سعادة أبو عراق
الحوار المتمدن-العدد: 5360 - 2016 / 12 / 3 - 15:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مصدرا الخير والشر
منذ أن نشأ الوعي الإنساني, وراح يتعامل مع مفردات هذا العالم ، ليجعلها ملائمة لرغباته وطموحاته ويستفيده منها بما يسعده ، كان من الطبيعي أن ينال مأربه في الصيد فيجيد التربص بالقنص فيحرز فريسته, فيبتهج لأنه خطط جيدا، ثم يعيد نفس الخطة لاقتناص صيد شبيه, لكنه يفشل.
هذا المثال الافتراضي الذي لا بد أن يكون قد حصل بشكل أو آخر ، يقودنا أيضا لنتصور ما يمكن أن يفكر به ، وهو لماذا حالفه الحظ هنا ولم يحالفه هناك؟ بالطبع لم يكن ليفكر تفكيرا منطقيا، ويبحث عن الأسباب، بل وجد في مقولة الحظ, التي يملك زمامها كائن علوي ليفسر فشله, بإرادة هذا الكائن العلوي, الذي بيده مفاتيح الحظ، ويملك القدرة على توجيهه نحو الخير أو الصواب, أو يقوده نحو الشر والخطأ.
ووجدنا في كل الحضارات القديمة إلها لكل ظاهرة صعبة على التفسير، إذ هناك إله للموت وإله للرعد وإلهة للقمر وإله للحب وإله للرياح وإله للخير وأخر للشر ، فهذه الآلهة ذات القدرات الخارقة التي تفوق قدرات الإنسان، هي القادرة على أن تفعل ما تشاء بالبشر, لذلك فإن البشر وهم يشعرون بعجزهم المطلق ، وجهلهم المطلق ، كانوا يتقربون من هذه الآلهة زلفى, لعلهم يقتبسوا منها قوة وإلهاما وصوابا, واتقاء لما يمكن أن يفعله إله الشر.
ولقد أقرت الديانات السماوية هذه الأفكار ، ولكن تم استبدال رب الأرباب بالله، والآلهة بالملائكة ، فإله الموت تحول من ازوريس الفرعوني إلى عزرائيل ، رغم أن عزرائيل لم يرد ذكره في القرآن الكريم, إلا أنه جاء في الديانة اليهودية بمعنى (يساعد الإله إيل).
اما إله الشر الذي لم تخل منه ديانة ، كمتمرد ورافض لإله الخير ، كان اسمه بالإغريقية (سيتاناس)انتقل إلى الآرامية باسم )سيطانا ( ليصبح بالعبرية (سيتن) وأخيرا ورد في القرآن باسم ( شيطان)
أما ابليس فقد كان في الكنعانية( بعل زيوب) غدا في الإغريقية باسم ( بيل سيوب) ثم تحرف إلى ( ديابولس ), وفي القرآن إبليس.
وعلى أية حال فإنه في ديننا الإسلامي, الشيطان وإبليس كائنان من الجن أو الملائكة العصاة ، ونفهمهما على أنهما كائنان مناقضان أو معاديان لله، فالله يهدي إلى الخير والشيطان يهدي إلى الشر، ولو تفحصنا آلية الشيطان وهو يوسوس للإنسان ، فإننا لا نجد أمرا ملموسا يمكن أن نشعر به، بل نشعر بأن عقلنا هو الذي رسم لنا الطريق وبرر سلوكنا ودفعنا لتنفيذه، امتثالا لرغبات داخلية.
وفي هذا البحث نحاول التعرف على هذه الرغبات الداخلية فهل كانت من الشيطان، وكيف راح يعبث ما يشاء بتفكيرنا، هل تدخل فعلا في مجريات تفكيرنا، أم أن عقلنا هو الذي قادنا إلى الخطأ لأننا لم نحسن قيادته؟ وعلينا هنا أيضا أن نقوم بتحليل أفكارنا ومشاعرنا وكيف نسجناها وكوناها ونفذناها، أكانت صائبة أو خاطئة.
ولعل من المشروعية بمكان أن نحاول طرح التساؤلات التالية، قبل نفهم هذه الظاهرة.
إن مفهوم الخير والشر هو مفهوم إنساني اخترعه الإنسان ليميز بين الضار والمفيد، فغدا فعل الخير وتجنب الشر مطلبا بشريا, ولكن الإسلام وبقية الأديان والعقائد والمبادئ دائما تحض الإنسان على عمل الخير وتجنب الشر، وترى أن الله يهدي إلى الخير بينما الشيطان يهدي إلى الشر، ولكن ألا نجد أن الجماعات التي لا معرفة لها بالله أو الشيطان, لا يمكن أن تعتقد أن الله والشيطان يلعبان في عقولهم ما داموا لا يؤمنون بهما، وهنا نقول أن عمل الخير أو الشر هو عمل عقلي صرف ومن مسئولية صاحبه، لا من مسئولية الشيطان، أو مسئولية الله.
لقد خص الله الإنسان بالعقل من دون سائر خلقه، وهو الوعي بهذا العالم ، يدركه إدراكا كليا، وان الله حينما زوده بهذا العقل فإنه كف عن توجيهه، فالعقل قادر بما هو عقل أن يفهم الطبيعة وأسرارها، ويهتدي للصواب و الخطأ، ويملك بقدراته العقلية السيطرة على الطبيعة والتحكم بها والاستفادة منها.
أفكارنا التي نتداولها تقسم إلى قسمين أفكار دينية وأفكار دنيوية علمية ، أفكارنا الدينية يهدينا إليها الله لأنها أفكار لا طاقة لعقولنا على معرفتها، فيرسلها لنا مع الأنبياء ليعلموننا إياها، فمنا من يصدقها ومنا لا يصدقها، حسب قدراته العقلية، ولا نستطيع القول أن الشيطان هو الذي يمنعنا، فالشيطان وهو مخلوق لا يملك أن يقف في وجه إرادة الله.
أما الأفكار الدنيوية العلمية فهي من إنتاج عقولنا وفي حيز طاقتها العقلية، فهل باستطاعة الشيطان أن يبطل تجاربنا العلمية ونظرياتنا الرياضية ومكتشفاتنا الطبيعية، وهل يقوم الله بهدايتنا لنخترع الآلات، ونكتشف خصائص المواد، ونكتشف المعادلات الرياضية؟
من هذا المنظور لا نجد أن الله يحابي دين من لأديان أو عقيدة من العقائد ويخصها بهدايته، ويوجهها للصواب، إنما نجد شعوبا غير مؤمنة، أو ذوات أديان غير سماوية في حالة من الرقي والتقدم بأفضل من المؤمنين، ونرى العباقرة والمفكرين والمبدعين الذين يقودون الأمم إلى الصواب هم من غير المؤمنين، ولا نجد بالضرورة كل مؤمن ينتج أفكار خيرة وأفعالا خيرة.
إن كان الله قد خلق الإنسان ليكون خليفته في الأرض، و زوده بالوعي والتفكير لكي ينوب عنه في إعادة التوازن في الطبيعة ويكون مسئولا عن رأب الخلل، وتنمية الكائنات وحفظ البيئة، ويجعل الإنسان منسجما مع الطبيعة، وأن هذه المهمات التي أناطها الله به، هل يكون من الصواب أن يرسل له الشياطين لكي تحرفه عن مهماته الموكل بها، إن الله لا يمكن أن يقوم بهذه المناكفة للإنسان لكي يعرقل عمله، إن الله ليس متناقضا، وجل علاه أن يكون بهذه الصفة.
ليس من السهل التفريق بين الفعل الخير، أو الفكرة الخير عن نقيضتها الشريرة ، فالتفريق بين الخير والشر ليس واضحا كما هو الفرق بين الأبيض والأسود، فالفكرة الخيرة تحتاج إلى تجريب طويل لكي يتضح سوؤها من جودتها، أما مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يكون في الأفكار المجربة عبر التاريخ, وواضحة في العرف والعادة والقانون, كالسرقة والكذب والربا والزنا والقمار وغيرها، ومن الخير أيضا الإحسان للفقراء والتصدق عليهم ورعاية الوالدين والأقربين وغيرها, أما أفكار أبو الأعلى المودودي وسيد قطب بتكفير الدول والشعوب والأفراد وبالتالي الجهاد لردهم إلى الإيمان، فهي فكرة جدلية كثير من الناس يقطع بصحتها، وكثير أخرون يقطعون بخطئها، فهل هي خير ام شر؟ فالذين يقولون بخطئها هل هم من الضالين وهل أضلهم الشيطان؟ والذين يقطعون بصحتها، هل هم من المهتدين؟ وهم من هداهم الله ؟
الهدف المرجو من جدل الخير والشر، ما هو إلا لجعل المؤمنين يذكرون الله ويطلبون العون منه لكي يجنبهم الزلل والشر الشيطاني، فنحن ندعو دائما بقولنا (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أي نطلب الحماية من الله، ولا يكون هذا إلا إذا كنا مؤمنين بالله، فحين نقع بالخطأ أو الفحش والحرام، نلتجئ إلى كنف الله ، إذن فهي قضية ترغيب وترهيب، لكي تعزز الإيمان بالله.
إن اعتقادنا المادي بأن الشيطان هو الذي يزيغنا نحو الخطأ، كما لو انك تتعرض لعملية نصب واحتيال أو سرقة، إذ يأتيك النصّاب من حيث لا تدري، فيوقعك في الخطأ، هنا... هل تبرئ نفسك من المسؤولية وتقول ان الشيطان قد أغواك؟ فأنت إنسان صالح وذكي، أم تراك تلوم نفسك على غفلتك؟ وأنك لم تفكر جيدا، إنك تخدع نفسك حين لم تفكر بأسباب خطئك ما دمت وجدت الشيطان هو السبب, وبالتالي سوف لن تتعلم من خطئك، لأنك سوف تخطئ دائما وتعزو خطئك للشيطان، وتجد أن الله لم يعذك من الشيطان.
5 - الشر ينبع من الغرائز
واضح لكل إنسان أننا نولد أطفالا وعقولنا ما زالت خامدة وغير فاعلة، لكن الطفل منذ الولادة يتصرف بدافع من الغرائز وليس بدافع من العقل، بل بناء على رغباته الغريزية, يبكي إذا ما تهدد أمنه، أو احس بألم، ويحوز ما يشاء بالسطو ووضع اليد، ويحب الاستطلاع، وللتفصيل في ذلك نقول إن غرائزنا الأساسية هي ست, وهي كالتالي:
غريزة البقاء: وهي أقوى الغرائز وأكثرها يقظة وتحفُّزا، تظهر عند الولادة ويعبر عنها الوليد بالبكاء ،لأنه افتقد الأمان، ذلك أن مهمتها الحفاظ على بقاء الإنسان على قيد الحياة ، وهي غريزة موجودة في كل الكائنات الحية.
غريزة الامتداد ، وهي غريز التوالد أو البنوة، ففي التوالد نوع من الخلود، لذلك توجد رغبة في الإنجاب، ورغبة أن يكون لك آباء وأجداد وعائلة, إن التوالد غريزة موجودة عند الكائنات الحية جميعها.
غريزة الميل الجنسي أو الحب : وهي ضرورية لإقامة أسرة ، فرغبة الرجل هي أن يعيش مع امرأة ، ورغبة المرأة هي أن تعيش مع رجل، هذه رغبة غريزية، نمارسها وكأن هناك سحرا يجذب الرجل إلى المرأة, والمرأة للرجل، ولو كانوا في أرذل العمر, ذلك أنها ضرورية لإقامة اسرة, وامتداد الحياة.
غريزة التجمع ، ويعبر عنها بالقول أن الإنسان كائن اجتماعي أو مدني بالطبع، وهي تتمثل في العائلة والعشيرة ، والطائفة والإقليمية والقومية والإنسانية، ومن مظاهرها العمل السياسي والدفاع عن الوطن والجماعة, والاستشهاد في سبيل الجماعة والدفاع عنها.
غريزة التملك ونلاحظها عند الأطفال بأنة يحاول امتلاك أي شيء تقع عليه عينه أو يده ، بل يغتصب ما بيد غيره من الأطفال، وتظل هذه الغريزة ملازمة لنا حد الشيخوخة فنجمع الملايين والمليارات، ولا حدود لرغبتنا في التملك.
غريزة المعرفة: وتظهر بداية بحب الاستطلاع الذي يمارسه الأطفال وإبداء دهشتهم لكل ما تقع علية أعينهم ، ويبدؤون بمعاينته وتذوقه وفكفكته وضربه، وهذه الغريزة هي التي تدفعنا إلى البحث وطلب العلم والتجريب والاكتشاف، بل ندفع حياتنا ثمنا لأفكارنا ومواقفنا.
وبعد هذا العرض الموجز نفهم منها ما يلي:
انها غرائز نشأت في الإنسان قبل أن يولد العقل، لذلك فإن العقل لا يستطيع أن يبررها أو يعللها، وتعتبر مطالب هذه الغرائز بديهيات لا تناقش، ومن هنا يكون تلبية مطالبها أمرا حياتيا ضروريا.
وبما أن العقل لا يستطيع أن يعرف لماذا يحرص على بقائه حيا ولماذا يتزوج وينجب ذرية، ولماذا يحب المرأة والمرأة تحب الرجل, ولماذا يريد المليارات ،ولماذا يستشهد من اجل الجماعة، ولماذا يتعب المفكرون أنفسهم في الدراسة والبحث والاكتشاف والتفكير، وهكذا فإن العقل حينما لا يجد مبررا للرفض فإنه يصبح خادما لهذه الغرائز، فيفكر ليجد السبل الكفيلة لتحقيق مطلب هذه الغرائز.
وبما أننا نختلف في قوة تفكيرنا، فإننا سنختلف في قدرة كل منا لإشباع غريزة من غرائزه، غير ما يشبعها غيره، فبعضنا إن كان بحاجة إلى لباس أو غذاء فمن المحتمل أن يسرقه من غيره أو يسلبه، إما آخر فيذهب للصيد في الغابة يأخذ منها حاجته، ويمكن أن يقايض ما قنصه أو قطفه أو ما جمعه من حطب بما يريد من جلود يلبسها أو غذاء يريده, إذن فإن الخطأ نابع من العقل الذي اختار الفكرة غير الصحيحة، التي أنتجت خطأ أو ضررا أو شرا, وذلك بسبب غريزته التي ألحت عليه، ولم تمهله لأن يفكر مليا، فوجد في السرقة اقرب السبل وأسهلها، ففعل بذلك شرا.
إن المجتمعات البشرية لم تصل إلى التمييز بين الخير والشر، إلا بعد معاناة طويلة مع الشر ، ومن هنا نستنتج أن مفهوم الخير قد نبع من فهمنا وتوصيفنا للشر، إذن فالشر سابق على الخير، وفعل الخير هو ما يكون مناقضا للشر.
ان فعل الخير لا يكون بهجاء الشر أو تحريمه، إنما يكون بالقدرة على تدجين الغرائز، حيث لا تترك لها سطوة طاغية أو مطلقة على العقل، وبذاك يبدأ مشوار تدجينها.
تدجين الغرائز لم يكن فعل فردي للإنسان، إنما هو فعل جماعي، وحينما بدأ المجتمع في تدجين الغرائز، انتقل هذا المجتمع البشري من مجتمع الغاب إلى مجتمع الحضر، بدأت الحضارات البشرية تنشأ، ونشأت معها القيم والمبادئ الأخلاقية، التي تصنع وئاما بين أفراد المجتمع أي أصبح المجتمع له نفس المفاهيم والقوانين المشتركة، وكلما استطعنا أن ندجن الغرائز كلما ارتقينا أكثر في الحضارة والتقدم والإنسانية.
والأخلاق وفق هذا التصور هي القدرة على إيقاف اندفاع الغرائز في مطالبها، فيصبح الإنسان عقلانيا، ويغدو الشر عملا لا أخلاقيا ، لأنه يوقع ضررا على الآخر أو الآخرين.
الشر إذن هو تلبية مطلب غريزي بطريقة غير صحيحة، ولو فكر الشرير تفكيرا صحيحا وعلى روية ، فإنه لن يصل إلى أفكار خاطئة يضر بها نفسه أو يضر الغير، إذن فإن الشر ناتج عن تفكير غير سليم، لتلبية غريزة من الغرائز، وليس من وسوسة الشيطان.
وسوسة الشيطان ما هي إلا إلحاح الغرائز على العقل لكي نشبعها، وهو ما نسميه بالعاطفة، هذا هو ما يحوك في أنفسنا لكي نفعله، وهو يبدو خارج سيطرة العقل وتبريره، لذلك بدل أن نفهم هذه الآلية النفسية المعقدة، نعزوها إلى الشيطان، وهو أقرب إلى التصور والاستيعاب.
إنه لم يكن من الممكن أن يخاطب الله الناس بهذا الأسلوب المنطقي أو الفلسفي، إنما خاطب البشر بأسلوب الحلال والحرام ، فالحلال هو ما أحله الله ، والحرام هو ما حرمه الله، وما أحله الله هو مفيد للفرد والمجتمع، والمحرم هو المضر للفرد الفاعل والمجتمع، والحلال هي الأفعال الخلقية المفيد للإنسان، والحرام هي الأفعال الآبقة المضرة للجنس البشري، وبالتالي فإن الله يثيب على الفعل الحلال ويعاقب على الفعل الحرام.
إن الطريقة الغيبية التي انزلها الله إنما هي إحدى الوسائل الممكنة التي كانت تناسب مجتمعا قديما ، وأسلوب لتجنب سطوة الغرائز التي لم يكن بإمكان احد أن يفهما على هذا النحو الذي قدمناه، والتي كانت تبدو وكأن كائنا مخفيا اسميناه شيطانا يدفعنا لأن نقترف أمرا خاطئا، لتلبية غريزة ما كالزنا أو السرقة أو التخريب أو الكسل عن عبادة الله، وهو ما يشبه رغبة المدمن على الكحول أو المخدرات، يجد نفسه أمام أمر لا بد منه، وهنا نلتجئ إلى الله ونتذكر عقابه فنرتجع عن فعل الشر.
إذا أصبحنا عقلانيين في فهم مصدر الشر، بأنه خطأ في التفكير، والرضوخ لمطلب الغريزة وليس لمطلب الشيطان، فهذا يجعلنا نعيد التفكير بمنطق عقولنا القاصرة، لا أن نلعن الشيطان، فالاكتفاء بلعن الشيطان هو تكرار للفعل الخاطئ، لأننا لم نعرف السبب الحقيقي.
هل الله يهدي إلى الخير ، نعم إنه يهدي إلى الخير في كل ما أمر ونهى عنه ، ولكن ليس كما لو أن شخصا يوشوشك في أذنك، المتصوفون الذين استبطنوا ذاتهم وتوصلوا إلى مصطلحاتهم الصوفية في مراتب القرب من الله، وأظن أن أي واحد منا بقادر على ذلك، إذا ما استبطن ذاته، سيشعر حتما بوجود الله حوله أو قريب منه، ولكن ما أشعر به أنا لا يمكن أن يشعر به غيرى، كما لو انه حلم، فأنا شخصيا لدي إحساس بالله يرعاني ويحيطني بعنايته ، فأجده ينقذني من تهوري وحماقاتي التي كادت أن تودي بي, وحاجاتي الملحة التي لباها لي بعد ان فقدت الأمل، إنها الكرامات التي يقول عنها المتصوفة، كرامات لا تصلح للنشر أو التحدث بها للآخرين، لأنك حين تذكرها للناس تبدو حدثا عاديا ، بل منطقية ومسببة، ولكن أنت وحدك الذي تشعر أنها غير عادية فتعتبرها كرامة، لن أقص ما حدث معي مرارا لأن عند كل واحد منكم كراماته، التي يرى بها الله قريبا منه ويرعاه، هذه الكرامات ليست جاهزة عند الطلب، لأن الله يعطي حسب مشيئته لا حسب مشيئتك، لكنها تأتي على موعد، لذلك ترى فيها الكرامة، حين يصعب على عقلك فهم كل هذه التوافقات، قد يتفاجأ عقلك حين يعثر على الحل، لكنها تبدو نتيجة منطقية لمحاولات التفكير الجادة التي مارسها عقلك، ولك أن نفسرها بما شئت، أهي الهام أو عناية إلهية أو كرامة، ولكن لا تعتبر كسل عقلك وعدم قدرته على التفكير السليم من الشيطان.
بما إن الله الذي يهدينا إلى الحق والعدل والصواب، فإنه لن يرسل لنا شيطانا كي يغوينا، إن الله لا يناكفنا ويلهو معنا، فالأب الذي ينهى ابنه عن التدخين مثلا لن يرسل له من اترابه من يطغيه ويشاركه التدخين كي يعاقبه في النهاية، وكأن العقاب غاية الأب، وما دام الإنسان يجل نفسه عن هذا السلوك المتناقض ، فعلينا ان نجل الله عنه أيضا.
وأخيرا هل من قاض او حكيم بمكن ان يأخذ في الإعتبار اغواء الشيطان ليبرئ الجاني من فعلته؟ هل هناك قانون في العالم يمكن ان يعتمد على مثل هذا المسبب الخارج عن ارادة الإنسان؟
#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟