|
عن التغير المناخي، مرة أخرى
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 5355 - 2016 / 11 / 28 - 16:28
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
ها قد أوشك تشرين على الانتهاء، ولم تشهد البلاد هطول المطر.. الأمر الذي ينذر بموسم جاف، سيأتى بعد صيف حار وقائظ.. والموضوع ليس له علاقة بغضب الله، كما يروج البعض، وكما هو في المثل الشعبي "من قلة هدانا انقلب صيفنا شتانا".. فالله سبحانه أكرم من أن يحبس المطر عن عباده، كما أن الأمطار تتساقط على بلاد الكفار طوال السنة.. الموضوع مرتبط بما يُعرف بالتغير المناخي.
كنتُ قد كتبت في جريدة "الأيام" قبل سنة بالضبط، مقالا عن قمة باريس للتغير المناخي، والتي عقدت في نوفمبر 2015، وقد ختمته بالإشارة لعدم التفاؤل بإمكانية تحقيقها أهدافها المعلنة، والتي لخصتها في الحد من ارتفاع الحرارة "درجتين مئويتين"، ومتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، ومراجعة التعهدات الإلزامية (كل خمس سنوات)، وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب (100 مليار دولار سنويا).
قبل أيام انتهت في مراكش بالمغرب الدورة 22 لقمة المناخ (تُعرف اختصارا بِ كوب 22)، بمشاركة 196 دولة وحضور ما يقارب 30.000 مشارك من بينهم 8000 من المجتمع المدني و1500 صحفي. والتي تأتي استكمالاً لِ"كوب 21" التي أحرزت بعض التقدم، ولبلورة مختلف المحاور المنصوص عليها في اتفاق باريس.
وقبل مراكش، وقّعت نحو 60 دولة على اتفاقية المناخ في نيويورك، في إبريل 2016، تأكيدا لمقررات قمة باريس، ولكن بغياب قادة كبريات الدول الملوثة للبيئة في العالم، وهي أمريكا والصين وروسيا والهند.
وفي بيان مراكش، كما هو في بيانات القمم السابقة، أكد المجتمعون على أن التغيرات المناخية تعتبر أهم تحديات هذا القرن، لما ينتج عنها من ارتفاع في حرارة الأرض (بسبب ونتيجة الاحتباس الحراري)، ونقص في الموارد المائية، وتلاشي الأراضي الزراعية، وحدوث الكثير من الكوارث الطبيعية، وبالتالي تفاقم الفقر والاضطرابات الاجتماعية والأمنية، واحتمالية نشوب الحروب، وتضاعف موجات الهجرة من الجنوب إلى الشمال..
ومع أن هذه الكوارث لم تشكل حتى الآن صدمة قوية تثير الانتباه، ربما لأنها تزحف بصورة تدريجية وغير ملحوظة إلى حدّ ما؛ حيث أن التغييرات الطفيفة تبدو على المدى القصير "حالة اعتيادية"، يصفها العالم الأمريكي "جاريد دايموند" بِ"الاعتيادية الزاحفة"، والكثير من الناس لا تعترف بها (الرئيس الأمريكي الجديد يعتبرها خدعة إعلامية)؛ بيد أن خطورتها ستتضح وستتفاقم في المدى القريب جدا.
ربما يكون من حسن الطالع، أن هذه القمة عُقدت هذه المرة في المنطقة العربية، فلربما يتنبه قادتها، وقادة العالم لطبيعة المشاكل البيئية والمناخية التي تهدد شمال إفريقيا والشرق الأوسط بشكل خاص، حيث يعيش 550 مليون نسمة؛ وحيث ترتفع معدّلات درجات الحرارة بشكل متزايد سنة بعد أخرى، خاصة في فصل الصيف. وحيث باتت مناطق شاسعة منها غير صالحة للسكن، وحيث تتضاءل الموارد الطبيعية والمائية بشكل خطير، مع زيادة ملحوظة في التصحُّر. مصر مثلا، التي كانت في السابق "سلة خبز" لم تعد تنتج ما يكفي من الغذاء لسكَّانها. ولم تعد الحكومة قادرة على دفع ثمن وارداتها من الحبوب.
في معهد "ماكس بلانك" للكيمياء، أجرى باحثون وباستخدام المحاكاة من خلال الكمبيوتر للنظام البيئي المناخي في المنطقة العربية، وتوقَّعوا بناء على ذلك أن يرتفع معدَّل درجات حرارة المنطقة حتى منتصف القرن الحالي بنحو أربع درجات مئوية. كما توقعوا زيادة عدد الأيَّام الحارة للغاية (مع درجات حرارة قصوى تبلغ 46 درجة مئوية فأكثر) خمسة أضعاف، أي من 16 يوم، كما هو الآن إلى 80 يومًا في السنة. وعندئذ لن تنخفض درجات الحرارة في الليل عن 30 درجة مئوية. وإذا استمرت انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري من دون رادع، فإنَّ الباحثين يتوقَّعون أن يصل عدد الأيَّام الحارة للغاية حتى 200 يوم في السنة في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط في نهاية القرن الحالي. وفي هذا الصدد يتوقَّع العالِم "جوس ليليفيلد" أنَّ الكثير من سكان المنطقة سيغادرونها عاجلاً أم آجلاً". (شتيفان بوخن، ترجمة: رائد الباش، موقع قنطرة، نوفمبر 2016). ومع ارتفاع درجات الحرارة سيتطاير المزيد من الغبار الجاف، وستزداد العواصف الرملية، وبالتالي سيزداد التلوث بالجسيمات الغبارية، إضافة للدخان العادم بنسبة 70% خلال العقدين القادمين، خاصة في كلّ من السعودية والعراق وسوريا.
وما يدعو للتخوف أكثر، أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد ازداد بنسب تُنذر بالخطر، إذ أن العالم لم يشهد هذه المستويات من ثاني أكسيد الكربون في الهواء مثلما هو الحال في العام الماضي 2015. ويتَّضح هذا من أحدث تقرير حول الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، أصدرته مؤخرًا المنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO في جنيف. بحسب هذه المنظمة التابعة للأمم المتَّحدة فإنَّ متوسَّط تركيز غازات الاحتباس الحراري بلغ في عام 2015 ما نسبته 400 جزء في المليون. وبهذا فقد تم بلوغ قيمة ذات دلالات رمزية.
وتغيُّر المناخ العالمي، وبالذات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تتحمل مسؤوليته الأولى الدول الصناعية الكبرى، والشركات العابرة للقارات، والدول المصدِّرة للنفط، التي تميل غالبا إلى لعب دور المُعَرقل في مؤتمرات المناخ، ووضع مصالحها الاقتصادية في تصدير النفط قبل ضرورة الحدّ من انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري. وزبائنهم في أمريكا الشمالية وأوروبا والصين واليابان يساهمون من خلال استهلاكهم المفرط للوقود الأحفوري أكثر من جميع الدول الأخرى في تفاقم هذه المشكلة.
في مؤتمر باريس، طُرح حلا شاملا يتلخص بإتباع مسارين متلازمين، هما: الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، وذلك باستخدام التقنيات منخفضة الكربون، والحد من التلوث البيئي، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وحفظ الغابات، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الخضراء المتجددة. المسار الثاني هو التكيف مع آثار ومظاهر التغير المناخي، وتقديم الدعم اللازم لدول الجنوب. بيد أن هذا الحل ما زال يتعثر بخطاه، رغم إدعاءات قادة العالم بأن مقررات قمة المناخ لا رجعة عنها.
لننتظر نتائج قمة مراكش، فلا نملك إلا الأمل.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لنرحم الطفولة
-
صور من التخلف التعليمي
-
داعش، مرت من هنا
-
رحلة الحياة .. البدايات، والنهايات..
-
الموصل.. المعركة الأشرس والأخطر
-
المرأة والرجل.. ورد الاعتبار
-
المجاهدون الأجانب
-
هيلاري، الحرب والأنوثة
-
حقيقة داعش
-
تسع سنوات من حكم حماس
-
موجات متواصلة من العنف الطائفي
-
تاريخنا المؤدب
-
ماذا يريد راشد الغنوشي ؟!
-
عمدة لندن الجديد
-
في حنان الحرب على حلب
-
حفلات التوبة في مدارس غزة
-
دوافع العمليات الانتحارية
-
خطوط عريضة لإستراتيجية فلسطينية بديلة
-
لماذا يكرهون عيد الحب؟
-
ازدراء الأديان
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|