أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - يوسف المساتي - إفطار رمضان : حينما تزايد الدولة والشعب على الله















المزيد.....

إفطار رمضان : حينما تزايد الدولة والشعب على الله


يوسف المساتي

الحوار المتمدن-العدد: 5352 - 2016 / 11 / 25 - 00:32
المحور: حقوق الانسان
    


تحدثنا بعض الروايات على أن الماريشال ليوطي كان كلما أصيب بوعكة صحية إلا واستدعى طبيبه الخاص، ثم يستدعي بعده الفقهاء ليقرؤوا عليه ما تيسر من القرآن والأذكار، وكان بعد تعافيه يقدم لهم الشكر والعرفان، وهذا سلوك ضمن مجموعة سلوكات أخرى كان يقوم بها ليوطي للتقرب من المسلمين –وهو ما نجح فيه بشكل كبير حتى أن بعضهم كان يناديه بالحاج ليوطي- ومن ثم لا تظهر فرنسا بمظهر المهدد للقيم الدينية للمغاربة.
في هذا السياق إذا جاء تحريم الإفطار العلني في رمضان، والذي حاول من خلاله ليوطي أن يظهر بمظهر الحامي لقيم المغاربة، وفي نفس الوقت يضبط سلوكات بعض المعمرين أو المغاربة المنساقين معهم، خوفا من ردود فعل قد تتجاوز ردة فعل تجاه إفطار علني لتتحول إلى انتفاضة في وجه فرنسا ككل.
بعد الاستقلال احتفظ المشرع المغربي بهذا القانون ضمن قوانين أخرى، وقد يقول قائل إن احتفاظ الدولة بهذا القانون يندرج ضمن الاحتفاظ لها بملامح هويتها الإسلامية، فنقول أنه إذا ما نحن سلمنا بإسلامية الدولة وقوانينها، فهل ثمة قانون أو حكم شرعي يوجب العقوبة على من يترك عبادة تعبدية؟ فمن المعلوم أن الصيام هو عمل تعبدي محض، ومن المعلوم أيضا أن العبادات لا حد شرعي لتركها، ولا يوجد أي نص يقر عقوبة عليها، بل العقاب والجزاء متروكان لله.
وإذا ما نحن ألقينا بنظرة على الشريعة الإسلامية نعثر على ما يؤكد هذا المعنى، فقد ورد في كتاب الصوم في صحيح البخاري "حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا فقال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر والعرق المكتل قال أين السائل فقال أنا قال خذها فتصدق به فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك".
وقد تكرر هذا الحديث في مواضع عديدة من صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث والتفسير والفقه، وفي صيغ مختلفة لكنها تحيل إلى نفس المعنى، وتستوقفنا هنا ردة فعل النبي تجاه الرجل الذي مارس الجنس مع زوجته نهار رمضان، حيث عالج النبي الموقف بكل هدوء وروية ودونما غضب، بل اعتبر الأمر عاديا جدا، وهو نفس منطق النص القراني الذي ظهر بشكل جلي في سبب نزول الآية 187 من سورة البقرة "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم...إلى آخر الآية"، فقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن: "أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن الفضل، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا إسحاق بن أبي فروة ، عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال : إن بدء الصوم : كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء، فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب. حتى جاء عمر إلى امرأته فقال : إني قد نمت، فوقع بها. وأمسى صرمة بن أنس صائما فنام قبل أن يفطر - وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا - فأصبح صائما وكاد الصوم يقتلهم ، فأنزل الله عز وجل الرخصة" ونكتشف هنا مقدار التسامح الذي اتسم به منطق التشريع الإسلامي تجاه خرق الضوابط الرمضانية، وكيف عالج النص القرآني والتشريع النبوي هذا الأمر، عوضا عن منطق التشديد والإجبار والتضييق الذي يأتي بنتيجة عكسية.
"حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم"، فهؤلاء صحابة النبي أثناء سفرهم لم يحاسب أحد منهم الآخر، بل اتسم موقفهم باحترام رغبات بعضهم البعض، وهو ما سيؤكده إفطار النبي علانية أثناء سفره ليؤسس لهذا السلوك فقد ورد في كتاب الصوم عند صحيح البخاري "حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة وذلك في رمضان فكان ابن عباس يقول قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر".
إن كل هذه الشواهد وغيرها كثير في كتب الثراث الاسلامي –ونشير هنا إلى أننا اقتصرنا على إيراد ما تواتر الحديث عن صحته وخاصة من صحيح البخاري الذي يعتبره أهل السنة والجماعة أصح كتاب بعد القرآن- لتجعلنا نقف على منطق التعاطي مع الصيام، والذي اتجه إلى التخفيف من والبحث عن الرخصة والاعذار والتسامع مع المفطرين حتى في حالة عدم وجود عذر شرعي كما تكشف عنها النوازل الواردة آنفا، والنظر إلى الصيام كمسألة تعبدية تخص القائم بها، وهو ما يدلل عليه حديث عبد الله ابن عباس –الملقب بحبر الأمة- وهو ما يمكن اعتباره بمثابة المبدأ المؤطر للصيام والإفطار المنطلق من الحرية نقيضا للاكراه، والتخفيف في مواجهة التشدد والتسامح ضد الغلو انطلاقا من كونه يدخل ضمن الحريات الفردية والعلاقة المباشرة بين العبد وربه، وهذا ما يؤكده حديث ورد على لسان عمر بن الخطاب، وهو من الأحاديث القليلة التي رويت عنه، وقد أورده ابن حجر العسقلاني في كتاب المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية "لا يغرنك صلاة امرئ ، ولا صيامه ، ولكن إذا حدث صدق ، وإذا اؤتمن أدى ، وإذا أشفى ورع"، وقد ورد الحديث بصيغ أخرى ولكنها تحافظ على نفس المعنى في عدة كتب أخرى، ما يجعلنا نتجه دوما صوب التأكيد على أن الصيام –وسائر الأعمال التعبدية- يدخل في إطار العلاقة المباشرة بين العبد وربه.
هذه العلاقة يؤكدها حديث قدسي ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة "حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها"، تستوقفنا هنا عبارة الصيام لي وأنا أجزي به لنرى كيف جعل الله مسألة الصيام خاصة جدا بينه وبين الناس، واستأثرها بوضع اعتباري لم ترقى إليه أي عبادة أخرى.
إن كل ما ذكرناه آنفا ليجعلنا نتساءل اليوم، أليس عقاب المفطر أو الصائم هو بمثابة تطاول على ما جعله الله خاصا به دونما البشر؟ بأي حق يأتي من يتطاول على الله ليعاقب الناس نيابة عنه؟ وبأي حق تصبح الدولة والناس أوصياء على صيام الناس وإفطارهم؟ ألا يعتبر هذا نقيضا للمنطق الذي حاول النص القرآني والتشريع النبوي التأسيس له؟ ألا نجد انفسنا إزاء تناقض كبير بين الغاية من تشريع الصيام كشعيرة تعبدية، وبين تحولها إلى أداة للمزايدة؟.
قد يقول قائل أن هذا القانون إنما شرع لحماية عقائد المسلمين، فإفطار الناس علانية يسيء إلى الناس ويزعزع عقائدهم، ولحماية ثوابث الأمة، فنقول أن هذا الأمر مردود عليه من ثلاث أوجه، أولهم أنه إذا كان الإفطار يمثل إساءة للصائمين، فهل ينسحب الأمر نفسه عن صيام التطوع في غير رمضان؟ كيف يستطيع الناس صيام التطوع عدا رمضان دون أن تجرح مشاعرهم الدينية أو يحسوا بالإساءة؟ وماذا عمن يصومون في دول تقر حرية الإفطار العلني؟
أما الوجه الثاني لردنا فإن من يقول أن الإفطار يمثل زعزعة لعقيدة مسلم لهو من يجب أن يحاكم بتهمة إهانة الإسلام والمسلمين، إذ جعله دينا هشا يتزعزع مع رشفة ماء من مفطر أو لقمة جائع في نهار رمضاني، وجعل المسلمين كريشة في مهب الريح يكفي نفث دخان سيجارة عليها لتطير القناعة ويختل الايمان وتضيع العقيدة، إن من يقول هذا الكلام ليوجه إهانة بالغة للدين والمتدينين.
أما الوجه الأخير فإن العبادة لا تصح إلا مع حرية الاختيار والمسؤولية عنها، فإذا ما تعمم منطق الإكراه، سقط الاختيار وسقطت المسؤولية وسقط بالتالي الجزاء الإلهي –ثوابا كان أو عقابا- الذي جعله الله حكرا عليه، نقول بصيغة أخرى أن العقاب على إفطار رمضان يعتبر تطاولا على الله، واسقاطا للحق الذي استفرد به دون سائر عباده وإسقاط لأهلية الإنسان في أن يحاكم على اختيارته، وبالتالي نفي لعدل الله وتطاول على قدرته، وهكذا يسيء إلى الله والدين من يدعون أنهم حماتهما، ويكرسون منطقا نقيض المنطق الديني في صلبه، فهم أوجب أن يعاقبوا ويحاكموا.
إن كل ما ذكرناه آنفا ليجعلنا نتساءل من جديد بأي حق تتطاول الدولة والناس على الله ويزايدون عليه؟ بأي حق وبأي منطق ووفق أي حكم تمارس الوصاية على الناس؟ ألا يظهر هذا عن سعي لترسيخ تدين شكلاني مفروض على الناس، ينفي حرية الاختيار والفعل الموجبة للحساب، ويجعل من الإنسان منافقا أو مكرها –في أحسن الاحوال- فبأي حق تكره الدولة أو المجتمع الإنسان على الإيمان رغم عشرات الآيات والأحاديث والشواهد المؤكدة لحرية الإيمان في ارتباطه بالمسؤولية.
رجاء إن الله لا يحتاج لمن يدافع عنه
ولا لمن يتطاول عليه
الله لا يحتاج لأوصياء يحكمون على إيمان الناس
رجاء إن الله لا يحتاج لمن يزايد عليه
فاتركوا الناس وشأنهم وليتحمل كل فرد مسؤولية اختياره وكما قال عبد الله ابن عباس فمن شاء صام ومن شاء أفطر.



#يوسف_المساتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار والدين: بحثا عن لاهوت التحرير
- البيجيدي: عندما يحارب النوع والوطن باسم الكيف والأمة
- عن الماجيدي وباناما والصحراء المغربية
- عندما يتمخض القلم فينجب المغالطات (ردا على رشيد نيني)
- خواطر حول القران 01: كلمة لا بد منها
- مرثية إلى روح أحمد بنجلون
- اليسار المغربي: بين فكر المهدي بنبركة والأسئلة المستقبلية
- اعترافات إلى حبيبتي الافتراضية
- أحاديث مع فتاة نت: 3 (الحديث الأول)
- إلى شكيب الخياري: احمل أوراقك وارحل.
- أحاديث مع فتاة نت: 2 (الراوي)
- وطن المحسودين
- البونية وخطاب الملك
- أحاديث مع فتاة نت: 1 (ما قبل البداية)
- مقاربة أولية للإشكاليات المرتبطة بزراعة القنب الهندي
- في انتظار الموت
- لماذا نغضب؟؟
- سيدي صاحب المقام العالي
- ترانيم على قبر الأمل الميت
- مشاهد على هامش عيد الأضحى


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
- عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي ...
- غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب ...
- أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - يوسف المساتي - إفطار رمضان : حينما تزايد الدولة والشعب على الله