البشرية اليوم على اعتاب نفق مظلم لايعرف حجم ابعاده الماساوية. الساسة، بالاحرى قطاع الطرق، في البيت الابيض يمضون وبسرعة صوب ارتكاب مجزرة اخرى بحق العزل والابرياء من جماهير العراق. تتسارع الخطوات نحو ساعة الصفر. تجيش الجيوش الى المنطقة التي لغمت بـ(150) الف جندي حتى الان، المساعي الديبلوماسية النشطة لجر اكبر عدد من الدول والحكومات وراء امريكا وبريطانيا في حربهما، وسائل الاعلام الذليلة والتابعة لوزارات الخارجية الامريكية والبريطانية تقرع طبول الحرب وتروج للادعاءات الكاذبة والهزيلة حول فرق التفتيش وعدم تعاون العراق الجدي معها، بوش وعلى نغمة افلام رعاة البقر يتحدث عن "THE GAME IS OVER كلها تدلل باجلى الاشكال على ان ساعة شن حملة ابادة جماعية بحق اناس لاذنب لهم في كل ما يحصل قد ازفت. اناس ذاقوا وبمرارة طعم الحرب والموت وعمليات القتل الجماعي قبل 11 عام ولازالوا حتى اليوم يدفعون، طيلة مايقرب من 12 عام، ثمن حصار مجرم جائر يذهب ضحيته الاف البشر شهريا ، اغلبهم من الاطفال دون سن الخامسة، جراء انعدام الغذاء والدواء والماء الصالح للشرب. من الواضح ان ارجاع مجتمع العراق المتمدن الى مجتمع "ما قبل الصناعي" وفرض التراجع الشامل على جميع نواحي حياة ومعيشة الجماهير و التردي الروحي والمعنوي للانسان وكرامته ليس بكاف لسحب امريكا ايديها الملطخة بدماء الابرياء من حياة الجماهير. ماذا عملت الجماهير التواقة نحو حياة افضل في العراق حتى يحل بها هذا المصير.
ان حرب امريكا لاتتعلق قط بمسالة "تعاون العراق مع فرق التفتيش" او"تنظيف" العراق من اسلحة الدمار الشامل. ليس لها ربط بتقارير بيلكس والبرادعي. ليس لها اي ربط بـ" تحرير العراق من الديكتاتورية". ليس لها ادنى ربط بـ"مكافحة الارهاب". لا تتعدى كل هذه سوى دعايات كاذبة ومزيفة ليس لها ادنى ربط بالحقيقة. انها ادعاءات تهدف الى ذر الرماد في العيون. انه لعالم مقلوب فعلاً ان تقوم الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت الاسلحة النووية في هيروشيما وناكازكي واكبر منتج لاسلحة الدمار الشامل بشن الحرب على جماهير العراق تحت مبرر "تنظيف"العراق من هذا الخطر.
ان "تحرير العراق من الديكتاتورية" لهو اكبر كذبة. انه تعكز على اكثر الاماني والمطاليب العادلة لجماهير العراق باسقاط وكنس هذا النظام البربري. ان القسم الاعظم من ديكتاتوري العالم من سوهارتو، بينوشيت، الشاه، ومشايخ الخليج وصدام لهم صنيعة امريكا ومخابراتها المركزية. ان نفس مجيء صدام ونظامه للحكم مديون لـ"القطار الامريكي". ان امريكا وحلفائها الغربيين هم من دعموا هذا النظام. انهم مسؤولون عن ترسيخ اقدامه واركان سلطته. انهم مسؤولون عن تسليح هذا النظام وتدريب اجهزته القمعية والتجسسية. انهم هم من سكتوا على جرائمه في الانفال والاهوار وعمليات "تنظيف السجون عبر حملات الاعدام الروتينية للنظام". انهم من مولوه في حروبه. ان صحافتهم نفسها هي من غضت الطرف عن استخدامه الاسلحة الكيمياوية بحق الابرياء في العراق. انهم هم من دعموه في مجازره التي ارتكبها بحق الشيوعيين والتحرريين ومعارضيه السياسيين وسائر الشرفاء. في الوقت الذي كانت جماهير العراق تناضل بشتى الاشكال من اجل انهاء العمر المشؤوم لهذا النظام، كانت امريكا والغرب يتخذون جانب النظام ضد الجماهير ويدعموه بشتى السبل. انهم مسؤولين، بل وطرف وشريك في جرائمه! عليهم هم انفسهم ان يعطوا جوابهم غدا لجماهير العراق لدورهم المشؤوم في خدمة هذا النظام البربري المتوحش.
اتبغي امريكا ان "تحرر الجماهير من الديكتاتورية" لتصيغ، في الوقت ذاته، بديلاً يستند الى اقذر العصابات والجماعات الاسلامية والقومية والعشائرية والطائفية الرجعية والمتخلفة في المعارضة البرجوازية العراقية؟! أ تحرر الجماهير ونصب عينيها ازلام نفس النظام البعثي الفاشي الملطخة ايديهم بدماء الشرفاء والابرياء ومرتكبي حملات الابادة الجماعية في حلبجة والانفال والاهوار والسجون؟! اتبغي "تحرر الجماهير" وهي تدوس على ابسط حق من حقوق الجماهير في محاكمة مسؤولي النظام على جرائمهم حيث يتحدث قطاع الطرق في الهيئة الحاكمة الامريكية عن اعفائهم للمجرمين من اركان النظام بحق جماهير العراق؟! ليس هذا وحسب، بل ويجعلوا من ضباط النظام من امثال الجبوري والخزرجي والسامرائي ممثلين لجماهير العراق!! ان كانت ثمة "خدمة" بوسع امريكا تقديمها لجماهير العراق فهي ان تسحب يدها من حياة الجماهير، ان تنهي اجواء الحرب والقصف والعسكرتاريا، ان ترفع الحصار فوراً ودون قيد اوشرط، وان تكف دعمها لمرتزقتها وعملائها في المعارضة العراقية. ان هذه خير خدمة تقدمها امريكا للجماهير. ان سبيل اسقاط النظام سيكون اقصر بسحب امريكا لقبضتها من الاوضاع في العراق. ان تدخل امريكا وحروبها وقصفها وحصارها، واجمالاً، الابقاء على الاوضاع الشاذة في العراق هي التي ادامت عمر النظام.
وحتى لو اطاحت هذه الحرب بصدام ونظامه، اي سعادة يخلق للجماهير في العراق؟! لايفرح اي مرء يضع مصير الانسان في كل مكان نصب عينه ان تكون ازاحة صدام على حساب تشديد امريكا لقبضتها على العالم. ان اسقاط صدام، ورغم كونه خطوة مهمة وضرورية من اجل اقامة مجتمع حر ومتساو الا ان الاسقاط بحد ذاته لايجلب الخير والرفاه الذي تناضل من اجله جماهير العراق من عقود. ان رفاه الجماهير وتحررها مرهون باي سبيل تسلكه لاسقاط النظام من جهة ونوع البديل السياسي الذي ترسيه. ان اسقاط صدام بحد ذاته، رغم كل اهميته، ليس مجمل القضية. ان جماهير العراق تنشد من اسقاط صدام تحقيق الرفاه والسعادة. والا اسقاط النظام بحد ذاته لايعني ان الجماهير اخذت حقها.
ان كانت امريكا تتحدث عن "استئصال الارهاب"، فانه ليس بخاف على احد انها الارهابي رقم واحد في العالم. انها ارهاب الدولة وارهاب الناتو. انها، بحربها، ستأجج نار الارهاب الاسلامي وستبث الروح من جديد بالتيارات القومية والاسلامية المتهافتة في المنطقة والعالم مع ما ينطوي عليه من تكثيف السجل الاسود والممارسات الظلامية لهذه التيارات على حياة وحقوق المراة والطفل والشباب ومجمل المتطلعين نحو عالم افضل خالي من افكارها الرجعية والبالية. ان كانت تنوي امريكا استئصال الارهاب، فان السبيل لذلك معلوم. اذ ان انهاء ظلم اسرائيل واحتلالها لفلسطين ودعمها غير المشروط للارهاب الاسرائيلي، والرفع الفوري للحصار الاقتصادي المفروض على جماهير العراق والذي دفع ثمنه اكثر من مليون ونصف المليون انسان معظمهم من الاطفال، ايقاف دعم الحكومات الرجعية والاستبدادية القومية والاسلامية في المنطقة وتقوية ودعم التيارات العلمانية والتقدمية والتحررية هي اجمالاً السبيل الرئيسي لاستئصال الارهاب وتجفيف منابعه الواقعية. ان امريكا لاتنشد هذا. انها تبغي تقليم اظافر التيارات الارهابية الاسلامية وترويض معاداة هذه التيارات للغرب وابقاءها جاثمة على رقاب العامل والشيوعي والتحرري وكل الداعين لحياة افضل. ان الارهاب الاسلامي لهو ضروري لامريكا والطبقات الحاكمة لمجابهة اي نفس راديكالي في منطقة متعطشة للحرية والرفاه. ان امريكا، رغم كل تشدقاتها، لاتنشد فعلاً استئصال الارهاب.
ان اهداف امريكا لاتمت باية صلة بهذه المبررات. ان امريكا تهدف الى ارساء عالم جديد، نظام عالمي جديد، يقر بالمكانة العليا للولايات المتحدة ومصالحها. ان هدف امريكا من هذه الحرب هو فرض عنجهيتها وغطرستها على الاخرين بوصفها الشرطي الوحيد في العالم، وان يقدم له الاخرين شيكات الولاء والطاعة. من اجل هذه الاهداف، تسعى الى رمي جماهير العراق في اتون محرقة سيلتهم بنارها الاخضر واليابس.
ان مئات الالاف من القتلى (هذا للايام الاولى فقط من الحرب، حسب تقديرات المتخصصين!)، ملايين المشردين، الحاق الدمار وتحطيم بنى مجتمع يعاني اساساً من انهيار بنيته التحتية وفقدان مجمل سمات مجتمع عادي، وبالتالي دمار مجمل منظومة حياته ومعيشته، وسلب ابسط حقوق الانسان الا وهو حقه في الشعور بالامن والامان هي الضريبة التي على جماهير ان تدفعها من اجل هيمنة امريكا واستفرادها بالعالم. بيد انها ليست حرباً على جماهير العراق فحسب، انها حرب على البشرية جمعاء. انها حرب على تطلع البشر والجماهير التحررية ونضالهما البطولي من اجل عالم خال من الحروب. انها حرب على منجزات البشرية التي فرضت التراجع على تطاول امريكا على البشرية واستهتارها بحياة الجماهير في العالم طيلة عقود. ان امريكا تسعى لاستغلال احداث (11) ايلول من اجل فرض التراجع على مكسب البشرية هذا. انها تسعى لجعل الحروب والتطاول على البشرية في اي مكان تبغي امراً عادياً ومقبولاً لدى البشرية. من هنا، ان نجحت امريكا في مسعاها هذا، سيصبح سيف الحرب مسلطاً على رقاب كل من يخالف امريكا ويشق سبيل مختلف عنها واولها تلك الجماهير الساعية لارساء نظام يعبر عن مصالحها ورفاهها. يجب ان يكون هذا واضحاً للجميع. لهذا، فان التصدي لهذه الحرب لهي مهمة كل انسان يلتسع قلبه حباً لابناء جنسه، لكل من يسعى نحو مستقبل افضل له ولابناء جلدته.
ان امريكا تسعى لانهاء اسلحة الدمار الشامل باستخدام اسلحة الدمار الشامل!! اذ لايتورع المسؤولون الامريكيون من الحديث، وبصلافة، عن ارسالهم (20) قنبلة نووية الى تركيا لتكون جاهزة للحرب!! انها تسعى لتكرار هيروشيما وناكازاكي اخرى ولكن هذه المرة اشد عنفاً ودماراً ووحشية. اي تحرير يتحدثون عنه لجماهير العراق ياتي عبر هيروشيما اخرى؟!! ان قطاع الطرق في الهيئة الحاكمة الامريكية يجب ان يلقوا جوابهم على ايدي البشرية المتمدنة والساعية لعالم اكثر امناً! ان امريكا ترفع راسها اليوم من جديد لتنتقم للضريبة التي جعلتها البشرية ان تدفعها صاغرة بعد هيروشيما!
يجب الوقوف بوجه الحرب لما لها من اثار ماساوية يصعب التكهن بها. يجب الوقوف بوجه الحرب لما ستفرضه من تراجع مادي ومعنوي على البشرية جمعاء، ولما تجلبه من انحطاط فكري وسياسي شامل يدفع بالبشرية خطوات وخطوات للوراء. يجب الوقوف بوجهها لما تجلبه من تصاعد اشد النزعات والاحاسيس والمشاعر الرجعية والمتخلفة من قومية ووطنية ودينية وغيرها. ان اثار هذه العواقب لهي واضحة من اليوم.
يجب الوقوف بوجه الغطرسة والعنجهية الامريكية ولجم تطاولها على حياة البشرية. ان هذا لاياتي الا على يد جبهتنا العريضة، جبهة التمدن والتحرر، جبهة كل الساعين نحو عالم خال من الحروب. ان هذه الجبهة عريضة. انها، على قول منصور حكمت، غول نائم ما ان يستيقظ حتى سيطيح بقلاع البربرية المنفلتة العقال هذه. ان التظاهرات التي عمت العالم في الاسابيع القليلة المنصرمة من امريكا وكندا واوربا وصولاً الى استراليا ماهي الا جزء صغير من نهوض هذا الغول النائم. ان ايقاظ هذا الغول لهو اقرب السبل للجم العنجهية الامريكية ونزعتها الداعية للحروب والعسكرتارية. ان 15 من هذا الشهر، سيكون اليوم الذي تصدح فيه البشرية وبصوت واحد رفضها للجريمة المرتكبة بحق جماهير العراق، بحق البشرية. ان الشيوعية العمالية وحزبيها في العراق وايران هما جزء حي من هذه الجبهة.