدية فرحت بهم ايضا وانتعشت الصحراء في داخلها. انا تذكرت زمني الفلسطيني القصير (وغير الثوري) في موريتانيا. كالمنوم اللإرادي الحقتني قدماي شبه راكض بصحراء الموريتانيين وضحكاتهم التي ترجلت من سيارتين وامتدت وسط الرباط. تبعتني سعدية. "اش طاري .. وانتو قايسين منين"، اسأل متشاوفاً بما تبقى من لهجتي الموريتانية الحسانية. فرحوا بنا وانداحت التحايا والسلامات كأنما نزلنا سعدية وانا من سيارة ثالثة بدراعة وملحفة. اكتشفنا ان هناك حفلا طلابيا بعيد استقلال موريتانيا السادس والخمسين في البناية المجاورة، وأن هذه الواحات النازلة من السيارات تباعاً والمزركشة بألوان الكون تتجه إلى قاعة الإحتفال. انضممت للحفل من دون استئذان، طارت روحي طويلاً، ونقص عمري خمسا وعشرين سنة دفعة واحدة. قلت لسيدي ولد محمد، مضيفي المباغت، انني ذات زمن تسعيني دندنت وراء فيروز وهي تغني للقدس على شاطىء نواكشوط، وانني كنت خالد ولد الحروب. كنت اترك بيتي كل صباح واذهب إلى الشاطىء لأحضن طلوع الشمس على المحيط، واركض على الرمل بجنون. اعود لأبدأ نهاري كأله بحري فيه طاقة الكون. لا احد يعرف سري: اصلي ركعتي الصبح على وجه الماء والشمس تفرد شعرها سجادتي. احتفى المحتفون بما ذكرت وبي. عاد الزمن الفلسطيني مشتعلا على طول حافة الأطلسي من الرباط وما فوقها إلى نواكشوط وما تحتها. كل عام وانتم موريتانيين اكثر يا أبناء الكبرياء. وددت لو اعانق كل هؤلاء الالف الحاضرين والحاضرات.
في أزمنة ماضية كان عشاق فلسطين من كل العالم يعملون من اجل فلسطين ذاتها، لهذا كانت ازمنة مشتعلة. الطريق إلى فلسطين وفلسطين هما شيء واحد. في أزمنة راهنة وبائسة صار كثير من العمل لفلسطين هدفه السماء والحور العين وليس فلسطين ذاتها. الطرق للسماء والحور العين كثيرة وليست فلسطين الطريق الوحيد، ولم يعد مهما ان تظل طريقها حاضرة. هذا يفسر ولو جزئيا، برود النار الفلسطينية في كثير من بلدان العرب والمسلمين في زمن التأسلم وإدعاءاته، مقارنة بإشتعالها في أزمنة اليسار والروح الثورية.
على كل حال، ليس مُدهشا أن يحل بي كل هذا السحر في يومين وليلتين وتطلع لي فجأة شمس نواكشوط في ليل الرباط، ويحضنني محيطها تحت رذاذ تلك الأمسية التي تجولت فيها مع سعدية. ليس مُدهشا ان يحدث ذلك ونحن جميعاً في حضرة روح فاطمة المرنيسي، محتفين بقيامة كرسي الدراسات بإسمها في جامعة محمد الخامس، حبا وتقديرا ووفاءً. هنا جاء كثيرون من كل بحار العالم ليرتشفوا بعضا من روح المرنيسي المنثورة في هواء المدينة بعد مضي عام على غيابها. نلتف حول غيابها الحاضر: زوار وقادمون كثر من قارات عدة، ودول كثيرة، ومدن متباعدة، وجامعات عرفت قاعات صفوفها فاطمة وافكارها. قادمون من بواد وارياف واحياء مهمشة قضت فيها فاطمة اوقاتا مديدة، وناسها صاروا يعرفون اللالا فاطمة طويلا ومديداً ايضا. من الزاكورة في جنوب شرق البلاد وحي كريمة في سلا إلى ابعد صحارى اطالس المغرب المنسية. ارتفعت كل القبعات تقديراً للمبادرة ومن ورائها والرجلان الذان اشتغلا عليها طويلاً إلى ان توسد الكرسي هضبة الأطلسي: إدريس كسيكس مدير معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والادارية هنا، والمختار الهراس استاذ علم الإجتماع بكلية الآداب، اسمان لامعان في سماء الرباط وسماء فاطمة. واحد من جوانب إبداع فاطمة المرنيسي انها انتقلت من نصوص النظريات إلى شوارع الاحياء الشعبية، إلى النساء الأميات، إلى اولاد الشوارع، إلى الفتيات البسيطات ينسجن السجاد وراء الأنوال البسيطة، ومن هناك صارت تكتب وتنشط اجتماعياً. لم تتأبد في أسر النظريات، تحررت منها وذهب في الإتجاه المعاكس، إلى الناس الذين تظل حركتهم تنتج افكاراً ونظريات جديدة لا تنتهي وتبطل نظريات قديمة. إن عدد البعض نظريات وافكار المرنيسي، فإن البعض الأكثر معرفة بفاطمة يضيفون إلى ذلك "ناس المرنيسي" ايضا: يضيفون محمد بنور الذي بسطت فاطمة يدها له وانتشلت منه فنانا تشكيلياً صار ذائع الصيت، وكريم سائقها المخلص الذي صار معروفا لدى كل اصدقائها العالميين قبل المحليين، واحمدو الترزي، والعربي، والنساء اللواتي يصنعن احذية البلاستيك ويبعنها على ارصفة حي كريمة الشعبي وقوائم لا تنتهي من الناس العاديين الذين خلدتهم فاطمة في حياتها ونصوصها.
بعد اول لقاء لي معها منذ ازيد من ثلاث عشرة عاماً طوينا الأوراق واخذتني في زيارة سحرية إلى القلب العتيق والجميل للرباط "سويقة القناصلة". قالت، الذي لم يزر «حي الوداية» على الهضبة المطلة على الأطلسي، لا يعرف الرباط ولم يزرها. الذي لم تمتلئ رئتاه من هوائها الثمل برائحة بحر الأسرار وأريج السحر المبثوث في أزقتها، لم يزر المغرب. الذي لم يشرب أتاي «الوداية» يخسر وعد العودة إليها، ولا يخضر قلبه ولا سنوات حياته القادمة.
كنا قد هبطنا من «الوداية» للتو بعد أن أدينا طقوس التعميد بأتايه الأخضر في المقهى الشهير المطل على الماء الممدود حتى الشمس. يستظل الناس بعتق بيوتها الأندلسية المذاق والأفنية، تتجاور وتتعلق على سفوح المنحدر الصخري الواقع عليه الحي، تهزأ بالأزمان والجدران المتهالكة وكل قوانين الحياة. الأزقة الضيقة تبدأ من حيث لا بداية، وتنتهي إلى حيث لا نهاية، لكنها تدور بالزائرين دوران صوفي يهيم بنشيد توحد ملغز. نخرج من البوابة الكبيرة وننظر إلى المدينة الحديثة لكأننا نخرج من عالم السحر إلى الرتابة، فنريد ان نعود. لروحك يا فاطمة السلام تدور في الكون بلا توقف، ولها العرفان على كل هذا السحر في هذين اليومين.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يجلس على كرسي فاطمة المرنيسي الأكاديمي؟
- الإسلامويون و-فكرة الدولة-: توتر الواقع، قصور الخيال
- فلسطينيات -عائشة عودة-: الساعيات نحو الشمس!
- كيف نتفادى الحرب العالميّة في منطقتنا؟
- ماذا رأى ابراهيم نصر الله فوق قمة كليمنجارو؟
- -نكبة- الرواية الفلسطينية بين التحسر المدمر والثورة
- اغتيال ناهض حتر ... داعشيتنا الكامنة!
- أسماءُ نسائنا: -الشرف السمج- ... والقيعان المتلاحقة!
- «سيد قطب» متخفياً في كتاب «استحالة الدولة الإسلامية» (١ ...
- الحق في عدم التدين .. بين المواطنة والدعشنة الكامنة
- الإرهاب المُنتسب للدين: سؤالان صريحان ومواجهة!
- بريطانيا: شعبوية صادمة ... ثم تعود لاوروبا!
- الإنقسام الفلسطيني: هل تكرس سيناريو -قبرص الغزاوية-؟
- سنغافورة ... لماذا نجحت وفشل العرب؟
- «النهضة التونسية» وتحولاتها: دمقرطة إسلامية جديدة؟
- صادق خان: تجديد التعددية الثقافية وتصحيحها
- طرابيشي.. مثقف المروءة
- «الإخوان المسلمون»: مقاربات القطبيّة والتطرّف
- بروفايل «الفلسطيني العادي» ... خليط الأزمنة والهويات
- هل يستقيل عباس ويقلب أوسلو على صانعيه؟


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الحروب - اعراس فاطمة المرنيسي، موريتانياً وفلسطينياً