|
قريبا من النقد ... قريبا من الحب
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5360 - 2016 / 12 / 3 - 22:42
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
قريبا من النقد ... قريبا من الحب
في هذه الأيام تتواصل في بغداد أعمال المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي في خضم تحولات وتطورات مهمة وطنية وإقليمية تحيط بالواقع السياسي والفكري العراقي وتؤثر عليه، لذا فأن المؤتمر مطالب أولا بدراسة أكثر وعيا وبعيدا عن التوصيفات والتعميمات الأدبية التي كثيرا ما طغت على أدبيات الحزب خاصة واليسار العراقي والعربي عموما، مطلوب من الحزب الشيوعي العراقي أن ينظر للمرحلة القادمة وفق مستوين: • المستوى الأول والأهم نقد مجمل المسيرة النضالية للحزب من باب أن النقد العلمي ليس الغرض منه كشف الأخطاء والعيوب، ولكن تجديد القدرة على تجاوز أخفاقات الماضي وإعادة ديناميكية الحركة والتطور للفكر الشيوعي خاصة، هذا النقد الشجاع والعلمي الواقعي يضمن للحزب والحركة السياسية اليسارية العراقية قوة دفع متعاظمة قد تعوض الخلل الاستراتيجي الذي أصابها عموما، وخاصة بعد أنهيار النظم الأشتراكية والتحدي الشرس للإمبريالية الرأسمالية في ظل عالم مادي زاحف على كل القيم الإنسانية بحثا عن المصالح والنفوذ. • المستوى الثاني والأهم هو التخلص من المقولات الكلاسيكية والأفكار السلفية التي لم تعد تتلائم مع واقع أكثر تحررا وأشد واقعية في معالجة إشكالياته، ومن أولى هذه المقولات أن الشيوعية تمثل طبقة الشغيلة وأنتصار لتطلعاتها في أقامة نظام أقتصادي وسياسي يمثل ديكتاتورية البروليتارية، لم يعد الواقع اليوم يتحمل هذا التقسيم ولم يعد يؤمن بالصراع الطبقي كأساس لتمثيل حركة التطور في المجتمعات الإنسانية، الصراع اليوم في العالم هو صراع قيم القوة ومصالح القوة لتتحول في سيرورتها العامة إلى قوة مصالح وقوة قيم تمتد لأعماق حركة الواقع بشمولية معنى الواقع، الأقتصاد اليوم سلاح في الصراع ولكنه ليس السلاح الأوحد بل صراع المعرفة والتكنلوجيا والقيم النانوية هي أسس وجوهر حركة الصراع الإنساني، لذا فعلى الفكر الشيوعي أن ينتبه إلى دقة وتوجيه الخطاب الفكري ومحاولة إعادة بلورة هذا الخطاب ليكون ماسا حقيقيا لإشكاليات الواقع العالمي أولا وتداعياته على الواقع العراقي ثانيا.
إن المهام النضالية التي أمن بها الشيوعيون على مدى تأريخهم لا تسمح لهم اليوم بأي شكل من الأشكال أن يكونوا جزء من موجة الرجوع للوراء تحت شعارات الواقعية في العمل السياسي الديمقراطي، أو الرهان على قيادة قوى لا تؤمن بأبسط مبادي الوجود الإنساني وأولها الحق في التحرر والحرية والعمل من أجل السلام الأجتماعي والسلام الدولي، لأنها بذلك تمنح هذه القوى والحركات صك البراءة الذي سيجعلها تعيش أكبر قدر ممكن من الوقت متسلطة على مقدرات الشعوب المظلومة، البرغماتية السياسية والعمل الديمقراطي الواقعي لا يعني بأي حال من الأحوال أن نؤمن بالأنحراف والعمل من داخله لتصحيح، هذا منطق مخالف للعقلانية ويأت بنتائج كارثية على العمل السياسي. لا بأس من التحالف والعمل المشترك مع كل القوى والحركات العراقية السياسية منها والفكرية بشرط الأتفاق على سقوف ومحددات وأطر تنظم العمل وتوزع المسئولية بين أطراف التحالف هذا، أما ما جرى في السنتين الأخيرتين وتحت شعار حالف الواقع لقيادة الشارع العراقي جاء بنتائج مخيبة للأمال بل وساهمت في قتل نهضة الشارع العراقي السياسي المدني والديمقراطي، نتيجة عدم ألتزان أطراف تحالف الواقع بمنظومة عملية من الخط والاستراتيجيات والتكتيكات المتقابلة، الشارع العراقي الذي خسر الكثير ينتظر من الشيوعيين العراقيين اليوم وقفة جادة ونقدية حقيقية للتحضير للمرحلة القادمة، والتي من أهم ملامحها التصدي الفاعل والمثابر لبدونة وأسلمة وأدلجة الواقع العراقي لمقتضيات أفراز القوة المتخلفة والرجعية الفكرية. إن حبنا للأخوة الشيوعيين في العراق لا ينطلق فقط من كونهم مدنيين ديمقراطيين يمثلون روح اليسار فقط، بل لأننا نؤمن أن أستمرارية وبقاء هذا الفكر المناضل في الوسط السياسي العراقي يمثل مصدرة قوة وتجديد ودافع حيوي لمقاومة كل أشكال الأنحراف والتضليل السياسي والفكري، هذا أيضا يضيف على الأخوة في الحزب الشيوعي العراقي أن ينتبهوا لكل الحركات المدنية والديمقراطية والتي تمثل في جوهرها مطلبية الواقع العراقي للتخلص من ديكتاتورية الأيديولوجيا الدينية وسطوة الأفكار العقائدية المرتبطة بالماضي والتاريخ، ومساندتها ودعمها والوقوف معها موقف الناصر والمدافع لما يمثله أي مكسب لها إنما هو مكسب لكل الشعب العراقي بجميع مكوناته وأطيافه. في ختام هذه الملاحظات التي هي أقرب للنقد منها للأنتقاد وأقرب للمحبة منها للتمني نأمل أن نرى لهذا الحزب العتيد حضورا فاعلا ومحوريا وقياديا في حركة التغيير، وقيادة التحولات الوجودية البنيوية في النظام السياسي والفكري العراقي، بما يعزز من قدرة المجتمع للتخلص من كل أثار التي تركتها حقب الديكتاتورية والرجعية وأخيرا ما تركه الإسلام السياسي السلفي والروائي من تقلبات وأنحراف شوهت نضال الشعب نحو التحرر والأنعتاق من ربقة الأستعمار والتخلف والفساد، ليعاود السير مجددا لبناء دولة الإنسان والمواطنة التي يحميها القانون ويحافظ عليها من تعديات القوة الغاشمة التي ترتدي عباءة المقدس، أملنا كبير جدا في الأخوة المناضلين الشيوعيين أن يستمعوا بإمعان لصوت المحبين والمناصرين والذي يرون في داخلهم أننا في سفينة واحدة لا يمكن لأحد النجاة وترك الأخرين صرعى في بحر مطامع السياسة والمصالح.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار صامت4
-
حوار صامت3
-
حوار صامت2
-
حوار صامت
-
صباحات جدتي وذكريات زمن جميل
-
غائية الدين ونهاية الإيمان
-
علي الندة الشاعر المتصوف الذي هجر العمامة للحب.ح1
-
معيارية الشرف بين الذاتي والجماعي
-
قانون الحشد الشعبي الحق الذي يراد به الباطل. ح1
-
قانون الحشد الشعبي الحق الذي يراد به الباطل. ح2
-
أنا في ذاكرة الرب
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح16
-
حافية القديم وعارية
-
الطفولة العراقية وتحديات البقاء
-
الدين والتجربة وظاهرة الإيمان بالمقدس 2
-
الدين والتجربة وظاهرة الإيمان بالمقدس
-
عباءة البرد المخرقة في بلاد الله أكبر
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح15
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح14
-
بين الإعلام والسياسة المطبخ هو الطائفية
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|