|
منطلقات لإنقاذ الجزائر من إنفجار إجتماعي
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 5356 - 2016 / 11 / 29 - 20:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منطلقات لإنقاذ الجزائر من إنفجار إجتماعي
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
كتبنا في مقالتنا السابقة عن الأخطار المهددة للجزائر بفعل إنخفاض أسعار البترول، ومانتج عن ذلك من أزمة مالية تنذر بخطر غضب إجتماعي مدمر سيتأجج أكثر عند تطبيق قانون المالية لعام 2017، وقلنا فيه أن الخطأ الفادح هو محاولة حل الأزمة المالية على حساب الفقراء والبسطاء بدل الأغنياء، مما سيؤدي إلى تفاقم التفاوت الطبقي أكثر في الجزائر بكل إنعكاساتها الخطيرة على إستقرارها الوطني ومستقبلها)أنظر مقالتنا من وراء دفع الجزائر إلى الفوضى الحوار المتمدن عدد5245 يوم 16/11/2016(، لكن يبدو أن المسألة الإجتماعية عميقة جدا في الجزائر، حيث يتجه مجتمعها في السنوات الأخيرة نحو تفاوت طبقي حاد بين أقلية برجوازية عليا وأغلبية محرومة، هذا في الوقت الذي تتراجع فيه قوة الطبقات المتوسطة التي هي عنصر إستقرار وبناء للدول والمجتمعات، وهو ماينذر بخطر كبير على الإستقرار الإجتماعي، فإستخدامنا لمصطلح"برجوازية"يمكن أن يدفع البعض إلى تساؤل مشروع وهو:هل تمتلك الجزائر فعلا طبقة برجوازية؟، فعلينا التوضيح قبل الإجابة بأن البرجوازية في الحقيقة هي سلوك وذهنيات وممارسات وتقاليد، وقد ساهمت بشكل كبير في بناء إقتصاد الدول التي نراها اليوم نموذجا في التقدم والرقي، لكن للأسف هي شبه منعدمة عندنا، فقد حطمها الاستعمار، وحطمنا ماتبقي منها بعد1962، وغرسنا في ذهنية شعبنا بأن"البرجوازية" معناها العمالة والاستغلال، فأصبح الكثير منا ينظرون إلى كل صاحب ثروة بعين الريبة دون أي تمحيص، ففي الحقيقة ماتمتلكه الجزائر اليوم في الغالب هي ما نسميه ب"الكمبرادور"، وهي كلمة برتغالية أطلقت في الصين على "خادم الأوروبيين"، ويمكن إطلاقها على بعض المستوردين الذين يسوقون كل منتجات المصانع الغربية في بلادنا بما فيها الممكن إنتاجها محليا، فيخدمون بذلك الإقتصاد الغربي على حساب إقتصادنا، وهم ما يطلق عليهم البعض ب"أصحاب الحاويات"، فالكثير منهم "برجوازية بيروقراطية" لأنهم نتاج إستغلال النفوذ بكل أشكاله–حسب اليوناني كورنيليوس كاستورياديس مؤسس مجلة "إشتراكية أوبربارية"-، والذي تنبه في الستينيات إلى البوادرالأولى لنشأة هذه الطبقة في الدول الإشتراكية ذات الحزب الواحد. فهذه الطبقة عاجزة عن الاستثمار في القطاعات المنتجة لأنها لاتمتلك الكفاءة ولاالذهنية الموجودة عند البرجوازية الغربية، ولهذا تتوجه إلى الربح السهل والسريع بإستيراد وتسويق منتجات المصانع الرأسمالية العالمية، فأرتبطت مصالحها بهذه الرأسمالية، وليس بمصالح الجزائر، وللحفاظ عليها تستغل نفوذها الإداري والسياسي لتحطيم المصانع الموجودة ولعرقلة وتحطيم القلة من البرجوازية الوطنية التي تخلق الثروة ومناصب الشغل بالاستثمار في إقامة مصانع للإنتاج، كما تعتبر أيضا كل إنتاج لسلع وطنية تهديد لمصالحها، لأنها ستنافس سلعها المستوردة، وكأني بهؤلاء المستوردين يدافعون عن أكبر هدف للإستعمار، وهو إيجاد أسواق لفائض الإنتاج الرأسمالي -حسب الأنجليزي هوبسن- في كتابه"الإستعمار" في1902، ألايقوم هؤلاء المستوردين لكل شيء بمافيها المكانس بنفس مهمة الإستعمار لصالح المنتجين الغربيين؟. فهذه الطبقة الكمبرادورية تكرس التخلف والتبعية في بلادنا، مما يتطلب منا التفكير الجدي في وضع ميكانيزمات إقتصادية جديدة تقطع الإرتباطات السلبية بين هذه الطبقة والرأسمالية العالمية، وتدفعها للإستثمار في إنتاج السلع بدل الإستيراد، وهو الذي سيحول الجزائر إلى ورشة إقتصادية كبيرة جدا، وتحررها من التبعية سواء للمحروقات أوللغرب الرأسمالي. وقد زاد تغول هؤلاء المستوردين على مفاصل الدولة، وهو ما يظهر جليا في لجوء الدولة للحصول على الموارد المالية بعد إنخفاض أسعار النفط إلى جيب المواطن البسيط في المشروع التمهيدي لقانون المالية لعام2017، وهو ما يزيد الفقراء فقرا في الجزائر، ويزيد التفاوت الطبقي أكثر، فكان من المفروض لحل الازمة المالية تفعيل قوي لأجهزة الجباية الضريبية والإستعانة بأموال الأغنياء لمواجهتها والتفكير الجدي في إعادة النظر في طريقة توزيع الثروة لتخفيف الفجوة الكبيرة الموجودة اليوم بين الأغنياء والفقراء، وهو ما ينذر بخطر كبير على مستقبل الجزائر، ويمكن أن يؤدي إلى غضب إجتماعي مدمر بدأت تبرز ملامحه الأولى في بعض الحركات الإجتماعية. لكن لاتطرح هذه الحركات الإجتماعية إطلاقا الحل الجذري للمشكلة الإجتماعية في الجزائر، بل تزيد الوضع تعفنا، وتعرقل سير الإقتصاد الوطني، كما أن تناقضاتها وعدم وجود وعي إجتماعي وتنسيق فيما بينها أدى إلى إختلافات وتناقضات بين مختلف الشرائح، لأن كل شريحة إجتماعية تطرح مشاكلها لوحدها، وتركز على قضايا هامشية بدل الذهاب مباشرة إلى المشكلة الجوهرية التي يجب أن تحل، وتخص كل المجتمع، فعادة ما نجد في هذه الحركية الإجتماعية المتبعثرة هنا وهناك عدة فئات وشرائح تتصارع فيما بينها، فتجد كل فئة أو شريحة إجتماعية نفسها في صراع مع شريحة أخرى متضررة من الإضراب وعرقلة سير الحركية الإقتصادية والإجتماعية، وهو الأمر الذي تستغله السلطة بشكل ذكي وفعال، خاصة مع إضرابات قطاع التعليم مثلا التي عادة ما تواجه بأولياء التلاميذ الذين يفكرون في أبنائهم فقط، ولا يهمهم مصير المعلم المغبون في وضعه الإجتماعي، وهو ما يدل على أن كل هذه الإحتجاجات الفئوية لا تأثير لها، فهي ضعيفة وغير فعالة، وتواجه بالتجاهل، لتتآكل في الأخير، وفي بعض الأحيان تنتهي بشراء ذمم القيادات النقابية التي فقد الكثير منها مصداقيتها. نعتقد أن المشكلة الإجتماعية في بلداننا، ولإعادة الطبيعة الإجتماعية للدولة التي يجب أن تكون في خدمة كل شرائح المجتمع دون إستثناء يدفع إلى التفكير في أساليب نضالية أخرى، ونرى أنه يتطلب من هذه الحركات والنقابات العمل من أجل هدف أكبر وجوهري كفيل بحل كل المشاكل فيما بعد ويتمثل في تحرير الدولة ومؤسساتها من الأوليغارشية المالية المسيطرة عليها اليوم، ويأتي على رأسها البرلمان الذي عادة ما يسن قوانين لصالحها على حساب الشرائح الإجتماعية الفقيرة، خاصة أن هذه الأوليغارشية المالية قد سيطرت على أكبر جهاز حزبي في البلاد وهو جبهة التحرير الوطني الذي استعان فيه بلخادم القريب من الإسلاميين بأصحاب الأموال لتقوية نفوذه، بل نذهب أبعد من ذلك لنقول أن القاعدة الإجتماعية للسلطة الحاكمة اليوم تتشكل من هذه الأوليغارشية، وعلى رأسها المستوردون الكبار الذي كونوا شبكة على شكل هرمي تمتد منهم عبر شبكات متوسطة لتصل إلى تجار السوق الموازي للسلع الآتية من كل بلدان العالم، والتي تساهم في تحطيم الإنتاج الوطني. ان الجزائر في حاجة ملحة اليوم لإعادة الدور الإجتماعي للدولة، كما سطرتها أهداف ثورتها التحريرية في 1954، وكي يتحقق ذلك فإنه من الضروري للنقابات العمالية ومختلف الحركات الإجتماعية بكل شرائحها طرح المشكلة الجوهرية للمسألة الإجتماعية لحلها من الجذور لكن بطرح آخر، فبدل ماتطالب بتحسينات في الأجور والحديث عن ملفات التقاعد وغيرها، فإنه يجب عليها أن تذهب إلى جوهر المشكل الإجتماعي، وتطرح حلا جذريا للمسألة، ويتمثل في المطالبة بالسلطة الكاملة لكل الشرائح الإجتماعية دون إستثناء أي شريحة، فتتحول الدولة إلى خدمتها بدل خدمة مجموعة أو فئة أو أوليغارشية مالية، وهذا لايتم إلا بنظام سياسي بديل ديمقراطي وإجتماعي يجمع بين الحريات الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وقد طرحنا أسسه وميكانيزماته وآلياته في العديد من كتبنا ومقالاتنا ودراساتنا، ونذكر من هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر "ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي" وكذلك "النظام البديل للإستبداد- تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع-". ويعد إعادة النظر في طريقة التمثيل البرلماني أحد أسس هذا النظام البديل، فيصبح التمثيل في البرلمان على أساس شرائح المجتمع وفئاته كلها بدل التمثيل المبني على أساس دوائر إنتخابية يمكن أن تكون الكثير من شرائح المجتمع غير ممثلة في البرلمان، ويمكن مثلا أن تسيطر عليه فئات فقط دون أخرى التي لاتجد من يدافع عن مصالحها ويطرح إنشغالاتها، فيجب على كل شرائح وفئات المجتمع بما فيهم البطالين ورجال المال وغيرهم أن ينتخبو ممثلين لهم في البرلمان، وذلك بإعتماد كل شريحة إجتماعية كدائرة إنتخابية، ويكون عدد ممثليها في البرلمان حسب العدد المنتمي إلى هذه الشريحة. لكن هذا غير كاف إلا إذا أمتلكت كل ممثلي شريحة أو فئة إجتماعية حق الفيتو في كل مشروع قانون يخصها، ويمكن أن تتفاوض مع السلطة التنفيذية في حالة ضرورة الحفاظ على توازنات، أما إذا تعلق القانون بمصالح عدة شرائح وفئات إجتماعية، فيتم التفاوض حوله بتنازلات فيما بينهم لحفظ مصالح الجميع، وبهذا الشكل يتم نقل الصراعات الإجتماعية التي تشل الحركة الإقتصادية بفعل الإضرابات إلى مبنى البرلمان، لكن هذا لايكفي لتحقيق مصالح كل شريحة إلا إذا بقيت مصالح ممثليها في البرلمان مرتبطة إرتباطا وثيقا بمصالح شريحتهم الإجتماعية، مما يجعل كل ممثل أو نائب برلماني الذي يعمل من أجل مصلحته الإجتماعية، سيحقق بوعي أو دون وعي منه مصلحة الشريحة الإجتماعية التي يمثلها، ولا يتم ذلك إلا بإلغاء كل الإمتيازات لهؤلاء الممثلين والنتواب بحكم تواجدهم بالبرلمان بإستثناء الحصانة التي تكفل له حرية النقد والتعبير والممارسة. ولكن لمواجهة خطر شراء هؤلاء النواب الممثلين للشرائح الإجتماعية من أصحاب المال أو من السلطة التنفيذية يجب تفعيل ميكانيزمات عملية مبدأ "من أين لك هذا؟" ويطبق على الجميع وهو المبدأ الذي الذي كثيرا ما يردد أنه مبدأ جاء به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، لكنه ما يستغربه الباحث هو تغييب أي ذكر لهذا المبدأ منذ بدايات الثمانينيات في الوقت الذي وجد تطبيقا عمليا في عدة دول في الغرب. البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوغرطة والأمير عبدالقادر-رموز للوطنية الجزائرية-
-
جرائم الإرهاب في جزائر التسعينيات-مغالطات ورهانات-
-
من وراء دفع الجزائر إلى الفوضى؟
-
ترحيب متطرفو العالم بفوز دونالد ترامب
-
العصبيات الخلدونية إلكترونيا
-
عصبيات وإرهاب -نقد مقاربة جيل كيبل-
-
نحو حرب عصبيات-إعادة إنتاج جزائر التسعينيات-
-
جذور هزيمة العقل أمام العصبيات
-
هل تعرض سيد قطب لتلاعبات مخابراتية؟
-
-مثقفو وسياسويو- العصبيات
-
لماذا رحب الإسلاميون بنظرية -صدام الحضارات- لهنتغتون؟
-
التنظيمات الإخوانية في خدمة أجندات دولية وأقليمية في منطقتنا
-
محاولات لإختطاف مالك بن نبي وتوظيفه
-
إعدام الأردوغانية للإسلام السياسي في تركيا
-
هل لأردوغان وحزبه علاقة بالإسلاميين؟
-
إستشهاد محمد بوضياف في1992-إجهاض لإحياء مشروع الثورة الجزائر
...
-
مالك بن نبي والثورة الجزائرية - تهميش وتوظيف -
-
معطوب لوناس-ناظم حكمت الأمة الجزائرية-
-
جذور إختطاف أمريكي للإسلام-إنتصار سيد قطب على مالك بن نبي-
-
أيديولوجيو الإنحطاط وحركة التاريخ
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|