|
التأسيس للنزعة المغاربية بين عابد الجابري وعلي الحمامي الجزائري
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 5360 - 2016 / 12 / 3 - 01:54
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
التأسيس للنزعة المغاربية بين عابد الجابري وعلي الحمامي الجزائري
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
لعل يتساءل القاريء، ويستغرب ربطنا بين المغربي محمد عابد الجابري والجزائري علي الحمامي أبن تيهرت الذي لقي حتفه في حادث طائرة في1949، والذي شارك في مقاومة الريف إلى جانب عبدالكريم الخطابي في المغرب الذي أسس أول دولة بنظام جمهوري في تاريخ منطقتنا الحديث والمعاصر، وكانت مجسدة في "جمهورية الريف" في عشرينيات القرن 20، وقد أرسل نداء إلى كل المغاربيين آنذاك يطالبهم بإشعال ثورة شاملة ضد الإستعمار، لكن باءت محاولاته بالفشل، وقد لقيت مقاومة الخطابي دعما كبيرا من شيوعيي العالم آنذاك تنفيذا لنداء لنين لشعوب الشرق في 1919 للتخلص من الإستعمار، وعلى هذا الأساس قدموا دعما لنضالات الأمير خالد ضد الإستعمار الفرنسي في جزائر عشرينيات القرن20. شارك علي الحمامي وكتب عن كل هذه التجارب النضالية من أجل تحرير وإقامة دولة مغاربية واحدة على أساس ما يسميه ب"القومية المغاربية" التي أسس لها من خلال عدة كتابات، لكن تعرضت كل كتاباته للتهميش في جزائر الإستقلال تحت ضغط التيارات الأيديولوجية العروبية والإسلاموية، وذلك بسبب نزعته المغاربية المتجلية في العديد من مقالاته، خاصة كتابه "أدريس" الذي كتبه في1948، وأتى على شكل رواية يسرد من خلالها بواسطة الطفل إدريس الكثير من أفكاره، ومنها بالأخص تتبعه التكوين التاريخي لما يسميها ب"القومية المغاربية" إنطلاقا من جذورها التاريخية الأمازيغية، كما يظهر في هذا الكتاب أنه متأثر كثيرا بأفكار التنويري المصري طه حسين الذي تعرض لتشويهات بعض التيارات الدينية التي تشوه كل من تراه يحمل أفكارا تخرج المسلمين من تخلفهم وإنحطاطهم وإنغلاقهم وعصبياتهم، وتدخلهم العالم المعاصر، فهم مهمومون بذلك دون أي إنتاج فكري بناء وإيجابي، فمثلا أنور الجندي لم ينتج إلا كتبا تشوه هؤلاء التنويريين، ومنهم طه حسين، وكانت مرجعا رئيسيا لهذه التيارات الدينية في سبعينيات وثمانينيات القرن 20. أما الجابري فغزير الإنتاج الأكاديمي على عكس الحمامي، ويصنف نفسه ضمن التيار الأيديولوجي العروبي، وتتركز أعماله على إشكالية تحقيق مايسميها ب"الأمة العربية" نهظتها معتمدا على "نقد العقل العربي". فركز الجابري على مايعتبره مشروعا لنقد العقل العربي لتجاوز آليات تفكير العرب السائدة منذ العصور الإسلامية الأولى، والتي لازالت قائمة إلى حد اليوم-في نظره-، مما يتطلب قطيعة إبستمولوجية مع آليات هذا التفكير، وإستبدالها بآليات جديدة تسمح للعرب بدخول الحداثة، ويضم المشروع أربع أجزاء، وهي "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" و"العقل السياسي العربي" و"العقل الأخلاقي العربي". فخصص الجزئين الأول والثاني لنقد آليات إنتاج العقل العربي للمعرفة والأفكار والثقافة بهدف تجاوزها وإحداث قطيعة إبستمولوجية معها، ويدخل الجزئين الثالث والرابع في إطار ما أسماه ب"العقل العملي للعربي"، أي كيف يتصرف سياسيا وأخلاقيا. يبحث في الجزئين الأولين في بنيات العقل العربي، فبعد مايصنف إنتاج العقل العربي الذي تأسس في عصر التدوين إلى ثلاث حقول، وهي البياني كالفقه واللغة وعلم الكلام، أما الحقل العرفاني فيخص كل ما له علاقة بالتصوف والعلوم الباطنية المنتشرة لدى الشيعة، أما البرهاني، فيتعلق بالعلوم وبشكل أخص الفلسفة، التي يعتبرها منتوجا يونانيا. وحلل هذه الحقول الثلاث لإستخراج بنياتها الثابتة، وتوصل في الأخير إلى أن آليات تفكير العربي منذ عصر التدوين إلى حد اليوم هي ثلاث، وتتمثل في القياس أي قياس الغائب على الشاهد خاصة في الفقه واللغة وعلم الكلام، أما البنية الثانية فهي الإنفصال، أي عدم الربط بين الظواهر والقضايا، ويفسر ذلك بالطبيعة البدوية والصحراوية أين يلاحظ التباعد في المساكن وعدم تماسك الرمال، وانجر عن ذلك البنية الثالثة، وهي التجويز، ومعناها عدم تفسير الظواهر الطبيعية والإجتماعية بالسنن والأسباب، والقول أنها عادة، وليست قوانين ثابتة، ويستندون في ذلك -حسبه- بالقول أنه لو قلنا بذلك، فمعناه أننا ننكر النبوة التي تبنى على الخوارق والمعجزات، ويعتبر ذلك سببا في ضعف العلوم الطبيعية والكونية لدى العرب. ويقول أن هذه البنيات هي السائدة منذ عصر التدوين إلى حد اليوم، لكنه يستثني الأندلس وبلاد المغرب، أين برزت محاولات للقطيعة الإبستمولوجية مع هذه البنيات في القرن13م، وبلغت أوجها بظهور الشاطبي صاحب الموافقات في الفقه، وقوله بمقاصد الشريعة بدل القياس الذي وضعه الشافعي في المشرق، وقد سبقه ابن حزم مؤسس المذهب الظاهري الذي يعتمد في مجال الفقه على نص القرآن والسنة فقط، وكل ما لا يرد فيه نص قطعي فهو مباح، وهذا المذهب كان جدير بإخراج المسلم من القوقعة التي وضعها فيه المشرقي أبي حامد الغزالي، ولو كتب له الإنتشار لأعطي للمسلم حرية وتفتح ومرونة أكبر، وحاول أبن خلدون وضع قطيعة مع بنية التجويز بتفسيره حركة التاريخ والمجتمع بقوانين وسنن ثابتة أطلق عليها طابع العمران، وبلغت هذه المحاولات أوجها مع ابن رشد في علم الكلام والفلسفة، وسعيه للتأسيس للعقلانية. وتوصل الجابري إلى نتيجة تقول بضرورة العمل من أجل إحداث قطيعة إبستمولوجية مع آليات تفكير العقل العربي وبنياته الثلاث، وذلك بمعاودة ربط هذا العقل من جديد بالمفكرين المغاربيين الذين شرعوا في هذه القطيعة ومواصلة أعمال أبن رشد وابن حزم والشاطبي وابن خلدون وابن باجة وابن طفيل، فهنا يختلف الجابري الذي يعود إلى هذا التراث للإنطلاق منه لدخول الحداثة على عكس آخرين الذي دعوا إلى القطيعة التامة مع كل هذا التراث لأنه منتوج لا علاقة له بعصرنا لأنه نتاج العصر والبيئة التي أنتج فيه، ولايميزون بين جانبه العقلاني المتنور وجانبه الظلامي والإنحطاطي الغالب اليوم على ثقافتنا، وكان وراء إنتاج هذا الخطاب الديني المتخلف المنتج للكراهية والإرهاب. أن ما توصل إليه الجابري في بحثه بضرورة إعادة التواصل مع هؤلاء المفكرين المغاربيين من أجل إحداث قطيعة إبستمولوجية ودخول الحداثة، قد سبق، وأن دعا إليها علي الحمامي دون أن يؤصلها أكاديميا، فمافتيء يدعو إلى إستلهام ابن رشد وابن خلدون وابن تومرت بهدف تأسيس ما يسميه ب"مذهبية قومية مغاربية"، وأعتبر ابن خلدون مؤسس هذه القومية على الصعيد النظري وابن تومرت مجسدها عمليا وسياسيا من خلال دولة الموحدين التي حققت حلم جده ماسنيسا الذي عمل من أجل دولة مغاربية واحدة-حسب الحمامي-. لكن يختلف الحمامي عن الجابري في هذه الدعوة، فالأول همه مايسميها ب"الأمة المغاربية"، ودعا صراحة مثل بن تومرت في الماضي إلى قطيعة فكرية مع المشرق لأنه يصدر لنا لاعقلانيته عبر التاريخ- حسبه-، ومنها الوهابية التي تنبه إلى كارثيتها علينا في1949، فدعا إلى بناء حركة إصلاحية دينية عقلانية ومتفتحة. أما الجابري فيدعو مايسميها ب"الأمة العربية" إلى إستلهام هؤلاء المفكرين المغاربيين، لكن قوبلت دعوته بالتهجم عليه، وإتهامه بالعصبية المغاربية والعنصرية رغم إصراره على إثبات ولاءه للأيديولوجية العروبية، وقد سبق أن أتهم المشرق من قبله المغاربي أبن خلدون بالشعوبية. ولم يفسر لنا الجابري أسباب تعطل هذه القطيعة الإبستمولوجية وإنتقال عقلانية ابن رشد إلى أوروبا، لتأخذها بقوة، وتبني نهظتها على أساسها. لكن يعترف الجابري بأن أفكارا مشرقية لاعقلانية يسميها ب"العرفانية" قد غزت البلاد المغاربية وهمشت هذه الأفكار العقلانية، وعطلت حركية مجتمعاتنا المغاربية، لكن لم يفسر سبب إنتشار هذه الأفكار المشرقية اللاعقلانية على حساب أبن رشد وأبن خلدون والشاطبي وبن حزم، فهل يعود إلى تبجيل المغاربيين لكل ما هو مشرقي وإحتقار ذاتهم، وكل ماهو مغاربي؟ فإن كان كذلك، فهل يعود ذلك إلى الإنبهار بالمشرق بحكم أنه مهبط الرسالة الإسلامية؟، أنها أسئلة تحتاج إلى إجابات لمعرفة أسباب تعطيل إنتشار هذه العقلانية المغاربية التي كشف عن معالمها الجابري بشكل أكاديمي، وأشار إليها من قبل علي الحمامي، والتي كانت كفيلة بإخراجنا من الإنحطاط والإنسداد الذي أصاب حضارتنا الإسلامية، وهل لولا هذا الغزو الفكري المشرقي آنذاك، والذي يشبه نفس الغزو الوهابي اليوم لكنا اليوم في نفس المستوى الحضاري الذي وصلت إليها أوروبا بعد ما أخذت منا عقلانية ابن رشد؟، فلولا ذلك ألا يمكن أن نكون ضمن دول متوسطية مسلمة ومتقدمة تواصل في إعطاء الصورة المشرقة للإسلام وحضارته بدل تصديرنا وإنتاجنا للإرهاب الذي يعطي صورة مشوهة عن الإسلام، مما يتطلب من كل مسلم العمل من أجل تحرير الإسلام من هؤلاء الذين أختطفوه، ويستغلونه لأهداف سياسوية وسلطوية، فخلقوا بذلك بيئة لإنتاج الكراهية والإرهاب يستغلها أعداءنا أحسن إستغلال لخدمة أهدافهم الإستراتيجية في منطقتنا.
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منطلقات لإنقاذ الجزائر من إنفجار إجتماعي
-
يوغرطة والأمير عبدالقادر-رموز للوطنية الجزائرية-
-
جرائم الإرهاب في جزائر التسعينيات-مغالطات ورهانات-
-
من وراء دفع الجزائر إلى الفوضى؟
-
ترحيب متطرفو العالم بفوز دونالد ترامب
-
العصبيات الخلدونية إلكترونيا
-
عصبيات وإرهاب -نقد مقاربة جيل كيبل-
-
نحو حرب عصبيات-إعادة إنتاج جزائر التسعينيات-
-
جذور هزيمة العقل أمام العصبيات
-
هل تعرض سيد قطب لتلاعبات مخابراتية؟
-
-مثقفو وسياسويو- العصبيات
-
لماذا رحب الإسلاميون بنظرية -صدام الحضارات- لهنتغتون؟
-
التنظيمات الإخوانية في خدمة أجندات دولية وأقليمية في منطقتنا
-
محاولات لإختطاف مالك بن نبي وتوظيفه
-
إعدام الأردوغانية للإسلام السياسي في تركيا
-
هل لأردوغان وحزبه علاقة بالإسلاميين؟
-
إستشهاد محمد بوضياف في1992-إجهاض لإحياء مشروع الثورة الجزائر
...
-
مالك بن نبي والثورة الجزائرية - تهميش وتوظيف -
-
معطوب لوناس-ناظم حكمت الأمة الجزائرية-
-
جذور إختطاف أمريكي للإسلام-إنتصار سيد قطب على مالك بن نبي-
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|