تقي الوزان
الحوار المتمدن-العدد: 1420 - 2006 / 1 / 4 - 11:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم نكن نعرف احداً قبل سقوط النظام من كل الفصائل العراقية المعارضة رفع يوماً شعار أقامة نظام دولة دينية في العراق. كان الكل متفقين , علمانيين قوميين وأسلاميين على أقامة دولة العدل والقانون . ونظام سياسي فيدرالي وديمقراطي يضمن تكافؤ الفرص لكل الاطراف . كانت هذه العناوين الابرز لمؤتمر لندن الذي سبق سقوط النظام .
جاء التغيير على يد القوات الامريكية وحلفائها , ولم تتغير هذه العناوين . رغم التمدد الذي اخذ حدود الممكن لكل الاطراف السياسية , وكل طرف حسب امكانياته , والجهات التي تدعمه .
لاشك ان الاندفاع المذهبي والقومي كانا الاقوى كرد فعل على كبت جائر استمر لثلاثة عقود ونصف . ويجد متنفسه لأول مرّه . وبدل من ان توجه هذه الطاقة الجبارة المتدفقة من وقود القهر والذل . وتكون أحدى الرافعات الحقيقية لبناء العراق الحر المعاصر . جرى استغلالها , وتعبئتها بأتجاه طائفي وقومي متعصب, لتصب في خدمة اهداف فئوية وقتية , وفي كثير من الاحيان شخصية . مستغلين الفراغ الكبير من غياب وأضمحلال مؤسسات الدولة , وما ترتب على هذا الغياب من ضياع البوصلة الحقيقية لتنظيم الحياة في ظل سلطة الاحتلال .
في أجواء هذه الفوضى , كان الاصرار لأقامة الانتخابات الاولى , بضلال وتوجيهات المرجعية الشيعية المتمثلة بأبرز رجالاتها السيد علي السيستاني , وتبنيه المعروف لقائمة "الائتلاف" . وهذا لايعني ان السيد علي السيستاني لا ينشد وحدة وسلامة العراق . بالعكس , كانت توجيهاته صمام الامان لأنهاء الكثير من الفتن , ونزع فتيل الحرب الاهلية .
كانت قائمة"الائتلاف" في الانتخابات الاولى تضم بين جناحيها شيعة علمانيين , سنة , اكراد , تركمان ...الخ . لتوحي بشموليتها العراقية , وترفع الحرج عنها , كون القائمة ليست طائفية . النجاح الكبير الذي حصلت عليه القائمة في الانتخابات الاولى مكنها من تشكيل الحكومة المؤقتة بالأتفاق مع القائمة الكردية كما هو معروف . وبدل الاتفاق السابق على حل الميليشيات . جرى تقوية هذه المليشيات , وجعلها هي السلطة الفعلية لأدارة وفرض اللون الديني المذهبي على مجمل الحياة الاجتماعية , ومصادرة الحريات الشخصية الهامشية المتبقية من سلطة النظام المقبور في الوسط والجنوب . وخلق حالة من الصراع الدموي في بعض الاحيان بين هذه المليشيات , بدافع توسيع دائرة الجاه والنفوذ , والكسب غير المشروع للكثير من ضعاف النفوس الذين أستغلوا أنفلات هذه المليشيات وتداخلها مع أجهزة الدولة ووزارة الداخلية بالذات . ولاشك ان جرائم القتلة من بقايا البعث المقبور , والتكفيريين السنة والقادمين من خارج الحدود . زاد من أنفلات هذه المليشيات , ودفعت طائفيتها الى مديات أبعد .
هذه الممارسات وغيرها دفعت البعض للانسحاب من القائمة . وأبرز المنسحبين كتلة الكفاءات برئاسة الدكتور علي الدباغ , والمؤتمر الوطني العراقي العلماني بقيادة الدكتور احمد الجلبي . وقالها الجلبي بكل وضوح : بأن القائمة تبغي قيام نظام ديني . مما دفعه للانسحاب . وهذه الانسحابات خففت عنها الظلال العراقية , وقوت الظلال الطائفية , والتي افصحت عنها القائمة بشكل اوضح في الفترة الاخيرة .
وهذه المليشيات تبنت الدعاية الانتخابية في الانتخابات الثانية . وبوسائلها المعروفة , تهديد , أجبار , أغتيالات مرشحين وناشطين , حرق مقرات احزاب من قوائم اخرى , استغلال الدين , وتزوير جعل الانتخابات ونزاهتها موضع شك . بعد توثيق اعداد كبيره من الشكاوي , والتي دعت هيئة الامم المتحده للتحقيق بنتائجها . والكلام ليس عن اخلاقيات اشخاص وقيادة . المقصود هو النزعة الفكرية والايديولوجية التي تسيطر وتسّير وجهة عمل القائمة , وبغض النظر عن الصراعات بين اجنحتها .
لقد كتب الكثير من المراقبين , وبشكل مبكر , حول موضوع طائفية قائمة "الائتلاف". وكيفية محاولة أعادتها لسيناريو الثورة الايرانية , وكيفية الالتفاف بمراحل على باقي اطراف الحركة الوطنية الايرانية والتي ساهمت بشكل فعال بقيام الثورة . وتجريدها الواحدة بعد الاخرى من كل مقوماتها , لتحصر السلطة قطعاً بيد ولي الفقية .
في صحيفة" الحياة " ليوم الاثنين, الثاني من هذا الشهر. ومع تهويمات الفوز الكبير لقائمة "الائتلاف" , يقول السيد علي العضاض القيادي في "المجلس الاعلى " الى ان "الائتلاف" سيتولى ادارة الدولة خلال السنوات الاربع القادمة [مايتطلب ايجاد مرجعية سياسية لجميع الاطراف من داخل الائتلاف وخارجه لحل القضايا الكبرى ] وأضاف ان "المجلس" يرى ان زعيمه عبد العزيز الحكيم [هو الاصلح لتولي رئاسة الكتلة . ولعب هذا الدور ليعد بمثابة ولي الامر المتصدي للعملية السياسية ] ولفت الى ان حصول الحكيم على هذا الموقع يعني تخليه عن ترشيح عادل عبد المهدي لمنصب رئيس الوزراء لصالح ابراهيم الجعفري .
لو اكتفى العضاض بالقول " ايجاد مرجعية سياسية لجميع الاطراف من داخل الائتلاف" فقط . لفهم الكلام على انه اجراء ينظم صدور القرار السياسي في القائمة . اما ان يوضح الاتجاه بهذا الوضوح . فهذه مسألة اخرى وخطيرة .وأبسط سؤال اين ستضع هذه السلطة الجديدة المطلقة , والمرجع لكل السلطات الاخرى [ القضاء, رئاسة الجمهورية , رئاسة الوزراء , الجمعية الوطنية , رئاسة وادارة اقليم كردستان , المحكمة الدستورية ] . هذه السلطات التي اقرها الدستور الدائم والذي انتم وضعتموه . ولم يبدأ العمل به لحد الان . نرجو ان لاتكون هذه التصريحات هي بوصلة "التقية" لبعض اطراف قائمة الائتلاف وهم في السلطة .. وأن لا تعمي سلطة المليشيات , وبعض العصابات. و[الانتصارات ]التي حققتها في هذا الموقع او ذاك . وتمنع النظر لمستقبل العراق .
العراق, وكما قلتم انتم قبل سقوط النظام , وفي بداية العملية السياسية : أن المجتمع العراقي ليس طائفياً مثل المجتمع الايراني . وفيه من القوى الوطنية الحية , والسنة , والاكراد , وباقي التنويعات الاخرى الشئ الكثير . ولا تزال السلطة الحقيقية بيد قوات الاحتلال , وبتفويض دولي صريح من هيئة الامم المتحدة . ونرجو ان تكون هذه التصريحات اجتهادات فردية فقط . او حرفت عند نقلها . دون الدخول الجدي في مغامرة تقسيم البلد .
#تقي_الوزان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟